سودانايل:
2025-02-08@20:44:02 GMT

السودان: دولة 56 وإيماءاتها الرمزية

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

أحمد إبراهيم أبوشوك

(1)
تمهيد
يفرق علماء السياسة بين مفهومي "الدولة" و"الحكومة"، ويرون أن الدولة أكثر شمولاً من الحكومة؛ لأن منصَّة تأسيسها تستند إلى الأرض (الحيز الجغرافي)، والشعب، والسلطة العامة، ويغلب الثبات على ركنها الجغرافي، والتغير النسبي، الذي تفرضه الظروف الموضوعية المحيطة، على ركنيها الآخرين (الشعب والسلطة).

وبما أن الحكومة (السلطة العامة) جزء من تركيبتها البنيوية، فدورها الأساس يتجسَّد في تنفيذ المهام الوظيفية للدولة عبر سلطاتها المنصوص عليها دستوراً، أو المتعارف عليها سياسياً. ويُستخدم أحياناً مفهوم الدولة تناوباً مع مفهوم الحكومة، لذلك نلحظ أن بعض الساسة السودانيين والصحافيين قد أسقط الحواجز الهيكلية القائمة بين الدولة السودانية الحديثة التي أسسها المستعمر الإنجليزية-المصري (1898-1956) والحكومات الوطنية التي تعاقبت على سدة الحكم بعد الاستقلال. وكُتبت في هذا الشأن العديد من المقالات الصحافية المهمة، ونذكر منها على سبيل المثال: عبد الله علي إبراهيم "دولة 56 والسردية الوطنية السودانية"؛ ومحمد جميل أحمد "ماذا بقي من جمهورية 56 في السودان"، ومحمد فائق يوسف "ما أدراك ما دولة 56"، ومنصور الصويم "السودان: سيميولوجيا الحرب ودولة 56"؛ وزين العابدين صالح عبد الرحمن "دولة 56 فرية العقل الخامل"، وحسن أركو مناوي "خديعة دولة 56، الفخ المميت". وتقودنا خلاصات هذه المقالات إلى طرح جملة من الأسئلة الجوهرية: من أين جاء مصطلح دولة 56؟ وما أصل منشأ الانطباع الناتج عنه؟ ومن المستفيد من الترويج له؟ ولصالح من يكون القضاء على "دولة 56" شكلاً ومضموناً؟
(2)
من أين جاء هذا التوصيف (دولة 56)؟
ورد هذا التوصيف ضمناً في البيان التأسيسي (منفستو) للحركة الشعبية لتحرير السودان، والذي روَّج لمشروع "السودان الجديد"، الذي "يقوم على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، ويهدف إلى تحقيق الوحدة الطوعية، وبناء الدولة العلمانية الديمقراطية، وانهاء التهميش" بأشكاله المختلفة (الأثنية، والدينية، والاقتصادية، والجهوية، والجندرية)، وذلك بخلاف دولة السودان القديمة (المنعوتة بدولة 56)، التي سيطرت عليها الأقلية النخبوية الشمالية-النيلية (الجلابة)، مستأثرة بالسلطة ومستحوذة على الثروة، بفضل الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، التي حظيت بها في عهد الدولة الاستعمارية الحديثة (1898-1956) والحكومات الوطنية المتعاقبة، وبفعل الآثار السالبة لإرث العبودية وتجارة الرقيق. وصف منصور الصويم هذا التوصيف (أو السودان الجديد) بالشعار السياسي، الذي ظل أيقونة في أدبيات الحركة الشعبية لتحرير السودان، ومنها انتقل إلى الحركات المسلحة في دارفور، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، وأخيراً إلى قوات الدعم السريع المتمردة على القوات المسلحة، والتي كان يُنظر إليها عندما كانت جزءاً من نظام الإنقاذ (1989-2019) بأنها أحد الأدوات الخادمة والمطيعة لسدنة "دولة 56". وتحفَّظ محمد فائق يوسف على استخدام مصطلح "دولة 56"، واعتبره استخدام غير دقيق؛ لأن المستعمر، من وجهة نظره، هو الذي وضع لبنات دولة السودان الحديثة عام 1898، وأدارها وفق نظام حكم له منطلقاته السياسية واجندته الإمبريالية، وآلياته الفاعلة في توظيف النخب المجتمعية في المركز والهامش لخدمة هذه المنطلقات والأجندات بوعي أو دون وعي. ويبدو أن هذا الواقع قد دفع محمد فائق إلى اجماع القول بأن الذين أسسوا دولة السودان الحديثة بإيجابياتها وسلبياتها لم يكونوا من النخبة الشمالية النيلية، بل أن أفراد هذه النخبة وغيرهم من النخب المجتمعية الأخرى في المركز والهامش قد ساهموا في إنجاح المشروع الاستعماري بنسب متفاوتةً، كل حسب طاقاته ومهاراته المتاحة. وإن فشل الحكومات الوطنية الخالفة للنظام الاستعماري في تجاوز الإخفاقات البنيوية لمؤسسات الدولة الاستعمارية ورؤيها ورسالته تجاه تنمية البناء الوطني ومعالجة جذور مشكلاتها الهيكلية، يُعزى إلى غياب "الرؤية الاستراتيجية"، وضعف الكفاءة السياسية في إدارة سودان من بعد الاستقلال، لإن شأن دولة السودان كان أشبه بشؤون الدول المستعمرة الأخرى، التي استطاع قادتها الوطنيون أن يعيدوا بناءها على الأسس الإيجابية التي ورثوها من المستعمر، ويتجاوزوا سلبياتها التي تعيق انطلاق مشروعهم الوطني الجامع.
(3)
الدولة السودانية الحديثة: إرث المنشأ المجتمعي والمؤسسي
نلحظ أن إرث منشأ دولة السودان الحديثة يرتبط في المقام الأول بتركيبتها السكانية المتباينة إثنياً، ودينياً، وثقافياً، واقتصادياً، والتي رسخت لأنماط تباينها إسقاطات مؤسس الرق والعبودية، وفلسفة الحكومة الاستعماريَّة-الاستثماريَّة (1898-1956) التي ركزت مشروعاتها الاقتصادية وتنمية الموارد البشرية المساندة لها في المناطق ذات الرّي المستدام (أو مثلث حمدي)؛ لأنها كانت ذات عوائد ربحية أكبر مقارنة مع مناطق الزراعة المطرية والأنشطة الرعوية. فضلاً عن ذلك الحواجز الهيكلية التي فرضها المستعمر عبر سياسة المناطق المقفولة ومؤسسات الإرساليات المسيحية والتنصيرية التي سُمح لها بالعمل في المناطق التي تقطنها أغلبية غير مسلمة. ونتج عن ذلك بروز شريحة مجتمعية مؤثرة في صناعة القرار المركزي؛ لأنها استفادت من مشروعات المستعمر التنموية، التي لم تكن متوفرة في المديريات التي تعرضت لجرعات تحديث أقل. وعندما خرج المستعمر وجدت هذه النخبة النيلية حظاً أوفر في شغل المناصب المفتاحية في الدولة، واستطاعت شريحة منها أن تؤسس لوضع اقتصادي أفضل مقارنة بالشرائج المجتمعية الأخرى في المناطق الطرفية. نظر محمد جميل أحمد إلى هذا التباين المجتمعي والمؤسسي الذي أنجب أزمة حقيقية، اختزلها بعض السياسيين والناشطين المجتمعيين في "دولة 56" بإيماءاتها الرمزية عبر عدسة منصور خالد، الذي يرى أن الأزمة "ليست أزمة حكم أو هوية فحسب، وإنما هي قبل هذا أزمة رؤية. المأزوم ليس هو المواطن أوهاج الذي يهيم على سفوح التاكا في شرق السودان، ولا المواطن تيه الذي أكدى يديه الحفر في هضاب جبال النوبة بغرب السودان، ولا المواطن سر الختم الذي لا يزال يستمسك بقليل من أرض صلعاء على حفافي النيل بشمال السودان... المأزوم هو تلك الأقلية الاستراتيجية من صفوة المثقفين، أو بالأحرى المتعلمين، التي افترضت لنفسها التعبير وصنع القرار وتقرير المصير باسم هؤلاء جميعاً بحكم سيطرتها على الحكم والمال والتعليم ووسائل الإعلام الحديث". وغياب الرؤية الاستراتيجية من وجهة نظره قد أفرز صراعاً مصلحياً وحزبياً داخل بنية النخبة النيلية نفسها، فجعلها تتشظى داخلياً ويتقاتل رموزها على "الثريد الأعفر" في الفضاء السياسي العام. ومن الجانب الآخر فجَّرت الأزمة نداءات مطلبية في جنوب السودان، وشرق السودان، وجبال النوبة، ودارفور، والمناطق التي بدأت تعي طبيعة مظالمها التاريخية وتشعر بالحرمان النسبي مقارنة بالآخرين في الولايات النيلية الوسطى؛ لكن استجابات المركز الحاكم كانت أقل من توقعات أصحاب المطالب والمنادين بإصلاح الحال في الهامش. وعند هذا المنعطف تصاعدت حدة الرفض في شكل حركات مسلحة ومصطلحات ترميزية، مثل الدعوة إلى بناء "سودان جديد"، أو القضاء على دولة 56. ودعاة القضاء على دولة 56 لم يقدموا أطروحات موضوعية لمعالجة جذور الأزمة المجتمعية والهيكلية، بل روجوا لمعادلة تقوم على ثنائية "الجلاد" و"الضحية"، حسب رؤية عبد الله علي إبراهيم، وإن رموز الضحايا، من وجهة نظره، كانوا شركاء في فشل الحكومات الوطنية، التي أعقبت الاستقلال بنسب متفاوتة. والزعم بأن إدارة الدولة كان حكراً صرفاً لرموز النخبة النيلية يجافي الصواب المطلق؛ لأن بعض قادة الحركات المطلبية أو المسلحة اشتركوا بمعايير مختلفة في إدارة "دولة 56"، ولم يكن أداؤهم أفضل من أداء رصفائهم الآخرين، بل أن بعض الذين تولوا إدارة المناطق المهمشة منهم كانوا أكثر فساداً من غيرهم. إذاً الأزمة في جوهرها ترتبط بغياب الرؤية الاستراتيجية لإدارة الدولة، وفي حدودها المهنية بغياب موظف الدولة الكفوء، الذي يمتلك قيماً أخلاقية والتزامات وطنية، تؤهله لخدمة قضايا المواطن السوداني، التي يرتكز عمودها الفقري على ثلاثية الفقر والتعليم والصحة.
(4)
خاتمة
بعد انفصال جنوب السودان عام 2011 فقدت دولة السودان الحديثة، التي أسسها المستعمر، ربع مساحتها الجغرافية، وفقدت أيضاً مكوناً مهماً من مواردها الطبيعية والبشرية؛ بالرغم من هذا الفقد تضاعفت تركيبتها الديمغرافية من حيث الكم، وضاقت فجوة التباين الثقافي والاجتماعي والديني من حيث الكيف؛ إلا أنَّ مشكلة الضلع الثالث (السلطة العامة)، وإحيائها في الدعوة إلى قسمة السلطة والثروة، ظلت قائمة. وإن حلها المستدام ربما لا يتحقق بالقضاء على "دولة 56" من زاوية أنها دولة "جلابة"، كما يروج لذلك قادة الدعم السريع وزعماء الحركات المسلحة، الترويج الذي نعته زين العابدين صالح بـ"فرية العقل الخامل". بل يحتاج الأمر إلى معالجة كلية، يستند شقها الرئيس إلى الإجابة الموضوعية عن سؤال: كيف يُحكم السودان بعد حرب الخامس عشر من أبريل 2023؟ فالإجابة عن هذا السؤال تقع خارج نطاق هذا المقال؛ بيد أنها تحتاج إلى جلوس كل أصحاب المصلحة حول مائدة مستديرة؛ لتحليل ما تبقي من دولة السودان الحديثة من ناحية عناصر قوتها وضعفها، ومهددات بقائها على أديم، والفرص المتاحة للإعادة بنائها وفق أسس جديد، تقوم على المواطنة المتساوية في توزيع الحقوق والواجبات، والديمقراطية أداة لتداول السلطة السلمي؛ لأن الركون إلى قوة السلاح على مستوى المركز والأطراف لم يحقق أي نجاحات مستدامة، بل قاد إلى حرب ضروس، روعت المواطنين العزل، وشردت قطاعاً واسعاً من مساكنهم الآمنة إلى متاهات النزوح واللجوء المرهقة.

ahmedabushouk62@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: دولة 56

إقرأ أيضاً:

عُمان دولة الرفاه

يكمن الرفاه الاجتماعي بحسب تعريف الأمم المتحدة في (مجموعة متسقة من الأنشطة والبرامج الموجَّهة نحو الخدمات الاجتماعية لتحسين حالة المجتمع المحلي والأفراد)؛ إذ يرتبط بحماية المواطنين ورعايتهم اجتماعيا واقتصاديا، ولهذا فإن دولة الرفاه تقوم على مبدئي المساواة والعدالة بوصفهما أساسين ينظمان حياة المجتمع وينطلقان من اعتبارات حفظ النظام والأمن الاجتماعي في الدولة من ناحية، وحماية حقوق المواطنين ورعاية مصالحهم من ناحية أخرى.

ولهذا فإن الرفاه في المجتمع يفرض توفُّر الخدمات الاجتماعية والصحية والاقتصادية والإسكانية وغيرها، بطريقة تضمن المساواة والعدالة، وتقدِّم تسهيلات تتناسب مع قدرات الأفراد وإمكاناتهم، ولكي تكون الدولة (دولة رفاه) عليها أن تتمتَّع بالقدرة التي تؤهلها بأن تعترف بالحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية لمواطنيها، كونها حقوق أساسية وأصيلة لأفراد المجتمع، إضافة إلى إمكانات توفير الخدمات التعليمية والصحية والإسكانية والاجتماعية وغيرها باعتبارها حقوقا مستحقة للمواطنين.

إن الرفاه بذلك يقدِّم نفسه نتيجة لتلك الجهود التي تقدمها الدولة لمواطنيها، وتلك التسهيلات والخدمات التي تمنحها لهم، باعتبارهم مواطنين، فمؤسسات الدولة كلها تعمل من أجل المواطنين وفق سياسات وتشريعات تضمن حقوقهم وتراعي مصالحهم وتحمي خصوصياتهم، لذلك فإن دولة الرفاه هنا لا تقدِّم ذلك لمواطنيها وحسب بل أيضا لأولئك المقيمين والعاملين فيها باعتبارهم جزءا من المنظومة المجتمعية، وهي مسؤولة عن حماية حقوقهم ورعايتها رعاية كاملة.

فدولة الرفاه تقدِّم خدماتها لأفراد المجتمع (مواطنين ومقيمين) بأحدث الوسائل وأفضل المعايير؛ حيث تصل تلك الخدمات إلى كل مواطن أو مقيم أينما كان في ربوع الدولة؛ لأن المرتكز الذي تنطلق منه هو قدرتها على رعاية مجتمعها وحمايته سواء أكانوا جماعات أو أفرادا، من خلال تقديم رعاية اجتماعية منصفة بالتزامن مع حماية المنظومة الاقتصادية للدولة التي تتيح لها تقديم تلك الرعاية، وتوفِّر لها الموازنة الكافية لتقديم تلك الخدمات.

ولأن الرفاه لا يتحقَّق سوى بإيجاد منظومة اقتصادية متوازنة ومستدامة وقادرة على الصمود والنمو، فإن دولة الرفاه لا يمكنها أن تقوم بواجباتها إلَّا إذا تولَّت دورا إيجابيا في إدارة الاقتصاد، بحيث تستطيع تأمين الخدمات، وتقديمها بشكل يضمن مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية، ولهذا فإن الدولة تعمل وفق مقتضيات الرفاه، على دعم منظومتها الاقتصادية من خلال تنمية الاقتصاد وتنويع موارده، وتأسيس شراكات إقليمية وعالمية تساعدها على توسعة تلك المنظومة وإتاحة فرص العمل للجميع.

والرفاه هنا لا يقتصر على توفير الخدمات وحسب، بل إن حماية الحرية الشخصية وحرية التعبير عن الرأي، يعَدان من أصول دولة الرفاه؛ ذلك لأنها دولة تؤمن بأفرادها، وتعتمد على شراكتهم وتعاونهم في البناء الوطني، ولهذا فإنها تعتقد أن هذه الحرية ضرورة وحق أصيل من حقوق مواطنيها، وتأكيد لمشاركتهم الفاعلة في التنمية وإمكاناتهم في فهم المرحلة التنموية التي تمر بها الدولة، وقدرتهم على التعاون الإيجابي البنَّاء.

إنها عُمان؛ الدولة التي تشهد سباقا تنمويا قائما على مفهوم الرفاه الاجتماعي، حيث تعمل على تطوير منظوماتها التعليمية والصحية والإسكانية والاقتصادية والبيئية وغيرها، من خلال تحديث التشريعات والسياسات والاستفادة من التطورات التقنية المتسارعة، وإيجاد شراكات إقليمية وتنموية واسعة النطاق، إضافة إلى تطوير منظومة (الحماية الاجتماعية) وتوسعة منافعها، وغير ذلك من أجل تحقيق (الرفاه الاجتماعي) الذي وعدت به «الـرؤية الوطنية 2040».

فلقد أسهمت منافع الحماية الاجتماعية في تعزيز مستوى الطمأنينة الاجتماعية، إضافة إلى دورها في تعويض بعض الفروقات التي يواجهها أفراد المجتمع في غلاء المعيشة ومواسم ارتفاع أسعار البضائع، وغيرها من الظروف الاقتصادية التي يمر بها الكثير من الأسر في المجتمع، ولأن تلك المنافع تدعم توجهات الرفاه، فإنها أيضا تتيح فرص الارتقاء الاجتماعي من خلال دعم دخل الأسرة، وفتح مجالات الأعمال الحرة وغير ذلك، مما يفتح مجالات جديدة للعمل والإنتاج.

إن منظومة الحماية الاجتماعية لا تُسهم في حماية أفراد المجتمع ورعاية مصالحهم وحسب، بل إنها تعزِّز الأمن الاجتماعي، وتعظِّم من الثقة والتضامن المجتمعي، الأمر الذي ينعكس أثره على تحقيق أهداف المواطنة الإيجابية والحفاظ على أمن الدولة من ناحية، والمشاركة الفاعلة في التنمية المجتمعية من ناحية أخرى، إضافة إلى دعم مبدأ الشراكة الاجتماعية القائم على المساندة والمساعدة من الجميع باعتبارهما مبدأً أصيلا في المجتمع.

فعُمان تتَّخذ من الرفاه هدفا لا يتحقَّق سوى بضمان توفير الحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمواطنين، من خلال العمل المتسارع في تنمية الاقتصاد، وإيجاد منظومة اقتصادية مرنة وصامدة ومتوازنة، وذات أبعاد اجتماعية تنطلق من المجتمع وأولوياته التنموية، إضافة إلى تعزيز آفاق الأمن والسلامة المجتمعية؛ فالأمن أصل من تلك الأصول التي ترسِّخها الدولة وتعمل على ضمانها لمجتمعها من خلال توفير التشريعات النافذة التي توفر الحماية المجتمعية اللازمة لأفراد المجتمع.

إن أهداف الرفاه في عُمان تقوم على تحقيق (سعادة المواطنين)، التي تتمثَّل في دعم الإنتاجية الوظيفية والتعاون المجتمعي، والمشاركة الفاعلة، والتي تظهر في الصحة النفسية والبدنية للمجتمع، والتطوُّر التنموي في شخصية الأفراد، ومدى إدراكهم للرفاه وفاعلية أنماطه في تحقيق الأهداف الوطنية والقدرات الفردية، فالرفاه يظهر تأثيره على القطاعات التنموية من خلال عملها المتواصل للتطوير وتعزيز القيمة المضافة، كما يظهر في الوعي بأهميته في دعم التنمية البشرية للأفراد، وإمكاناته في تعزيز الأمن المجتمعي.

إن مفهوم الرفاه يقوم على مجموعة من الأبعاد حسب الأدبيات (البعد العاطفي) و(البعد المهني) و(البعد الاجتماعي) و(البعد المعرفي) و(البعد الجسدي والنفسي). وهذا يعني أن الرفاه هدف «للرؤية الوطنية 2040»، لأنه يعزِّز مشاركة المجتمع في التنمية، ويحفِّز الازدهار المجتمعي، ويُسهم في بناء علاقات ديناميكية بين الحكومة والشعب، وبين أفراد المجتمع أنفسهم من خلال تبادل المنافع ودعم منظومة التنمية المجتمعية. إنه الهدف الأسمى الذي يدفع قاطرة التنمية في الدولة.

فلأننا ننشد الرفاه، فإننا نسعى دوما وبخطى متسارعة لتحقيق التوازن الاقتصادي وتطوير الخدمات التعليمية والصحية وغيرها ودعم شبكات التواصل والنقل وتعزيز الأمن إلى غير ذلك، مما يؤدي بنا إلى تحقيق هذا الهدف الأسمى، ولهذا فإن توفير فرص العمل وتوسعة سوق الأعمال أحد أهم توجهات الدولة، التي تدفع إلى تنمية الرفاه وتحقيق (سعادة المواطنين)، وفتح فرص مجتمعية واسعة تعزِّز الحماية الاجتماعية وتدعم أهدافها.

إن ما تقوم به الدولة من توجهات وسياسات تنموية يهدف إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي، الذي نطمح إليه جميعا، وهو هدف يحتاج منا إلى المشاركة والتعاون ودعم تلك التوجهات من خلال العمل المهني والمجتمعي، الذي يُسهم في بناء مجتمع متعاضد ومتعاون، ينعم أفراده بالأمن والسلام والمحبة، والتكافل الاجتماعي.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

مقالات مشابهة

  • عُمان دولة الرفاه
  • الوزير الأول: أحداث ساقية سيدي يوسف محطة عار تُلطخ تاريخ المستعمر
  • محمد بن زايد يبحث مع رئيس جنوب السودان علاقات التعاون
  • رئيس الدولة يستقبل رئيس جنوب السودان
  • الشيخ يدين الموقف الإسرائيلي الذي يستهدف المملكة العربية السعودية وسيادتها
  • شلقم: الدولة الحديثة وُلدت في أوروبا
  • أبرز القضايا التي ناقشها الشرع مع ميقاتي.. ما قصة النازحين والودائع؟
  • «خبير»: مصر أرسلت 80% من المساعدات التي تصل لقطاع غزة «فيديو»
  • بعد مقتل حوالى 80 شخصا.. الأمم المتحدة تحذر من تصاعد العنف في جنوب دولة السودان
  • ضياء الدين بلال يكتب: القوة الخفية التي هزمت حميدتي (2-2)