فوزي إبراهيم يكتب: «مهرجان العلمين» وعظمة استثمار القوى الناعمة
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
بذكاء شديد، وبفطنة مصرية رائعة، أدرك القائمون على مهرجان العلمين ممن قرأوا التاريخ أن أعظم استثمار نجحت فيه مصر على مدى تاريخها هو استثمار القوى الناعمة، ذلك الاستثمار الذى حفظ لمصر مكانها ومكانتها ورفع لها رصيدها فى الوجدان العربى، فكانت الرياضة والسينما والمسرح والموسيقى والغناء والبناء هى أقوى أعمدة الارتقاء، وكان الذوق المصرى والروح المصرية هما جناحى الهوية والعبقرية المصرية فى كل هؤلاء.
ومع عبقرية المكان فى العلمين الجديدة جاءت عبقرية الفكرة فى صناعة هذا المهرجان الذى نجح بلا شك فى تحقيق أهدافه الترفيهية والترويجية، التى بدا للبعض أنها الأهداف الأهم للمهرجان، إلا أن هدفاً كان هو الأبرز والأسبق فى التحقّق، وهو النجاح فى استعادة الريادة والرصيد الوجدانى للقوى الناعمة المصرية وما لها من تأثير ضارب فى الأعماق وقادر على تحريك القلوب وتنوير العقول وإنعاش الساحات، وخلال دورتين فقط بدأنا نرى ملامح التعافى فى الذوق العام بفعل توليفة الفعاليات الحية التى أتاحت كل الألوان الفنية التى خاطبت كل الشرائح السنية والاجتماعية، وطرحت كل ما يمكن أن يُسمى فناً بملامحه التى لا تجرح الهوية المصرية، تلك التوليفة التى لم تترك الساحة مطاردة بلون واحد كان سبباً فى تخريب الذائقة المصرية والعربية على مدى سنوات غابت فيها الفعاليات الحية والتواصل المباشر بين النجم وجمهوره، سواء فى المهرجانات أو عبر البث فى الشاشات.
ففى حفل افتتاح المهرجان، التقى محمد منير بجمهوره العريض فى العلمين، وتابعته جماهير أعرض عبر الشاشات فى البيوت، وكان ذلك النجاح الكبير، ثم انطلقت من بعده الفعاليات والحفلات التى تنوّعت متعتها وبهجتها على مدى خمسين يوماً، وتأكدت معها أن المصريين هم أصل صناعة البهجة، وأن الروح المصرية هى السر الذى يجعل للبهجة فى مصر مذاقاً منفرداً لن تجده فى أى مكان بالعالم.
ودائماً كان الجمهور المصرى بروحه تلك جزءاً من نجاح أى نجم استطاع أن يلامس روحه، فاستحق أن تحتضنه هذه الروح وتصنع معه وهجه وبهجته، فترفعه إلى عنان السماء وتمنحه تأشيرة النجاح التى لا يضاهيها نجاح، لذا كانت الروح المصرية واللهجة المصرية أحد أسرار الريادة، وكان الجمهور المصرى أحد عناصرها، وهنا تكمن أهمية عودة الروح المصرية الحقيقية وعودة الذائقة المصرية الصحية غير المعتلة ولا المختلة، وعودة الحضن المصرى لكل نجوم مصر من كل الأجيال ولكل نجوم الوطن العربى، وتكمن أهمية مهرجان العلمين الجديدة فى إتاحة كل هذا من خلال هذا التنظيم المبهر الذى تولته عقول شابة وذاك التخطيط والتنفيذ لفعاليات اتسعت وتنوعت وأبهرت وحققت أهدافها بنجاح لافت.
رأينا كيف كان حفل كاظم الساهر، وكيف كان الحضور والتفاعل المذهل من الأجيال الصغيرة قبل الكبيرة مع أغنيات أغلبها بالفُصحى، وفاجأنا ذلك الذوق الذى كنا نظن أنه انحدر مع ظواهر حاصرت الشارع المصرى فى غياب الحفلات والفعاليات العامة والمهرجانات المدعومة من الدولة، ولا بد هنا أن أذكر أننا حين عرفنا كاظم الساهر لأول مرة فى صيف عام ١٩٩٥ كان من خلال حفل فى مهرجان أقامته الدولة فى مركز المؤتمرات من خلال وزارة السياحة لعدة سنوات، ونقله التليفزيون المصرى على الهواء مباشرة، وكانت انطلاقته بيننا هى الانطلاقة الكبرى له، والتى أصبح بعدها من أهم نجوم الغناء فى الوطن العربى، رغم أنه كان قد بدأ مشواره مع الغناء منذ عام ١٩٨٠
وكانت لى معه صدفة غريبة ربما لم تتحقّق لغيرى من الزملاء فى الصحافة الفنية، حيث كنت أول من قابله فى أروقة القاعة الكبرى بمركز المؤتمرات، وهو فى طريقه لإجراء (بروڤة الحفل) فى نهار اليوم السابق لها، ولأننى كنت مهتماً بالغناء فى ربوع الوطن العربى فقد عرفته وذهبت لأصافحه مرحباً به، فصافحنى مبتسماً ومتفاجئاً، ثم سألنى: أنت تعرفنى؟ وكرّر السؤال: هل هناك جمهور يعرفنى فى مصر؟ وأجبته مطمئناً إياه: نعم هناك الكثيرون يعرفونك فى مصر (وكان هناك كثيرون ممن سافروا إلى الخليج فى الثمانينات يعرفونه فعلاً).
وانتهزت الفرصة وأجريت معه حواراً ربما كان أول حوار له فى مصر فى هذه الأثناء، والطريف أننى حين ذهبت لأسلم الحوار -قبل إذاعة الحفل- إلى مجلتى التى أعمل بها رفضوه واكتفوا بخبر، فذهبت به إلى مجلة أخرى كانت ترأس تحريرها الإعلامية هالة سرحان وكنت مرتبطاً معها بما يُلزمنى بتسليم ثلاثة موضوعات على الأقل مقابل مبلغ شهرى، فغضبت منى الأستاذة هالة لأن كاظم ليس نجماً، وهى تريد حوارات نجوم، ولم تقبل الحوار حتى لا يكون مجرد عدد، وفى اليوم التالى أذيع الحفل فى التليفزيون وانقلبت الدنيا وإذا بالأستاذة هالة تكلف كل طاقم التحرير بالبحث عنى لينزل الحوار مفروداً على أربع صفحات بصورة لكاظم الساهر على غلاف مجلة «سيداتى سادتى» ولأتلقى اللوم من رئيس تحريرى فى مجلة «الكواكب».
لا أذكر هذه القصة لمجرد اجترار ذكريات خاصة، وإنما لأدلل على أهمية مثل هذه المهرجانات فى استرداد الكثير من الأدوار المستحقة لمصر، وأهمية استمرار الدولة فى إقامتها دون انقطاع، وفى دعمها ودعم كل من يقوم عليها، وأهمية أن نشكر الشركة المتحدة وكل من تعاون معها على الوقوف خلف هذا المهرجان بضخامته وضخامة فعالياته والتقاطها هذا الفكر النابغ فى استثمار قوانا الناعمة.
ومن بعد «كاظم» تأتى الرائعة ماجدة الرومى، بما لها من رصيد كبير فى قلوب المصريين، ولما لمصر من حب كبير فى قلب ماجدة الرومى، وكانت ليلة تعدّدت فيها مظاهر الفخامة والرقى والاستمتاع بكل ما غنته ماجدة الرومى، وشهدت به كل وسائل الإعلام.
ومن بعدها جاء النجم مدحت صالح بحضوره الخاص وبقدرته المبهرة على التفاعل مع جمهوره وخلق نوعاً من الوهج بقدراته الصوتية والذكريات التى نقشتها أغنياته فى قلب كل مصرى. ثم جاء الإبهار الذى شهدناه فى حفل تامر حسنى، وهذا النجاح اللافت الذى حقّقه تامر بين جمهور يأتيه من كل مكان فى مصر، ويعرف تامر كيف يحافظ عليه ويوسّع حجمه بحرصه الدائم على التجدّد والتطور فى الشكل وفى المضمون، وفى تفاصيل الظهور الاستعراضى النابض والحى.
وظل الإبهار فى التصاعد مع الفعاليات المتعدّدة، خاصة فى حفل نجوم التسعينات وما حققه من حضور حاشد لأكثر من جيل، واستمر لأكثر من خمس ساعات، وترك الحفل ظلاله على كل ما جاء بعده، حتى جاءت الذروة فى حفل الهضبة عمرو دياب وبراعته فى التواصل مع الملايين وفى بث الحرارة والبهجة فى جميع أرجاء المكان، منسجماً مع سحر العلمين الجديدة وأجوائها وفخامتها، فخرجت الصورة بملامح عالمية بامتياز
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مهرجان العلمين القوى الناعمة مهرجان العلمين العلمين الجديدة الروح المصریة فى مصر فى حفل
إقرأ أيضاً:
أكاديميون: مؤسسة زايد للتعليم استثمار استراتيجي في القدرات البشرية
أكد أكاديميون أن إطلاق مؤسسة زايد للتعليم في عام المجتمع، يجسد التزام القيادة الحكيمة بتطوير منظومة التعليم وتمكين الشباب من امتلاك الأدوات والمهارات اللازمة لقيادة المستقبل، مشيرين إلى أن هذه المبادرة تمثل استثماراً استراتيجياً في القدرات البشرية، وتعزز مكانة الإمارات كمركز عالمي للمعرفة والابتكار النوعي.
وقال مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج، أستاذ جامعي بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، الدكتور عيسى صالح الحمادي أن "رؤية الوالد المؤسس الشيخ زايد، رحمه الله، في تعزيز مكانة دولة الإمارات على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، كانت تنطوي على الطموح في قيادة المستقبل وتقديم الخير للبشرية، وكان التعليم في مقدمة أولوياته كأداة أساسية لتحقيق النهضة والتطور".
تمكين الشبابوأكد أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، كرس تلك الرؤية عبر إطلاق مؤسسة زايد للتعليم، بهدف تمكين الشباب القادة في الإمارات والعالم من إيجاد حلول للتحديات العالمية الملحة.
دعم الإبداع والابتكاروقال: "المؤسسة ستعزز مكانة الإمارات كمركز تعليمي عالمي، عبر دعم العقول المبدعة وتطوير الأبحاث والاختراعات، وتحسين التنافسية الدولية. كما تهدف إلى دعم 100 ألف موهبة شابة، ما يساهم في تأسيس صناعات وشركات قائمة على الابتكار، ترسخ مكانة الدولة كمصدر رئيسي للحلول المستقبلية وخدمة البشرية".
رؤية طموحةوأوضحت، الأستاذ المشارك في قسم الممارسة الصيدلانية والعلاجات الدوائية، بجامعة الشارقة، الدكتورة نادية راشد علي المزروعي أن "إطلاق مؤسسة زايد للتعليم يعكس الرؤية الطموحة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، في تمكين الشباب وإعدادهم لقيادة المستقبل من خلال التعليم والبحث والابتكار".
تطوير مهارات القيادةوأكدت أن المبادرة الخلّاقة ستساهم في تطوير مهارات القيادة والإبداع، مما يمكّن الأجيال القادمة من التعامل مع التحديات العالمية بحلول مستدامة".
وقالت: "تأتي هذه المؤسسة لتواكب التطورات المتسارعة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مما يوفر بيئة تعليمية متكاملة تدعم الريادة والابتكار. كما أنها تمثل استثماراً طويل الأمد في العقول الشابة، حيث تمنحهم الأدوات والموارد اللازمة للمساهمة بفعالية في تنمية المجتمعات وصناعة المستقبل".
بدورها، أكدت أستاذة بكلية الاتصال في جامعة الشارقة، الدكتورة نوال النقبي، أن أهمية إطلاق مؤسسة زايد للتعليم تزامناً مع عام المجتمع تتجلى في تعزيز التعليم النوعي، وبناء قادة المستقبل المبدعين، ومن المتوقع أن تساهم المؤسسة في إثراء المشهد الأكاديمي، من خلال توفير فرص تعليمية متقدمة وبرامج تدريبية تواكب احتياجات العصر، مما يمنح الشباب الأدوات اللازمة لمواجهة التحديات العالمية وتحقيق التنمية المستدامة.
وقالت: "مؤسسة زايد للتعليم، تعكس رؤية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، المنبثقة من نهج المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه"، في جعل التعليم وتمكين الأجيال ركيزة أساسية لبناء مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة".
من جانبه، أشار أستاذ اللغة العربية، بجامعة خورفكان، الدكتور مصطفى محمد أبوالنور، إلى أن إطلاق الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، مؤسسة زايد للتعليم، سيعزز من تمكين القادة الشباب وتطوير حلول مبتكرة للتحديات العالمية، وإلى إحداث نقلة نوعية في المشهد التعليمي عبر تقديم برامج تعليمية متطورة، ودعم البحث العلمي، وتعزيز الشراكات الأكاديمية الدولية. وأكد أن المؤسسة ستسهم في إرساء نموذج تعليمي مستدام ومبتكر.