أشرف غريب يكتب: كريم عبدالعزيز.. الرجل الذي عاد
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
ثلاثة وعشرون عاماً قضاها كريم عبدالعزيز بعيداً عن جمهور المسرح منذ أن شارك عام 2001 فى بطولة مسرحية «حكيم عيون» مع علاء ولى الدين وأحمد حلمى فى أعقاب نجاح فيلمهما المشترك «عبود ع الحدود»، لكن «السندباد» قرر أن يحط الرحال أخيراً فى العلمين.
قرر كريم أن يقطع هذه الجفوة المسرحية غير المقصودة وأن تكون عودته إلى جمهور المسرح فى مصر من على ساحل البحر المتوسط فى أكثر البقاع سحراً وجمالاً بعد أن شهد الجمهور السعودى إرهاصات هذه العودة قبلها بقليل فى عروس البحر الأحمر، مدينة جدة الجميلة لينضم كريم إلى مجموعة الطيور التى أعادتها الدورة الثانية لمهرجان العلمين إلى دفء أعشاشها بين الجماهير التى ارتبطت بها.
إن النجاح الساحق الذى تحقق لمسرحية «السندباد» فى العلمين يؤكد أن الجمهور كان متعطشاً لرؤية نجمه الكبير وجهاً لوجه على خشبة المسرح وليس مجرد أطياف مرئية على شاشة بيضاء لا روح فيها ولا تفاعل معها على خلاف ما هو حادث فى المسرح.
ويؤكد أيضاً أن كريم لم يعد فقط مجرد نجم سينمائى، وإنما كذلك هو نجم مسرح كبير حتى لو كان قد فقد حماسه سابقاً لتكرار تلك التجارب كى تحدث تراكماً ملحوظاً يثبت به قدميه كنجم مسرحى رفيع المستوى والأداء، وفى حقيقة الأمر فإن كريم يعيش أفضل سنوات نضجه الفنى، فالممثلون نوعان: نوع ظهرت عليه الموهبة منذ إطلالته الأولى على الجمهور، فبدت نجوميته طاغية متفجرة، تلفح وجوه منافسيه.
وتمنحه تلك الحظوة الجماهيرية التى سرعان ما تتحول إلى عامل ضاغط أو قيد حريرى فى كل اختياراته الفنية أملاً فى الحفاظ على هذا النجاح الاستثنائى، ولكن مع مرور السنين وتراكم التجارب قد لا يستطيع هذا الممثل الثبات على المستوى الفنى الذى ينتظره منه الجمهور والنقاد معاً، فيصبح الجمهور عقدته، والنقد عدوه، وتذبذب المستوى هاجسه الذى يقض عليه مضجعه فى صحوه ونومه، وأمثلة هؤلاء كثيرون، ربما كانت أبرزهم السندريلا سعاد حسنى التى ظهرت للمرة الأولى بطلة لفيلم «حسن ونعيمة» سنة 1959.
وهناك نوع آخر من الممثلين هو ذلك الذى تنضج موهبته على نار هادئة من عمل إلى آخر، حتى تزداد نجوميته بريقاً ولمعاناً مع توالى الأدوار والشخصيات الفنية التى يؤديها، فإذا ما اشتد عود موهبته، وبرق نجمه فى سماء الفن، تثبت فى مكانه سنين طويلة، وتشبث بمكانته ما شاء له عطاؤه وجهده أن يتشبث.
وهذا النوع فى رأيى هو الأكثر رسوخاً وبقاء على النحو الذى تابعناه فى مشوار ممثل كبير مثل عادل إمام الذى بدأ من عند سفح الصعلكة متدرجاً فى النضج والنجاح، حتى أضحى نجم النجوم، وأكثر من عرفهم فن التمثيل نجاحاً وشهرة لا لشىء إلا لأن تجارب الأيام والسنين منحته القدرة على حسن الاختيار وبراعة الأداء، وهما المقومان الأساسيان لبقاء أى مبدع فى بؤرة الأضواء والنجاح.
ويمكننى التأكيد بكل ارتياح على أن كريم عبدالعزيز بات واحداً من هؤلاء الذين ينتمون إلى النوع الثانى من الممثلين، فكريم بطل فيلم «بيت الروبى» المعروض عام 2023 الذى ينظر إليه الكثيرون على أنه صاحب أعلى الإيرادات فى تاريخ السينما المصرية، أو بطل مسلسل «الحشاشين» رمضان 2024 والذى أبهر الجميع بأدائه لشخصية «حسن الصباح» شيخ القلعة وصاحب مفتاح الجنة.
ليس هو بالتأكيد ذلك الذى بدأ مشواره الفنى قبل خمس وعشرين سنة بعد أن تجاوز مرحلة أدوار الطفولة والتى كان أبرزها دوره مع عادل إمام وسعاد حسنى فى فيلم «المشبوه» سنة 1981، فمن تدثر بعباءة حسن الصباح على شاشة رمضان لمدة ثلاثين ليلة ليس هو «هانى» ذلك الشاب المتمرد العابث فى أول أدواره التليفزيونية فى مسلسل «امرأة من زمن الحب» عام 1998، أو «طارق» ابن طبقته الأرستقراطية فى أول أدواره السينمائية فى فيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة» العام نفسه.
أو دوره المساعد فى «عبود على الحدود» العام التالى، أو بطولته المشتركة فى «ليه خليتنى أحبك» و«جنون الحياة» عام 2000، قبل أن ينهض ببطولاته الأولى فى «حرامية فى كى جى تو»، و«حرامية فى تايلاند» و«الباشا تلميذ» و«أبوعلى»، ثم هو أيضاً فى «السندباد» ليس هو ذلك الممثل المبتدئ الذى كان يتحسس خطواته على خشبة أبى الفنون فى مسرحيته الأولى «حكيم عيون» قبل ثلاثة وعشرين عاماً.
وبين بدايات كريم والمرحلة التى يعيشها الآن عشرات التجارب المتدرجة التى أنضجت موهبته بتؤدة وتروٍ، وجعلته فى مصاف النجوم الكبار، لقد وصل كريم فى «كيرة والجن» ثم «بيت الروبى» إلى قمة النضج السينمائى، وفى «الحشاشين» إلى قمة النضج التليفزيونى، وها هو من على خشبة مهرجان العلمين يصل بـ«السندباد» إلى قمة النضج المسرحى ليكمل مثلث الأداء المتمرس فى مجالات الإبداع الثلاثة.
اللافت إلى حد الدهشة أن كريم عبدالعزيز الذى بدأ مشواره مع التمثيل طفلاً فى الثالثة من عمره فى فيلم «البعض يذهب إلى المأذون مرتين» لم يكن يريد لنفسه أن يكون التمثيل طريقه فى الحياة، وإنما الإخراج السينمائى على نهج والده وعمه المخرجين الكبيرين محمد وعمر عبدالعزيز، ومن أجل ذلك التحق بقسم الإخراج فى المعهد العالى للسينما، وتخرج فيه، بل وعمل بالفعل مساعد مخرج فى أكثر من عمل تمهيداً لبداية مشواره خلف الكاميرا، لكن القدر أراد له أن يكون أمامه واحد من ألمع ممثلى جيله، وأظنه سوف يحافظ على تلك المكانة لسنوات طويلة بقدر وعيه فى اختيار أعماله، وجهده فى أداء أدواره.
باختصار: لقد بات اسم كريم عبدالعزيز فى هذه المرحلة من عمره الفنى عنواناً للجودة، وتجربة إنسانية ملهمة تستحق أن تكون أمام أعين كل من يبحثون عن النجاح والتميز
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: كريم عبدالعزيز حكيم عيون السندباد کریم عبدالعزیز
إقرأ أيضاً:
معارك الاستقرار إقليميًا وداخليًا
لا شك أن مصر تخوض معارك عدة فى صمت ودون ضجيج سياسى أو شو إعلامى، لترسيخ الأمن والاستقرار فى محيطها الإقليمى، وأيضًا مجتمعها الداخلى بهدف تحقيق أهدافها الاستراتيجية ومصالحها الوطنية وخططها التنموية سواء كانت فى مشروعات قومية عملاقة أو من خلال جذب المزيد من الاستثمارات وجميعها ترتبط بعملية الأمن والاستقرار، وقبل أيام نجحت مصر فى واحدة من أهم وأخطر القضايا التى تشعل منطقة الشرق الأوسط وهى حرب غزة، ولم يكن النجاح المصرى فى هذا الملف التاريخى والمعقد بسبب المفاوضات المضنية التى قادتها مصر وقطر وأمريكا مع طرفى الحرب إسرائيل وحماس والوصول لإعلان وقف الحرب وتبادل الأسرى المحتجزين.. وإنما النجاح الحقيقى الذى حققته مصر كان منذ البداية لهذه الحرب، ومن خلال الرؤية الاستراتيجية التى وضعها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مواجهة كل المخططات لتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية، عندما دعا لمؤتمر دولى فى القاهرة وأعلن عن رفض مصر عمليات التهجير، واستخدمت مصر نفوذها السياسى والعسكرى فى وضع خطوط حمراء لا يجب تجاوزها، وقررت مصر إغلاق معبر رفح وتعزيز التواجد العسكرى فى سيناء وعلى الحدود وربط فتح المعبر لخروج الرعايا الأجانب بدخول المساعدات للفلسطينيين.
المواقف المتشددة التى اتخذتها مصر فى مواجهة الكيان الصهيونى وبعض الأطراف الأخرى، واستخدام مصر لكل أدواتها ونفوذها السياسى والعسكرى للحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وعدم تصفية القضية أو انفجار المنطقة بكاملها، كان مدعاة لحروب خفية ضد مصر طوال الفترة الماضية، استخدمت فيها بعض وسائل الإعلام المسيسة والموجهة التى شككت من حين لآخر فى الدور المصرى، وغالى البعض إلى حد اتهام مصر فى المساهمة فى منع دخول المساعدات للجانب الفلسطينى، بينما مارست وسائل إعلام أخرى الضغوط على مصر لفتح الحدود أمام هروب الفلسطينيين من القصف إلى سيناء، وذهب آخرون للتشكيك فى القدرات المصرية بسبب تواجد قوات الاحتلال الإسرائيلى فى محور فلادليفيا على أرض غزة، وغيرها من المؤامرات والمغالطات حول الدور المصرى، وكلها لأسباب مختلفة، وإن كان على رأسها الدور الإقليمى الحيوى الذى تلعبه مصر وتفرضه فى المنطقة فى مواجهة مصالح البعض، ولم تكن أحداث سوريا الأخيرة إلا كاشفة للواقع والمخططات التى تحاك بالمنطقة، عندما تجاهل كثيرون المشاهد المفجعة لقيام إسرائيل بتدمير شامل للبنية الأساسية للجيش السورى برًا وبحرًا وجوًا واحتلال مزيد من الأراضى السورية وسط أجواء الاحتفال بوصول تيار الإسلام السياسى للسلطة وتوجيه رسائل مسيئة لمصر.. لتأتى لحظة الإعلان عن وقف الحرب فى غزة بكل شروط مصر كاشفة لكل الحقائق وقدرات مصر فى تحقيق أهدافها الاستيراتيجية.
مؤكدًا أن وقف الحرب فى غزة سوف يعيد الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ولمصر بشكل خاص سواء على المستوى الاستيراتيجى فى البحر الأحمر وقناة السويس وعودة حركة التجارة إلى معدلاتها، كما تسهم فى جذب المزيد من الاستثمارات وحركة السياحة التى شهدت انتعاشًا مؤخرًا بفضل حالة الأمن والاستقرار التى تنعم بها مصر من خلال جهود رجال الشرطة المصرية البواسل الذين قدمو تضحيات هائلة فى مواجهة الإرهاب خلال السنوات الماضية، وتمكنوا من فرض الاستقرار وتحقيق أعلى معايير الأمن فى المجتمع المصرى والمساهمة فى خطة الدولة للتنمية الشاملة فى عطاء مستمر لهذا الجهاز الذى يضرب أروع الأمثلة الوطنية فى مواجهة كل المخاطر على مدار تاريخه، ولم تكن معركة الإسماعية فى 25 يناير عام 1952 إلا واحدة من الملاحم التى سجلها التاريخ، عندما رفض رجال الشرطة المصرية الاستسلام بأسلحتهم الخفيفة وأبلغوا وزير الداخلية فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية مواجهة قوات الاحتلال الإنجليزى بكل آلياته العسكرية الثقيلة من دبابات ومدافع وكبدوهم خسائر فادحة، ويجبرون قائد القوات البريطانية على تقديم التحية لهم ويتحول هذا اليوم إلى عيدًا للشرطة المصرية يحتفل بهع كل المصريين.. كل التحية والتقدير لقيادات ورجال الشرطة البواسل وعلى رأسهم السيد محمود توفيق وزير الداخلية الذى يعمل فى صمت.
حفظ الله مصر