النظرية الإعلامية الإسلامية
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
تتميز النظرية الإعلامية في الإسلام، بالتزامها بالحديث عن الإسلام: كيف نشأ، وكيف قضى على الجاهلية بمفاهيمها الضالة، في حين أبقى على المفاهيم الصحيحة كصلة الرحم، والكرم، وحماية الجار (والجار الجنب)، وذي القربى، والأمانة، وإلغاء الربا، ولعب الميسر، إلى آخره. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل شمل القول بأنواعه من معروف وميسور وحسن
وبليغ، ولكل قول جمهوره، فمثلاً القول المعروف له ستة أنماط من الجمهور، كالنساء مثلاً، (وقلن قولاً معروفاً) في مخاطبة الرجال، فلا يخضعن بالقول.
والأخلاق الضالة كانت إلى جانب الأخلاق الجاهلية، يتبعها أهل الجاهلية، فالزنا مثل نجدة الملهوف وإطعام الجائعين، وكذلك لعب الميسر – القمار حالياً – هو خلق حميد لا فرق بينهما.
ولنا قدوة في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقدم كيس الدقيق للمرأة التي كان أبناؤها يتضورون جوعاً، بعد أن سألها عن مشكلتهم. فانتقدته شخصياً ولم تعرفه، ولم يغضب بل ذهب مسرعاً فأحضر لها الدقيق، ولعمر بن الخطاب مقولة مفادها: “لو كانت شاة جوعى في العراق، لسار إليها ليطعمها”.
وحينما تولى عمر بن العاص -رضي الله عنه-، ضم بيت امرأة قبطية لمسجد، فاشتكت لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في المدينة المنورة، فكتب لواليه بن العاص: “أيعلم عمر ويعدل كسرى؟”، مذكِّراً إياه بأيام الجاهلية وهما يرعيان الماشية، فسرقها ابن كسرى فشوه لأبيه كسرى، فقتل كسرى ابنه.
ولانطيل، فالأمثلة كثيرة، بيد أن أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، ضرب المثل الأعلى في الأعمال الفاضلة، فلم تكن جنازة إلا تبعها، ولم يصلح بين إثنين، إلا سبق إليه الصحابة جميعاً، وشهَّدوا بذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. ولكن الظاهرة الإعلامية والسياسية، كانت لصاحب الرسالة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وقد كان حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان الشعر بمثابة إعلام وبيان، ولنا في قول الشاعر الفخر، وهو يقول:
يا من سكنت في القاع أعظمه
فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الغداة لقبرٍ أنت ساكنه
فيه العفاف والجود والكرم
فبأبي أنت يا رسول الله.
تتواصل العملية الإعلامية بقنواتها المكتوبة والمسموعة والمرئية، مع قيِّم الإسلام حتى يومنا هذا، فمنذ عهد الملك عبد العزيز، وحتى يومنا هذا في عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، فإذا الآذان -وهو في الحقيقة التأذن برفع الشهادتين-، خمس
مرات في اليوم والليلة، ناهيك عن الاحتكام للقرآن والسنة النبوية الشريفة في كل مجالات الحياة، فضلاً عن مواكبة العصر في التغطيات التلفزيونية، وتصميم الصحف والمجلات بالألوان المختلفة بغرض التشويق، وإقامة معارض الكتب في المدن الرئيسية والعروض المسرحية…إلى آخره.
قال تعالى: *”ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثَقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ…”* [آل عمران: 112]، أي بعهد من الله على المؤمنين بعدم إيذائهم إذا دفعوا الجزية (وحبل من الناس إذا عقدوا عقداً يتقون به)
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: عمر بن الخطاب رضی الله عنه
إقرأ أيضاً:
خطاب الكراهية والتحريض في الإعلام الإسرائيلي: تصاعد العنصرية والتطبيع مع العنف
في فترة لا تتجاوز الأسبوع (من 29 حزيران/ يونيو وحتى 5 تموز/ يوليو 2025)، سجّل الإعلام الإسرائيلي موجة متصاعدة من الخطاب التحريضي والعنصري، اتسمت بكثافة عالية في نزع الشرعية عن الفلسطينيين، وتكريس لغة الكراهية، والترويج العلني للحلول العسكرية، بل والدينية، كبديل لأي مسار سياسي عقلاني.
ما بين المقالات الصحفية، والتغريدات السياسية، والتحليلات الأمنية، تبرز ملامح خطاب متكامل لا يكتفي بالتغطية المنحازة، بل يتحول إلى أداة لتبرير سياسات الإقصاء والضم وشرعنة العنف ضد الفلسطينيين.
من الصفقة إلى الفزاعة: اختطاف لغة التفاوض
لم يقتصر التحريض على وسائل الإعلام التقليدية، بل انتقل بكثافة إلى منصات التواصل، وعلى رأسها "إكس" (تويتر سابقا). سياسيون ووزراء ونواب في الكنيست استخدموا لغة علنية تدعو إلى استمرار الحرب، ورفض أي هدنة، وشيطنة كل من يتحدث عن تسوية
يبدأ الخطاب التحريضي من حيث يُفترض أن يبدأ النقاش الإنساني: ملف الأسرى والمحتجزين. لكن، بدلا من التعامل مع هذه القضية من منطلق إنساني أو سياسي، أعاد الإعلام الإسرائيلي تقديمها بوصفها خطرا أمنيا، كما جاء في مقال تسفيكا يحزكيلي على موقع "معاريف أونلاين"، حيث تم تصوير الصفقة المتوقعة مع حماس كتهديد لا كمبادرة إنسانية، والوساطات الدولية كخديعة تمكّن "العدو" من التقاط أنفاسه. بهذا، يتم توجيه وعي الجمهور الإسرائيلي ضد كل ما هو تفاوضي، واعتباره تفريطا أو ضعفا.
إعادة إنتاج نفي الوجود الفلسطيني
مقال آخر للكاتب مئير بن شابات في صحيفة "مكور ريشون" نفى تماما شرعية السلطة الفلسطينية، ليس فقط من باب الانتقاد السياسي، بل من خلال إعادة رسم المشهد الإقليمي بصورة تستبعدها بالكامل من أي معادلة مستقبلية. الخطير في هذا الخطاب أنه لا يقدّم بدائل، بل يدعو صراحة إلى مقاربة تتجاهل وجود الشعب الفلسطيني، وتتعامل مع السلطة كـ"عائق" يجب الحذر منه، لا كطرف يسعى لدور تفاوضي أو سيادي.
عسكرة الدين وتحويل الاحتلال إلى فريضة
في سلسلة مقالات لكتّاب محسوبين على التيار الديني القومي، برز توجه خطير يتمثل في توظيف الدين لتبرير العنف، ليس كأداة ردع، بل كفريضة أخلاقية. الحاخام أفيعاد غدوت، على سبيل المثال، يرى أن أعلى درجات الأخلاق هي "حسم العدو وقتله"، فيما يدعو الحاخام حاييم نڤون إلى التعامل مع غزة كأرض يجب قمعها بالكامل دون اعتبار للمحتجزين أنفسهم، تحت شعار "الجيش الأخلاقي"، مما يخلق سردية تحوّل الاحتلال إلى رسالة توراتية، وتمنح العقاب الجماعي شرعية دينية.
غياب الفلسطيني: محو لغوي وسياسي
في مقال لآري شافيط نُشر في "مكور ريشون"، تتضح خطورة خطاب المحو؛ إذ لا يظهر الفلسطيني في أي فقرة، لا كعدو ولا كضحية، بل يتم إلغاء وجوده بالكامل من السردية. يتحدث المقال عن غزة كـ"غلاف" وعن الحرب كـ"ردع" دون الإشارة إلى أن هناك بشرا يُقتلون ويُهجّرون تحت القصف. هذا الغياب البنيوي ليس مجرد تقصير، بل موقف سياسي قائم على الإلغاء والإقصاء.
التطبيع مع الضم والاستيطان
في مقالات أخرى، يُصوَّر الاستيطان الزاحف في الضفة الغربية بوصفه "ثورة صامتة"، كما ورد في صحيفة "يسرائيل هيوم". يتم الاحتفاء بقرارات توسيع المستوطنات، وشق الطرق الالتفافية، وتقنين البؤر الاستيطانية، لا باعتبارها خرقا للقانون الدولي، بل كنجاحات إدارية وطنية، بينما تُغيب تماما أي إشارة إلى الشعب الفلسطيني، وكأن الأرض "مُستردة" وليست محتلة.
"حل سياسي" بلا سيادة فلسطينية
حتى المقالات التي تطرح وقف الحرب في غزة، كما فعل الصحفي آفي يسسخاروف في "يديعوت أحرونوت"، تُفرغ الحل السياسي من مضمونه، وتعيد تقديم السلطة الفلسطينية كجسم تنفيذي بلا دور تمثيلي، وتتعامل معها كأداة لإدارة القطاع لا كشريك في تقرير المصير. هذا النهج لا يسعى إلى تسوية، بل إلى إعادة إنتاج السيطرة بأدوات جديدة.
التحريض السياسي على منصات التواصل
لم يقتصر التحريض على وسائل الإعلام التقليدية، بل انتقل بكثافة إلى منصات التواصل، وعلى رأسها "إكس" (تويتر سابقا). سياسيون ووزراء ونواب في الكنيست استخدموا لغة علنية تدعو إلى استمرار الحرب، ورفض أي هدنة، وشيطنة كل من يتحدث عن تسوية.
- إيتمار بن غفير طالب بإخضاع غزة بالكامل.
خطورة هذا الخطاب لا تكمن فقط في التحريض المباشر، بل في إعادة تشكيل الوعي العام بحيث يرى في أي مسعى للسلام تهديدا، وفي أي وجود فلسطيني عقبة يجب تجاوزها
- تسفي سوكوت وصف وقف الحرب بـ"البصقة في وجه المقاتلين".
- ليمور سون هارميلخ ويوليا مليونوفسكي هاجمتا المساعدات الإنسانية واعتبرتاها دعما للإرهاب.
- أفيغدور ليبرمان اتهم الحكومة بدعم حماس.
- بنيامين نتنياهو نفسه ربط بين "النصر" ومشاريع الطاقة، متجاهلا كليا ملف الاحتلال.
النتيجة: تكريس سردية الإلغاء والإقصاء
هذا التصعيد في الخطاب لا يُمثّل مواقف فردية، بل يعكس توجها ممنهجا داخل المؤسسات السياسية والإعلامية في إسرائيل، يقوم على ثلاثة مرتكزات:
1- شيطنة الفلسطيني والتفاوض معا: بحيث يُمنع أي أفق سياسي مستقبلي.
2- تحويل الحرب إلى غاية بحد ذاتها: ليست وسيلة لإنهاء صراع، بل غاية يُروَّج لها كضرورة دينية واستراتيجية.
3- تطبيع الإقصاء: من الأرض، ومن اللغة، ومن التحليل السياسي.
إن خطورة هذا الخطاب لا تكمن فقط في التحريض المباشر، بل في إعادة تشكيل الوعي العام بحيث يرى في أي مسعى للسلام تهديدا، وفي أي وجود فلسطيني عقبة يجب تجاوزها.