المقتولة والصايحة.. من ذاكرة الثورة السودانية
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
عندما وقفت قيادات ما كان يطلق عليهم بالمعارضة خلال حكم البشير، وطالبت بالتفاوض مع النظام ومشاركته في الحكم، وخوض انتخاباته المخجوجة.
كانت هناك قوى حية ترفع شعارات لا للتفاوض ولا للمشاركة ولا للانتخابات الصورية، و"إسقاط النظام" وتفكيك حزبه ومؤسساته.
عندما اجتهدت ذات القيادات، في وصف شعار "إسقاط النظام" بشعار الحالمين والحالمات، وأنه فارغ المضمون والمعنى.
كانت هناك قوى حية تدافع عن شعار إسقاط النظام، وتفككيك دولة الحزب الواحد وبناء جيش قومي واحد ومهني، لصالح الدولة المدنية الديمقراطية.
عندما وقفت قيادات وجماهير ما كانت تسمى معارضة، ووقفت ضد انتفاضة سبتمبر 2013، وصمتت عن سلوك نظام البشير، الذي قتل الثوار واعتقلهم ومارس ضدهم ابشع انواع التعذيب.
وقفت القوى الحية وصاحبة المصلحة في التغيير والتحول الديمقراطي بصلابة ضد الانتهاكات وقتل الثوار، لأن من مورس ضدهم هذا السلوك هي جماهيرها المؤمنة بالتغيير.
عندما هرولت ذات القيادات بعد تردد وبعد أن تأكدوا بأن الجماهير نجحت في تجاوز خطوط النظام الحمراء، إلى ميدان الاعتصام لمخاطبتها، وتمجيد شعار "إسقاط النظام"، واختطاف كافة شعارات الثورة التي وقفوا ضدها بالأمس، بعد وصفها بشعارات الحالمين والحالمات، وحينها عادت بعض تلك القيادة بخيبة أمل بعد أن منعوا من دخول ميدان الاعتصام بأمر الجماهير، وبعض هذه القيادات لم تكن له الشجاعة الكافية حتى إلى اتخاذ قرار الذهاب إلى ميدان الاعتصام، وبعضهم خرج ببيانات تنادي الجيش بضرب الثوار بيد من حديد، وبعضهم جلس في انتظار الكفة التي تميل، وبقية الحكاية يعرفها الجميع.
حينها كانت القوى الحية وسط الجماهير في ميدان الاعتصام والأحياء، تهتف بشعارتها المجربة، وتنادي "بتسقط بس"، ورحبت بكل تلك القوى التي رفضت هذا الشعار ذات يوم، لإيمانها الراسخ بأن التغيير يجب أن يصطحب الجميع دون فرز، عدا تلك القوى التي تقف ضد التغيير.
عندما هرولت قيادات تحالف الحرية والتغيير، للتوقيع بعشرة أصابع على وثيقة دستورية معيبة نتيجتها الحتمية تصفية أهداف الثورة، وتغريغ شعار الحرية والسلام والعدالة من مضمونة، والتمهيد لسرقة الثورة، والقضاء على الشرعية الثورية مقابل شرعية دستورية زائفة.
كانت القوى الحية، تناضل في كل الجبهات في محاولة اخيرة لاقناع التحالف بعدم التوقيع على هذه الوثيقة، وعدم الثقة في المكون العسكري من جيش ودعم سريع، وعدم منح الحركات المسلحة شرعية حمل السلاح بعد الثورة. وعندما وصلت إلى قناعة تامة بأن هذه القوى وعبر تاريخها تختار أسهل الطرق للوصول للحكم حتى وإن كان المقابل إجهاض شعارات الثورة، وعدم تطبيق العدالة باتفاقات جانبية وتحت الطاولة،، حينها قررت الانسحاب من تحالف "قحت" ومواصلة النضال من أجل التغيير الحقيقي.
عندما ماطلت حكومة الدكتور حمدوك (التي جاءت وفقا للوثيقة الدستورية)، في تطبيق العدالة، وفشلت تماما في محاكمة المجرمين والقتلة، ومنهم قتلة الشهيد أحمد خير الذين دانتهم المحكمة بالأدلة، وفشلت لجنة المحامي نبيل أديب في إدانة الجيش والدعم بجريمة مجزرة الاعتصام رغم توفر الأدلة والشهود، وتم حفظ الجريمة بدعوى حسن النية، وتطبيق مبدأ عفا الله عما سلف، ظنا بأن حفظ القضية سيغير سلوك المؤسسة العسكرية التي تحمل السلاح، ولكن كانت النتيجة عنف أكثر وتجاوزات أبشع، ومجازر وحصار للمواطنين وتشريد للملايين.
وقتها كانت القوى الوطنية، تحمل الجيش والدعم المسؤولية كاملة لما حدث من مجزرة، وطالبت بمحاكم فورية، وشرعنة الثورة بتطبيق العدالة على الكل دون مجاملة أو مماطلة، فالمجرم سيرتكب المزيد من الجرائم اذا غابت العدالة، ولكن للأسف لم تطبق العدالة وضاعت أحلام ملايين الثوار.
عندما هرولت ذات القيادات، إلى جوبا لتوقيع اتفاق جوبا للسلام، الذي يعتبر أكبر خوازيق الثورة، إذ لا يعقل أن توقع اتفاق لتقسيم الثروة والسلطة، مع حركات مسلحة كان هدفها المعلن إسقاط نظام البشير عبر الكفاح المسلح، وترسيخ الديمقراطية، وخصوصا بعد نجاح الجماهير السلمية في تحقيق هذا الهدف، فالهدف تحقق، والواجب وقتها أن تضع الحركات المسلحة السلاح وتنخرط في عملية سياسية ترسخ الدولة المدنية، ولكن للأسف كل ما حدث هو تقسيم معيب للثروات والمناصب، منح من لا يملك لمن لا يستحق، وكان اتفاق جوبا مسمار آخر في نعش الثورة، واشعال الحرب.
وقتها وقفت القوى الحية من لجان مقاومة وتجمع مهنيين وأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني، ضد هذا الاتفاق المعيب، وقالت بالحرف، إنه اتفاق لا عدالة فبه، ولا شرعية له، ولن يكون سببا في سلام، وصدقت القوى الحية فيما قالت.
عندما قفت قيادات الحرية والتغيير في حكومة الدكتور حمدوك الأولى، وقالت في الجيش والدعم السريع مالم يقله مالك في الخمر، وما لم يمدح به عنترة عبلة، وكانت لهم جولات وصولات في حضور تخاريج قوات الدعم السريع وكرنفالات تسليحه، وتسجيل زيارات دعائية لما عرف بالتصنيع الحربي والصناعات الدفاعية، وعملوا حينها وكأنهم متخصصون في الإعلانات مدفوعة القيمة، متناسين تماما حقيقة أن هذه المؤسسة يسيطر عليها الفلول الكيزان.
كانت القوى الحية، تتحدث بكل جراءة ونكران عن هذه الحقائق، وأن المؤسسة العسكرية مختطفة، ويجب عدم منحها شرعية ممارسة السياسة والتجارة، ويجب أن تمارس مهام الدفاع وحفظ الأمن لأنها المؤسسة الوحيدة التي تمتلك شرعية العنف ضد من ينتهك الحدود أو يهدد الأمن القومي أو يقوض الدستور، ولكن حينما يتحول هذا العنف إلى عنف ضد المواطن وضد التغيير وضد أمن الدولة، وتصبح المؤسسة العسكرية في ذاتها هي المهدد لأمن المواطن واستقراره، يجب الوقوف بصلابة ضدها وبكل شرف وقوة.
وعندما حدث انقلاب البرهان في أكتوبر وذج بحكومة حمدوك كلها في المعتقلات، ثم خرجوا ووقعوا مع الحكومة الانقلابية وتحالف ما عرف "بتحالف الموز" حينها اتفاق سياسي يعيد الدكتور حمدوك من المعتقل إلى رئاسة الوزراء، وصفق حينها من صفق لهذا الاتفاق الغريب والمثير للشفقة.
عندها كانت القوى الحية تناضل لكشف كل الزيف، وبح صوتها وهي تصرخ بأن ما يحدث خطأ لا يغتفر، وأن ما حدث هو نتيجة للتوقيع على الوثيقة الدستورية، ولأنهم لم يستمعوا لكل الوصايا، والتحذيرات من المكون العسكري وتحالفه السياسي، ولكن للمرة الثانية شرعنوا الانقلاب مع سبق الإصرار.
وعندما هرولت قيادات الحرية والتغيير مرة أخرى خلف سراب آخر اسموه "الاتفاق الاطاري"، وظلوا يدافعون عنه بذات ادواتهم القديمة والمجربة والفاشلة، وحاولوا بكل جهد تصوير الاتفاق الاطاري المسخ على إنه قارب النجاه إلى بر الديمقراطية والدولة المدنية.
وقفت القوى الحية بصلابة ضد هذا الاتفاق الاطاري، وصرخت بأن ما يحدث مؤامرة كبيرة نتيجتها انهيار السودان، وتسليمة للعسكر والفلول على طبق من ذهب، وكل شي حدث بالحرف، ولم تعترف قيادات الحرية والتغيير وجماهيرها، ولن يعترفوا مستقبلا عن أي خطأ، وسيتبرأون من كل كوارثهم، لأن هذا هو ديدنهم على مر تاريخهم القريب والبعيد.
وعندما اندلعت الحرب، وكعادتهم ذات القيادات وذات الوجوه، والتي كانت تمارس ذات السلوك أيام نظام البشير، واصلت في ذات الطريق الخاطئ، الذي دائما ما يظنونه الأسهل والأسرع والخاطف نحو دولة مدنية ديمقراطية، وسلطة قريبة المنال، ولكن للأسف نظرتهم دائما قاصرة ولا تتعدى مصالحهم الذاتية من منصب ونظام صوري دون صلاحيات، وفي هذه المرة اختاروا الدول التي لها مصالح في السودان، وهرولوا خلفها لتعيد لهم ثورتهم وحكومتهم، ولكن هيهات، لأنهم وقعوا في رمال السياسة الدولة المتحركة، ووقعوا في فخ الانحياز لطرف دون الحياد، فكانت سقطة أخرى تضاف إلى سقطاتهم السابقة، وانكشفوا أمام الجماهير بانهم الذراع السياسي للدعم السريع وإن كان بطريقة غير مباشرة، وكانت فرصة الجيش في الانقضاض عليهم.
وحينها وقفت القوى الحية، ووضعت النقاط على الحروف بكل احترافية، وقالت لهم بالحرف، المليشيا تظل مليشيا والجيش مؤسسة دولة وسظل كذلك رغم سيطرة الفلول عليها، والنضال ضد الفلول حتى تصفيتهم من داخل الجيش وفضحهم، لا يعطي الحق في الانضمام إلى مليشيا لا مبادئ لها وترفع شعارات الديمقراطية والانحباز للجماهير فقط لتحقيق اهدافها بتكتيك ودهاء، وعلى الجميع الوقوف بصلابة ضد الحرب، والعمل على اسعادة الجيش من سيطرة الحركة الإسلامية، ولكن للأسف، سلوك تلك الفئة منح الشرعية والفرصة التاريخية لتحكم الحركة الإسلامية سيطرتها مرة أخرى على هذه المؤسسة، رغم أنهم في اضعف حالاتهم، وكانوا يجمعون اطرافهم للهروب من السودان، ولكن عندما وجدوا الساحة مهيئة لعودتهم بسبب القرارات الخاطئة، وضعف تلك الفئة، عادوا بقوة، والسبب الخط السياسي الفاشل للحرية والتغيير.
وعندما، هرولت للمرة الألف ذات القيادات إلى تكوين جبهة جديدة باسم "تقدم"، جبهة لا طعم لها ولا رائحة، ولا تقدم ولا تؤخر، ونادوا بالمفاوضات، والعودة إلى الاتفاق الاطاري والوثيقة المعيبة، وحكومة الدكتور حمدوك ووزراءه، واقصوا كل القوى الحية ظنا منهم أنهم وجدوا الحل والطريق ممهدة امامهم إلى السلطة، مع رفع عصا الدعم السريع وتسليحه المتقدم، وجزرة المشاركة في السلطة وعودة تحالفهم مع العسكر.
حينها وقفت القوى الحية مرة أخرى وبكل شرف وقالت (لا).. لطريق الحلول السطحية والفوقية والاسعافية، لأنه سيمنح الجيش شرعية ممارسة السياسة والتجارة، وسيمنح المليشيا شرعية الحكم والمشاركة في ثروات السودان، وسيمنح الحركات المسلحة الحق في الحكم الذاتي والتوسع في تكوين الجيوش الموازية، وسيمهد للتقسيم، وسيحفز العسكر على التمادي في استخدام عنف الدولة ضد المواطن، ولن تكون هناك دولة مدنية ديمقراطية مستقرة، ولن يكون هناك حزب سياسي، ولن تكون هناك حرية أو سلام أو عدالة، فالسلام الذي يأتي عبر هذا الطريق دون ضغوط شعبية حقيقية. ودون تمكين الجماهير من استعادة ثورتهم، واستعادة روح الانتفاضة، وعودة الحريات العامة، والاتفاق حول التغيير الحقيقي، والتمترس بكل صلابة حول شعارات ومبادئ الثورة، لن يكون هناك دولة سودانية واحدة، ولن تكون هناك حكومة ذات سيادة تسيطر على ثروات البلد، وتحمي المواطنين، وتجريب المجرب جريمة في حق الشعب السوداني.
والشعب السوداني وقواه الحية تعلم يقينا أن طريق التغيير هو النضال المدني، وأدوات التغيير هي السلمية، ووقود التغيير هي الجماهير، وروح التغيير هي شعارات الحرية والسلام والعدالة، وأي طريق آخر سيكون مصيره هو ذات مصير الوثيقة الدستورية واتفاق البرهان حمدوك والاتفاق الاطاري وتحالف "تقدم".. والمثل السوداني يقول "المقتولة ما بتسمع الصايحة"، ولكن الصايحة لن تموت وستظل تشهر صوتها وهتافها ضد الرصاص والانتكاس.
حبا وودا
نورالدين عثمان
manasathuraa@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحریة والتغییر الاتفاق الاطاری الدکتور حمدوک إسقاط النظام ما حدث
إقرأ أيضاً:
هالاند: نحن محبطون ولكن علينا أن نستمر في العمل الجاد للعودة للانتصارات
حث إيرلينج هالاند، مهاجم فريق مانشستر سيتي الإنجليزي لكرة القدم، على الإيمان ببعضهم البعض والاستمرار في العمل على أرض الملعب بعد الهزيمة 1 / 2 أمام أستون فيلا أمس السبت في الدوري الإنجليزي الممتاز.
وقال هالاند في تصريحات نشرها الموقع الرسمي للنادي على الإنترنت بعد المباراة:"بالطبع نحن محبطون، هذا ليس جيدا بما فيه الكفاية مني".
وأضاف:"إنهم لاعبون جيدون، من الصعب القدوم إلى هنا لكننا مانشستر سيتي وعلينا أن نستمر ونؤمن ببعضنا البعض وعلينا أن نستمر في العمل الجاد".
وأردف:"أولا، أنظر إلى نفسي لم أفعل الأشياء بشكل جيد بما فيه الكفاية، لم أسجل الفرص التي أحصل عليها، علي أن أتحسن".
وأوضح:"بالطبع، ثقتنا ليست الأفضل نحن نعلم مدى أهمية الثقة ويمكنك أن ترى أنها تؤثر على كل إنسان هكذا هو الحال، علينا أن نستمر ونبقى إيجابيين على الرغم من صعوبة الأمر".
وعن سؤال هالاند عن جهود جوارديولا لتحويل نتائج الفريق، بعد أن تم تصويره في مناقشات مع المدرب في نفق فيلا بارك بعد المباراة.
أعرب النرويجي عن إيمانه الكامل بتعليمات وتكتيكات مدرب السيتي، وهو واثق من أن المدير الفني سيقود الفريق إلى العودة لتحقيق نتائج إيجابية.
وقال:"إنها التفاصيل الصغيرة لا أتذكر الآن ما قاله جوارديولا، أعتقد أننا خسرنا للتو مباراة أخرى ولكن ربما كانت بعض التعليمات الصغيرة للقيام بالأشياء بشكل أفضل".
وأوضح:"لقد فاز بالدوري الإنجليزي الممتاز ست مرات في سبع سنوات، لن ننسى ذلك أبدا".
واختتم هالاند تصريحاته قائلا:"سيجد الحلول، لقد فعل ذلك كل عام وما زلنا نؤمن به وعلينا أن نعمل بجدية أكثر من أي وقت مضى الآن".