جاء من بورسعيد إلى القاهرة، شابا موهوبا متحديا.. كان لديه صوت جميل وحلم مشروع وطاقة استمرت معه لأكثر من 40 عاما.. يغنى عمرو دياب فينشر البهجة والسعادة.. تتعاقب الأجيال، ويتجدد هو، يطور موسيقاه وطلته، ويدرس الجمهور جيدا وتغييراته وأفكاره ليحافظ على مشروعه الغنائي المهم والمستمر. لذلك عندما يوجد مطرب أسطورة لا يتكرر مثل الهضبة في مدينة ساحرة لا مثيل لها كالعلمين، تستضيفه هو وجمهوره في حفل ضخم.
في لقاء قديم لعمرو دياب مع الإعلامي مفيد فوزي، قال عمرو: «أنا أتمنى أن أنا أبقى موضة ومابقاش موضة لأن أنا في اعتقادي لما أعمل موضة في العالم العربي وفي مصر.. يبقى أنا بأثر وليا وجود وكيان.. بس كون الموضة دي تنتهي يعني تنطفي على طول يبقى ماليش أي لازمة». وبالفعل لم تنطفئ موضة الهضبة، وامتد تأثيره على الأجيال المختلفة، وأصبح له كيان ومشروع ضخم يفتقده الكثير من المبدعين حتى لو توافرت لديهم الموهبة.
مشوار لم يكن سهلاً أبداً، رحلة انطلقت من بورسعيد إلى القاهرة، درس بالمعهد العالي للموسيقى العربية، وفي بداية الثمانينات قام بغناء «الزمن» وألبوم يا طريق، وانطلق بعدها بألبومات مميزة ترك خلالها بصماته الواضحة.. يصدح بصوته ويغنى معه الناس، تتعاقب الأجيال وتمر السنوات، ولا ننسى أبداً البهجة التى صنعتها أغنية «ميال»، والنجاح الكبير لأغنية «شوقنا». ومن المشاهد التي لا تنسى في مشوار عمرو دياب، حينما كان يجري بحيويته وهو يغني في الاستاد أغنية «بالحب اتجمعنا»، في افتتاح دورة الألعاب الأفريقية عام 1990.
في التسعينات، كان أيقونة نجاح متفردة، يفرض حالة من الانتظار والترقب لا تتكرر قبل إصدار ألبومه، مكسب لباعة شرائط الكاسيت، جمهوره يشترى الألبوم حين صدوره.. لا يقبل التأجيل. صوته يصدح من داخل السيارات. وكأنها تتراقص ببهجة على الطريق، غنى الناس معه «حبيبى، ويا عمرنا، ويلومونى، وراجعين، ونور العين، وعودونى، وقمرين»، أغانٍ عاشت وتعيش حتى وقتنا الحالى. وفي عام 1999 قام عمرو دياب بغناء «أنا مهما كبرت صغير» بكلماتها المؤثرة وصوته المؤثر.
وكانت الألفينات مرحلة أخرى مهمة في مشوار الهضبة، النجاح فيها كان ساحقا، بداية من ألبوم «تملى معاك» الذي أعتبره واحدا من أهم الألبومات الغنائية على الإطلاق، كان شديد الاختلاف في كل أغانيه حتى في طلته، لدرجة أن البلوفر الذى ارتداه أصبح موضة غير عادية وقتها وارتداه آلاف الشباب في الشارع العربي. ثم غنى «أكتر واحد، علم قلبى، كمل كلامك، الليلة دى، وياه»، وفي عام 2010٠ راهن على إصدار مينى ألبوم «أصلها بتفرق».. والذي لاقى نجاحا كبيرا رغم أنه يضم أغنية واحدة بتوزيعات مختلفة.
واستمر عمرو دياب في النجاح حتى وقتنا الحالي، يقف على قمة الغناء، قد نختلف معه في بعض إطلالاته، اختياراته أو مواقفه، ولكن لا خلاف على أنه أنجح مطرب عربى والأكثر استمرارية وقبولاً، وكل ذلك نتيجة الاجتهاد والتعب والتخطيط والذكاء، وهو ما قاله أيضاً في حواره مع مفيد فوزي: «أنا واحد من الناس باشتغل ودرست وماباخدهاش من ضربة حظ.. وباخدها بالبهدلة لحد لما باوصل وباتعب وباشوف ده صح وده غلط لحد ما بعمل كيان وعملت جمهور والجمهور ابتدى يتقبل».. وما زال الجمهور يتقبل يا هضبة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: عمر دياب بورسعيد مهرجان العلمين عمرو دیاب
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: لماذا نظامُ البكالوريا المِصْريّة؟
عندما يُعاني النظام الحالي من عجزٍ واضحٍ في تأهيل المتعلم لمرحلةٍ مِفْصَليّةٍ، يتحدد على أثرها مستقبله الأكاديميّ، أو المهنيّ؛ فحينئذ ينبغي أن نسارعَ نحو تبني نظامٍ أكثر فاعليةٍ حيال تجهيز المتعلم للمرحلة الدراسية التالية، ومنها إلى سوق العمل المتغير الذي يتطلب كفاياتٍ قد أضحت متقدمة بما تشمله من مهاراتٍ، ووجدانياتٍ من شأنها أن تمكن الفرد من مواصلة اكتساب مهارات القرن الحادي والعشرين بصورةٍ وظيفيةٍ.
وعندما نجد فرصة من خلالها يتمكن المتعلم من اكتساب خبرات تعليمية وفق فلسفة الإتقان، وفي ضوء قدراته الخاصة، وفي ظل ماهية الفروق الفردية؛ فإن مدعاة التمسك بهذا النظام التعليمي الجديد قد باتت غاية في الأهميّة، وتفتح مسار أملٍ؛ لتحسين مخرجات التعليم، وهذا دون شك مما نطمح فيه، ونأمل أن يتحقق على أرض الواقع التعليمي المصري.
وعندما لا يراعي النظام التعليمي الحالي ظروف المتعلم أثناء اكتسابه لخبرات التعلم، ويركز على ماهية حصد أعلى الدرجات، التي يصنف الطلاب من خلالها، ولا يفتح مجالًا لفرص حقيقية تقدم للمتعلم من أن يحاول الكرّةَ، ويُظهر ما لديه من قدرات؛ فإن الأمر يستلزم منا أن نبحث عن نظامٍ بديلٍ يفتح مسارات التمكين، ويراعي الظروف الطارئة، ويوفر مقومات الطمأنينة؛ فيخلصنا من التنافسية، التي تضير بالمتعلم، بل وبأسرته على حدٍّ سواء.
وأرى أن الخطو نحو الجامعة لا يتطلب ضغطًا في إكساب أبنائنا الطلاب الخبرات التعليمية المستهدفة في عامٍ دراسيٍّ واحدٍ، بل يستلزم التَّمهُلَ في تمكينه لمزيد من الخبرات لفترة قد تمتد لعامين، كما هو متضمن في نظام البكالوريا الجديدة؛ ومن ثم يصبح مؤهلًا للمرحلة التالية في ضوء ما يمتلكه من خبراتٍ نوعيةٍ للمجال الذي تم اختياره طواعيةً بعد المرور بمرحلة التأسيس، أو ما تسمى بالمرحلة التمهيدية.
وأطمح في نظامٍ يسعى لغرس منظومةٍ من القيم، والأخلاق الحميدة من خلال حرصه على أن تكون دراسة التربية الدينية بصورةٍ إلزاميّةٍ، أو أساسيّةٍ تضاف إلى مجموع درجاته؛ فهذا له أثرٌ فاعلٌ دون مواربةٍ في تشكيل الشخصيّة، وبناء الإنسان، وهنا يمكن أن نتحاور حول مسألة مسمَّى المادة؛ لتصبح موحَّدةً على جميع الطلاب؛ كأن نطلق عليها التربية الأخلاقية، أو ثقافة القيم النبيلة، أو غير ذلك من المسميّات التي تحاول أن تخرجنا من دائرة الفرقة، وتجعل هدفنا موجهًا نحو الغاية المنشودة، والتي أضحت مفتقدةً بقدرٍ لا يُسْتهَانُ به.
ومن ثم فإنّني أُثَمّنُ طريقة فتح المسار أمام اختيار التخصص في ظلِّ محكِّ التأسيسِ بالمرحلة التمهيدية؛ فما أصعبَ الاختيارَ المحدودَ!، وما أجملَ تعدديّةَ الاختيارِ!، التي تقوم على إدراكٍ حقيقيٍّ لقدرات الطلاب، وميولهم العلمية، وشغفهم نحو دراسة مجالٍ بعينه دون أخر، وما أفضلَ مشاركةَ الأسرةِ!، والمؤسسة هذا الاختيار بمزيدٍ من الرويّة، وبعيدًا عن فلسفة سرعة اتخاذ القرار المبْنيُّ على معلوماتٍ، وبياناتٍ غير مكتملةٍ.
وأعتقد أن قضية الفروق الفردية قد نالت الاهتمام في ظل نظام البكالوريا المصرية المقترح، كما أن مراعاة أساليب التفكير التي ترتبط بقضية الفروق قد أضحتْ محلَّ اعتبارٍ؛ فمنْ لديه نمطٌ من التفكير يطغى على غيره من الأنماط الأخرى فقد أصبح اختيارُهُ صحيحًا للمجال التخصصي بما يؤهله للمرحلة الرئيسة التالية بشكلٍ يستكمل فيه جملةً من الخبرات المُسْتهدفة؛ ومن ثم يُعدُّهُ لبوابةِ الدراسة بمؤسسات التعليم العالي بشكلٍ جيّدٍ؛ فيصبحُ قادرًا على استكمال مساره التعليمي الذي يمدُّهُ بالتَفرَّدِ المهاريِّ المؤهل قطعًا إلى سوق العمل الذي يتعطش لذلك.
وما أودُّ الإشارةُ إليه هو ضرورةُ التَّحَاورِ على أن تكون مادة اللُّغة العربيّةِ مادةٌ أساسيّةٌ في الصفّينِ الثاني، والثالث بمرحلة البكالوريا، بيْد أنها لبنةٌ رئيسة لتشكيل الهُويَّة الوطنيّةِ، وصنْوانٍ يحفظ للإنسان ثقافته؛ ومن ثم تقيه من سلبياتِ الثقافات الوافدة، وتحميه من الانجراف إلى مسبباتِ إضعافِ قيم الولاء، والانتماء لقوميّته؛ لذا أرى أن نتدارس هذا الأمر؛ ليتَّخذَ القرارَ القويمَ، الذي يصبُّ في صالح مستهدفات الوطن العليا، وغاياته؛ فالجميع يعشق تراب هذا الوطن، ويأمل أن يكون راقيًا مزدهرًا بشكلٍ يتَّسِمُ بالديمومةِ، والاستمراريّةِ.
دعونا نسْتبعدُ نظامًا تعليميًا قد بات مريضًا، وبدت عليه علامات الهِرَمِ، فلا يستطيع أن يواكب خريجيه، ومتسبيه متطلبات سوق العمل، المصبوغِ بالتقنية، والمُغَطَّى بفلسفة التفرد المهاري في أي مجال من مجالاته، دعونا نتوافق على الملامح الرئيسة لنظام البكالوريا المصرية، ونضع سويًا مستلزمات، ومقومات نجاحه، دعونا نوحد رغبتنا، وغايتنا تجاه النهوض بتعليمنا الذي يشغلنا جميعًا دون استثناءٍ؛ باعتباره لبنةٍ التَقدّمِ، وقاطرةِ النهضة، والتنمية المستدامة في شتى مجالاتنا الحياتية، والعلمية، والعملية.
وبكل صراحةٍ يمكننا أن نقولَ: إن من يعارضْ نظام البكالوريا المصرية وفق ما يرى من تخوفاتٍ، وتوقعاتٍ تقوم على قناعاته نحْترمْ رأيه، بل ونُثمّنُه؛ لكن يبقى الحوار المجتمعي، والرأي المصريّ الجمعيّ هو الفيصلُ الأوحدُ الذي نرتكنُ إليه؛ فما اجتمعتْ أمةٌ على باطلٍ.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.