المخاوف السودانية من التداخل الدولي ودعوة لوقف الحرب وتعظيم السلام
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
زهير عثمان
منذ اندلاع الصراع في السودان، تزايدت مخاوف السودانيين من التداخل الدولي في شؤون بلادهم. هذه المخاوف تنبع من تجارب سابقة لتدخلات خارجية في المنطقة، حيث لم تؤدِّ هذه التدخلات إلا إلى تعقيد الأوضاع وزيادة حدة الأزمات بدلاً من حلها. ومع تصاعد وتيرة العنف وتفاقم الأوضاع الإنسانية في السودان، بات من الضروري أن يعمل السودانيون معًا لوقف الحرب وتحقيق السلام دون الحاجة إلى تدخلات أجنبية قد تؤدي إلى تفاقم الوضع.
أولاً المخاوف من التداخل الدولي
يعاني السودان منذ سنوات من تداعيات التدخلات الخارجية، التي غالبًا ما تكون مدفوعة بأجندات دولية لا تراعي مصالح الشعب السوداني. على الرغم من أن بعض القوى الدولية تسعى إلى تقديم الدعم الإنساني والمساعدة في إحلال السلام، إلا أن تاريخ التدخلات الدولية في السودان يثير قلقًا كبيرًا. فالسودانيون يخشون أن يؤدي أي تدخل خارجي إلى فقدان سيادة البلاد وتفاقم الانقسامات الداخلية.
أحد أبرز المخاوف هو أن تدخل القوى الكبرى قد يحول الصراع في السودان إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية، مما يطيل أمد الحرب ويزيد من معاناة المدنيين. كما أن هناك خشية من أن يتم استخدام البلاد كأداة لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية لدول أخرى، بدلاً من التركيز على الحلول التي تخدم مصلحة الشعب السوداني.
ثانياً: أهمية التكاتف الداخلي
في ظل هذه المخاوف، يصبح من الضروري أن يوجه السودانيون جهودهم نحو التكاتف والعمل معًا من أجل وقف الحرب وتعظيم السلام. إن التشرذم والانقسامات الداخلية تسهل التدخلات الخارجية وتضعف قدرة السودانيين على تقرير مصيرهم بأنفسهم. ولهذا، يجب على جميع القوى الوطنية، بما في ذلك الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، والقوات المسلحة، والعشائر، أن تتحد في سبيل إنهاء النزاع.
التاريخ السوداني مليء بأمثلة عن قدرة الشعب السوداني على تجاوز الأزمات عندما يوحد صفوفه ويضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. الآن هو الوقت المناسب لاستعادة هذا الروح، والتأكيد على أن السودان يمكن أن يحل مشاكله الداخلية من خلال الحوار والتفاهم بدلاً من السلاح والعنف.
ثالثاً: الدعوة إلى الحوار والسلام
يتطلب تحقيق السلام في السودان حوارًا شاملاً يجمع كل الأطراف المعنية. الحوار يجب أن يكون نابعًا من الداخل، ويعتمد على أسس المساواة والعدالة والاحترام المتبادل. على السودانيين أن يدركوا أن السلام الحقيقي لن يأتي من الخارج، بل من إرادتهم في العمل معًا لبناء مستقبل أفضل لأجيالهم القادمة.
من المهم أن يتم إشراك جميع فئات المجتمع السوداني في هذا الحوار، بما في ذلك النساء والشباب، الذين غالبًا ما يتم تهميشهم في مثل هذه العمليات. فهؤلاء لديهم دور حيوي في بناء السلام، إذ يمكن أن يقدموا رؤى جديدة وحلولاً مبتكرة للأزمات التي تواجه البلاد.
رابعاً: تعزيز الوحدة الوطنية
لوقف الحرب وتحقيق السلام، يحتاج السودان إلى تعزيز الوحدة الوطنية. يجب على الجميع أن يتخلى عن المصالح الشخصية أو الفئوية، وأن يركز على ما يوحد السودانيين بدلاً من ما يفرقهم. هذه الوحدة يمكن أن تكون درعًا يحمي السودان من التدخلات الخارجية، ويعزز مناعته أمام الأزمات الداخلية.
من أجل تعزيز الوحدة الوطنية، ينبغي على القادة السودانيين أن يقدموا مصالح الشعب على أي مصالح أخرى، وأن يسعوا إلى تحقيق المصالحة الوطنية التي تضمن العدالة للجميع. هذه المصالحة يمكن أن تشكل أساسًا لبناء دولة ديمقراطية يسودها القانون، وتحترم فيها حقوق الإنسان، وتضمن فيها مشاركة الجميع في صنع القرار.
إن السودان يمر بمرحلة حرجة من تاريخه، تتطلب من جميع أبنائه أن يعملوا معًا من أجل وقف الحرب وتعظيم السلام. المخاوف من التداخل الدولي مشروعة، ولكن يمكن التغلب عليها من خلال الوحدة الداخلية والحوار الوطني الشامل. السودانيون وحدهم قادرون على بناء مستقبلهم، وتحقيق السلام الذي يتطلعون إليه. إن العمل الجماعي والإرادة الصادقة يمكن أن يقودا السودان نحو مستقبل أفضل، خالٍ من النزاعات والتدخلات الأجنبية، ومستقر ينعم فيه الجميع بالسلام والرخاء.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان یمکن أن
إقرأ أيضاً:
إضاءة على تجربة وتداعيات تغيير العملة السودانية
عن تغيير العملة:
لأكثر من عقد من الزمان كانت المتابعة النقدية للسياسة الإقتصادية من اهتمامات هذه الصفحة في عهدي البشر والإنتقالية. ثم توقفت المتابعة بعد نشوب الحرب لسببين: الأول هو غياب المعلومة من مصادر موثوقة. والثاني هو أن ماي حدث لا يمكن إطلاق اسم سياسة إقتصادية عليه إذ هو أكروبات متواصلة من الدولة للتشبث بالبقاء وإدارة أزمة في ظروف إقتصاد سياسي هي الأصعب في تاريخ السودان. وفي مثل هذه الظروف ربما لا يجوز الحكم علي سلامة السياسة أو خطلها بمعايير الأزمنة العادية.
أدناه تقييم معتدل وجيد لتداعيات تغيير العملة الذي طبقته الحكومة في خواتيم العام السابق.
معتصم اقرع
كتب السيد مكي ميرغني عثمان:
إضاءة على تجربة وتداعيات تغيير العملة السودانية
مكي ميرغني عثمان.
خبير اقتصادي/ الوكيل السابق للتخطيط
ذهبت يوم 16 ابريل 2025 إلى البنك لصرف معاشي عن شهر مارس الذي تعذر على صرفه بنهاية الشهر الفضيل لزحمة المواطنين تارة ولعدم توفر النقد تارة أخرى. ومنذ تغيير العملة لاحظت معاناة لن تتخيلوها من أصحاب المعاشات الذين يأتون للبنك مبكرا و يهدرون معظم يومهم فى الانتظار وتفيدهم ادارة البنك أنه لا يوجد نقد وان مدير الفرع ذهب إلى بنك السودان لجلب الكاش – نشكر المصارف التى أفردت لهم نافذة تقديرا لهم ومنها بنك المزارع التجارى -.اذكر اخر مرة فى فبراير الماضى افادنى أحد الموظفين أنه تم تحديد سقف السحب بمبلغ 50 الف جنيه فقط وفى 16 ابريل افادنى الموظف ان ادارة البنك لشح السيولة قررت ان يتم الصرف فى حدود فقط 30 الف جنيه فقط. ولاحظت فى الحالتين احتجاج العملاء لكن لاحياة لمن تنادى ؟ فقد رضخوا صاغرين لقرار حبس ارصدة معاشاتهم وهذا ايضا ينطبق على صرف المرتبات نقدا وكافة عمليات الصرف. لم أكن أتخيل ان يخضع صرف مرتب المعاش للخصم على قلته فالمعاش لا يتجزأ ؟؟.
لم اتتناول موضوع تغيير العملة فى كتاباتى – كل هذه الفترة – منذ بداية عملية تغيير العملة -ولا اقول استبدالها – وذلك على الرغم من مناشدة بعض الإخوة وذلك ببساطة لاننى لم اتحصل أو اطلع على قرار وحيثيات تغيير العملة بل تلقيت الأمر كالاخرين ولاحظت المعاناة وتداعياته السالبة على معاش الناس والحركة التجارية والتشوهات التى تركها فى الاقتصاد بكلياته وخاصة التجارة.
علمنا أنه تم تشكيل لجنة عليا لتغيير العملة وتم حلها ولا نعرف حتى الان الاسباب؟. كما لاندرى اذا ما تم تشكيل لجنة بديلة لمعالجة تداعيات قرار تغيير العملة على الاقتصاد والتوصية باتخاء تحوطات لاحتوائها.
صدر منشور تغيير العملة فى 8 ديسمبر 2024 ، ووجه المنشور جميع فروع المصارف فى الولايات لتوريد ما لديها من الفئات المسحوبة من التداول الى فروع بنك السودان اعتبارا من العاشر من ديسمبر 2024. نسبة للظروف الامنية فان قرار تغيير العملة كان محدودا وشمل عدد من الولايات وهى: النيل الازرق وسنار والقضارف والبحر الأحمر وكسلا ونهر النيل والشمالية والنيل الأبيض.
وضع بنك السودان المركزى خطة متكاملة لتغيير العملة واكتمال الترتيبات وأكد أن القرار يصب فى مصلحة السودان .وأشار ان التنفيذ سيبدأ اعتبارا من 10ديسمبر لينتهى فى فى 22 ديسمبر 2024 بايداع المبالغ وليس للتبديل المباشر للعملة وحصريا عبر نوافذ المصارف وحدد السقف للسحب 200 الف جنيه وأن يتم التحويل عبر نوافذ البنوك بدون سقف.
تم تنفيذ قرار تغيير العملة المحدود فى ظروف صعبة ومعقدة وفى ظل عدم توفر خدمات البنوك فى بعض الولايات التى استردت حديثا وغيرها خاصة ولاية سنار إضافة لتعثر خدمات الانترنت وعدم شمولية التطبيقات الالكترونية لكل المصارف. وشهدت المصارف تدافعا كبيرا المواطنين لايداع ما بحوزتهم من العملات من الفئات القديمة وحدد تاريخ نهائي لتغيير العملة ان كان قد تم تمديده لاحتواء ما حدث من شلل فى الاسواق فى ولاية سنار حتى نهاية ديسمبر 2024 . وحدد البنك المركزى المصارف وفروعها منافذا لتوريد العملة القديمة (فئة الالف والخمسمائة جنيه فقط) والزم المواطنين بما يشمل الامييين وهم كثر على أن يفتحوا حسابات فى البنوك وان يودعوا مدخراتهم من النقد فيها ووعدوا بأن يتم السحب االكترونيا حتى يتوفر النقد.
وقد نتج عن ذلك عزوف التجار والمواطنين عن البيع والشراء واقتصرت المعاملات على التطبيقات الإلكترونية (بنكك) و من الظواهر السالبة انتشار عمليات بيع بواقع خصم 20% للعملات الجديدة مقابل القديمة وقد صنفت هذه العمليات ربوية بواسطة بعض علماء الدين.
لا نعلم هل أوفى بنك السودان بإعادة حجم الكتلة المسحوبة بالعملة الجديدة كاملة ووقتيا؟! لكن الواقع تم تجميد الحسابات ولم يستطع المواطنون الحصول على النقد من الفئات التى تم توريدها للبنوك بالسرعة المطلوبة لقضاء حوائجهم اليومية مما زادهم فقرا. فقد تم توفير محدود للنقد فئة الالف جنية وتعذر على النظام المصرفى توفير فئة الخمسمائة جنيه – التى كانت ألاكثر تداولا وتشكل جزءا كبيرا من الكتلة النقدية.. لا نعلم هل تمت طباعة العملة فئة الالف جنيه بكمية كافية لتعوض فئة الخمسمائة جنيه ام لا ؟؟ لكن واضح أن ذلك لم يتم نسبة لشح السيولة واختناقات الحصول على المرتبات والمعاشات نقدا.
من تداعيات تغيير العملة: 1.انه عندما تم فك الحظر على السحب تعذر على كل المواطنين الحصول على المبالغ التى يطلبونها نقدا. وواجه المواطنون الذين فتحوا حسابات واكثرهم لا يجيدون التعامل الاكترونى وغيرهم ممن ليس لهم حسابات بنكية صعوبة فى التعامل الالكترونى وشحا فى النقد تعذر معه قضاء احتياجاتهم اليومية والتزاماتهم الأخرى. و لم يتم نسبة لشح السيولة وازدحام المواطنين فى منافذ المصارف الحصول بانتظام على المرتبات والمعاشات نقدا.
2.نتيجة للطلب الحاد على النقد ظهرت ممارسات جديدة و سالبة منها بيع النقد مقابل تحويلات بنكك بهامش يصل الى6% ووصل فى بعض المناطق الى 10%. من الظواهر السالبة ايضا أن صار للسلعة سعرين سعر نقدا وسعر عبر تحويل من البنك بهامش قد يصل ايضا الى 15%..صحيح أن الدفع الالكترونى خيار جيد لكن يحتاج لتوعية وادراك تام لكافة جوانبه وهو كما رشح لا يمنع الاحتيال.
وفى هذا الاتجاه نثمن قرار امر الطوارىء رقم (2) لسنة 2025 – الذى أصدره والى ولاية سنار – وحظر به التبادل الربوى عبر تطبيقات الدفع الالكترونى والزيادات غير المبررة فى اسعار السلع عند الدفع عبر تطبيقات الدفع الالكترونى وقد تم فرض عقوبات رادعة بالسجن والغرامة أو العقوبتين معا.
3.أتضح أن القطاع المصرفي لم يكن جاهزا لعملية تغيير العملة وادارتها بطريقة عملية اذ تم فرض شرط فتح حسابات مصرفية ولم يتم التنوير و التوعية للمواطنين كما لم تقدم التسهيلات للمواطنين حيث كان من الافضل ان تكون اجراءات فتح الحسابات فى غير مواقع البنوك حتى لا تحدث الزحمة والتكدس الذى حدث. لا شك أن تمديد فترة تغيير العملة مرتين كان دليلا واضحا على سوء التقدير من السلطات النقدية.
4.بعد تعدى مليشيا ال دقلوا على دار طباعة العملة وسرقة ونهب البنوك وما دار من لقط حول تزييف العملة، نادى البعض لتغيير العملة لاحتواء اثر ذلك على الاقتصاد لكن انتظر البنك المركزى عام ونصف تقريبا للأسباب الماثلة. قد نتفق مع الأهداف العامة لتغيير العملة و الدوافع الاقتصادية والسياسية لتغيير العملة.؟ و قد يكون هناك تلف كبير او تزييف طال العملة؟
5.لقى قرار استبدال العملة عبر ايداع العملة القديمة فى حسابات مصرفية انتقادات واسعة بوصف أن قطاعات كبيرة من المواطنين بالملايين لا يملكون حسابات مصرفية. وقد أثار القرار شكوكا من عدد من الخبراء الاقتصاديين وانتقدوا محدودية تطبيق القرار فى 7ولايات من 11ولاية والظروف التى تتم فيها رغم العوامل المنطقية لهذه الخطوة. فيما أعتبر البعض ان خطوة السلطات النقدية بطباعة عملة جديدة نافذة لطباعة المزيد من العملات بدون تغطية مما يؤدى لانفلات الموازنة وتوسعها وزيادة معدلات التضخم وتدهور سعر صرف العملة الوطنية.
6 يا ترى هل قام البنك المركزى بتقييم تجربة تطبيق تغيير العملة المحدود الذى بدأ فى ديسمبر 2024 وأنتهى بنهايته؟؟.ان لم يكن قد تم ذلك فعليه فعل ذلك حتى يقف على التجربة والدروس المستفادة منها في ما هو قادم من اصلاحات فى مجال إدارة العملة السودانية.
7.فى الوقت الذى نقدر تداعيات الوضع الاقتصادى الحالى والظروف التى يعمل فيها الاخوة فى بنك السودان المركزى والقطاع المصرفى بشكل عام الا ان بعض التحديات التى واجهت تغيير العملة كان من الممكن احتوائها خاصة الازدحام فى منافذ البنوك وإطلاق كميات كبيرة من النقد لامتصاص الطلب بما يشمل استبدال فئة الخمسمائة جنيه وهى كما أشرنا تشكل جزءا كبيرا من الكتلة النقدية لدى الجمهور و فى معدلات التداول.
8.افرز تغيير العملة المزيد من هشاشة القطاع المصرفى فى ظل مهددات الاستقرار المالى والسلامة المصرفية مما يتطلب من السلطات النقدية احكام الرقابة المصرفية, كما يجب أن لا ننسى ان محور ادارة العملة وتطويرها محور هام من مهام السلطات النقدية اضافة الى توفير الكميات الكافية من العملة الورقية لمقابلة حاجة الاقتصاد الوطنى والمحافظة على عملة نظيفة وحمايتها من التزييف وفرض احكام رادعة على مرتكبى جريمة تزييف العملة التى تشكل جزء من سيادة الوطن.
خاتمة: (1) تغيير العملة المحدود جغرافيا لبعض فئات العملة على الرغم اهدافه المعلنة جاء متأخرا وقد يكون حقق بعض أهدافه لكن اثاره وتداعياته كانت خصما على الاقتصاد وهو يمر بمرحلة صعبة زادت فيها معدلات الفقر ودمرت البنيات الأساسية وتعطل العمل الحكومى وتدنت معدلات الإنتاج و انحسر نمو الناتج المحلى الاجمالى وأفقد المواطن ثقته فى الجهاز المصرفى.
(2) نثق أن السلطات النقدية ستقوم بتقييم هذه التجربة ورصد الدروس المستفادة منها وذلك توطئة للشروع فى الحملات القادمة لتغيير العملة فى الولايات المتبقية. والله ولى التوفيق.