سودانايل:
2025-04-26@01:31:38 GMT

حقائق بديلة – واقع واحد

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

حسام عثمان محجوب

24 أغسطس 2024

الكوميدي/المعلق السياسي الأمريكي الأشهر جون ستيوارت تناول في برنامجه في 3 يونيو الماضي حالة الاستقطاب الحادة في الولايات المتحدة، فعرض عدة نماذج لسياسيين وإعلاميين يعلقون على الحكم بالإدانة الجنائية للرئيس السابق دونالد ترامب تأييداً ومعارضةً، ولا سيما ما ذكره عدد منهم أن الشعب الأمريكي اليوم يعيش في واقعَين مختلفَين (two different realities).

خلص جون إلى أن "وسائل الإعلام الإخبارية قد قررت أنه لا يوجد شيء يسمى الواقع"، ورفض ذلك الحكم بشدة قائلاً أننا "جميعاً نعيش في واقع واحد، ومهمة وسائل الإعلام اختبار معاييرهذا الواقع ... بالنظر إلى الوراء وإعادة بناء حقائق ما حدث. ولكن ما تفعله بدلاً من ذلك التطلع إلى الأمام والتكهن بالمستقبل بشكل جامح".
لا أظن أن جون يجهل التبسيط الذي تنطوي عليه عبارته هذه، فالفلاسفة والعلماء ناقشوا كثيراً وجود "واقع موضوعي"، ويبدو منطقياً قبول أنه قد يكون هناك أكثر من واقع تحدده التصورات والقدرات الفردية والسياقات الثقافية والتفسيرات الفلسفية للأشخاص الذين ينظرون لهذا الواقع. ولكن الأهم في حديثه تحديده لمسؤولية الإعلام (ويمكن إضافة الكتاب والمثقفين) في اختبار نسخ الواقع الرائجة ونقدها.
يمكننا نقل هذا المنطق للواقع السوداني وتطبيقه من أي نقطة بداية، ولتكن لحظة اندلاع الحرب ونرجع لما قبلها حسب مقتضى الحال، حيث استحوذ على الخطاب السوداني الأعلى صوتاً "واقعان" متخيلان متضادان يتمثلان في "بل بس" و"لا للحرب *" (النجمة دلالة على طبعة قوى الحرية والتغيير/تقدم). هما متخيلان لأنهما لا يصمدان أمام الفحص والنقد، وهما متضادان في رؤيتهما وتفسيرهما وتحليلهما لأي صغيرة وكبيرة رغم اشتراكهما في الأدوات التي يستعملانها، ثم هما واقعان لأنه يبدو أن كثيراً من السودانيين شديدو الاقتناع بهما بكل تفاصيلهما وينظرون للعالم عبر عدساتهما.
وقد تقاصر الإعلاميون والمثقفون والكتاب عن وضع الخطابين تحت مجاهر الاختبار ونقدهما وتقديم الحقائق للإعانة على تركيب واقع أكثر موضوعية، يسمح بحوار أو نقاش ذوي معنى بين السودانيين والسودانيات، والبحث الجاد عن مخارج من كارثة الحرب الحالية أو لتخفيف آثار أزمات الوطن. بدلاً من ذلك انجرفت جموع كبيرة من أولئك "المثقفين" لتصدر أحد الخطابين، إيماناً أو يأساً أو ضعفاً أو رغبةً أو رهبةً أو انتهازيةً أو عمالةً أو خليطاً من كل ذلك. وذبحت في سبيل تبرير خياراتها المنطق والبديهيات. كما عجزت القوى السياسية صاحبة الخطاب المختلف عن إيصال صوتها للشعب السوداني، وخلق رأي جماهيري يسمح ببناء حراك شعبي يمكن أن يؤثر فعلاً على مجريات الحرب بأطرافها والقوى المؤثرة فيها.
في واقع "بل بس" الأكثر تطرفاً الحرب هي "تمرد" لقوات الدعم السريع على القوات المسلحة، وقد أشعلتها قوى الحرية والتغيير (قحت) ودولة الإمارات. البرهان قائد عسكري محنك، والجيش يحقق انتصارات عسكرية كبرى، وهو قادر على سحق الجنجويد المرتزقة الغرباء أعراب شتات غرب أفريقيا، ولذلك فيجب الاستمرار في بلهم حتى تتم إبادتهم. ثورة ديسمبر خطأ تاريخي ومؤامرة على الشعب السوداني، الذي أثبتت له هذه الحرب، حرب الكرامة، وطنية الكيزان وأهمية المؤسسات والمليشيات التي أسسوها أو تمكنوا منها مثل جهاز الأمن وهيئة العمليات/قوات العمل الخاص ومليشيا البراء بن مالك. الجيش هو أهم مؤسسات الدولة، ودعمه مقدم على أي اعتبارات أخرى بما فيها حماية المواطنين، وانسحاباته المتتالية من المدن ليست هزائم وإنما تكتيكات عسكرية عالية. وفي هذا الواقع "لا للحرب" هي شعار استسلام للمليشيا كل من يؤيده تابع لقحت/تقدم التي تمثل الجناح السياسي لمليشيا الدعم السريع، وهي تشمل كل القوى التي اشتركت في ثورة ديسمبر وأيدتها، والذين يجب بلهم مباشرة بعد القضاء على الجنجويد.
وفي واقع "لا للحرب *" أطلق فلول النظام البائد الكيزان، ومعهم مصر، رصاصة الحرب الأولى من وراء ظهر قيادة الجيش السوداني للقضاء على الثورة السودانية مجسدة في قحت. الجيش السوداني من قيادته وحتى أصغر عساكره من الفلول، يسيره علي كرتي وقادة الكيزان. والكيزان هم المسؤولون عن استمرار هذه الحرب العبثية، والرافضون لإيقافها. الجيش والكيزان مسؤولون عن انتهاكات الحرب الفظيعة، وعن كل مخازي تاريخ السودان المعاصر وحالة البلاد المأساوية اليوم. حتى الاتهامات التي يمكن أن توجه لقوات الدعم السريع والجنجويد هي مسؤولية الجيش فهو من أخرجها من رحمه. الأولوية القصوى لإيقاف الحرب بغض النظر عن أي تفاصيل بما فيها الانتهاكات والجرائم المصاحبة للحروب، والحرب تتوقف بالتفاوض الفوري غير المشروط، ومن لا يتفق مع هذا الموقف فهو بلبوسي فلولي أو مغفل نافع. في هذا الواقع قوات الدعم السريع ليست امتداداً لمليشيا الجنجويد، وحميدتي ليس كوزاً، والكيزان والجيش حاولوا توريطه في انتهاكات ماضية وفي انقلاب 25 أكتوبر، ولكنه تخلى عنهم وانحاز للسلام والتحول الديمقراطي، وواجب القوى المدنية العمل معه وعدم المبادرة بالتشكيك في مواقفه.
هناك خصائص أخرى لهذين الخطابين، وأطياف متعددة بينهما، تتلاشى الحدود بين بعضها أحياناً، كما يظهر بالذات في حالة تماهي واقعي "لا للحرب *" و"جغم بس"، وهو خطاب قوات الدعم السريع بدون مساحيق تجميل. ولكن معظم ما يطرحه المؤثرون من ساسة وإعلاميين ومثقفين لا يخاطب قضايا الحرب بعمق يشي أن هناك فائدة ترجى منه أو من النقاش معه.
غالباً لن تتوقف هذه الحرب قريباً، والسودان لن يكون البلد الذي عرفناه، وقضاياه أصعب من التسطيح والاستهبال اللذين يمارسهما جل قادتنا. نحتاج أصواتاً أعلى لخطاب ينقد خطابات الزيف، بالقدر الذي يفيد في إعادة تركيب الواقع كما هو، للتفكير فيه والعمل على تغييره، دون التوحل في كثير من نجواهم ومعاركهم التي لا خير فيها؛ خطاب يبذل الطاقات المحدودة منطلقاً من وسط جماهير الشعب السوداني ومتوجهاً لها، ولا ينشغل بالمنحازين بوعي أو كبر لخطابات الزور والتضليل ولا بالهياكل المهترئة التي أنتجتها ورعتها.

husamom@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع هذا الواقع لا للحرب فی واقع

إقرأ أيضاً:

مساعد البرهان يبلغ مبعوث للامم المتحدة شروط توقف الحرب ضد الدعم السريع

عضو مجلس السيادة ابراهيم جابر وهو ايضا مساعد البرهان قال ان الحرب ستتوقف إذا تم إيقاف إمداد السلاح وتدفق المرتزقة للمتمردين -قوات الدعم السريع

متابعات ـــ تاق برس – جدد عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق إبراهيم جابر مساعد قائد الجيش السوداني الفريقأول ركن عبد الفتاح البرهان، حرص الحكومة واستعدادها لتذليل  كافة التحديات وتسهيل عمل الفرق الإغاثية وهيئات الأمم المتحدة للقيام بدورها في تقديم المساعدات الإنسانية.

والتقى جابر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان السفير رمطان لعمامرة.

 

 

 

ونبه الى عدم وجود مجاعة في السودان و إن مايُروّج له مجرد فرية يتخذها البعض لتمرير أجنداته الخاصة.

ولفت الى أن ما يحدث في الفاشر يهدف لتجويع مواطنيها، ودعاد الأمم المتحدة لتقديم المساعدات الإنسانية لمواطني الفاشر جوا أو براً.

ونقل عضو السيادى الى العمامرة، ان ” 40″ مواطناً قتلوا أمس بالفاشر.وقال جابر أن الحرب ستتوقف إذا تم إيقاف إمداد السلاح لمن اسماهم المتمردين وتدفق المرتزقة.

من جانبه، أكد السفير رمطان لعمامرة حرص الأمم المتحدة على تقديم كافة أشكال الدعم اللازم للمواطنين المتأثرين بالحرب في السودان.

مقالات مشابهة

  • الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 60 عنصراً من قوات الدعم السريع في الفاشر
  • قصف كثيف وتوغل بري… هل اقترب سقوط الفاشر؟ .. خبير عسكري يؤكد أن الجيش السوداني جهز قوات كبيرة لفك الحصار عن المدينة
  • مساعد البرهان يبلغ مبعوث للامم المتحدة شروط توقف الحرب ضد الدعم السريع
  • الجيش السوداني: مقتل 60 عنصرا من "الدعم السريع" بهجوم على الفاشر  
  • إبراهيم جابر : ستتوقف الحرب بتوقف إمداد الدعم السريع بالسلاح والمرتزقة
  • دارفور التي سيحررها أبناء الشعب السوداني من الجيش والبراءون والدراعة ستكون (..)
  • الجيش السوداني يكذب الدعم السريع ويحذر ويكشف حقيقة فيديوهات ويعلن مقتل وإصابة 33 مواطنًا
  • الجيش السوداني يكشف عن هروب مفاجئ لقوة تتبع  لـ”الدعم السريع” من الفاشر