بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لكل عصر جاهليته. ونحن اليوم نجمع جاهلية العصور كلها. فقد سبق لبعض قادة الاحزاب ان اعترفوا منذ سنوات بتقاسم الكعكة، واتفقوا على توزيع المكاسب والمغانم فيما بينهم، ثم جاءت المحاصصة بصورتها الفرهودية المعلنة فمنحتهم التراخيص الفوقية لتفعيل اللجان الاقتصادية، حتى جاء اليوم الذي تحولت فيه معظم الأحزاب إلى دكاكين وأسواق وبازارات ومعارض ومنصات لترويج العقود وابرام الصفقات، وتحديد نسب الكومشنات.
الطامة الكبرى ان مصير معظم الشركات المحلية ارتبط ببعض الكيانات الحزبية بضمنها الشركات الأجنبية (الغربية والآسيوية)، فاصبحت محسوبة على هذا الطرف أو ذاك. وهكذا التقت مصالح القوى الانتهازية بمصالح القوى النفعية بشكل علني يتقاطع تماما مع التوجهات الوطنية والأخلاقية والنهضوية والإصلاحية. .
ثم دخلنا في مرحلة اكثر تعقيدا من سابقاتها عندما حملت السفيرة الأمريكية صولجانها لحماية بعض المدراء المتهمين بالتلاعب والتحايل والفساد، وصار السفير البريطاني يلقي محاضراته على رجال الإدارات المحلية في المحافظات، وانتشرت اجهزة التنصت والتعقب في مكاتب الوزراء والوكلاء والمدراء وداخل سياراتهم. .
ثم ساءت أحوالنا اكثر فأكثر عندما صار الشعب نفسه طرفا فاعلا في الصفقات المشبوهة، وفي توفير الحاضنات العشائرية للمفسدين والمفسدات. وفي ترجيح كفة من لا يستحق على من يستحق. وتحولت معظم وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية إلى أدوات رخيصة بيد من يدفع اكثر لتجميل صورته حتى لو كان شيخ المجرمين والقتلة. .
يُقال ان (الدكتور توماس فيرجسون) من جامعة ماساتشوستس في بوسطن، هو الذي وضع نظرية الاستثمار المالي في التنافس الحزبي، والتي اطلقوا عليها فيما بعد: نظرية الاستثمار في السياسة. وتتمحور حول السماح للمنتفعين والانتهازيين بالتدخل في النظم السياسية. لكن الثابت لدينا ان جماعتنا تفوقوا على توماس وافكاره الاستثمارية في مستنقعات السياسة عندما دقوا ركائز الخراب المؤلفة من: (الجهل – التخلف – الرجعية – التطرف – العنصرية – الكراهية). .
كلمة اخيرة: هل ثمة أمل بالإصلاح الموعود ؟. . . لا اعتقد ذلك. بل نحتاج الى معجزة كونية تشبه معجزة الطوفان. . د. كمال فتاح حيدر
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين
يبرز في السينما العربية المعاصرة مخرجون اختاروا جعل الكاميرا سلاحا سياسيا ناعما، لا يرفع الشعارات المباشرة، بل يلتقط نبض الشارع وتناقضات الإنسان العربي وهو يواجه واقعه الأليم في أغلب أحواله.
أفلام هؤلاء المخرجين ليست مجرد حكايات عن الفقر والقهر والحرب وغيرها من معضلات العربي المعاصر، بل قراءة بصرية للسياسة من داخل مجتمعاتنا التقطتها أعين مرهفة لمخرجين يبحثون عن إجابة لأسئلة صعبة، مثل، من يملك الحقيقة؟ ومن يدفع الثمن؟
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2من الأحلام إلى اللاوعي: كيف صوّرت السينما ما يدور داخل عقل الإنسان؟list 2 of 2"فرانكنشتاين" الجديد.. هكذا أعاد ديل تورو الحياة إلى أسطورة ماري شيلي المرعبةend of listكوثر بن هنيةتوظّف المخرجة التونسية كوثر بن هنية مزيجا متنوعا من الأدوات والأساليب السينمائية في نقدها السياسي والاجتماعي الجريء، متنقلة ببراعة بين الوثائقي والخيال، والميلودراما والكوميديا السوداء، لتتناول قضايا إنسانية معقدة مثل التمييز والعنف ضد النساء واللاجئين، والتطرف الديني، وصولا إلى عالم الفن المعاصر المليء بالادعاءات الزائفة.
تتميز أعمال بن هنية بطرحها أسئلة أخلاقية عميقة بدلا من تقديم إجابات جاهزة، فهي تكتب وتُخرج بنَفَس نقدي واضح، لكنها تترك للمشاهد حرية التأمل والحكم. وقد أكسبتها جرأتها في تناول الموضوعات الحساسة في السياق العربي مكانة استثنائية في السينما العالمية، بفضل قدرتها على تحويل القضايا الصعبة إلى سرد بصري مشوّق ومؤثر.
من فيلم "شلاط تونس" (2014) الذي مزج بين الوثائقي والسخرية السياسية لتسليط الضوء على ظاهرة الاعتداءات على النساء في تونس قبل الثورة، إلى "على كف عفريت" (2017) المستوحى من قصة حقيقية لفتاة تعرضت لاعتداء من رجال شرطة عام 2012، مرورا بـ"الرجل الذي باع جلده" (2020) الذي رُشّح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي واعتُبر بيانا فنيا عن الحرية والكرامة الإنسانية من خلال قصة لاجئ سوري يقبل تحويل جسده إلى لوحة فنية مقابل حقه في السفر، وصولا إلى "بنات ألفة" (2023) الذي مزج ببراعة بين الواقع والتمثيل في حكاية أم تونسية فقدت ابنتيها بعد انجرافهما نحو التطرف.
إعلانوفي عام 2024، قدّمت بن هنية فيلمها "صوت هند رجب"، مستوحية قصته من مأساة الطفلة الفلسطينية هند رجب، حيث استخدمت الفن كأداة للمقاومة والذاكرة، ليُعرض الفيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي ويحصد جائزة الأسد الفضي، مؤكدة مرة أخرى أن السينما بالنسبة إليها ليست ترفا، بل فعل مقاومة إنسانية وجمالية في آن واحد
View this post on InstagramA post shared by Kaouther Ben Hania (@kaoutherbenhania)
إيليا سليمانتكتسب القضية الفلسطينية في أفلام إيليا سليمان طابعا مختلفا، فهو غالبا ما يستحضر النكبة كفعلٍ مؤسِّس للتشتت الفلسطيني، ويهتم بجميع الفلسطينيين.
وبدلا من تصوير الصراع العربي الإسرائيلي بما يحمله من دراما مأساوية، يستخدم الكوميديا والفانتازيا والعبث ليُظهر المفارقة بين العادي والسياسي، وبين القمع والمقاومة اليومية، وهو أسلوب يتيح له أن يُظهر بشاعة الاحتلال بطريقة غير مباشرة.
تركّز الكثير من أفلام إيليا سليمان على التفاصيل الصغيرة في حياة الفلسطيني، مثل المرور عبر الحواجز، والحياة في المدن المزدحمة، والعلاقات العائلية المتشابكة، والطبقات الاجتماعية المختلفة. ويستخدم الصمت والتعبير البصري أكثر من الحوار، مما يبرز أثر الاحتلال ليس فقط كحدث سياسي بل كمعضلة يومية يعيشها الفلسطينيون.
يمكن تتبع كل ذلك منذ أول أفلامه الروائية الطويلة "سجل اختفاء" عام 1996، الذي يظهر فيه عودته إلى فلسطين بعد غياب طويل، ليبرز شعور الفلسطيني بغياب الهوية، ويستخدم بناء غير خطي للتعبير عن الانقسام والتشتت في الواقع الفلسطيني.
أما في "يد إلهية" عام 2002 فنشاهد كوميديا سوداء تميل إلى السريالية في رسم الحياة تحت الاحتلال، بمشاهد عبثية تعكس القمع اليومي الذي يتعرض له الفلسطينيون، وتسخر من حالة الاحتلال؛ فالشخصية الرئيسية صامتة إلى حد كبير، وموقفها راصد أكثر من كونه مشاركا.
بينما "الزمن الباقي" (2009) يغطي فترات تاريخية مهمة منذ عام 1948 من خلال ذكريات العائلة والرسائل اليومية، بأسلوب يجمع بين الهدوء والسخرية والتمثيل الرمزي للحياة اليومية تحت الاحتلال.
مرزاق علواشيغوص المخرج الجزائري مرزاق علواش في تفاصيل الحياة اليومية لأبطاله، عوضًا عن تقديم صراعات سياسية ضخمة بأسلوب ملحمي. فهو يتناول كوابيس البطالة، والمهاجرين غير النظاميين، وضجر الشباب من الواقع ويأسهم منه، كل ذلك ليُظهر أن السياسة ليست حدثا فقط، بل أسلوب حياة.
يوظف علواش المكان ليس كخلفية للأحداث فحسب، بل كشخصية فاعلة في النزاع السياسي، كما في فيلم "السطوح" عام 2013، الذي يتناول الثورة والدين والعنف والفساد من خلال قصص تدور فوق خمسة أسطح في خمسة أحياء مختلفة بالعاصمة الجزائرية. ينتقل الفيلم ليعرض تأثير السياسة والفساد والتشدد الديني على المهمشين في شوارع الأحياء الشعبية.
كما يستخدم السخرية والنقد غير المباشر في مواقف عادية لفحص التناقضات الاجتماعية والدينية والسياسية، مثل فيلم "باب الواد سيتي" عام 1994، الذي يدور حول فتى يعمل في مخبز تمتد ساعات عمله من الفجر، وينام خلال النهار. وعندما يرتفع صوت الإمام عبر مكبرات الصوت في حي باب الواد إلى أقصى درجة، يندفع لاقتلاع أحد المكبرات ويلقيه في البحر، فيُشعل بذلك ردود أفعال غاضبة.
إعلانويمزج مرزاق علواش بين سمات الأفلام الوثائقية والروائية، كما في فيلم "التحقيق في الجنة" (2017) و"حراقة" (2009)، الذي يتناول قصص مجموعة من الشباب الذين يهاجرون بصورة غير نظامية. فهو مخرج لا يركز فقط على النخبة، بل على الشباب الذين يفتقدون الفرص، وعلى أولئك الذين يعيشون في الضواحي المتهالكة، والذين لا يُسمع صوتهم عادة في الخطاب السياسي الرسمي.
View this post on InstagramA post shared by DRIFF (@catchthedriff)
نادين لبكي
تُعد نادين لبكي من أبرز المخرجات العربيات اللواتي استخدمن السينما كمنبر سياسي واجتماعي دون اللجوء إلى الشعارات المباشرة، خصوصا في أفلامها الأولى، حيث تتسلل السياسة عبر تفاصيل الحياة اليومية، في مشاهد بسيطة تحمل طبقات من المعنى.
في فيلم "سكر بنات" (2007) يتحول صالون تجميل في بيروت إلى مساحة رمزية لمجتمع منقسم بين التقاليد والانفتاح، حين تتقاطع مصائر نساء يحاولن التوفيق بين رغباتهن وقيود المجتمع. ويتطور هذا النهج في فيلم "هلأ لوين؟" (2011)، حيث تنتقل لبكي من نقد المجتمع إلى معالجة الانقسام الطائفي والحرب الأهلية، عبر لغة رمزية وكوميديا سوداء. نساء القرية -من الأمهات والزوجات- يقررن إيقاف حرب أهلية قبل بدئها باستخدام حِيل بدائية يغلب عليها الطابع الفكاهي، غير أن الغرض في النهاية هو الابتعاد عن الحرب التي يشعلها الرجال وتتحمل النساء أوجاعها، في إشارة واضحة إلى دور المرأة في الحفاظ على التماسك المجتمعي في مواجهة فشل المؤسسات السياسية.
View this post on InstagramA post shared by Nadine Labaki (@nadinelabaki)
وربما تميل نادين لبكي في "كفرناحوم" (2018) إلى بعض المباشرة، خصوصا في أجزاء الفيلم الأخيرة، غير أنه يبدأ بشكل درامي مؤثر عندما يقاضي طفل والديه لأنهما أنجباه في عالم قاس يواجه فيه، وهو لم ينضج بعد، الفقر والفساد وانعدام العدالة الاجتماعية. وبعيدا عن مشاهد المحاكمة الأخيرة، يفضح الفيلم -عبر الصورة- شوارع بيروت التي لا تُبالي بأطفال الشوارع، لتخلق المخرجة خطابا سياسيا من قصص يومية يمر عليها الكثيرون دون أن يبالوا بها.