رواتب تحت نيران الحرب.. تأثيرات برنامج الحكومة الحوثية الجديدة على اليمنيين
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
بعد ثماني سنوات من تحالفهم مع حزب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، أعلن الحوثيون تعديل حكومتهم غير المعترف بها دولياً، في وقت تستمر في الجهود لإنهاء حرب اليمن، والتركيز على تفاقم الأوضاع الإنسانية في مناطق سيطرة الجماعة المسلحة.
قدمت حكومة الحوثيين الجديدة برنامجها إلى “مجلس النواب” التابع للحركة المسلحة، في 19 أغسطس/آب الجاري، وحددت فيه عديد من الأولويات الملحة للجماعة في المرحلة القادمة.
حصل “يمن مونيتور” على نسخة من البرنامج بعد أن أقره برلمان الحوثيين في صنعاء، ويحاول في هذا التقرير الإجابة على تساؤل ما أولويات الحوثيين في المرحلة القادمة؟!
شكل الحوثيون حكومتهم الجديدة بعد أكثر من عام على إعلان زعيم الحوثيين نهجاً مختلفاً تحت مسمى “التغيّيرات الجذرية” بعد تسع سنوات من السيطرة على مؤسسات الدولة، وست سنوات من مقتل حليفها علي عبدالله صالح، ورفع نجله “أحمد علي عبدالله صالح” من قائمة العقوبات.
كما تأتي بعد هدنة في الصراع مستمرة منذ ابريل/نيسان2022 ومحادثات لإنهاء الحرب، وحالة من السخط الشعبي في مناطق سيطرتهم بسبب تفشي الفساد وفشل الحوكمة وإدارة الاقتصاد وزيادة الجبايات، والخلافات داخل الجماعة، وتضرر تحالفاتها. والتي برزت بعد الهدنة حيث اعتقل الحوثيون الآلاف بسبب تظاهرات العام الماضي تطالب الجماعة بترك السلطة.
وساد تفاؤل بين أنصار الحوثيين والمؤيدين لسلطتهم بالإعلان عن حكومة جديدة. تحدث “يمن مونيتور” لعدد من أنصار الجماعة في صنعاء وذمار وإب وتعز وعمران من أنصار الجماعة الذين توقعوا أن تركز على الوضع الداخلي السيء الذي يعيشونه بدلاً من الحرب. وأن تبدأ منذ الشهر الأول حلّ أزمة رواتب الموظفين الذين لم يتسلموها منذ سنوات، وارتفاع الأسعار، والجبايات على التجار، وإيقاف عجلة بناء المراكز المالية الجديدة للحوثيين وتدمير بيئة الاستثمار.
لكن برنامج الحكومة الجديدة التي يرأسها “أحمد الرهاوي” وإن ناقشت هذه القضايا إلا أنها لم تضعها في الأولوية.
السياسات المالية
يقول البرنامج إنه سيقلص نفقات الدولة، وستكتفي الحكومة فقط بما يمكنها من تسيير عملها بأقل الأموال. وقلص الحوثيون الوزارات إلى 19 وزارة بدلاً من 32 خلال تحالفهم مع علي عبدالله صالح في 2016م. كما تقول إنها ستعمل على اتخاذ التدابير اللازمة للتغلب على أزمة السيولة في العملة الوطنية.
كما يقول برنامج حكومة الحوثيين إن أولويتها هي: “التغلب على التحديات المتمثلة في التراجع الحاد في مستوى الإيرادات، وضغط النفقات العامة الذي أدى تفاقم عجز الموازنة”. لا يعرف مقدار الموازنة العامة في مناطق الحوثيين، ويرفضون تعتيماً عليها. تحدث أحد الباحثين الاقتصاديين عنها فاُتهم بالعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية والأمريكية.
ولتحقيق زيادة في مستوى الإيرادات أشار برنامجها إلى مواردها المالية التي ستعززها: ضريبة الدخل، الضريبة العامة على المبيعات، الرسوم الجمركية. في بلد يعتمد على 85% من احتياجاته الأساسية على الواردات من الخارج. وبحسب تقديرات الحكومة المعترف بها دولياً، فإن إجمالي الإيرادات التي يحصل عليها الحوثيون سنوياً 4 مليارات دولار.
ورغم ذلك تقول إن تنمية إيراداتها “لن يعتمد كلياً على زيادة الرسوم”. وزيادة الرسوم وفرض ضرائب جديدة مثل الدخل والقيمة المضافة هي وحدها القادرة على زيادة الإيرادات، إذ لم تحدد حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً مصادر إيرادات جديدة.
تشير نقاط أخرى من البرنامج إلى الجبايات الجديدة التي تعوّل عليها الجماعة لزيادة إيراداتها:
“إعادة النظر في رسوم الخدمات الحكومية على أساس التكلفة الحدية”. حيث تضاعفت الرسوم في المؤسسات الخدمية والحكومية بما في ذلك مؤسسات الصحة والتعليم خلال إدارة الحوثيين مع خدمات سيئة للغاية. كما فرضوا رسوماً على المستشفيات والأدوية وحتى العمليات الجراحية. “الاهتمام بفريضة الزكاة كمصدر إيرادات هام”. وتقدر إيرادات الحوثيين 2023 من الزكاة150 مليار ريال (283 مليون دولار)، وانتهج نهجا أكثر مركزية في جمع الزكاة وأصدروا قراراً بإنشاء الهيئة العامة للزكاة في عام 2018، وهم يمارسون الآن سيطرة فعلية على جمع الزكاة واستخدامها وإدارتها، بما في ذلك لتمويل جهودهم الحربية، ما يحرم السلطات المحلية من مصدر الإيرادات هذا. “تعزيز مصادر التمويل الخارجي من المنح والمساعدات وعوائد تحويلات المغتربين”. لا يعرف ما الذي سيبتكره الحوثيون من رسوم بشأن الحصول على عوائد من تحويلات المغتربين الذين يتجاوز عددهم 6 ملايين يمني. وتبلغ تحويلات المغتربين 4 مليارات دولار سنوياً (وفق تقرير البنك الدولي2023). “تحقيق أعلى عائدات من المنافذ البرية الجمركية”. وهي المنافذ التي وضعها الحوثيون في مداخل مناطق سيطرته لفرض جمارك على البضائع القادمة من مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، والتي تفرض رسوم جمركية جديدة بعد أن دفعت تلك البضائع رسوم جمركية وضريبة في مداخل البلاد.حتى في مناقشة البنى التحتية تشير حكومة الحوثيين إلى أنها ستقوم “رفع مستوى إيرادات قطاع الاتصالات”، ما يعني ضريبة جديدة على قطاع الاتصالات والانترنت الأغلى على الإطلاق في كوكب الأرض. وتقول الحكومة اليمنية إن الحوثيين يتحصلون على 2 مليار دولار سنوياً من قطاع الاتصالات.
على عكس تفاؤل معظم أنصار الحوثيين الذين تحدث لهم “يمن مونيتور”، فإن برنامج حكومة الجماعة الجديدة يشير بوضوح إلى أنها لن تدفع رواتب بانتظام، وستبقى الطريقة القديمة مستمرة دون تغيير حيث يدفع الحوثيون في العام مرتين إلى ثلاث جزء من الراتب.
وتقول حكومة الحوثيين إنها “ستكثف الجهود للعمل على مواجهة صرف جزء من الراتب بصورة دورية وفقاً للإمكانات المتاحة”.
كما يعوّل الحوثيون على أن تدفع المملكة العربية السعودية رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الجماعة ومن ضمنهم موظفوها وأنصارها. وتقول حكومتهم إنها ستتابع “تدابير خفض التصعيد المتفق عليها في يوليو/تموز 2024، وإنجاز حلول القضايا الإنسانية والاقتصادية والتي سينتج عنها صرف رواتب موظفي الدولة وفق خارطة الطريق الموقعة برعاية الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2023م”.
يجيب الحوثيون بوضوح في برنامج حكومتهم لماذا لن يدفعوا رواتب الموظفين الحكوميين، إذ يشدد على إن الإيرادات التي يصفونها “بالمتواضعة والمتاحة” سيتم توجيهها لتغطية نفقات “رفع مستوى الإعداد والجاهزية للجبهات العسكرية والإنتاج الحربي، وتمويل نفقات وتجهيزات الجهات الأمنية “.
وبعد ذلك “مواجهة النفقات التشغيلية الضرورية للوزارات والهيئات وحوافز بسيطة للعاملين الميدانيين لضمان استمرار الخدمات، الأمر الذي يصعب على الحكومة الصرف المنتظم للرواتب الشهرية لموظفي أجهزة الدولة”- حسب ما يؤكد البرنامج.
التجهيز لحرب جديدة
يؤكد برنامج حكومة الحوثيين أن إعلان الحكومة جزء من استعدادات خوض حرب جديدة رغم الهدنة الطويلة، وآمال تحقيق السلام. حيث تحدد أن هدفها في المرحلة المقبلة “تعزيز مواجهة العدوان ودعم الجبهات”؛ في إشارة إلى مواجهة الحكومة المعترف بها دولياً. ويملك الحوثيون طموحات، بما في ذلك الاستيلاء على موارد النفط والغاز، والحصول على اعتراف من المنطقة والعالم. لذلك، لا يزال الدافع وراء الحرب قويا.
وتقول حكومة الحوثيين إنها ستراجع “الاتفاقيات وعقود الإنتاج والامتياز الموقعة في مشروعات النفط والغاز والمعادن”. لا يسيطر الحوثيون على آبار نفط أو غاز في مناطق حكمهم. وخلال الأسابيع الماضية يحشدون مئات المقاتلين إلى الخطوط الأمامية لجبهات القتال في محافظة مأرب (شرق) الغنية بالنفط والغاز والتي حاولوا مراراً السيطرة عليها لكنهم فشلوا وبددوا جزء كبير من إمداداتهم المالية والعسكرية في محاولتهم الأخيرة (2020-2022). ويوم الجمعة، قال الجيش اليمني إن الحوثيين حاولوا قصف منشأة صافر الغازية بثلاث طائرات مفخخة.
شدد الحوثيون مراراً وتكراراً في برنامج حكومتهم أن مهامها وأوعية أنفاق إيراداتها:
“تعزيز الجاهزية القتالية ودعم الجبهات بالمقاتلين والأسلحة والمعدات المتطورة”. “تطوير القدرة الصناعية في مجال الإنتاج الحربي”. “تعزيز القدرات الأمنية (المخابراتية)، خاصة بعد نجاحات كشف شبكات التجسس”. والحديث عن “شبكات التجسس” إشارة إلى عشرات الموظفين اليمنيين السابقين في السفارات الغربية والمنظمات الدولية، اتهمهم الحوثيون بالتجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.حكومة لأنصار الجماعة وأبنائهم لا لليمنيين
تجاهلت الحكومة التي أعلنتها جماعة الحوثي، الحديث عن معظم القضايا التي تهم معظم اليمنيين، بما فيها الخدمات العامة مثل “مجانية التعليم”، و”الصحة العامة”، و”المشاريع الصغيرة” وتكافؤ فرص الابتعاث والمنح الدراسية، وركزت على القضايا التي تهم الجماعة في الحكم والسلطة وتعزيز حكم المذهب الواحد.
وحسب برنامجها فإن مقاتلي الجماعة وأنصارها وأبنائهم هم أولوياتها، وتعزيز أيدلوجيتها هي مهمتها في الإعلام والتعليم، وتقول إن مهمتها في الخدمات العامة والسياسات الداخلية:
الاهتمام بالطلاب والطالبات أبناء الشهداء والجرحى، ورعايتهم وتوفير المتطلبات اللازمة التي تضمن حصولهم على حقهم في التعليم المجاني، وتخصيص مقاعد التحاق ومنح ابتعاث سنوية لهم. مجانية استيعاب أبناء الشهداء والجرحى في مؤسسات التعليم الفني، وتأهيل وتدريب أقاربهم ذكوراً وإناثاً على المهن المدرة للدخل، والحصول على مشاريع صغيرة. تطوير المناهج في التعليم العام والفني والعالي بما يتناسب مع الهوية الإيمانية. رعاية النشء والشباب لتعزيز الهوية الإيمانية. تفعيل دور الإعلام في ترسيخ الهوية الإيمانية لدى المجتمع. مراقبة المحتوى الإعلامي للحد من تأثير المحتويات التي تتعارض والهوية الإيمانية.يقصد الحوثيون بالهوية الإيمانية -وفق دراسة لمركز المخا للدراسات والبحوث- “ليست سوى تلك الأيديولوجيا التي تؤسِّس لهم حقًّا في احتكار السلطة والثروة بصفتهم آل البيت”.
هذا عدا “الخُمس” (20 بالمائة) التي فرضها الحوثيون منذ 2020 على المعادن والهيدروكربونات والمياه وصيد الأسماك، والمستفيد منها هم عائلات محددة مثل الحوثي وعائلات موالية لهم.
على الرغم من أن الحوثيين يحاولون تقديم التغيرات الجذرية كمرحلة جديدة لنظام وسلطة جديدة، إلا أنه لا يمكن إغفال أنهم جماعة مسلحة متمردة تعاني بعد سنوات الحرب كأي كجماعة متمردة حدثت في أي دولة. ثنائية “التمرد والجشع” هو ما يبتلع الجماعات المسلحة من الداخل، لا يستطيعون إدارة دولة ويعرفون أن المجتمع الذي عاش سنوات الحرب لا يثق بهم وبمرور الوقت ستصبح التغيّرات الجذرية من حلّ إلى مشكلة يعاني منها الحوثيون باعتبارها حامل “بذور الفناء” لهيمنة الجماعة المسلحة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةعندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...
المنتخب اليمني ............. لماذا لم يكن زي منتخب اليمن الف...
سلام الله على حكم الامام رحم الله الامام يحيى ابن حميد الدين...
سلام الله على حكم الامامه سلام الله على الامام يا حميد الدين...
المذكورون تم اعتقالهم قبل أكثر من عامين دون أن يتم معرفة أسب...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: المعترف بها دولیا الهویة الإیمانیة علی عبدالله صالح حکومة الحوثیین برنامج الحکومة یمن مونیتور مناطق سیطرة الحوثیین فی جدیدة على فی مناطق بما فی
إقرأ أيضاً:
لماذا تأخرت بغداد في الانفتاح على الحكومة السورية الجديدة؟
بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد كان العراق من بين الدول القليلة التي لم تهنئ الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع بتوليه مهام منصبه، وبرزت بغداد كمراقبة حذرة للتحولات الكبيرة التي شهدتها جارتها، معتبرة إياها تهديدات أمنية تستوجب الحذر الشديد.
وفي ظل هذه التغييرات السياسية الجديدة والملحة برز التحدي الأكبر في كيفية التعامل مع الملفات الأمنية والاقتصادية المشتركة، واستمرت بغداد في اتباع نهج حذر ومدروس تجاه الحكومة السورية الجديدة متأثرة بعوامل إقليمية وداخلية.
لكن مع هذه الحيطة يبدو أن الإدارة السورية الجديدة نجحت في إرسال إشارات إيجابية إلى بغداد، مما دفع العراق إلى الرد بزيارة رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري إلى دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2024.
وتتبع هذه الزيارة دعوة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لزيارة بغداد، والتلميح إلى إمكانية دعوة الرئيس السوري للمشاركة في القمة العربية المقبلة في بغداد، فهل تعكس هذه التطورات الرغبة الحقيقية في فتح صفحة جديدة بالعلاقات الثنائية بين البلدين؟
مخاوف أمنيةوتشير زيارة الشطري إلى سوريا في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024 -بحسب مراقبين- إلى أن العراق أراد أن يبني مسارا مختلفا عن مسار بقية دول الإقليم -التي بدأت تتفاعل تباعا مع الوضع السوري- من خلال جعل الدبلوماسية الأمنية هي المعيار الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقات بين بغداد ودمشق.
إعلانوأكدت مصادر سورية خاصة لموقع الجزيرة نت أن زيارة الشطري ركزت على شرح مخاوف العراق للجانب السوري من عودة تنظيم الدولة الإسلامية، وضرورة ضبط الحدود لعدم تسلل عناصر من خلايا التنظيم إلى داخل العراق.
كما أن الشطري طلب من الشرع التعاون في منع امتداد الاضطرابات إلى المناطق الحدودية العراقية التي تقطنها عشائر لها ارتباطات مع الجانب السوري.
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين قد أعرب -في تصريحات لتلفزيون "فرانس 24" في 14 فبراير/شباط الجاري- عن مخاوف بلاده من تنظيم الدولة ووجود مسلحيه قرب الحدود العراقية السورية.
وقال وزير الخارجية "نعتبر التنظيم تهديدا، وبما أن الإدارة السورية الجديدة لديها موقف منه فإننا نحتاج إلى تعاون وعمل مشترك مع سوريا للتصدي للتنظيم ومنع إعادة تمكينه مجددا".
ومن ناحية أخرى، تتزايد المخاوف بشأن إمكانية أن تثير الأحداث في سوريا تمردا مماثلا في العراق، وذلك بعد أن هُزمت المليشيات العراقية المدعومة إيرانيا في سوريا، وانحسار الدور الإيراني وتراجع دور حزب الله في المنطقة، وذلك بحسب الباحث العراقي في جامعة إكستر البريطانية هيثم هادي نعمان.
ويضيف نعمان في حديث للجزيرة نت "هناك توقعات كثيرة تؤكد أن النظام السياسي في العراق مأزوم نتيجة للفساد، ونتيجة للفجوة مع الجمهور، وانتشار المليشيات، إلى جانب وجود خلافات سياسية داخل النخبة السياسية الحاكمة، وبالتالي تعتبر أنها الآن على حافة الهاوية أو على حافة الخطر"، حسب قوله.
وكان تقرير نشره موقع "كراسنايا فيسنا" الروسي ذكر أن العراق يعاني وضعا إستراتيجيا صعبا للغاية بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، إذ أصبح النقطة التالية المهددة بانعدام الاستقرار في الشرق الأوسط.
وأشار التقرير إلى أن ضعف محور المقاومة الإيراني وتراجع نفوذ روسيا في المنطقة أديا إلى تعزيز دور لاعبين آخرين، وهو ما ينذر بحدوث تغيير في العراق، خاصة مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وتنقسم تصريحات المسؤولين العراقيين تجاه الوضع السوري الجديد، بين من يدعو إلى دعم الحكومة السورية الجديدة وبين من يهاجمها، وهو ما يشير إلى الفجوة داخل الحكومة العراقية التي تشارك في حوارات دولية تخص "مساعدة سوريا لتنظيم عملية سياسية شاملة.
إعلانفمن جهة، أكد بيان حكومي صدر عقب لقاء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق محمد الحسان على ضرورة التعاون والتنسيق لمساعدة سوريا في تنظيم عملية سياسية شاملة تضمن مشاركة جميع المكونات والحفاظ على وحدة أراضيها.
وكان المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية باسم العوادي أكد -خلال حديثه للجزيرة نت- على أن العراق سارع إلى الترحيب بالواقع السوري الجديد، وأبدى استعداده للتعاون، مع التشديد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، واحترام إرادة الشعب السوري في اختيار قيادته.
في المقابل، هاجم زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الإدارة السورية الجديدة ووصفها بـ"الإرهابية"، ووجّه إليها انتقادات حادة، قائلا إنها تمثل ما وصفها بالفتنة في المنطقة.
وأضاف المالكي خلال مؤتمر مع شيوخ عشائر كربلاء في الأول من فبراير/شباط الجاري أن "الذين استلموا الحكم في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد كانوا سجناء لدينا"، في إشارة إلى الرئيس أحمد الشرع.
وكان القيادي في الإطار التنسيقي محمود الحياني قد قال لوسائل إعلام محلية عراقية إن سبب عدم تهنئة الجولاني يعود إلى "وجود ملاحظات وإشكاليات على الرجل وعدد من أفراد حكومته"، مضيفا "إنهم متهمون بقضايا إرهاب داخل العراق".
وتعليقا على حالة الانقسام هذه، يرى الباحث العراقي مجاهد الطائي أن هناك معضلة في عملية صنع القرار الخارجي بالحكومات العراقية المتعاقبة، وهذا الأمر ليس مع الحالة السورية فقط، فإلى جانب الحكومة توجد قوى وأحزاب سياسية ومليشيات عدة داخل العراق هي التي تساهم في عملية صنع القرار.
ويشير الطائي في حديثه للجزيرة نت إلى أن الحكومة العراقية ضعيفة مقارنة بالقوى التي شكلتها، والتي أصبحت تمثلها محليا ودوليا، وهي تخضع في بعض الأحيان لأمزجة سياسية خارج سياقات الدولة، أي لتوجيهات جماعات ما دون الدولة، وهذا الأمر يتكرر في علاقة العراق مع دول الجوار، مثل تركيا وإيران والسعودية، وفق تعبيره.
إعلان ضغوط إيرانيةوبعيدا عن المخاوف الأمنية التي قد تشكل هاجسا معقولا لدى الساسة العراقيين يرى كثير من المختصين في هذا الشأن أن الخوف الذي يتردد داخل أروقة النظام السياسي في بغداد بشأن اتخاذ موقف واضح مع سوريا نابع بالأساس من صعود نظام سياسي جديد في دمشق يتبنى موقفا متشددا من طهران.
وما يدفع بهذا الاتجاه هو أن الحكومة العراقية تشكلت من قوى الإطار الشيعي الحليف لإيران، إضافة إلى أن الأخير كان يساند نظام بشار الأسد في سوريا، وبالتالي فإن القرار العراقي اليوم ليس بعيدا عما يتخذه الإيرانيون.
وفي هذا الإطار، علم موقع الجزيرة نت من مصادر في الحكومة العراقية أن لدى محمد شياع السوداني توجها بالفعل لتطوير العلاقات مع الجانب السوري ورفعها إلى المستوى السياسي والدبلوماسي، لكن بعض القوى السياسية المنضوية ضمن الإطار التنسيقي والمقربة من إيران تعارض تطوير العلاقات.
من ناحيته، نفى السوداني وجود مثل هذه الضغوطات، وأكد أن هناك مبالغة في تصوير النفوذ الإيراني داخل العراق، ووصفها بـ"فوبيا إيران"، لافتا إلى أن طهران وقفت إلى جانب العراق في حربه ضد الإرهاب الذي "جاء إلى العراق عبر سوريا"، وفق تعبيره.
وأضاف السوداني في مقابلة مع "بي بي سي" خلال زيارته الرسمية الأولى إلى بريطانيا في 14 يناير/كانون الثاني 2025 أن العراق يحترم اختيار الشعب السوري قيادته الجديدة ونظامه الدستوري، لكنه أعرب عن أمله في أن تكون هذه الإدارة شاملة وتحتوي كافة أطياف ومكونات الشعب السوري.
لكن مدير مركز الرافدين للعدالة في جنيف راهب الصالح يرى أن إيران تمارس نفوذا مباشرا على القرار السياسي العراقي، خصوصا عبر الفصائل المسلحة الولائية، مثل الحشد الشعبي "عصائب أهل الحق"، وكتائب "حزب الله"، و"حركة النجباء" التي تسيطر على المشهد الأمني والسياسي في العراق.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح الصالح أن هذه الفصائل تمثل امتدادا للنفوذ الإيراني، وتتبنى موقفا معاديا لأي حكومة لا تتوافق مع الأجندة الإيرانية أو مع مشروع محور المقاومة بشكل عام، مما يعني أن الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة قد يكون خطوة تتعارض مع توجهاتها.
إعلانوبناء عليه، يتوقع الباحث هيثم نعمان أن "هذه القوى (المليشيات الولائية التابعة لإيران) لن تقتصر على رفض الاعتراف بالواقع السوري الجديد، وإنما ستعمل أيضا على المساهمة في عدم استقرار الوضع في سوريا من خلال نشر القلاقل والتسلل إليها بشكل سري ومباغت لإثارة الفوضى".
يشار إلى أنه على الرغم من وجود 136 ضابطا وعنصرا من فلول النظام السابق في سوريا من أصل ألفي عنصر لجؤوا إلى العراق إثر سقوط النظام فإن مصادر حكومية أكدت للجزيرة نت أنه لا وجود لأنشطة معادية لسوريا في الأراضي العراقية، وأن العراق لن يكون ملاذا لعناصر أجنبية.
فرصة قمة بغدادبدوره، كشف وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين عن توجيه دعوة إلى نظيره السوري أسعد الشيباني لزيارة العاصمة العراقية بغداد قريبا.
وقال حسين في تصريحات صحفية على هامش مؤتمر باريس بشأن سوريا إنه لا وجود "لأي تحفظ أو شروط من بغداد من أجل تقبّل التعامل مع القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع".
وأضاف أن "الشيباني سيكون في العاصمة العراقية قريبا جدا"، لافتا في الوقت ذاته إلى أن القمة التي سيحتضنها العراق في مايو/أيار المقبل ستشهد توجيه الدعوة إلى جميع قادة الدول العربية، بمن فيهم الرئيس السوري أحمد الشرع.
وأكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية باسم العوادي في حديثه للجزيرة نت أن زيارة وزير الخارجية السوري إلى بغداد تأتي لتفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين الشقيقين تقوم على التعاون والاحترام المتبادل، وتتناول مختلف الملفات المهمة، وعلى رأسها الملف الأمني.
وشدد العوادي أن العراق لا يفكر بمنطق فرض الشروط أو المطالب على سوريا، بل يسعى إلى تعاون جاد بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والاستثمارية والأمنية، وغيرها.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تشكل فرصة تاريخية لكسر حالة الجمود بين البلدين، وإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، إذ يشير الباحث العراقي صباح العكيلي في حديثه للجزيرة نت إلى أن دعوة الشيباني لزيارة العراق تأتي في هذا السياق، خاصة مع استعداد العراق لاستضافة القمة العربية.
إعلانوأضاف العكيلي أن العراق يسعى من خلال هذه الزيارة إلى تنسيق المواقف مع الدول الأعضاء في الجامعة العربية، خصوصا في ظل وجود ملفات مهمة على جدول أعمال القمة، مثل الملفين الاقتصادي والأمني، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية التي قد تكون حاضرة بقوة بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة.
من جهته، يرى الباحث راهب الصالح أن دعوة الجانب السوري إلى القمة العربية قد تكون خطوة شكلية، لكنها لن تغير حقيقة أن القرار العراقي بشأن الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة مرتبط بما تقرره طهران وليس بغداد.
ويتابع الصالح أن العراق قد يحاول استغلال القمة لموازنة علاقاته بين المحور الإيراني والدول العربية الأخرى، لكنه في النهاية لن يتخذ موقفا يتعارض مع التوجهات الإيرانية، وبالتالي سيظل العراق مترددا في الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة ما لم يتغير موقف طهران أو تُفرض معادلات سياسية جديدة في المنطقة.
ومن المقرر أن تحتضن العاصمة بغداد مؤتمرا للقمة العربية في مايو/أيار المقبل، مع احتمال أن يحضره الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، لكن "اللجنة التحضيرية للتظاهرات والاعتصامات" المقربة من القوى السياسية الشيعية والفصائل حذرت الحكومة من المضي في دعوة الشرع لحضور قمة بغداد.