رواتب تحت نيران الحرب.. تأثيرات برنامج الحكومة الحوثية الجديدة على اليمنيين
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
بعد ثماني سنوات من تحالفهم مع حزب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، أعلن الحوثيون تعديل حكومتهم غير المعترف بها دولياً، في وقت تستمر في الجهود لإنهاء حرب اليمن، والتركيز على تفاقم الأوضاع الإنسانية في مناطق سيطرة الجماعة المسلحة.
قدمت حكومة الحوثيين الجديدة برنامجها إلى “مجلس النواب” التابع للحركة المسلحة، في 19 أغسطس/آب الجاري، وحددت فيه عديد من الأولويات الملحة للجماعة في المرحلة القادمة.
حصل “يمن مونيتور” على نسخة من البرنامج بعد أن أقره برلمان الحوثيين في صنعاء، ويحاول في هذا التقرير الإجابة على تساؤل ما أولويات الحوثيين في المرحلة القادمة؟!
شكل الحوثيون حكومتهم الجديدة بعد أكثر من عام على إعلان زعيم الحوثيين نهجاً مختلفاً تحت مسمى “التغيّيرات الجذرية” بعد تسع سنوات من السيطرة على مؤسسات الدولة، وست سنوات من مقتل حليفها علي عبدالله صالح، ورفع نجله “أحمد علي عبدالله صالح” من قائمة العقوبات.
كما تأتي بعد هدنة في الصراع مستمرة منذ ابريل/نيسان2022 ومحادثات لإنهاء الحرب، وحالة من السخط الشعبي في مناطق سيطرتهم بسبب تفشي الفساد وفشل الحوكمة وإدارة الاقتصاد وزيادة الجبايات، والخلافات داخل الجماعة، وتضرر تحالفاتها. والتي برزت بعد الهدنة حيث اعتقل الحوثيون الآلاف بسبب تظاهرات العام الماضي تطالب الجماعة بترك السلطة.
وساد تفاؤل بين أنصار الحوثيين والمؤيدين لسلطتهم بالإعلان عن حكومة جديدة. تحدث “يمن مونيتور” لعدد من أنصار الجماعة في صنعاء وذمار وإب وتعز وعمران من أنصار الجماعة الذين توقعوا أن تركز على الوضع الداخلي السيء الذي يعيشونه بدلاً من الحرب. وأن تبدأ منذ الشهر الأول حلّ أزمة رواتب الموظفين الذين لم يتسلموها منذ سنوات، وارتفاع الأسعار، والجبايات على التجار، وإيقاف عجلة بناء المراكز المالية الجديدة للحوثيين وتدمير بيئة الاستثمار.
لكن برنامج الحكومة الجديدة التي يرأسها “أحمد الرهاوي” وإن ناقشت هذه القضايا إلا أنها لم تضعها في الأولوية.
السياسات المالية
يقول البرنامج إنه سيقلص نفقات الدولة، وستكتفي الحكومة فقط بما يمكنها من تسيير عملها بأقل الأموال. وقلص الحوثيون الوزارات إلى 19 وزارة بدلاً من 32 خلال تحالفهم مع علي عبدالله صالح في 2016م. كما تقول إنها ستعمل على اتخاذ التدابير اللازمة للتغلب على أزمة السيولة في العملة الوطنية.
كما يقول برنامج حكومة الحوثيين إن أولويتها هي: “التغلب على التحديات المتمثلة في التراجع الحاد في مستوى الإيرادات، وضغط النفقات العامة الذي أدى تفاقم عجز الموازنة”. لا يعرف مقدار الموازنة العامة في مناطق الحوثيين، ويرفضون تعتيماً عليها. تحدث أحد الباحثين الاقتصاديين عنها فاُتهم بالعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية والأمريكية.
ولتحقيق زيادة في مستوى الإيرادات أشار برنامجها إلى مواردها المالية التي ستعززها: ضريبة الدخل، الضريبة العامة على المبيعات، الرسوم الجمركية. في بلد يعتمد على 85% من احتياجاته الأساسية على الواردات من الخارج. وبحسب تقديرات الحكومة المعترف بها دولياً، فإن إجمالي الإيرادات التي يحصل عليها الحوثيون سنوياً 4 مليارات دولار.
ورغم ذلك تقول إن تنمية إيراداتها “لن يعتمد كلياً على زيادة الرسوم”. وزيادة الرسوم وفرض ضرائب جديدة مثل الدخل والقيمة المضافة هي وحدها القادرة على زيادة الإيرادات، إذ لم تحدد حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً مصادر إيرادات جديدة.
تشير نقاط أخرى من البرنامج إلى الجبايات الجديدة التي تعوّل عليها الجماعة لزيادة إيراداتها:
“إعادة النظر في رسوم الخدمات الحكومية على أساس التكلفة الحدية”. حيث تضاعفت الرسوم في المؤسسات الخدمية والحكومية بما في ذلك مؤسسات الصحة والتعليم خلال إدارة الحوثيين مع خدمات سيئة للغاية. كما فرضوا رسوماً على المستشفيات والأدوية وحتى العمليات الجراحية. “الاهتمام بفريضة الزكاة كمصدر إيرادات هام”. وتقدر إيرادات الحوثيين 2023 من الزكاة150 مليار ريال (283 مليون دولار)، وانتهج نهجا أكثر مركزية في جمع الزكاة وأصدروا قراراً بإنشاء الهيئة العامة للزكاة في عام 2018، وهم يمارسون الآن سيطرة فعلية على جمع الزكاة واستخدامها وإدارتها، بما في ذلك لتمويل جهودهم الحربية، ما يحرم السلطات المحلية من مصدر الإيرادات هذا. “تعزيز مصادر التمويل الخارجي من المنح والمساعدات وعوائد تحويلات المغتربين”. لا يعرف ما الذي سيبتكره الحوثيون من رسوم بشأن الحصول على عوائد من تحويلات المغتربين الذين يتجاوز عددهم 6 ملايين يمني. وتبلغ تحويلات المغتربين 4 مليارات دولار سنوياً (وفق تقرير البنك الدولي2023). “تحقيق أعلى عائدات من المنافذ البرية الجمركية”. وهي المنافذ التي وضعها الحوثيون في مداخل مناطق سيطرته لفرض جمارك على البضائع القادمة من مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، والتي تفرض رسوم جمركية جديدة بعد أن دفعت تلك البضائع رسوم جمركية وضريبة في مداخل البلاد.حتى في مناقشة البنى التحتية تشير حكومة الحوثيين إلى أنها ستقوم “رفع مستوى إيرادات قطاع الاتصالات”، ما يعني ضريبة جديدة على قطاع الاتصالات والانترنت الأغلى على الإطلاق في كوكب الأرض. وتقول الحكومة اليمنية إن الحوثيين يتحصلون على 2 مليار دولار سنوياً من قطاع الاتصالات.
على عكس تفاؤل معظم أنصار الحوثيين الذين تحدث لهم “يمن مونيتور”، فإن برنامج حكومة الجماعة الجديدة يشير بوضوح إلى أنها لن تدفع رواتب بانتظام، وستبقى الطريقة القديمة مستمرة دون تغيير حيث يدفع الحوثيون في العام مرتين إلى ثلاث جزء من الراتب.
وتقول حكومة الحوثيين إنها “ستكثف الجهود للعمل على مواجهة صرف جزء من الراتب بصورة دورية وفقاً للإمكانات المتاحة”.
كما يعوّل الحوثيون على أن تدفع المملكة العربية السعودية رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الجماعة ومن ضمنهم موظفوها وأنصارها. وتقول حكومتهم إنها ستتابع “تدابير خفض التصعيد المتفق عليها في يوليو/تموز 2024، وإنجاز حلول القضايا الإنسانية والاقتصادية والتي سينتج عنها صرف رواتب موظفي الدولة وفق خارطة الطريق الموقعة برعاية الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2023م”.
يجيب الحوثيون بوضوح في برنامج حكومتهم لماذا لن يدفعوا رواتب الموظفين الحكوميين، إذ يشدد على إن الإيرادات التي يصفونها “بالمتواضعة والمتاحة” سيتم توجيهها لتغطية نفقات “رفع مستوى الإعداد والجاهزية للجبهات العسكرية والإنتاج الحربي، وتمويل نفقات وتجهيزات الجهات الأمنية “.
وبعد ذلك “مواجهة النفقات التشغيلية الضرورية للوزارات والهيئات وحوافز بسيطة للعاملين الميدانيين لضمان استمرار الخدمات، الأمر الذي يصعب على الحكومة الصرف المنتظم للرواتب الشهرية لموظفي أجهزة الدولة”- حسب ما يؤكد البرنامج.
التجهيز لحرب جديدة
يؤكد برنامج حكومة الحوثيين أن إعلان الحكومة جزء من استعدادات خوض حرب جديدة رغم الهدنة الطويلة، وآمال تحقيق السلام. حيث تحدد أن هدفها في المرحلة المقبلة “تعزيز مواجهة العدوان ودعم الجبهات”؛ في إشارة إلى مواجهة الحكومة المعترف بها دولياً. ويملك الحوثيون طموحات، بما في ذلك الاستيلاء على موارد النفط والغاز، والحصول على اعتراف من المنطقة والعالم. لذلك، لا يزال الدافع وراء الحرب قويا.
وتقول حكومة الحوثيين إنها ستراجع “الاتفاقيات وعقود الإنتاج والامتياز الموقعة في مشروعات النفط والغاز والمعادن”. لا يسيطر الحوثيون على آبار نفط أو غاز في مناطق حكمهم. وخلال الأسابيع الماضية يحشدون مئات المقاتلين إلى الخطوط الأمامية لجبهات القتال في محافظة مأرب (شرق) الغنية بالنفط والغاز والتي حاولوا مراراً السيطرة عليها لكنهم فشلوا وبددوا جزء كبير من إمداداتهم المالية والعسكرية في محاولتهم الأخيرة (2020-2022). ويوم الجمعة، قال الجيش اليمني إن الحوثيين حاولوا قصف منشأة صافر الغازية بثلاث طائرات مفخخة.
شدد الحوثيون مراراً وتكراراً في برنامج حكومتهم أن مهامها وأوعية أنفاق إيراداتها:
“تعزيز الجاهزية القتالية ودعم الجبهات بالمقاتلين والأسلحة والمعدات المتطورة”. “تطوير القدرة الصناعية في مجال الإنتاج الحربي”. “تعزيز القدرات الأمنية (المخابراتية)، خاصة بعد نجاحات كشف شبكات التجسس”. والحديث عن “شبكات التجسس” إشارة إلى عشرات الموظفين اليمنيين السابقين في السفارات الغربية والمنظمات الدولية، اتهمهم الحوثيون بالتجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.حكومة لأنصار الجماعة وأبنائهم لا لليمنيين
تجاهلت الحكومة التي أعلنتها جماعة الحوثي، الحديث عن معظم القضايا التي تهم معظم اليمنيين، بما فيها الخدمات العامة مثل “مجانية التعليم”، و”الصحة العامة”، و”المشاريع الصغيرة” وتكافؤ فرص الابتعاث والمنح الدراسية، وركزت على القضايا التي تهم الجماعة في الحكم والسلطة وتعزيز حكم المذهب الواحد.
وحسب برنامجها فإن مقاتلي الجماعة وأنصارها وأبنائهم هم أولوياتها، وتعزيز أيدلوجيتها هي مهمتها في الإعلام والتعليم، وتقول إن مهمتها في الخدمات العامة والسياسات الداخلية:
الاهتمام بالطلاب والطالبات أبناء الشهداء والجرحى، ورعايتهم وتوفير المتطلبات اللازمة التي تضمن حصولهم على حقهم في التعليم المجاني، وتخصيص مقاعد التحاق ومنح ابتعاث سنوية لهم. مجانية استيعاب أبناء الشهداء والجرحى في مؤسسات التعليم الفني، وتأهيل وتدريب أقاربهم ذكوراً وإناثاً على المهن المدرة للدخل، والحصول على مشاريع صغيرة. تطوير المناهج في التعليم العام والفني والعالي بما يتناسب مع الهوية الإيمانية. رعاية النشء والشباب لتعزيز الهوية الإيمانية. تفعيل دور الإعلام في ترسيخ الهوية الإيمانية لدى المجتمع. مراقبة المحتوى الإعلامي للحد من تأثير المحتويات التي تتعارض والهوية الإيمانية.يقصد الحوثيون بالهوية الإيمانية -وفق دراسة لمركز المخا للدراسات والبحوث- “ليست سوى تلك الأيديولوجيا التي تؤسِّس لهم حقًّا في احتكار السلطة والثروة بصفتهم آل البيت”.
هذا عدا “الخُمس” (20 بالمائة) التي فرضها الحوثيون منذ 2020 على المعادن والهيدروكربونات والمياه وصيد الأسماك، والمستفيد منها هم عائلات محددة مثل الحوثي وعائلات موالية لهم.
على الرغم من أن الحوثيين يحاولون تقديم التغيرات الجذرية كمرحلة جديدة لنظام وسلطة جديدة، إلا أنه لا يمكن إغفال أنهم جماعة مسلحة متمردة تعاني بعد سنوات الحرب كأي كجماعة متمردة حدثت في أي دولة. ثنائية “التمرد والجشع” هو ما يبتلع الجماعات المسلحة من الداخل، لا يستطيعون إدارة دولة ويعرفون أن المجتمع الذي عاش سنوات الحرب لا يثق بهم وبمرور الوقت ستصبح التغيّرات الجذرية من حلّ إلى مشكلة يعاني منها الحوثيون باعتبارها حامل “بذور الفناء” لهيمنة الجماعة المسلحة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةعندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...
المنتخب اليمني ............. لماذا لم يكن زي منتخب اليمن الف...
سلام الله على حكم الامام رحم الله الامام يحيى ابن حميد الدين...
سلام الله على حكم الامامه سلام الله على الامام يا حميد الدين...
المذكورون تم اعتقالهم قبل أكثر من عامين دون أن يتم معرفة أسب...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: المعترف بها دولیا الهویة الإیمانیة علی عبدالله صالح حکومة الحوثیین برنامج الحکومة یمن مونیتور مناطق سیطرة الحوثیین فی جدیدة على فی مناطق بما فی
إقرأ أيضاً:
السنغال: أكثر من 16 ألف حالة إصابة بالسل في عام 2024
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلن منسق البرنامج الوطني لمكافحة السل التابع لوزارة الصحة في السنغال فود دانفاخا، أن بلاده سجلت 16 ألفا و595 حالة إصابة بالسل خلال عام، في إطار إحياء اليوم العالمي لمكافحة السل الذي يوافق 24 مارس من كل عام. وأوضح دانفاخا في بيان اليوم الأحد- أنه "من بين الحالات المصابة بالسل في عام 2024، أصيب 11 ألفا و181 رجلا بالسل مقابل 5414 امرأة"، مشيرا إلى أن "المرض يؤثر على المزيد من الشباب؛ الأمر الذي سيكون له تأثير اجتماعي واقتصادي على حياة السكان".
وذكر منسق البرنامج الوطني لمكافحة السل التابع لوزارة الصحة في السنغال أن إصابات السل بين الأطفال سجلت تراجعا ملحوظا لتصل إلى 697 حالة من أصل 2108 حالات كانت متوقعة، لافتا إلى وجود فجوة يجب سدها فيما يتعلق بتشخيص مرض السل لدى الأطفال.
وفيما يتعلق بالسل المقاوم للأدوية المتعددة، قال دانفاخا إن "88 حالة جرى رعايتها" في المرافق الصحية، وفقا لما نقلت وسائل إعلام محلية.
جدير بالذكر أن اليوم العالمي لمكافحة السل يجري الاحتفال به في 24 مارس من كل عام بهدف تسليط الضوء على الحاجة المُلحة للقضاء على السل الذي يعد أكثر الأمراض المُعدية فتكا على مستوى العالم ورفع مستوى الوعي العام بما يخلفه وباء السل من آثار صحية واجتماعية واقتصادية مُدمرة، ولتكثيف الجهود الرامية إلى إنهاء هذا الوباء العالمي.
ويتزامن هذا التاريخ مع اليوم ذاته من عام 1882 الذي أعلن فيه، الدكتور روبرت كوخ، عن اكتشافه للبكتيريا المسببة لمرض السل، ممهدا الطريق أمام تشخيص هذا المرض وعلاجه.