جنيف ما بين الصراع الدولي وأشواق شعبنا في السلام.. المأساة الإنسانية في السودان

* عبد الجليل الباشا محمد أحمد

لاشك أن حرب 15 أبريل قد خلفت مأساة إنسانية غير مسبوقة، حيث أكدت التقارير الأممية والمحلية بأن عدد النازحين داخليا الذين تركوا ديارهم ومنازلهم قد بلغ 9 ملايين شخص، بينما لجأ عدد 2 مليون إلى الدول المجاورة بحثا عن الأمن والاستقرار، في حين بلغ عدد الذين لقوا حتفهم في هذه الحرب اللعينة حوالي 19000 وربما يفوق الموتى هذا العدد بكثير بحسب التصفيات والاغتيالات على أساس الهوية، لا سيما وأن هناك العديد من المفقودين الذين كان ومازال مصيرهم مجهولاً، هذا وقد بلغ عدد الجرحى 33000، وفوق هذا وذاك هناك 25 مليون مهددين بشبح المجاعة، في الوقت الذي بلغ فيه عدد المتأثرين بالسيول والأوبئة والأمراض حوالي 117000 حسب الاحصائيات الرسمية، هذا بالإضافة إلى الدمار والخراب الذي حل بالبنية التحتية والخدمية وتهتك النسيج الاجتماعي بسبب الاستقطاب الحاد وانتشار خطاب الكراهية وإثارة النعرات القبلية والجهوية بغرض تحويل الحرب إلى نزاع إثني شامل لايبقي ولا يذر، وحتى الذين يعيشون في السودان معاناتهم تزداد يوما بعد يوم نتيجة لندرة المواد الغذائية وغلاء الأسعار وانعدام السيولة والاعتقالات والملاحقات والمضايقات في الطرقات.

* جنيف مابين التفاؤل وخيبة الأمل:

في ظل هذه المعاناة جاءت محادثات جنيف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وبمشاركة دولية و‘قليمية واسعة مما أعطى الأمل لأهل السودان في إنهاء الحرب وتحقيق السلام الذي يسدل الستار على فصول مآسي النزاع الذي هدد البلاد في تماسكها ونسيجها ووجودها، فبالرغم من النجاح الذي حققته المحادثات في إيصال المساعدات الإنسانية من خلال فتح  بعض المعابر الحدودية إلا أن السودانيين والسودانيات قد أصيبوا بخيبة أمل كبيرة في فشل المفاوضات في تحقيق وقف إطلاق النار، فمهما كانت إلتزامات الأطراف فإن هذا الاتفاق معرض للانهيار في أي لحظة طالما أن الحرب مستمرة باعتبارها تشكل السبب الرئيسي في كل معاناة أهل السودان.

* لماذا فشلت جنيف في تحقيق وقف إطلاق النار؟

في تقديرى الشخصي هنالك أسباب عديدة لم تمكن محادثات جنيف من بلوغ سدرة منتهاها حسب الأهداف الثلاثة التي أعلنها الوسطاء وهي:-

أولا: غياب الضغط الكافي من قبل المجتمع الدولي والإقليمي وذلك بسبب صراع المصالح بين الولايات المتحدة وروسيا على منطقه البحر الأحمر مما أعطى قيادة الجيش فرصة للمناورة والمساومة لتحقيق مكاسب متعلقة بشرعنة السلطة سواء كان بالاعتراف أو التسليح بدلاً من التركيز على السلام لإنهاء معاناة شعب السودان المغلوب على أمره.

ثانيا: سيطرة واختطاف الحركة الإسلامية لقرار الجيش، مع إصرارها على استمرار الحرب حتى تجد موطئ قدم في المعادلة القادمة وبالتالي كان لها دور كبير في غياب وفد الجيش عن جنيف، بيد أن ذلك لا ينفي أن الطموح الشخصي للبرهان في حكم البلاد مجددا يشكل القاسم المشترك بينه وبين الإسلاميين، علاوة على أن الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش في حربه ضد الدعم السريع مهما اختلف الناس حول موقفها فهي لن تقبل بأن يستخدمها البرهان (كبرازة شوك) وبالتالي سوف تصر على المشاركة في أي مفاوضات حتى يكون لها موطئ قدم في المرحلة القادمة.

ثالثا: غياب الصوت المدني الموحد.

رابعا: ضعف الحراك الشعبي والجماهيري المنادي بوقف الحرب على المستوى القاعدي.

* الخيارات المتوقعة بعد فشل جنيف في وقف إطلاق النار.

1- استمرارية وتوسعة دائرة الحرب على المستوى الإثني والجهوي.

2- الاتفاق بين الجيش والدعم السريع على إيقاف الحرب وتشكيل حكومة بعيدا عن المدنيين.

3- انتصار طرف على الآخر وفرض أجندته وهو خيار مستبعد في ظل معطيات الواقع في الميدان.

4- تقسيم السودان إلى دويلات صغيرة بحكومات متعددة على نحو ما يحدث في ليبيا.

5- تدخل المجتمع الدولي سواء كان بواسطة البند السابع او دولة منفردة بحجة رعاية مصالحها بما في ذلك أمنها القومي.

6- الخيار الأمثل هو الحل التفاوضي السلمي بمشاركة القوى السياسية الذي يوقف الحرب ويحقق السلام ويؤسس لعملية تحول مدني ديمقراطي في ظل بيئة سياسية تحكمها مبادئ الحكم الراشد.

* ما هو المطلوب لإيقاف الحرب وتحقيق السلام؟

أولا:- على المجتمع الدولي والإقليمي أن يحرر أزمة السودان من صراع المصالح حتى يتمكن من ممارسة ضغوط حقيقية على الأطراف وبالذات الممانعة من أجل التعاطي الإيجابي مع المبادرات والجلوس في طاولة التفاوض.

ثانيا: التوافق على رؤية شاملة لمخاطبة تداعيات الحرب وأسبابها الجذرية  للحيلولة دون ترحيل الأزمة للأجيال القادمة.

ثالثا: توحيد القوى المدنية الداعية لوقف الحرب.

رابعا: التواصل الفعال مع  المجتمع الدولي والإقليمي وكافة قطاعات الشعب السوداني من أجل تحقيق آماله وتطلعاته في السلام والاستقرار.

رابعا: العمل على محاربة خطاب الكراهية وتعزيز التماسك الاجتماعي ودعم التعايش السلمي.

خامسا: تفعيل وتنظيم العمل الشعبي والجماهيري القاعدي لإعلاء صوت وقف الحرب وبناء السلام.

ختاما نقول إن شعبنا يموت بالحرب والجوع والمرض والغرق، وعليه لابد من توحيد كل الجهود من أجل محاصرة دعاة الحرب داخل وخارج الوطن والعمل الجاد على وقف الحرب وتحقيق السلام، فالواجب الديني والوطني والأخلاقي والإنساني يحتم علينا بذل الوسع كله لرفع المعاناة عن كاهل شعبنا مهما كان الثمن، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، وقديما قيل ما حك جلدك مثل ظفرك.

* مساعد الرئيس للشؤون الولائية بحزب الأمة القومي

Email:- abdelgaleel.albasha.mohammed@hmail.com

الوسومالحركة الإسلامية السعودية السلام السودان الولايات المتحدة حرب 15 ابريل 2023م حزب الأمة القومي عبد الجليل الباشا

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحركة الإسلامية السعودية السلام السودان الولايات المتحدة حرب 15 ابريل 2023م حزب الأمة القومي المجتمع الدولی وقف الحرب

إقرأ أيضاً:

الحرب السودانية وتداعياتها الإنسانية

منتدى الإعلام السوداني: غرفة التحرير المشتركة

إعداد وتحرير: سودانايل

مقدمة

الخرطوم 20 يناير 2025 – منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، عرف السودان في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث. ووفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، تجاوز عدد القتلى المدنيين 24,000 شخص حتى الآن، مع نزوح أكثر من 5.7 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا (الأمم المتحدة – نوفمبر 2024). ولم يقتصر عدد الضحايا على القتل الناتج عن تبادل النيران العشوائية، بل تصاعدت الانتهاكات في الآونة الأخيرة لتشمل القتل العمد، واستهداف الأفراد على أساس قبلي وهوياتي، وهو ما يزيد تعقيد النزاع وتأجيجه.

انتهاكات جسيمة تستهدف الهوية

تشير تقارير حقوقية، منها ما صدر عن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى أن عمليات القتل العمد بحق المدنيين والأسرى تستند غالبًا إلى خلفياتهم الإثنية أو القبلية، مما يُنذر بتفاقم الانقسامات العرقية وتعميق جراح المجتمع السوداني. وذكرت منظمة العفو الدولية أن عددًا كبيرًا من حوادث القتل موثقة على أنها جرائم حرب، حيث تُرتكب دون أي مراعاة للقوانين الدولية الإنسانية (العفو الدولية – ديسمبر 2024).

أبعاد الكارثة الإنسانية

يتجاوز النزاع القتل المباشر ليشمل تداعيات إنسانية كارثية. ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في السودان، مع تحذيرات من مجاعة واسعة النطاق إذا استمرت الحرب دون تدخل دولي فاعل (برنامج الأغذية العالمي – نوفمبر 2024). وفي الوقت نفسه، وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) حالات اغتصاب وعنف جنسي متزايدة، مع تسجيل أكثر من 200 حالة مؤكدة في المناطق المتأثرة بالنزاع منذ بداية الصراع.

انتهاكات الدعم السريع واستهداف المدنيين على أسس عرقية وقبلية

على الجانب الآخر من النزاع، ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، اتسمت بالقتل الممنهج والاستهداف المباشر على أسس عرقية وقبلية وجنسية. ووفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، فإن قوات الدعم السريع استهدفت بشكل منهجي مجموعات سكانية تنتمي إلى قبائل محددة، حيث تم توثيق عمليات قتل واغتصاب ونهب في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات (العفو الدولية، نوفمبر 2024؛ هيومن رايتس ووتش، ديسمبر 2024).

استهداف النساء والفتيات

تشير تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات قد أصبح سلاحًا حربياً تستخدمه قوات الدعم السريع لترهيب المجتمعات المحلية وإجبارها على النزوح. وتم توثيق أكثر من 200 حالة اغتصاب في المناطق التي سيطرت عليها القوات، مع

توثيق شهادات مباشرة من الناجيات تؤكد أن هذه الجرائم كانت موجهة ضد فئات عرقية معينة. (UNFPA، ديسمبر 2024)

استهداف القرى والأحياء السكنية

في المناطق الريفية تحديدًا، قامت قوات الدعم السريع بحملات عنف شديدة استهدفت القرى التابعة لقبائل معينة، حيث تم تدمير المنازل ونهب الممتلكات وقتل المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال. وفي بعض الحالات، تم إجبار الناجين على النزوح تحت تهديد السلاح، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع أعداد النازحين داخليًا إلى أكثر من 5.7 ملايين شخص (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA، نوفمبر 2024)

انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ود مدني بعد دخول الجيش السوداني:

في أعقاب دخول الجيش السوداني إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة الأسبوع الماضي، تواترت تقارير عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق المدنيين. وأفادت منظمة العفو الدولية باندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في ود مدني، مما أثار مخاوف جديدة على سلامة المدنيين (العفو الدولية، ديسمبر 2024).

من جانبه، أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عن قلقه البالغ إزاء التقارير المتعددة التي تفيد بوقوع تجاوزات واسعة النطاق وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ود مدني خلال الأيام الأخيرة من القتال. وأشار إلى أن الحالة الإنسانية في ولاية الجزيرة، التي تستضيف ما يقرب من نصف مليون نازح داخليًا، “رهيبة ومروّعة” (مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ديسمبر 2024).

في هذا السياق، ندد الجيش السوداني بما وصفه بـ “التجاوزات الفردية” التي حدثت في بعض مناطق ولاية الجزيرة عقب استعادة مدينة ود مدني، مؤكدًا التزامه بالقانون الدولي الإنساني وحرصه على محاسبة كل من يثبت تورطه في أي تجاوزات (الجزيرة نت، يناير 2025).

هذه التطورات تسلط الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه المدنيين في مناطق النزاع، وتؤكد الحاجة الملحة لحماية حقوق الإنسان وضمان المساءلة عن أي انتهاكات تُرتكب.

أدوار الكتائب والمليشيات المرتبطة بحزب المؤتمر الوطني المنحل

تشير التقارير الميدانية إلى أن العديد من هذه الانتهاكات تُرتكب على يد كتائب ومليشيات مسلحة، في الغالب ذات توجهات إسلامية، أو تدّعي تبنيها لقيم الإسلام، مع انتمائها إلى قيادات الحزب الحاكم المحلول، حزب المؤتمر الوطني. من بين هذه الكتائب، تبرز كتائب البراء المعروفة، التي تنشط في مناطق النزاع، وتتحمل مسؤولية انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. تعمل هذه الكتائب غالبًا تحت مظلة دعم بعض قادة الجيش السوداني، أو على الأقل تحت مرأى ومسمع من القيادات العسكرية دون اتخاذ إجراءات واضحة لردعها أو محاسبتها. وقد أعربت منظمات حقوقية دولية عن قلقها من أن هذه الكتائب، والتي تسهم في تأجيج النزاع عبر ممارساتها التي تنتهك حقوق الإنسان، وتفاقم الانقسامات العرقية والسياسية في البلاد (العفو الدولية، ديسمبر 2024؛ هيومن رايتس ووتش، نوفمبر 2024).

توثيق الانتهاكات عبر وسائل التواصل الاجتماعي

في سياق توثيق هذه الجرائم، نشر عشرات الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر بوضوح انتهاكات جسيمة تُنسب إلى كتائب البراء وغيرها من المليشيات المشابهة. تُظهر هذه الفيديوهات عمليات قتل متعمد وتعذيب للمدنيين ونهب للممتلكات في المناطق التي شهدت نزاعًا مسلحًا. وقد أثارت هذه المقاطع موجة من الإدانات الدولية والمحلية، حيث تمثل دليلًا مباشرًا على الانتهاكات التي تُرتكب بجرأة وعلانية. ورغم ذلك، لا تزال هذه الجرائم تُرتكب دون محاسبة جدية أو تدخل دولي فاعل لوقف هذه الممارسات التي تهدد الأمن والاستقرار في السودان.

القتل العرقي وتداعياته على السودان

تقوم هذه الجرائم على أساس القتل العرقي والممنهج، مما يشير إلى نقل الحرب إلى مربعات جهوية وعرقية وإثنية خطيرة. وما حدث مؤخرًا في ولاية الجزيرة يمثل دليلًا موثقًا لهذه الانتهاكات، حيث تعرضت مجموعات معينة للاستهداف على أسس إثنية واضحة. هذا التصعيد يهدد بنقل البلاد إلى مرحلة الحرب العرقية، وهي مرحلة قد تطول نتيجة التعدد القبلي الكبير والتنوع الثقافي في السودان.

في ظل هذه الظروف، فإن عدم تدخل السلطات بشكل حاسم يُعد إشارة ضمنية إلى مباركة هذه الجرائم، خاصة في ظل الصمت أو التأييد غير المباشر من رئاسة الدولة ممثلة في مجلس السيادة الانتقالي. هذا الوضع يضع السودان أمام سيناريوهات خطيرة، حيث تتعمق الانقسامات العرقية، وتُزرع بذور حروب أهلية طويلة الأمد، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الانتهاكات ومعالجة جذور الصراع.

مسؤولية القيادات وتفاقم الانقسامات

تعتمد قوات الدعم السريع في عملياتها على قيادات ميدانية تنتمي إلى شبكات قبلية متداخلة، ما يجعل من الصعب فصل الممارسات الفردية عن التوجهات العامة التي تُنفذ بتوجيه أو بغطاء ضمني من القيادة العليا. وقد أدت هذه الانتهاكات إلى زيادة الانقسامات العرقية وتأجيج الصراعات داخل المجتمعات المحلية، مما يُنذر بتفكك النسيج الاجتماعي في السودان.

تداعيات مستمرة لخطر الحرب الممتدة

إن استمرار هذه الممارسات من قبل قوات الدعم السريع، إلى جانب الانتهاكات الموثقة التي ترتكبها القوات المسلحة السودانية والمليشيات المتحالفة معها، يعمّق الانقسامات العرقية والقبلية في البلاد. ومع غياب أي مساءلة دولية أو محلية جادة، تتزايد المخاوف من أن تتحول هذه الحرب إلى صراعات طويلة الأمد على أسس عرقية، مما يجعل التوصل إلى أي حل سياسي شامل أكثر تعقيدًا.

تصاعد الضغوط الدولية: عقوبات أمريكية تطال حميدتي والبرهان

في تطور لافت، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية، محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، في 7 يناير 2025، متهمة إياه بارتكاب جرائم إبادة جماعية خلال الصراع المسلح مع الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من السودانيين (فرانس 24، 7 يناير 2025).

وفي 16 يناير 2025، أعلنت الحكومة السودانية رفضها للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، معتبرة إياها استخفافًا بالشعب السوداني (سودان تربيون، 16 يناير 2025).

هذه الإجراءات تعكس تصاعد الضغوط الدولية على القيادات العسكرية السودانية؛ بسبب الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البلاد.

دور الإعلام في مواجهة الحرب ومخاطر الانزلاق العرقي

في خضم الأزمة السودانية المتفاقمة، يلعب الإعلام دورًا محوريًا في توجيه الرأي العام نحو نبذ خطاب الكراهية ومواجهة الانتهاكات التي ترتكبها الأطراف المتنازعة. تقع على عاتق الإعلاميين والصحفيين مسؤولية كبيرة في تسليط الضوء على هذه الجرائم، وتحديدًا الانتهاكات ذات الطابع العرقي أو القبلي، والتي قد تؤدي إلى تقسيم المجتمع السوداني وإشعال فتيل حرب لا تبقي ولا تذر.

مناشدات للإعلاميين والنشطاء

يجب على الإعلاميين والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الناشطين المؤثرين الذين يمتلكون أعدادًا كبيرة من المتابعين، الالتزام بخطاب يدعو إلى التهدئة وتجنب تأجيج الصراعات القبلية. هؤلاء الناشطون، بمنصاتهم الواسعة الانتشار، لديهم القدرة على تغيير مسار الخطاب العام من التحريض إلى تعزيز قيم التعايش السلمي ونبذ العنف.

دور الصحفيين ووسائل الإعلام

من جهة أخرى، يجب على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، سواء عبر الصحف الإلكترونية أو القنوات الإعلامية التقليدية، الإقليمية منها، والدولية التطرق إلى هذه الانتهاكات بموضوعية ومصداقية. على الإعلام أن يكشف الحقيقة، ويوثق الجرائم التي تُرتكب، مع التركيز على الأبعاد الإنسانية لهذه الكارثة. يجب أن يكون الإعلام صوتًا للضحايا، وأداة للضغط على الأطراف المتنازعة والمجتمع الدولي للعمل على وقف هذه الحرب.

حماية النسيج الاجتماعي

الإعلام مسؤول أيضًا عن التذكير بأهمية حماية النسيج الاجتماعي للسودان، وضرورة عدم السماح بتحويل النزاع إلى صراع قائم على العرق أو الجنس أو القبيلة. عليه أن يواجه محاولات بعض الأطراف التي تسعى لتأجيج الفتنة القبلية لتحقيق مكاسب قصيرة المدى على حساب وحدة السودان ومستقبله.

هذا الدور الإعلامي الحساس يجعل من الصحفيين والإعلاميين شركاء أساسيين في مجابهة هذه الحرب اللعينة، ومنعها من التدهور إلى صراعات قبلية طويلة الأمد، قد تستنزف السودان لعقود قادمة.

الخاتمة

في ظل هذه الأزمات المتفاقمة، يتطلب الوضع في السودان تحركًا جماعيًا من كافة الأطراف، بدءًا من القيادات السياسية والعسكرية إلى المجتمع المدني والإعلام. لا يمكن للسودان أن يتحمل استمرار هذا النزاع الذي يهدد مستقبل أجياله، ويُدمر نسيجه الاجتماعي. إن الحل الوحيد يكمن في وقف فوري لإطلاق النار، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، والالتزام بتسوية سياسية شاملة تضمن تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان.

على الإعلام، كسلطة رابعة، أن يستمر في نقل الحقيقة بموضوعية وشجاعة، وأن يكون صوتًا للضحايا ومنبرًا للمصالحة الوطنية. فلا يمكن تحقيق السلام دون مواجهة حقيقية للجرائم والتحديات، ودون خطاب إعلامي يوحد السودانيين بدلًا من تقسيمهم.

فهرس المراجع:

العفو الدولية: تقرير حول انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، ديسمبر 2024

هيومن رايتس ووتش: تقارير موثقة عن الانتهاكات الجسيمة من قبل الأطراف المتنازعة، نوفمبر وديسمبر 2024

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA): تقارير حول أعداد الضحايا والنازحين، 2024

صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA): تقرير عن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في مناطق النزاع، ديسمبر 2024

منتدى الإعلام السوداني

ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني

الوسومالجرائم والانتهاكات حرب الجيش والدعم السريع منتدى الإعلام السوداني

مقالات مشابهة

  • جوتيريش: نعمل على زيادة المساعدات الإنسانية العاجلة في غزة
  • المشهد السياسي في العاصمة البديلة بورتسودان وخفايا الصراع ومآلاته
  • فتوح يطالب المجتمع الدولي بالتدخل لوقف عدوان الاحتلال على شعبنا
  • النفير العام..حماس تدعو للتصعيد والاشتباك مع الجيش الإسرائيلي في جنين
  • السودان (الجحيم الذي يسمي وطن)!!
  • السلام بالقوة!!
  • مبعوث ترامب للشرق الأوسط: سنسعى لتحقيق السلام وإنهاء الصراع في المنطقة
  • الشرع مهنئا ترامب: نثق أنه القائد الذي سيجلب السلام للشرق الأوسط
  • الحرب السودانية وتداعياتها الإنسانية
  • الحرب السودانية وتداعياتها الإنسانية !