سودانايل:
2025-03-03@22:30:01 GMT

حقائق بديلة – واقع واحد

تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT

حسام عثمان محجوب

24 أغسطس 2024

الكوميدي/المعلق السياسي الأمريكي الأشهر جون ستيوارت تناول في برنامجه في 3 يونيو الماضي حالة الاستقطاب الحادة في الولايات المتحدة، فعرض عدة نماذج لسياسيين وإعلاميين يعلقون على الحكم بالإدانة الجنائية للرئيس السابق دونالد ترامب تأييداً ومعارضةً، ولا سيما ما ذكره عدد منهم أن الشعب الأمريكي اليوم يعيش في واقعَين مختلفَين (two different realities).

خلص جون إلى أن "وسائل الإعلام الإخبارية قد قررت أنه لا يوجد شيء يسمى الواقع"، ورفض ذلك الحكم بشدة قائلاً أننا "جميعاً نعيش في واقع واحد، ومهمة وسائل الإعلام اختبار معاييرهذا الواقع ... بالنظر إلى الوراء وإعادة بناء حقائق ما حدث. ولكن ما تفعله بدلاً من ذلك التطلع إلى الأمام والتكهن بالمستقبل بشكل جامح".
لا أظن أن جون يجهل التبسيط الذي تنطوي عليه عبارته هذه، فالفلاسفة والعلماء ناقشوا كثيراً وجود "واقع موضوعي"، ويبدو منطقياً قبول أنه قد يكون هناك أكثر من واقع تحدده التصورات والقدرات الفردية والسياقات الثقافية والتفسيرات الفلسفية للأشخاص الذين ينظرون لهذا الواقع. ولكن الأهم في حديثه تحديده لمسؤولية الإعلام (ويمكن إضافة الكتاب والمثقفين) في اختبار نسخ الواقع الرائجة ونقدها.
يمكننا نقل هذا المنطق للواقع السوداني وتطبيقه من أي نقطة بداية، ولتكن لحظة اندلاع الحرب ونرجع لما قبلها حسب مقتضى الحال، حيث استحوذ على الخطاب السوداني الأعلى صوتاً "واقعان" متخيلان متضادان يتمثلان في "بل بس" و"لا للحرب *" (النجمة دلالة على طبعة قوى الحرية والتغيير/تقدم). هما متخيلان لأنهما لا يصمدان أمام الفحص والنقد، وهما متضادان في رؤيتهما وتفسيرهما وتحليلهما لأي صغيرة وكبيرة رغم اشتراكهما في الأدوات التي يستعملانها، ثم هما واقعان لأنه يبدو أن كثيراً من السودانيين شديدو الاقتناع بهما بكل تفاصيلهما وينظرون للعالم عبر عدساتهما.
وقد تقاصر الإعلاميون والمثقفون والكتاب عن وضع الخطابين تحت مجاهر الاختبار ونقدهما وتقديم الحقائق للإعانة على تركيب واقع أكثر موضوعية، يسمح بحوار أو نقاش ذوي معنى بين السودانيين والسودانيات، والبحث الجاد عن مخارج من كارثة الحرب الحالية أو لتخفيف آثار أزمات الوطن. بدلاً من ذلك انجرفت جموع كبيرة من أولئك "المثقفين" لتصدر أحد الخطابين، إيماناً أو يأساً أو ضعفاً أو رغبةً أو رهبةً أو انتهازيةً أو عمالةً أو خليطاً من كل ذلك. وذبحت في سبيل تبرير خياراتها المنطق والبديهيات. كما عجزت القوى السياسية صاحبة الخطاب المختلف عن إيصال صوتها للشعب السوداني، وخلق رأي جماهيري يسمح ببناء حراك شعبي يمكن أن يؤثر فعلاً على مجريات الحرب بأطرافها والقوى المؤثرة فيها.
في واقع "بل بس" الأكثر تطرفاً الحرب هي "تمرد" لقوات الدعم السريع على القوات المسلحة، وقد أشعلتها قوى الحرية والتغيير (قحت) ودولة الإمارات. البرهان قائد عسكري محنك، والجيش يحقق انتصارات عسكرية كبرى، وهو قادر على سحق الجنجويد المرتزقة الغرباء أعراب شتات غرب أفريقيا، ولذلك فيجب الاستمرار في بلهم حتى تتم إبادتهم. ثورة ديسمبر خطأ تاريخي ومؤامرة على الشعب السوداني، الذي أثبتت له هذه الحرب، حرب الكرامة، وطنية الكيزان وأهمية المؤسسات والمليشيات التي أسسوها أو تمكنوا منها مثل جهاز الأمن وهيئة العمليات/قوات العمل الخاص ومليشيا البراء بن مالك. الجيش هو أهم مؤسسات الدولة، ودعمه مقدم على أي اعتبارات أخرى بما فيها حماية المواطنين، وانسحاباته المتتالية من المدن ليست هزائم وإنما تكتيكات عسكرية عالية. وفي هذا الواقع "لا للحرب" هي شعار استسلام للمليشيا كل من يؤيده تابع لقحت/تقدم التي تمثل الجناح السياسي لمليشيا الدعم السريع، وهي تشمل كل القوى التي اشتركت في ثورة ديسمبر وأيدتها، والذين يجب بلهم مباشرة بعد القضاء على الجنجويد.
وفي واقع "لا للحرب *" أطلق فلول النظام البائد الكيزان، ومعهم مصر، رصاصة الحرب الأولى من وراء ظهر قيادة الجيش السوداني للقضاء على الثورة السودانية مجسدة في قحت. الجيش السوداني من قيادته وحتى أصغر عساكره من الفلول، يسيره علي كرتي وقادة الكيزان. والكيزان هم المسؤولون عن استمرار هذه الحرب العبثية، والرافضون لإيقافها. الجيش والكيزان مسؤولون عن انتهاكات الحرب الفظيعة، وعن كل مخازي تاريخ السودان المعاصر وحالة البلاد المأساوية اليوم. حتى الاتهامات التي يمكن أن توجه لقوات الدعم السريع والجنجويد هي مسؤولية الجيش فهو من أخرجها من رحمه. الأولوية القصوى لإيقاف الحرب بغض النظر عن أي تفاصيل بما فيها الانتهاكات والجرائم المصاحبة للحروب، والحرب تتوقف بالتفاوض الفوري غير المشروط، ومن لا يتفق مع هذا الموقف فهو بلبوسي فلولي أو مغفل نافع. في هذا الواقع قوات الدعم السريع ليست امتداداً لمليشيا الجنجويد، وحميدتي ليس كوزاً، والكيزان والجيش حاولوا توريطه في انتهاكات ماضية وفي انقلاب 25 أكتوبر، ولكنه تخلى عنهم وانحاز للسلام والتحول الديمقراطي، وواجب القوى المدنية العمل معه وعدم المبادرة بالتشكيك في مواقفه.
هناك خصائص أخرى لهذين الخطابين، وأطياف متعددة بينهما، تتلاشى الحدود بين بعضها أحياناً، كما يظهر بالذات في حالة تماهي واقعي "لا للحرب *" و"جغم بس"، وهو خطاب قوات الدعم السريع بدون مساحيق تجميل. ولكن معظم ما يطرحه المؤثرون من ساسة وإعلاميين ومثقفين لا يخاطب قضايا الحرب بعمق يشي أن هناك فائدة ترجى منه أو من النقاش معه.
غالباً لن تتوقف هذه الحرب قريباً، والسودان لن يكون البلد الذي عرفناه، وقضاياه أصعب من التسطيح والاستهبال اللذين يمارسهما جل قادتنا. نحتاج أصواتاً أعلى لخطاب ينقد خطابات الزيف، بالقدر الذي يفيد في إعادة تركيب الواقع كما هو، للتفكير فيه والعمل على تغييره، دون التوحل في كثير من نجواهم ومعاركهم التي لا خير فيها؛ خطاب يبذل الطاقات المحدودة منطلقاً من وسط جماهير الشعب السوداني ومتوجهاً لها، ولا ينشغل بالمنحازين بوعي أو كبر لخطابات الزور والتضليل ولا بالهياكل المهترئة التي أنتجتها ورعتها.

husamom@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع هذا الواقع لا للحرب فی واقع

إقرأ أيضاً:

الحزب الشيوعي السوداني: وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة ولا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023

الحزب الشيوعي السوداني يكرر ويجدد موقفه الثابت والرافض لمحاولات حكومة الأمر الواقع في بورتسودان بقيادة عبدالفتاح البرهان لتكوين حكومة فترة انتقالية مع الموالين له من فلول نظام المؤتمر الوطني المحلول. كذلك يرفض الحزب محاولات مجموعة نيروبي بقيادة محمد حمدان دقلو التي تسعي لتشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها

بيان من المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني

#وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة
#لا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023

الحزب الشيوعي السوداني يكرر ويجدد موقفه الثابت والرافض لمحاولات حكومة الأمر الواقع في بورتسودان بقيادة عبدالفتاح البرهان لتكوين حكومة فترة انتقالية مع الموالين له من فلول نظام المؤتمر الوطني المحلول. كذلك يرفض الحزب محاولات مجموعة نيروبي بقيادة محمد حمدان دقلو التي تسعي لتشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
يؤكد الحزب الشيوعي ان الجهتين المذكورتين تفتقران للتفويض الجماهيري المطلوب من قبل الشعب كضرورة اساسية للحصول علي الشرعية الدستورية.
يعتبر الحزب ان طرفي النزاع هما وجهان لعملة واحدة. وانهما مسؤولان بالتضامن والانفراد عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في دارفور وهما مسؤولان عن تفجر الكارثة الإنسانية هناك في العام 2003 التي نتجت عنها جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب الي جانب ارتكاب الانتهاكات الواسعة والممنهجة في بقية أنحاء البلاد من بينها مجزرة القيادة العامة في الخرطوم.
طرفا الحرب أيضا شريكان في إجهاض وتقويض العدالة بتقاعسهما عن ملاحقة المتورطين في ارتكاب المجازر والانتهاكات واسعة النطاق ولجوئهما الي تكوين لجان تحقيق صورية عديمة الصلاحية والقدرة علي الوصول الي نتائج وتوصيات من شأنها تحقيق العدالة بهدف تضليل الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي وتضليل الضحايا وذويهم وكذلك بهدف قطع الطريق أمام اللجان الدولية المحايدة.
يحذر الحزب ان محاولات الطرفين واعوانهما في الداخل والخارج في تشكيل الحكومتين ستقود الي تعقيدات لا حصر لها وستفاقم من خطورة الوضع الراهن من بينها زيادة الاستقطابات علي أسس قبلية وجهوية في بلد تعاني فيها المؤسسات الإدارية وهياكل الحكم من الهشاشة بسبب الفساد. كما تحمل الكثير من مجتمعاتها ارثا ثقيلا بسبب الصراعات القبلية والجهوية.
سكان المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع مضطرون للتعايش مع سلطات الدعم السريع ولكنهم ليسوا خاضعين لها بكل تأكيد حيث لا يزال الملايين من ضحايا الجنجويد والدعم السريع يعانون من مهانة اللجوء والنزوح وهم ينتظرون تحقيق العدالة والانصاف.
من الجانب الاخر فإن حكومة البرهان المرتقبة والتي ستتشكل من خصوم واعداء الشعب؛ فلول نظام المؤتمر الوطني المحلول والموالين لهم الذين قطعوا الطريق أمام ثورة ديسمبر المجيدة وظلوا يخططون لتقسيم السودان تارة ب( مثلث حمدي) و( دولة البحر والنهر) وتارة بضم ولايات سودانية الى مصر ! هؤلاء لن تقبل بهم جماهير الشعب السوداني وقواه الحية خاصة في ظل استمرار جذوة الثورة التي لا تزال متقدة رغم العثرات.
اصرار طرفي الحرب علي رفض الجلوس حول طاولة المفاوضات للوصول الي اتفاق بوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية والداخلية يعرض حياة اكثر من خمس وعشرين مليون شخص لخطر الموت جوعا بسبب حرمانهم من الحصول علي معينات الحياة الضرورية من الغذاء والدواء. كما يزيد من معاناة اكثر من عشرة مليون سوداني من العالقين في مخيمات النزوح واللجوء.
الحزب الشيوعي السوداني يحمل البرهان والمليشيات التي تحارب معه من انصار النظام المباد بمختلف مسمياتها
كما يحمل الحزب مجموعة
نيروبي الموالية للجنجويد المعروفة باسم مجموعة التاسيس مسؤولية الانتهاكات التي ستشهدها مناطق سيطرة الدعم السريع واي مناطق اخري في البلاد باعتبارهم شركاء لمليشيا الجنجويد.
الحزب الشيوعي يتابع مبادرات المؤسسات الإقليمية والدولية من بينها مجلس الأمن و الاتحاد الافريقي و الاتحاد الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان التي صدرت مع بداية هذا العام بخصوص الوضع في السودان خاصة فيما يتعلق بعدم الاعتراف بحكومة بورتسودان ورفض قيام اي حكومة في الأراضي التي تسيطر عليها الدعم السريع. ومع ذلك فالحزب يطالب بعدم الاكتفاء بإصدار البيانات وتكرار التصريحات المصحوبة بالقلق.بدلا عن ادانة والزام القوى الدولية والاقليمية الكف عن مد طرفي الحرب بالسلاح والعتاد والمعلومات اللوجستية. والمطلوب هو المضي قدما في تطبيق وتنفيذ القرارات التي صدرت من المؤسسات المذكورة بشأن الوضع الكارثي في السودان خاصة حول وقف الحرب واتخاذ تدابير ملموسة بشأن حماية المدنيين ومعالجة الوضع الإنساني المتدهور وتطبيق العدالة.
يتحمل مكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية مسؤوليته في الشروع في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في مواجهة عناصر حكومة الأمر الواقع في بورتسودان كذلك في مواجهة عناصر الدعم السريع وحلفائهم الجدد في مجموعة التاسيس التي انضمت لمليشيا الجنجويد في نيروبي.
يدعو الحزب الشيوعي السوداني جماهير الشعب السوداني وقواه الحية للتصدي لمحاولات طرفي الحرب وحلفائهم في الداخل والخارج والتي تسعي لقطع الطريق أمام ثورة ديسمبر المجيدة وتفتيت وحدة البلاد.

عاش نضال الشعب السوداني من أجل الحرية والعدالة والاستقلال ومن اجل وحدة البلاد.

المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني
٣/مارس/٢٠٢٥  

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يعلن سيطرته على “مواقع استراتيجية” شرقي الخرطوم ويتقدم في محور “شرق النيل” مقتربا من جسر المنشية المؤدي إلى وسط العاصمة
  • مكاسب الجيش في العاصمة… هل تُنهي حرب السودان؟ توقعات بأن تنتقل المعارك منها إلى غرب البلاد
  • الحزب الشيوعي السوداني: وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة ولا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023
  • السودان: هل تنهي مكاسب الجيش في العاصمة الحرب؟
  • «الشيوعي السوداني» يحذر من تبعات محاولات طرفي الحرب لتشكيل حكومات
  • الجيش السوداني يتقدم شرقي الخرطوم
  • كيف صمدت مقار الجيش السوداني أمام حصار 21 شهرا؟
  • الجيش: سيطرنا على منظومة تشويش تابعة لقوات الدعم السريع على سطح منزل في شرق النيل – فيديو
  • الجيش السوداني يتقدم أكثر باتجاه العاصمة و مقتل 10 من مليشيات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يقصف مواقع الدعم السريع في الخرطوم وشمالي الأبيّض