في العشرين من مايو/أيار الماضي، وفي خطاب تنصيبه رئيسا لتايوان، طالب "لاي تشينغ تي"، الذي يشتهر أيضا باسم "وليام لاي"، الصين بوقف تهديداتها لجزيرة تايوان والاعتراف بالعملية الديمقراطية التي تنتهجها البلاد.

لم تلق نداءات "لاي" آذانًا صاغية، فبعد مرور 3 أيام من هذا الخطاب، شرع جيش "التحرير الشعبي" الصيني بإجراء مناورات عسكرية موسعة حول جزيرة تايوان، أطلق عليها مناورات "السيف المشترك 2024".

وهي ثالث جولة من المناورات العسكرية الكبرى التي تجريها الصين حول تايوان، بعد مناورات عسكرية واسعة في أغسطس/آب 2022 وجولة أخرى في أبريل/نيسان 2023.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الجغرافيا "الصعبة".. ماجد الزير وتجربة العمل الفلسطيني في أوروباlist 2 of 2جاءت بأسلحتها الثقيلة.. هل تنزلق أميركا لحرب شرسة لا تريدها؟end of list

تثير هذه المناورات مخاوف من إمكانية غزو الصين لتايوان، خاصة مع التغطية الإعلامية المكثفة والتعليقات من المحللين العسكريين والمسؤولين السياسيين الأميركيين. ومع ذلك، وفقا لتقرير من شركة السياسات والاستشارات الأميركية "بوز آلان هاميلتون"، فإن احتمال نشوب نزاع عسكري فعلي ليس وشيكا بالضرورة. ويشير التقرير إلى تأكيد المسؤولين الصينيين على أن أي تحرك عسكري ضد تايوان سيحدث فقط تحت ظروف محددة.

غير أن التزام بكين بـ "الجهود السلمية" يتطلب منها اتباع أساليب ضغط غير عسكرية بهدف الإبقاء على إمكانية التوصل لاتفاق عبر التفاوض، إذ يشير التقرير إلى كيفية توظيف الصين إستراتيجية سيبرانية متطورة، تدمجها مع جهود سياسية وعسكرية واقتصادية أوسع، لتحويل ميزان القوى لصالحها، وتلك الاستراتيجية وضعتها الصين ضمن محاولات إعادة تايوان إلى حكمها وفق سياسة "الصين الواحدة" دون أن تضطر إلى إطلاق رصاصة واحدة. حيث ترى بكين أنه "ليست هناك في العالم سوى صين واحدة، وتايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وحكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين".

وهذا ما أشار إليه أيضًا المركز القومي السويدي الصيني، في تقرير استعرض التوقعات والسيناريوهات المتعلقة بنشوب حرب ضد تايوان، وهي توقعات الخبراء خلال الفترة بين عامي 2013 و2023. إذ يرجح نسبة كبيرة من الخبراء احتمال استخدام الصين لنوع ما من القوة ضد تايوان، لكن ليس بالضرورة اللجوء للغزو، على مدى السنوات العشر القادمة.

إستراتيجية سيبرانية

تُعد عمليات التجسس والهجمات السيبرانية عناصر أساسية في إستراتيجية الصين للتأثير على السياسة بتايوان. تسعى بها إلى التأثير على تايوان، وجمع المعلومات الاستخباراتية حولها، وإثارة الشكوك حول نزاهة العملية السياسية. غالبًا ما تركز هذه الإستراتيجية على الأفراد والأحزاب ممن يظهرون توجهات أقل دعمًا لمصالح بكين، خصوصًا خلال الانتخابات، وفقًا لتقرير "بوز آلان هاميلتون".

وعلى سبيل المثال، يواجه الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي ينتمي له الرئيس الحالي لتايوان والمعروف بموقفه من الاستقلال عن الصين، هجمات سيبرانية متكررة، وتشير الأحداث السابقة إلى ارتفاع حدة تلك الأنشطة السيبرانية الصينية في فتىرات الانتخابات الرئاسية في تايوان.

مثلا في عام 2016، أفادت التقارير أن مجموعة القرصنة المعروفة بالاسم الكودي "إيه بي تي 16" (APT16) كانت تستهدف موظفي الحزب الديمقراطي التقدمي وبعض الصحفيين بهدف الحصول على معلومات حساسة ومنها الخطابات غير المنشورة والمقترحات السياسية المنتظرة، وفقًا لأبحاث أجرتها شركة الأمن السيبراني الأميركية "فاير آي" حينها. وفي الفترة بين عامي 2019 و2022، أنشأت مجموعة قرصنة أخرى باسم "ريد ألفا" (RedAlpha) مواقع مزيفة تحاكي المنصات الحكومية التايوانية بهدف تضليل الشخصيات السياسية، وكان الحزب الديمقراطي التقدمي هدفا رئيسيا لتلك الهجمات، كما أشار تقرير لشركة الأمن السيبراني الأميركية "ريكورديد فيوتشر" صدر عام 2022.

وفي يونيو/حزيران الماضي، كشفت نفس الشركة الأميركية أن مجموعة اختراق -يُشتبه في دعمها من الصين- كثفت هجماتها على المؤسسات في تايوان، ضمن أنشطة بكين لجمع المعلومات الاستخباراتية حول الجزيرة. وأوضحت شركة "ريكورديد فيوتشر" في تقريرها إن مجموعة القرصنة المسماة "ريدجوليت" (RedJuliett) اخترقت عشرين مؤسسة في الفترة ما بين نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي وأبريل/نيسان من هذا العام، ويرجح أن الهدف هو دعم جمع المعلومات الاستخباراتية حول العلاقات الدبلوماسية والتطور التقني في تايوان.

وذكرت الشركة في تقريرها: "لاحظنا أن المجموعة استهدفت قطاع التقنية داخل تايوان بصورة ملحوظة، بما في ذلك المؤسسات المتخصصة في مجالات تقنية حساسة. نفذت مجموعة ريدجوليت استكشافًا للثغرات الأمنية أو حاولت استغلالها ضد شركة أشباه الموصلات وشركتين في مجال الطيران متعاقدتين مع الجيش التايواني".

استهداف صناعة أشباه الموصلات

هيمنة تايوان على صناعة أشباه الموصلات تضعها في مركز سلاسل توريد الإلكترونيات العالمية التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، مع نفوذ اقتصادي وجيوسياسي هائل، وهي ضمن الأسباب الرئيسية للصراع الحالي بين الصين والولايات المتحدة فيما يخص تايوان.

ويمكن اعتبار أشباه الموصلات شريان الحياة للعصر الرقمي الحديث، إذ تدخل في صناعة كل الأجهزة الإلكترونية تقريبا بدءا من أبسط الأدوات إلى أكثر أنظمة الدفاع العسكرية تطورا وتعقيدا. وفي هذه الصناعة، تسيطر تايوان عالميا إذ تنتج نحو 92% من أشباه الموصلات الأكثر تطورا (الأقل من 10 نانومترات) وفقا لتقرير رابطة صناعة أشباه الموصلات.

تشير بعض المعطيات الواردة من مصادر غربية إلى شن بكين حملة متعددة الجوانب للتجسس السيبراني تركز على هذه الصناعة في تايوان، في حين لا ترد أي معلومات من مصادر صينية. وتقول المصادر الغربية تلك، أن تلك الحملة تعد جزءا من إستراتيجيتها الأوسع لتعزيز إمكانات الصين في هذا المجال، والحد من الميزة التنافسية التقنية التي تتمتع بها تايوان.

ويرجح تقرير "بوز آلان هاميلتون" أن هدف الصين من هذه الهجمات هو سرقة الملكية الفكرية لتقنيات صناعة أشباه الموصلات، وهو تطور حديث للتجسس الصناعي التقليدي، في محاولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي بمجال تصنيع أشباه الموصلات، وبهذا تتحدى هيمنة تايوان وتهدد كذلك نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي.

فمثلا عام 2015، وفي عدة مناسبات أخرى لم يُكشف عنها، استهدفت مجموعتا القرصنة "إيه بي تي 41″ و"إيه بي تي 17" التابعتان للصين شركات أشباه الموصلات في بلدان مختلفة. وكانت تلك الهجمات جزءا من جهود منسقة للحصول على ملكية فكرية لتقنيات قيّمة بهدف تعزيز المكانة الاقتصادية للصين في الصناعات التقنية المتطورة والحيوية.

كما استهدفت عملية عُرفت باسم "سكيلتون كي" (Skeleton Key)، بين عامي 2018 و2019، 7 شركات توريد أشباه موصلات على الأقل، تقع في مجمع "سين شو" للعلوم في تايوان الذي يُشار إليه غالبا باسم "وادي السيليكون" التايواني. وكان هدف القراصنة سرقة مجموعة متنوعة من البيانات الحساسة، ومنها أكواد المصدر للبرمجيات، وبعض البرامج المتعلقة بتصميم الشرائح، بجانب تصميمات تخص الدوائر الإلكترونية المدمجة، وغيرها من الملكية الفكرية لعدة تقنيات هامة في هذا النطاق، حسبما ذكر تحليل صدر عام 2020 من شركة الأمن السيبراني التايوانية "سايكرافت تكنولوجي".

وتشير أساليب وبصمات القراصنة الرقمية إلى احتمال ارتباطهم بجهات ترعاها الدولة الصينية، وربما تعمل تحت مظلة مجموعة "وينتي" التي تضم مجموعات قرصنة معروفة مثل مجموعة "إيه بي تي 41″ و"إيه بي تي 17". ولم يكن الهدف من سرقة تلك التصاميم تعزيز صناعة أشباه الموصلات في الصين فحسب، بل أيضًا تحديد الثغرات المحتملة في الشرائح قبل طرحها في الأسواق، كما ذكر تحليل الشركة.

وفي تطورات أحدث، وقعت خلال عامي 2022 و2023، وسّعت الأطراف السيبرانية الموالية للحكومة الصينية نطاق أهدافها لتشمل شركات أشباه الموصلات التي تعمل في دول أخرى تعمل، واستهدفت تلك العمليات في المقام الأول كيانات تابعة لبلدان تعتبرها الصين خصوما لها، ومنها الدول الأعضاء بحلف الناتو وكوريا الجنوبية وتايوان واليابان، وفقا لما جاء في تقرير من شركة "ريكورديد فيوتشر" صدر في أبريل/نيسان عام 2023.

 

استهداف الولايات المتحدة

تخشى أيضا الولايات المتحدة من أن الصين تقود حملة معقدة من حرب المعلومات والتجسس السيبراني تهدف إلى الإضرار بالشراكة الاستراتيجية بين أميركا وتايوان. إذ تسعى بكين عبر حملات التأثير المستهدفة إلى تشويه سمعة القادة بالولايات المتحدة وإظهارها إما بوصفها قوة مزعزعة للاستقرار أو حليفا لا يمكن لتايوان الاعتماد عليه. وفي ذات الوقت، تهدف عملياتها السيبرانية إلى جمع معلومات استخباراتية حساسة تتعلق بالسياسات الأميركية التايوانية من أعضاء مؤثرين في الكونغرس الأميركي والسلطة التنفيذية.

وكان من أبرز الأمثلة ما حدث بين منتصف مايو/أيار ومنتصف يونيو/حزيران 2023، عندما اخترقت مجموعة القرصنة التابعة للصين، والمعروفة باسم "ستورم-0558175″، حسابات البريد الإلكتروني لأشخاص في أكثر من 25 مؤسسة أميركية، ومنها بعض الوكالات الحكومية، كما أشار تقرير من شركة مايكروسوفت.

وشملت قائمة الأفراد المستهدفين موظفي وزارة الخارجية المعنيين بشؤون شرق آسيا، ووزير التجارة، والعديد من المؤسسات البحثية، وقد جاء اختيارهم بسبب تأثيرهم على العلاقات الأميركية الصينية.

وبالإضافة إلى استهداف الأفراد، تسعى الجهات السيبرانية المرتبطة بالصين، مثل مجموعة "فولت تايفون"، إلى اختراق قطاعات البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة مثل مرافق الطاقة والمياه والموانئ وأنظمة الاتصالات، خاصة تلك القطاعات المرتبطة بالقواعد العسكرية.

وتصف وكالة الأمن القومي الأميركية تلك الأنشطة بـ "التمركز المسبق"، الذي يتضمن تمهيد الطريق لتمكين الهجمات السيبرانية التخريبية أو المدمرة عند الحاجة لها. وترجح الوكالة أن هذا التكتيك يهدف إلى ردع أو إضعاف القدرات العسكرية للولايات المتحدة في أي مواجهة مستقبلية مع الصين.

وهذا ما أكده كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، بنهاية يناير/كانون الثاني الماضي، حين شهد أمام الكونغرس بأن العناصر السيبرانية الصينية تستعد "لإلحاق الضرر" بالبنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة، مرجحا أن هدفها الأساسي هو حرمان واشنطن من مساعدة تايوان في حال اندلاع أي نزاع عسكري.

كذلك يشير تقرير "بوز آلان هاميلتون" إلى استهداف الصين للبنية التحتية للأمن القومي في تايوان، مستفيدة بمزيج من العمليات الاستخباراتية والحرب النفسية بهدف زعزعة استقرار الجزيرة على الصعيدين المحلي والدولي.

ويؤدي الجيش الصيني دورا محوريا في إطار تلك الجهود، إذ يخترق باستمرار الشبكات العسكرية التايوانية، ويركز أنشطته السيبرانية بصورة مكثفة على عدة مكونات أساسية في البنية التحتية الدفاعية لتايوان. فمنذ عام 2017 على الأقل، شملت الهجمات مواقع الهيئة الإدارية الرئيسية لوزارة الدفاع، والأكاديمية العسكرية الأولى في تايوان، ووكالة تجنيد المواطنين التابعة للقوات المسلحة، ومرافق الرعاية الصحية لأفراد الجيش، والإدارات التي تشرف على العمليات النفسية والاتصالات العسكرية. ومنذ أوائل 2010، كانت مجموعة القرصنة المعروفة باسم "تروبيك تروبر" (Tropic Trooper)، التي تتبنى مصالح الحكومة الصينية، تحاول باستمرار اختراق الشبكات العسكرية التايوانية السرية والحساسة للغاية، وفقا لما ذكرته شركة الأمن السيبراني "ترند مايكرو".

قوة عالمية المستوى

تهدف الحكومة الصينية بحلول عام 2049 إلى تطوير جيشها ليصبح قوة عالمية المستوى، وهو أحد الأركان الأساسية لاستراتيجية "النهضة الوطنية" الأوسع التي تتبعها الدولة، كما أشار تقرير "بوز آلان هاميلتون".

وفي إطار سعيها لتحقيق هذا الهدف، أشارت اللجنة العسكرية المركزية -في تقرير رسمي صدر عام 2016- إلى أهمية دور التقنيات المعتمدة على المعلومات مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والحوسبة السحابية والبيانات الضخمة وأنظمة التحكم القتالي المشتركة المتطورة.

يُنظر لتلك التقنيات على أنها ضرورية لجيش الصين ليكتسب أفضلية ويسد فجوة الإمكانات مع جيش الولايات المتحدة، وهو جزء من تكتيكات الحروب غير المتماثلة، التي يحاول فيها الطرف الأقل تطورا في العتاد والسلاح موازنة كفة الصراع، عبر تطوير استراتيجية قادرة على تقليص عدم التكافؤ في القوة، وهو نفس ما تتبعه روسيا في مواجهة الغرب.

ويستفيد الجيش الصيني من الموارد التقنية الضخمة، ويستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي بهدف تطوير عملياته في مجال المعلومات، التي تشمل الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والحرب الإلكترونية.

ومما يدعم التطورات في الصين الاعتماد على الشبكة الواسعة من الجامعات والمعاهد البحثية لتطوير الذكاء الاصطناعي وغيره من تقنيات الجيل التالي التي تُستخدم في التطبيقات العسكرية المباشرة. ومما أشار له التقرير أن العديد من تلك المؤسسات الأكاديمية، المشاركة بقوة في أبحاث الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، ترتبط بمجموعات التهديدات السيبرانية الشهيرة التي ترعاها الدولة الصينية.

وبالإضافة إلى هذا، تشارك مجموعات القرصنة في الصين، والتي تشير مصادر أميركية لتبعيتها للحكومة الصينية، في محاولات سرقة الملكية الفكرية من شركات عالمية ومعاهد بحثية ومختبرات حكومية. ولا تقتصر جهودها في التجسس السيبراني على الذكاء الاصطناعي فحسب، بل تمتد لتشمل مجموعة متنوعة من التقنيات العسكرية المتطورة. وهذه الأنشطة تعد جزءا أساسيا من تعزيز القدرات العملية لمنظومة الصين الأوسع في إطار سعيها لتطوير وتعزيز مكانتها العالمية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أبعاد صناعة أشباه الموصلات شرکة الأمن السیبرانی الولایات المتحدة الذکاء الاصطناعی مجموعة القرصنة فی تایوان إیه بی تی فی تقریر من شرکة ما أشار الذی ی

إقرأ أيضاً:

العلاقات الإماراتية الصينية.. شراكة استراتيجية تعزز النمو والتعاون الدولي

آمنة الكتبي (دبي) 

أخبار ذات صلة «أبوظبي للثقافة والفنون» تعلن عن الفائزة بـ«منحة التصميم 2024» مريم الزعابي تبتكر لمواجهة التحديات البيئية

على مدار العقود الثلاثة الماضية تطورت العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية إلى واحدة من أبرز الشراكات الثنائية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا، حيث تأسست هذه العلاقة على أسس متينة من التعاون الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، مما جعلها نموذجاً يحتذى به في العلاقات الدولية.
وحققت العلاقات التنموية بين الإمارات والصين نقلات نوعية كبيرة خلال السنوات الماضية، خاصة في الاقتصاد والطاقة والصناعة والاستثمار والثقافة وغيرها، وقد مثلت العلاقات الإماراتية الصينية، حجر الزاوية للتعاون الاقتصادي والقوة الدافعة وراء مشاركة الدولة في العديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة. 
كما تعد العلاقات الإماراتية الصينية واحدة من أبرز العلاقات الثنائية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا، حيث شهدت تطوراً ملحوظاً، إذ تعد الصين من أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، وشهدت العلاقات التجارية نمواً متزايداً مع استثمارات مشتركة في مجالات الطاقة والبنية التحتية، بما في ذلك مشاريع ضمن مبادرة «الحزام والطريق».
وتعد مبادرة الحزام والطريق مشروعاً ضخماً للبنية التحتية والاستثمار، وتهدف إلى ربط آسيا وأوروبا وأفريقيا من خلال الطرق البرية والبحرية، حيث أصبحت الإمارات العربية المتحدة، بموقعها الاستراتيجي، نقطة مهمة وحاسمة في إنجاح المبادرة، وتعد موانئ الإمارات وبنيتها التحتية اللوجستية ذات المستوى العالمي مركزاً حيوياً للتجارة على طول طرق مبادرة الحزام والطريق، الأمر الذي سهّل الحركة الفعالة للسلع والخدمات، وساهم في نجاح المبادرة.
كما تعد الإمارات مركزاً إقليمياً رئيسياً في المنطقة بالنسبة للصين، إذ تستخدم الشركات الصينية الإمارات كمحطة رئيسية للتوسع في الأسواق الشرق أوسطية والأفريقية. 
والعلاقات الإماراتية الصينية ليست قائمة فقط على المصالح الاقتصادية المتبادلة، بل تمتد أيضاً لتشمل مجالات عديدة تعزز الاستقرار والازدهار المشترك. 
ويعود تدشين العلاقات الدبلوماسية بين أبوظبي وبكين إلى عام 1984 حيث شهد شهر أبريل من العام الموالي افتتاح سفارة الصين في أبوظبي فيما افتتحت الصين قنصليتها في دبي في نوفمبر من عام 1988، وفي المقابل جرى افتتاح السفارة الإماراتية في بكين في مارس من عام 1987، فيما افتتحت قنصلية الدولة في هونغ كونغ في أبريل من عام 2000، وقنصلية الدولة في شنغهاي في يوليو 2009، وأخرى في غوانجو في يونيو 2016.
ويكشف حجم الاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين، والتي تبلغ أكثر من 148 اتفاقية ومذكرة في شتى المجالات، مدى وعمق العلاقة والشراكة بين البلدين. 
وشهدت العقود الأربعة الماضية، لقاءات تاريخية جمعت قادة البلدين الصديقين، حيث زار الرئيس الصيني الراحل يانغ شانغكون الإمارات في ديسمبر من عام 1989 وعقد لقاءً مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فيما زار القائد المؤسس، طيب الله ثراه، في مايو 1990، الصين، على رأس وفد رسمي كبير لتكون تلك الزيارة الأولى لرئيس دولة خليجية إلى الصين.
وفي يوليو من عام 2018، زار فخامة شي جينبينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية الإمارات وتم خلالها الإعلان عن إقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
وشكلت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى الصين في يوليو من عام 2019 نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، وهو ما انعكس على العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وينظر لعلاقة الشراكة الإماراتية الصينية بأنها علاقة واعدة وقابلة لمزيد من التطور والتكامل، وهو ما تحرص على إبرازه اللجنة الاقتصادية والتجارية والفنية المشتركة بين البلدين، التي أوصت في اجتماعها الأخير في فبراير الماضي في أبوظبي، بأهمية إقامة معارض وفعاليات سياحية مشتركة من شأنها دعم الاستفادة من إمكانات ومقومات التنوع السياحي فيهما لجذب المزيد من الوفود السياحية.
ويعد قطاع السياحة من أهم القطاعات الرئيسية في العلاقات الاقتصادية المشتركة بين البلدين، حيث ارتفع عدد السياح الصينيين إلى أكثر من مليون زائر في العام الماضي 2023 فيما بلغ عدد رحلات الطيران بين البلدين شهرياً أكثر من 210 رحلات عبر شركات الطيران الوطنية الإماراتية. 
ويعد قطاع الثقافة أيضاً أحد أبرز القطاعات المشتركة نمواً، إذ ينظر كلا البلدين للثقافة كقوة ناعمة تؤدي دوراً مهماً في مد جسور التعاون والتقارب بين الدول والشعوب حول العالم، وهو ما يعبر عنه حجم تبادل الزيارات الطلابية، ووفود المسؤولين الثقافيين، والإعلاميين، والباحثين بينهما فضلاً عن توقيع العديد من الاتفاقيات الثقافية بين البلدين.
وساهم مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، الذي تأسس عام 1990، بجامعة الدراسات الإسلامية في بكين، في نشر الثقافة العربية في الصين، كما ساهمت الأسابيع الثقافية والمهرجانات الموسيقية والفعاليات التي يتم تنظيمها بين البلدين ومعارض الكتب، في تعزيز العلاقات الثقافية بينهما والدفع بها إلى الأمام عاماً بعد عام.
وشهد العام 2019 إطلاق مشروع «تدريس اللغة الصينية في مائتي مدرسة»، في دولة الإمارات، الذي استقطب حتى اليوم أكثر من 71 ألف طالب وطالبة في 171 مدرسة بمختلف إمارات الدولة، ما يجسد الاهتمام الكبير من قبل الطلاب الإماراتيين بتعلم اللغة الصينية كجسر للتواصل الحضاري والإنساني بين البلدين.

مقالات مشابهة

  • العلاقات الإماراتية الصينية.. شراكة استراتيجية تعزز النمو والتعاون الدولي
  • العقوبة المتوقعة لـ محمد كنو بعد طرده في مواجهة الصين
  • جبر: ضرورة مواجهة التحديات التي تحول دون تمتع المرأة في العالم الإسلامي بحقوقها
  • وحدة عسكرية أميركية قتلت بن لادن تتدرب لمساعدة تايوان إذا غزتها الصين
  • سباجيتي بالخضار على الطريقة الصينية
  • رابطة الدوري الأسباني تعقد اتفاقية لبث الدوري الأسباني في الصين مجانا
  • الضفادع الأوكرانية.. قصة مجموعة النخبة التي دربها الغرب لإجهاد الروس
  • «مدبولي»: نتفاوض مع كبرى شركات الطاقة فى الصين لإنشاء مصانع جديدة
  • محمد كنو يقدم اعتذاره بعد طرده في مواجهة الصين
  • ثنائية كادش تمنح الأخضر نقاط مواجهة الصين