بورتسودان – موسكو: السوداني

أوضح رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش، الفريق أول ركن، عبد الفتاح البرهان، أن السودان لم يتردد في تطوير علاقته مع روسيا أو أي بلد في العالم، وبيّن أن مثل هذه الأمور قد تأخذ زمناً للتراتبية.

وقال البرهان: “نحن منفتحون على كل من يقف معنا ويساعدنا.. وروسيا من الدول التي لديها موقفٌ ثابتٌ تجاه السودان ولم تتغير أبداً، لذلك اي خطوة تقدم منهم تجاهنا فنحن نتقدم 10 خطوات إلى الأمام”.



الجدير بالذكر ان السفارة الروسية في السودان، قالت أمس، انّ اتفاق القاعدة الروسية على شواطئ البحر الأحمر بالسودان لا يزال سارياً.

ونقلت صحيفة “إزفيستيا” الروسية عن سفارة روسيا في السودان قولها إن تنفيذ اتفاق إنشاء نقطة دعم لوجستي للبحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر في السودان تظل مفتوحةً، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الحالية سواء في روسيا أو السودان.

وينص الاتفاق، المُوقّـع في 1 ديسمبر 2020، على ألا يتجاوز عدد موظفي القاعدة 300 شخص، بينهم عسكريون ومدنيون، علاوةً على ذلك، يجب ألا تقبل أكثر من أربع سفن في المرة الواحدة “بما في ذلك السفن المجهزة بمحطة للطاقة النووية”.

في الوقت نفسه، أوضح نيكولاي شيرباكوف، الباحث في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية بجامعة لومونوسوف موسكو الحكومية، أن ظهور قاعدة روسية في السودان يمكن أن يغير ميزان القوى في المنطقة وقد لا يرضي اللاعبين الآخرين.

يقول الخبراء: “ليست الولايات المتحدة وحدها، بل أيضاً عدد من اللاعبين الإقليميين، غير مرحبين بالوجود العسكري الروسي في السودان، وعلى السلطات السودانية أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار، خاصةً على خلفية النزاع الذي يدور في السودان. كذلك الأهمية الاستراتيجية للقاعدة والأسباب التي تجعل احتمال افتتاحها يثير قلق الغرب كثيراً”.

وأكدت السفارة الروسية أن السودان نفى مراراً وتكراراً الشائعات الغربية حول نيّته المزعومة لخرق الاتفاقية القائمة مع روسيا والدول الأخرى.

كما أوضح الخبير العسكري فاسيلي دانديكين، أن موقع السودان مفيدٌ للغاية لإنشاء مركز دعم لوجستي للبحرية الروسية – بالقرب من طرق التجارة والبحر الأحمر.

وأضاف: “روسيا لديها بالفعل قاعدة مماثلة في البحر الأبيض المتوسط في سوريا، الآن يرسل أسطول سفنه إلى أجزاء مختلفة من العالم، بما في ذلك كوبا وفنزويلا، على وجه الخصوص، في الوقت الحالي يوجد أسطول روسي موجود في البحر الأبيض المتوسط - فرقاطات، السفن الحربية (أميرال أسطول الاتحاد السوفيتي، جورشكوف، الأدميرال جريجوروفيتش)، وغواصات وما إلى ذلك. وعندما تنطلق سفننا في رحلة، ترافقها دائماً قاطرة أو ناقلة أو سفينة دعم. لذلك، نحتاج الوصول إلى السودان، من أجل الإبحار إلى المحيطين الهندي والهادئ، وبالوصول إلى السودان، سيتمكّن الأسطول الروسي من الراحة وإجراء الإصلاحات البسيطة والتزود بالوقود والمضي قُدُماً”.

تقول الصحيفة الروسية، إنه في الأشهر الأخيرة، أصبحت واشنطن منخرطة بنشاط موسع حول هذه العملية – القاعدة الروسية في السودان – لذلك من المُحتمل أن يمارس الأمريكيون ضغوطاً على البرهان للتخلي عن الوجود الروسي في البلاد. “ولنتذكّر أنه في نهاية أبريل، عقد البرهان اجتماعاً مع نائب وزير خارجية روسيا الاتحادية ميخائيل بوغدانوف، وأعرب الأخير بعد ذلك عن دعمه الكبير لجهود القيادة السودانية الشرعية الهادفة إلى ضمان وحدة السودان وسلامته الإقليمية وسيادته”. كما أعرب الطرفان عن أملهما في توسيع التعاون الثنائي.

وبحسب فاسيلي دانديكين، فإن الولايات المتحدة، بالطبع، غير راضية عن قرار موسكو بإنشاء قاعدة في السودان، لأنها تريد الاستمرار في السيطرة على المحيط العالمي. “الأمريكيون لديهم هذه القواعد المنتشرة في جميع أنحاء العالم، وهذا مهم بالنسبة لهم ويستحق الأموال التي يتم إنفاقها، وكانوا يأملون أنه مع انهيار الاتحاد السوفيتي لن تنشأ أي مشاكل أخرى في هذا الصدد. لكن روسيا تعود ببطء: الغواصات والسفن تشق البحار، ويتم بناء سفن جديدة”.

وخلص الخبير الروسي إلى أن مثل هذه القواعد قد تظهر في دول أخرى.

كيف يمكن للقاعدة أن تغير ميزان القوى في المنطقة؟
تقول الصحيفة الروسية، إنه في الوقت نفسه، لا ينبغي النظر إلى الوضع مع القاعدة في السودان فقط من حيث الانقسام بين موسكو وواشنطن. ففي جيبوتي، على ساحل البحر الأحمر، لا توجد قواعد للولايات المتحدة فحسب، بل أيضاً للصين وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان. كما أن المملكة العربية السعودية، التي أشرفت أيضاً على مفاوضات السلام في السودان، مهتمة أيضاً بالحفاظ على توازن معين للقوى في المنطقة. وباعتبار أن القوات المسلحة ليست في أفضل وضع من الناحية العسكرية، فإنّ البرهان يعول على وساطة القوى الكبرى في حل الصراع.

ومن شأن ظهور قاعدة روسية في السودان أن يغير على الفور ميزان القوى، الأمر الذي قد لا يرضي اللاعبين الآخرين الموجودين في المنطقة.

كما يؤكد نيكولاي شيرباكوف، الباحث البارز في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية بجامعة لومونوسوف موسكو الحكومية. أن وجود مثل هذه النقطة الكهربائية – (القاعدة البحرية الروسية) في البحر الأحمر في الظروف الحالية أمر مهم للغاية، خاصة عندما يتمكن الحوثيون اليمنيون من عرقلة كل شيء في أي وقت. لكن افتتاح القاعدة سيُنظر إليه على أنه نوعٌ من التحرك من جانب حكومة البرهان، مما يشير إلى أنّ روسيا والسودان أصبحا حليفين رسميين، وقد يتسبّب ذلك في سلسلة كاملة من العواقب.

وأضاف: “لذلك، فإنهم لا يريدون أن يجعلوا هذه القاعدة، إذا جاز التعبير، قطعة قماش حمراء للثور، ولا يريدون إثارة المشاركين الآخرين المحتملين في عملية التفاوض والمساعدة العسكرية التقنية من خلال هذا التعاون”.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: البحر الأحمر فی السودان فی المنطقة

إقرأ أيضاً:

القاعدة الأولى في السياسة: لا تعبث مع غزة

السياسة كما التاريخ، تصوغ دروسها على صخور التجارب القاسية، فعندما قدم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق هارولد ماكميلان نصيحته الشهيرة لخليفته قائلا: "ما لم تغزو أفغانستان، فأنت بخير حال"؛ كان يلخص درسا مريرا تعلمته الإمبراطورية البريطانية من محاولاتها المتكررة لإخضاع أفغانستان: هناك أماكن لا تُهزم مهما بلغت قوة الغزاة، وشعوب لا تنكسر رغم قسوة الاحتلال، لاحقا أصبحت هذه العبارة تُختصر إلى القاعدة الشهيرة: "لا تغزو أفغانستان"، قاعدة أولى في السياسة البريطانية. واليوم فإن دروس غزة التي فرضتها بدماء أبنائها وصمود شعبها وعبقرية مقاومتها، تفرض قاعدة مشابهة في السياسة الإسرائيلية: لا تعبث مع غزة، فهذه البقعة الصغيرة المحاصرة منذ عقود أثبتت أنها أكبر من أن تُكسر، وأعند من أن تُروض، أثبتت أنها ليست قطعة صغيرة من الجغرافيا بل مقبرة للخطط والأحلام الإسرائيلية، إنها ليست مجرد مدينة بل فكرة، والفكرة لا تموت.

الكابوس الذي يتوارثه القادة

منذ أن أُقيمت دولة الاحتلال الإسرائيلي ظلت غزة الكابوس الذي يقف على أبوابها بلا حل، كل جيل من القادة الإسرائيليين حمل معه وعودا بالسيطرة عليها وإنهاء مقاومتها، لكنهم جميعا خرجوا من صراعهم معها بخسائر أشد من سابقيهم، غزة الشريط الصغير المحاصر، تحولت إلى امتحان قاسٍ لكل من حكم إسرائيل، وكأنها لعنة تورثها الأجيال من بن غوريون إلى نتنياهو. فإسحاق رابين الذي قاد الجيش الإسرائيلي في مراحل حساسة من تاريخ الاحتلال لم يجد أمامه سوى أن يتمنى غرق غزة في البحر، واصفا إياها بأنها عبء لا يمكن احتماله. وحتى أرئيل شارون، أقسى القادة الإسرائيليين وأكثرهم دموية والذي خاض كل حروب إسرائيل الكبرى، وقف عاجزا أمام غزة بعد أن أنهكته الانتفاضات المتلاحقة والمقاومة المسلحة، وقرر الانسحاب من القطاع عام 2005 متخليا عن كل أوهام السيطرة والتوسع. منذ أن أُقيمت دولة الاحتلال الإسرائيلي ظلت غزة الكابوس الذي يقف على أبوابها بلا حل، كل جيل من القادة الإسرائيليين حمل معه وعودا بالسيطرة عليها وإنهاء مقاومتها، لكنهم جميعا خرجوا من صراعهم معها بخسائر أشد من سابقيهملم يكن انسحابه رغبة في السلام، بل لأنه أدرك أن السيطرة على غزة تعني استنزافا دائما للموارد والجنود، شارون الذي كانت قبضته الحديدية تضرب في كل مكان اختار أن يختبئ من غزة خلف أسوار فاصلة، وكأنما يريد الهروب من مواجهة يعلم أنها لن تنتهي بانتصار، لكن الأسوار والجدران لم تحمِ إسرائيل من غزة، بل جعلتها تعيش في قلق دائم.

نتنياهو ومواجهة الكابوس ذاته

جاء بنيامين نتنياهو، أطول رؤساء الوزراء حكما في تاريخ إسرائيل، ليواجه الكابوس ذاته، حاول أن يطوق غزة بالحصار، أن يقتل روحها بسياسات التجويع والضغط، وأن ينهيها سياسيا عبر "صفقة القرن"، لكنه اصطدم بحقيقة أن غزة ليست مجرد أرض، بل هي فكرة، فكرة أن الشعوب الحرة لا تُهزم. وفي السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 استيقظ على حدث سيغير مسار تاريخه: عملية "طوفان الأقصى"، كانت المقاومة في غزة تعد لهذه اللحظة كضربة قاصمة، ليس فقط للجيش الإسرائيلي، بل لنظام بأكمله اعتقد أنه يمتلك التفوق المطلق. بدأ الهجوم بإطلاق أكثر من 5000 صاروخ في ساعات قليلة، ما أدى إلى شلل كامل في مستوطنات غلاف غزة، تلته عمليات برية وبحرية وجوية نفذتها المقاومة بجرأة غير مسبوقة.

في ذلك اليوم أظهرت غزة للعالم مرة أخرى كيف يمكن لمعجزة عسكرية أن تحدث، فمقاوموها بأسلحة متواضعة اخترقوا تحصينات الاحتلال ومعدات التجسس والاستشعار الأكثر تقدما في العالم، والهجوم الذي استهدف عمق المستوطنات الإسرائيلية أدى إلى مقتل نحو 1200 مستوطن وجندي، وجرح الآلاف، وأسر نحو 240 إسرائيليا. أما الاقتصاد الإسرائيلي فقد تلقى ضربة قاسية مع خسائر بمليارات الدولارات نتيجة توقف الأنشطة التجارية وهروب المستثمرين.

كان "طوفان الأقصى" الضربة التي حطمت كل أوهام نتنياهو، فطيلة سنوات حكمه حاول التخلص من غزة عبر الحصار والتجويع وصفقة القرن، لكنه وجد نفسه أمام مقاومة استطاعت أن تدير المعركة بكفاءة عسكرية وعبقرية تخطيطية قلبت موازين القوة، ثم لم تنجح حرب الإبادة التي شنها نتنياهو على القطاع في تحقيق أي من أهدافه، سواء القضاء على المقاومة وإنهاء حكم حماس، أو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، أو استرداد الأسرى بالقوة العسكرية، أو استعادة الردع العسكري، أو تعزيز مكانته السياسية المترنحة، بل خرج من المعركة كمجرم حرب تطارده المحاكم الدولية، وصور المجازر الإسرائيلية التي استهدفت المدنيين ودمرت المستشفيات والمدارس والمساجد جعلت العالم الذي كان يصفق لإسرائيل بوصفها "واحة الديمقراطية"؛ ربما يجلس بنيامين نتنياهو الآن وحيدا في مكتبه، محاطا بأعباء الفشل الذي ألقى بظلاله على مسيرته السياسية، هو القائد الذي حاول كسر غزة بكل ما أوتي من قوة، لكنه خرج من الصراع وهو مطارد بلعنات الضحايا وملاحقات العدالة الدوليةيرى إسرائيل بوجهها الحقيقي: دولة احتلال تتعمد ارتكاب الإبادة الجماعية، ونتنياهو الذي وقف في الكونغرس الأمريكي قائلا إن الحرب مع غزة هي صراع بين الحضارة والبربرية، أصبح اليوم رمزا للبربرية وعدم التحضر، في المقابل خرجت المقاومة أكثر قوة، وأصبح قائدها يحيى السنوار كجيفارا، رمزا عالميا للنضال وأيقونة للصمود، يتغنى به الأحرار في كل مكان.

مذكرات نتنياهو

ربما يجلس بنيامين نتنياهو الآن وحيدا في مكتبه، محاطا بأعباء الفشل الذي ألقى بظلاله على مسيرته السياسية، هو القائد الذي حاول كسر غزة بكل ما أوتي من قوة، لكنه خرج من الصراع وهو مطارد بلعنات الضحايا وملاحقات العدالة الدولية. وفي لحظة تأمل عميق قد يعود نتنياهو بذاكرته إلى القصة التي ذكرها في كتابه "مكان تحت الشمس" عن العجوز الفلسطيني من مخيم جباليا الذي سأله نتنياهو: "من أين أنت؟" فأجاب العجوز: "من المجدل"، استفسر نتنياهو مجددا: "هل تعتقد أنك ستعود إليها؟" فرد العجوز بثقة هادئة: "إن شاء الله يحل السلام ونعود إلى المجدل"، حينها رد نتنياهو بنبرة استعلائية قائلا: "إن شاء الله يحل السلام، ونحن نزور جباليا وأنتم تزورون المجدل"، لكن رد العجوز جاء حاسما: "نحن نعود إلى المجدل، وأنتم تعودون إلى بولندا".. ربما الآن وهو يسترجع هذا الحوار يدرك أن كلمات العجوز لم تكن مجرد أمنيات أو أحلام، بل كانت تعبيرا عن ثقة الفلسطينيين بحتمية العودة وعدالة قضيتهم وصلابة نفوسهم، الآن وهو يكتب خاتمة مسيرته السياسية ربما يضيف هذه القصة إلى دفتره كجزء من إرثه، لكنها هذه المرة تأتي مصحوبة بحكمة استخلصها من نار الفشل، كاتبا لمن يليه: "القاعدة الأولى في السياسة: لا تعبث مع غزة".

مقالات مشابهة

  • بين الوحدة والانقسام: موقف بعض قيادات “تقدم” من حكومة سلام ووحدة مقرها الخرطوم
  • السعودية تجنّد 1500 من المرتزقة وعناصر القاعدة في لودر
  • عوض بكاب: مبادرة "رد الجميل" خطوة جديدة نحو التنمية المستدامة في السودان
  • القاعدة الأولى في السياسة: لا تعبث مع غزة
  • سلطات الأمر الواقع البائس
  • الجيش السوداني يتقدم بمواقع جديدة والبرهان يتفقد مدينة شندي
  • الإسلاميون السودانيون وقطر- مخاوف القوى المدنية من التسريبات الأخيرة
  • البرهان يصل شندي ويتفقد الفرقة الثالثة مشاة
  • أبو الطيب البلبوسي يناشد البرهان!!
  • بعد 15 شهرًا.. البرهان وسط جنوده.. (القيادة جوة)!!