المدنيون : جوع وتدوين مدفعي وقصف بالطيران
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
تصاعدت عمليات القصف الجوي التي يشنها الطيران الحربي التابع للجيش منذ بداية الأسبوع الجاري في أجزاء واسعة من دارفور ووسط السودان. في المقابل تواصلت عمليات القصف المدفعي التي تشنها قوات الدعم السريع باتجاه محلية كرري بامدرمان والأبيض بشمال كردفان بجانب التدوين المدفعي المتواصل على الاحياء السكنية ومنازل المدنيين بمدينة الفاشر .
منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
أمستردام: ٢4 أغسطس 2024
اعداد وتحرير : راديو دبنقا
وطال القصف الجوي والمدفعي الأعيان المدنية مثل المستشفيات والمراكز الصحية والأحياء السكنية والأسواق مما أدى لسقوط ضحايا مدنيين.
واستهدف القصف الجوي منذ بداية الاسبوع مدينة الضعين في شرق دارفور، والفاشر ومليط والطويشة وأبو حميرة وكبكابية والكومة في شمال دارفور وكبم بجنوب دارفور بجانب عدد من أحياء مدينة الحصاحيصا في ولاية الجزيرة بجانب مناطق في أمبدة بأمدرمان. كما استهدف القصف المدفعي الذي يشنه الدعم السريع مناطق في أحياء محلية كرري بأمدرمان وحي الواحة، والفاشر.
وتقع جميع المناطق التي تعرضت للقصف الجوي تحت سيطرة الدعم السريع عدا حي النصر في الفاشر الذي يسيطر عليه الجيش، وشملت المناطق التي جرى قصفها مستشفيات ومرافق صحية أخرى وأسواق وأحياء سكنية ومرافق حكومية مدنية ولكن موالون للجيش يرون إن هذه المرافق كان بها وجود عسكرياً.
وفي المقابل تقع جميع المناطق التي استهدفها الدعم السريع بالقصف المدفعي تحت سيطرة الجيش.
وتنص القوانين الدولية على حماية الأعيان المدنية وهي جميع الأعيان التي ليست أهدافًا عسكرية”. وتنص القوانين “تُحمى الأعيان المدنية من الهجوم ما لم تكن أهدافًا عسكرية وطوال الوقت الذي تكون فيه كذلك”. وتنطبق هاتان القاعدتان على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
أبو حميرةويوم السبت الماضي، شن الطيران الحربي التابع للجيش السودان غارات جوية على منطقة أبو حميرة جنوب أم كدادة 168 كلم شرق الفاشر عاصمة شمال دارفور.
وقال مواطنون إن قذيفتين سقطتا في محيط محطة مياه بمنطقة “تليس” دون وقوع خسائر في الأرواح والممتلكات. وأوضحوا إن المنطقة لا يوجد بها مظاهر عسكرية. وكانت قوة من الاحتياطي المركزي انسحب من المنطقة في وقت سابق فيما نزح عدد من المواطنين من المنطقة إلى أبو حميرة.
مليط
ويوم الاثنين الماضي، شن الطيران الحربي غارات جوية على مدينة مليط” بولاية شمال دارفور مما أدى إلى تدمير في مباني هيئة المياه ومكاتب الغابات وبعض المنازل المجاورة.
وقال مواطنون من مليط لراديو دبنقا إن القصف أدى إلى انهيار منزلين مشيرين إلى عدم حدوث خسائر في الأرواح. وأوضحوا إن عملية القصف الجوي الحالية تعد الثانية من نوعها خلال عشرة أيام.
وفي ابريل الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة مليط التي تعتبر مركزاً تجاري مهماً يربط الفاشر بليبيا. وكانت عملية السيطرة على مليط تمهيداً لحصار الفاشر وشن هجوم واسع على المدينة ابتداءاً من التاسع من مايو الماضي.
وشنّ الطيران الحربي الأسبوع الماضي غارة جوية على منطقة المالحة ومناطق أخرى كما كثف عملياته في أطراف مدينة الفاشر.
الضعين
ويوم الثلاثاء الماضي، شنّ الطيران الحربي غارات على الضعين في شرق دارفور، والفاشر والطويشة وأبو حميرة في شمال دارفور والحصاحيصا ومناطق أخرى في الجزيرة.
وفي الضعين، استهدف القصف الجوي الطيران الحربي مستشفى الضعين التعليمي خاصة عنبر الباطنية رجال، وعنبر النساء والتوليد، ومركز غسيل الكلى، سوق الضعين الكبير جوار المسجد الكبير، ومدرسة الخنساء الأساسية للبنات. وقال مواطنون من الضعين لراديو دبنقا إن القصف أدى تسعة مدنيين ثمانية منهم نساء، إضافة إلى أحد الكوادر الطبية بالمستشفى، كما أصيب سبعة عشر شخصاً بينهم نساء وأطفال.
الطويشة
وفي الطويشة بشمال دارفور، قصف الطيران الحربي التابع للجيش المدينة مما أدى إلى وقوع قتلي وجرحي، وأظهر مقطع فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي صور القتلى والجرحى الذين سقطوا جراء القصف بجانب حريق شب في أحد المنازل.
الفاشروفي الفاشر، قال شاهد عيان من مركز صحي النصر بالفاشر لراديو دبنقا إنه في حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح الثلاثاء قصف الطيران الحربي التابع للجيش شرق مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وأضاف أن الطائرة الحربية جاءت من الاتجاه الغربي واتجهت شرقاً قصفت، ثم حلقت من الشرق إلى الغرب وأسقطت دانه بمركز صحي حي النصر ودانه أخري بمنزل مواطن يدعي بكري.
وتابع أن القصف أدى الى مقتل شخصين وإصابة 13 حالتهم خطيرة و15 إصابتهم خفيفة، وذكر أن هذه هي المرة الثانية التي يتعرض فيها المركز للقصف.
وأشار إلى أن الطيران الحربي قصف أيضاً موقف مليط مما أوقع قتلى وجرحى وسط المواطنين والعسكريين الذين يتبعون للقوات المسلحة، مبيناً أن موقف مليط يكتظ بالمواطنين.
كما يواصل الطيران الحربي يومياً قصف تمركزات الدعم السريع في شمال المدينة.
وبالمقابل تواصل قوات الدعم السريع القصف المدفعي على مدينة الفاشر الذي استهدف عدد من المرافق الصحية والطوعية والأحياء السكنية ومعسكرات النازحين بجانب المطار وعدد من الأهداف العسكرية.
وفي يوم الأربعاء 21 أغسطس قصفت قوات الدعم السريع مواقع مدنية في حي السلام جنوب مدينة الفاشر ما ادى الى مصرع امرأة واثنين من أطفالها أثناء محاولتهم الاحتماء في مسجد النور في الحي ذاته من القصف، كما أصيب في القذيفة المدفعية عدد من المصلين، وفي اليوم ذاته قصفت قوات الدعم السريع مقار تابعة لجامعة أمدرمان الإسلامية فرع الفاشر مما أدى إلى تدمير المكتبة الرئيسية ومكاتب إدارية.
الحصاحيصاوفي ولاية الجزيرة استهدف القصف المدفعي أحياء الامتداد والصداقة في الحصاحيصا، ومنطقة الفريجاب المجاورة.
وقالت لجان المقاومة الحصاحيصا في صفحتها على فيسبوك إن طيران الجيش شن يوم الثلاثاء بشن غارة جوية إستهدفت المنطقة الشمالية الشرقية من المدينة (حوش الزلابية) والكامل مما أدى الى سقوط عشرات القتلى وسط المدنيين والعديد من الإصابات.
قصف مدفعيمن جهة أخرى، شهدت مدينة الفاشر قصفا مدفعياً من قبل قوات الدعم السريع باتجاه الفاشر جنوب وسوق المواشي والمستشفى السعودي واتجاه المطار منذ مساء أمس الثلاثاء، فيما قصف الطيران الحربي فجر وصباح الأربعاء أهدافا في المناطق الشمالية والشرقية.
وأشار شهود عيان إلى سقوط أربعة قتلى جراء القصف وعشرات الجرحى الثلاثاء وإن عدد من المصابين في حالة حرجة وسيخضعون لتدخل جراحي. وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم محليات ولاية شمال دارفور عدا الفاشر.
الكومةوصباح الأربعاء، قصف الطيران الحربي، مدينتي الكومة وكبكابية بولاية شمال دارفور وكبم بجنوب دارفور.
وقال صالح حريرين من غرفة طوارئ محلية الكومة لراديو دبنقا إن قصف الكومة استهدف الفرقان والبوادي في أطراف المدينة، وأدى إلى مقتل امرأة و”4 “اطفال ونفوق عدد” 153 “من الماشية، وتدمير مصادر المياه بالمدينة.
وأوضح إن القصف روع الاطفال بمراكز ايواء النازحين بالكومة التي تأوي حوالي 45 ألف نازحاً، وأكد عدم وجود أي معسكر للدعم السريع ونفي أي وجود لمظاهر عسكرية داخل المحلية مشيرا إلى أن المحلية تدار بواسطة مدير تنفيذي يتبع لحكومة شمال دارفور.
أمدرمانوكشفت لجنة المعلمين في بيان لها يوم الثلاثاء عن قصف سلاح الطيران الحربي، منزل الأستاذ/ خالد مأمور بأمبدة مما أدى إلى مقتل جميع أفراد اسرته، بمن فيهم زوجته المعلمة أيضا، فيما أصيب المعلم بجروح خطيرة نقل على إثرها إلى المستشفى.
وبالمقابل كشف مواطنون لراديو دبنقا عن مقتل وجرح 9اشخاص من اسرة واحدة في ام بدة الجميعاب بواسطة دانة سقطت على منزلهم يوم الاثنين أطلقتها قوات الدعم السريع.
وأفاد أحد أقرباء الاسرة ان دانة يعتقد انها أطلقتها قوات الدعم السريع سقطت على منزل اسرة كبرون درى كنجار بأم بدة الجميعاب الحارة 16.
الابيضوفي مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان قتل يوم 14 أغسطس الجاري 12 شخص على الأقل إثر تدوين مدفعي عنيف نفذته قوات الدعم السريع أصاب سوق المدينة الرئيسي ومدرسة الخنساء الثانوية للبنات.
وقالت مستشفى الضمان الذي نقل إليه إلى الضحايا أن 12 شخص قتلوا وأصيب نحو 45 آخرون في قصف لقوات الدعم السريع على مواقع في مدينة الأبيض.
ماهية الأعيان المدنيةوكشف خبراء قانونيون إن السودان موقع على في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 لحماية ضحايا الحرب وهو طرف في البروتوكول الإضافي الاول لعام 1977 المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، إضافة إلى البروتوكول الإضافي الثاني المتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية.
وأوضحوا أن الالتزام باتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الثاني مضمن في اعلان جدة بين الجيش وقوات الدعم السريع الصادر في 11 مايو 2023.
ووفقاً لمدونة القانون الدولي الإنساني العرفي فإن الأعيان المدنية هي “جميع الأعيان التي ليست اهدافاً عسكرية”.
وأشاروا إلى أن نظام المحكمة الجنائية الدولية صنف تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية أي التي لا تمثل أهدافا عسكرية كـ “جريمة حرب”.
ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
#ساندوا_السودان
#Standwithsudan
الوسومالجيش الحصاحيصا الدعم السريع الطيران الفاشر القصف المدفعي
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الحصاحيصا الدعم السريع الطيران الفاشر القصف المدفعي
إقرأ أيضاً:
حرب السودان في عامها الثالث: الجيش يتقدم وانتهاكات جديدة بواسطة الدعم السريع
على الرغم من الأحداث الجسام والمآسي الإنسانية الضخمة التي خلفتها الحرب المستمرة في السودان منذ عامين، إلا أن استعادة الجيش للعاصمة الخرطوم وتحرير مبنى القيادة العامة للجيش والقصر الجمهوري في قلب العاصمة، ومؤسسات سيادية وأحياء سكنية، يظل العامل الأبرز في حكايات الحرب اليومية الدامية.
إذ إن تحرير الخرطوم نقل توازن القوة لصالح الجيش بدرجة كبيرة، ففضلا عن استعادة العاصمة من مليشيا الدعم السريع والتي جاءت بعد زحف طويل ابتدأه الجيش من ولاية سنار 500 كيلومتر شرقي الخرطوم مرورا بولاية الجزيرة المهمة في وسط السودان ووصولا للعاصمة بمدنها الثلاث أمدرمان، الخرطوم والخرطوم بحري، فإن هذا الزحف مثّل تغييرا جوهريا في تكتيك الجيش الذي ظل يستخدم سياسة الدفاع عن مقاره تاركا لمليشيا الدعم السريع أن تتمدد في مساحة واسعة من جغرافيا البلاد، قبل أن يعيد الجيش تنظيم صفوفه ويعدل خطته في أيلول/ سبتمبر الماضي ويبدأ هجومه الواسع.
واليوم وبعد استعادة الجيش للخرطوم، حيث عبر الجسور من أمدرمان نحو الخرطوم وبحري وانتهى بدحر الدعم السريع إلى خارج العاصمة الخرطوم، تكون المرحلة الأولى من الحرب قد حُسمت لصالح القوات المسلحة السودانية، إلا أن هناك شوطا طويلا ينتظر الجيش لا يقل صعوبة عن مشوار تحرير وسط السودان، حيث تسيطر المليشيا على أربع من خمس ولايات في إقليم دارفور غربي السودان، مهد المليشيا وأرض حاضنتها الاجتماعية.
وقد كثفت المليشيا من هجماتها على الفاشر، عاصمة الإقليم، وسط تقارير عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ترتكبها المليشيا في محاولتها المستميتة لإسقاط الفاشر ليتسني لها تكوين حكومة موازية ظلت تعد لها منذ فترة انطلاقا من نيروبي، بعد توقيع تحالف سياسي َمع مجموعة منشقة من تحالف القوى المدنية (تقدم) التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك، ولكن حالت انتصارات الجيش في الخرطوم والخلافات بين المكونات الداعمة للمليشيا دون إنجازها.
والأسبوع الماضي أدانت منظمات حقوقية ودول أبرزها مصر وقطر وتركيا وجامعة الدول العربية؛ هجوم المليشيا على معسكر زمزم للنازحين وارتكاب مجازر وسط المدنيين خلفت عشرات الجرحى والقتلى بينهم نساء واطفال.
حصاد الحرب خلال عامين.. دمار وانتهاكات مروعة
لم يصدق السودانيون ما آلت اليه الأمور في العاصمة الخرطوم، فبعد دخول قوات الجيش السوداني إلى المدينة وجد الناس أن حجم الدمار أكبر مما يتصورون، حيث بلغ حجم الخسائر في البنية التحتية الصحية حوالي 11 مليار دولار وخروج 70 في المئة من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، فيما بلغ عدد الضحايا ما بين 70 ألفا و100 الف قتيل بين المدنيين، حسب تقارير وإحصاءات منظمات محلية ودولية.
وما زالت معاناة الآلاف مستمرة من نقص الخدمات الضرورية من الماء والغذاء والكهرباء والخدمة الطبية داخل العاصمة بسبب الدمار غير المسبوق في البنى التحتية والمؤسسات الخدمية، حيث توقفت معظم محطات المياه عن الخدمة بعد تعرضها للقصف، فيما تمت سرقة كابلات الكهرباء وشبكاتها الرئيسية وبيع محتوياتها من النحاس وتهريبها إلى دول الجوار.
وتسببت حرب العامين في لجوء حوالي عشرة ملايين مواطن سوداني إلى دول الجوار والخليج (منهم ثلاثة ملايين إلى جمهورية مصر العربية)، والبقية موزعون ما بين إثيوبيا وإرتريا وجنوب السودان وكينيا وأوغندا وتشاد والمملكة العربية السعودية والإمارات وبعض دول المنافي البعيدة، فيما آثر حوالي ثمانية ملايين النزوح داخل السودان إلى المناطق الآمنة في شرق وشمال السودان وأوسطه قبل سقوط ولايتي الجزيرة وسنار في أيدي مليشيات الدعم السريع، والتي غادرتها بعد انفتاح الجيش وتحريره لأجزاء واسعة من البلاد منذ مطلع العام الحالي.
وتشير التقديرات إلى خسائر عامة تجاوزت 215 مليار دولار، وقد تصل إلى ضعفيها حال تم حصر الخسائر المماثلة في ولايات دارفور وأجزاء من ولايات كردفان، بجانب تراجع العملة الوطنية وتوقف عجلة الإنتاج وتوقف صادرات السودان المتمثلة في الذهب والصمغ العربي والفول السوداني واللحوم.
وفي محور التعليم تعطلت العملية الدراسية، وحُرم حوالي ستة ملايين طالب من الوصول إلى المدارس، و714 ألف طالب من مواصلة تعليمهم الجامعي بسبب إغلاق الجامعات وتخريبها جراء الحرب.
وبعد إغلاق مطار الخرطوم الدولي صبيحة الخامس عشر من نيسان/ أبريل 2023 توقفت جميع شركات الطيران الدولية، وبالرغم من انتقال الحكومة السودانية الي العاصمة المؤقتة في بورتسودان لم تعد شركات الطيران العالمية للعمل في السودان باستثناء الخطوط المصرية والإثيوبية.
في هذه الظروف تسابق الحكومة السودانية الزمن في رحلة تطبيع الحياة وعودة سكان العاصمة إلى منازلهم التي أخرجتهم منها مليشيات الدعم السريع بداية الحرب وحولتها إلى ثكنات عسكرية، بهدف الاحتماء بالمدنيين واتخاذهم دروعا بشرية أمام هجمات الجيش السوداني.
وفي سبيل ذلك اتخذت الحكومة السودانية عدة خطوات بدأت بإعلان الأمانة العامة لمجلس السيادة بداية العمل في إعادة تأهيل القصر الرئاسي، أحد أبرز معالم العاصمة الذي تم احتلاله صبيحة أول أيام الحرب تمهيدا لإعلان سيطرة قوات التمرد على الحكومة بواسطة قائدها حميدتي والذي شوهد وسط جنوده عند مدخل القصر الرئاسي، وهو الظهور الأخير له داخل العاصمة قبل مغادرته لها لتلقي العلاج من إصابة بالغة يرجح أنه تعرض لها في الأيام الأولى من الحرب، فيما أعلنت قوات الشرطة عشية الذكرى الثالثة لانطلاق الحرب بداية عودة وحدات من قواتها إلى الخرطوم لمباشرة عمليات حفظ الأمن وتأمين المنشآت الحيوية.
وتنشط منظمات مجتمع مدني وجمعيات في دعم الجهود الحكومية لمساعدة السكان في العودة إلى منازلهم، عن طريق صيانة شبكات المياه والكهرباء وحملات النظافة والتعقيم وإزالة مخلفات الحرب والمتفجرات ودفن الموتى.
الفاشر.. المعركة الجديدة وملامح النموذج الليبي تلوح في الأفق
ثلاث ليال عصيبة عاشتها مدينة الفاشر وسكان معسكر زمزم للنازحين في شمال دارفور، فقد تعرضت المنطقة للقصف المدفعي والهجمات الأرضية والجوية المتواصلة بواسطة مليشيا الدعم السريع، في واحدة من أعنف موجات العنف التي تعرض لها المدنيون منذ اندلاع الحرب، وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، خلفت الهجمات أكثر من 100 قتيل، بينهم 20 طفلا، وإصابة ما لا يقل عن 200 آخرين. كما أُعلن عن مقتل 14 من موظفي منظمات الإغاثة الدولية الخيرية، في قصف استهدف مناطق سكنية ومقار إنسانية داخل مخيمي زمزم وأبو شوك. كما لقي متطوعون من الكوادر الطبية مصرعهم من ضمن الضحايا المدنيين.
إدانة دولية وإقليمية لأحداث الفاشر
وصف المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، القصف بأنه "كارثة إنسانية متكاملة"، وأضاف: "ما يحدث في شمال دارفور يهدد حياة مئات الآلاف، ويُظهر استهانة صارخة بالقانون الدولي الإنساني." كما أصدرت جامعة الدول العربية بيانا أدانت فيه الهجمات "بأشد العبارات"، واعتبرت ما حدث "جريمة ضد النازحين الأبرياء"، منوّهة بقرار مجلس الأمن رقم 2736 (2024) المطالب بفك حصار الفاشر وسحب الجيوش وكافة المظاهر العسكرية المهددة لحياة المدنيين من محيط المدينة، فيما سارعت عدد من الدول لإدانتها وسط مخاوف من مجازر وعمليات تطهير عرقي على غرار ما حدث لقبيلة المساليت في عاصمة غرب دارفور (الجنينة).
وتسعى مليشيا الدعم السريع لإسقاط مدينة الفاشر تمهيدا لإعلان الحكومة الموازية من داخل إقليم دارفور بولاياته الخمس الواقعة تحت سيطرتها، مع وعود بالحصول على اعتراف ودعم إقليمي ودولي.
وتشهد ولايات دارفور عمليات استقطاب وتجنيد مستمرة تقوم بها مليشيات الدعم السريع للشباب المقاتلين بواسطة زعماء الإدارة الأهلية إضافة إلى بقايا القوات المنسحبة من الخرطوم، تأهبا للهجوم على الفاشر، وسط مخاوف من ارتكاب جرائم جديدة ضد المدنيين فيها.
وما زالت قيادة الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني والقوات المشتركة المساندة لها صامدة داخل المدينة المحاصرة قرابة العامين، فيما أطلق حاكم إقليم دارفور، مني اركوي مناوي، نداء لقيادة الجيش بضرورة التحرك العاجل نحو المدينة بعد اتساع رقعة انتشار الجيش السوداني.
ويشكل سقوط مدينة الفاشر حال وقوعه خطوة مهمة في اتجاه إعلان حكومة تحالف (الدعم السريع والأحزاب المنشقة عن الدكتور عبد الله حمدوك)، وتطبيق النموذج الليبي في السودان وبداية صفحة جديدة من النزاع وعدم الاستقرار في السودان ومحيط الإقليمي.
دبلوماسيا وسياسيا، نظرت محكمة العدل الدولية في لاهاي؛ في الدعوى المقدمة من الحكومة السودانية ضد الإمارات لدورها في تمويل وتسليح قوات الدعم السريع، في الوقت الذي ترفض فيه الحكومة السودانية العودة إلى مفاوضات جدة إلا بعد تطبيق البنود الموقعة والقاضية بانسحاب الدعم السريع من المدن والأحياء السكنية والأعيان المدنية وتجميع قواته داخل ثكنات عسكرية خارج المدن.
وتحظى معركة الفاشر باهتمام دولي وإقليمي واسع باعتبارها النسخة الجديدة من حرب السودان في عامها الثالث، حيث ترمي مليشيا الدعم السريع بكامل ثقلها السياسي والعسكري لدخول المدينة الصامدة في وجه الحصار والمذابح والمجازر البشرية المتكررة ضد المدنيين لإرغامهم على النزوح. ويقود معركة الفاشر من جانب الدعم السريع؛ نائب القائد العام عبد الرحيم دقلو شخصيا، فبعد جولة خارجية قام به الأخ غير الشقيق لقائد المليشيا لجلب العتاد والسلاح، عاد دقلو إلى دارفور وأشرف بنفسه على تدريب المئات من الشباب بغرض إعادة الروح لقواته المنهكة الهاربة من الخرطوم، يقابل ذلك صمود أسطوري لقوات الجيش السوداني والقوات المشتركة مع اقتراب فك الحصار عن الفاشر بواسطة متحرك الصياد وقوات أخرى تتمركز في إقليم كردفان.
استهداف البنى التحتية وسيلة جديدة للضغط على البرهان
تصاعدت جماهيرية قائد الجيش السوداني الجنرال البرهان عقب الانتصارات الكبيرة في ولاية الخرطوم والجزيرة، وبدأت مظاهر الحياة من خلال العودة الطوعية من داخل وخارج السودان، وسط تنبؤات بعودة الحياة إلى طبيعتها في الخرطوم بالتزامن مع إعلان عدد من البعثات الدبلوماسية رجوعها إلى مقارها الأساسية واتساع الرقعة الأمنية، وتأكيدات القائد البرهان بمضي مسيرة التحرير الكامل للتراب السوداني.
واتجهت مليشيا الدعم السريع الي استهداف البنية التحتية في عدد من الولايات أبرزها الشمالية ونهر النيل، حيث دخلت الأخيرة أسبوعها الرابع بلا كهرباء بعد استهداف سد مروى ومحطات الكهرباء في عدد من مدن الولاية، كما تأثرت ولاية الخرطوم والبحر الأحمر بتعطيل محطة كهرباء عطبرة بواسطة مسيّرات الدعم السريع.
كما قصفت مسيّرات الدعم السريع مستشفيات وأعيان مدنية في ولاية النيل الأبيض، بجانب المجزرة البشعة في ضاحية صالحة في أمدرمان التي راح ضحيتها 31 شابا مدنيا قتلتهم قوات الدعم السريع، ووثقت ذلك وأقرت به للعالم الذي لم يحرك ساكنا تجاه ذلك. ويرى مراقبون بأن ذلك يأتي في إطار ضغوط للعودة إلى المفاوضات التي يرفضها الجيش حاليا.
ووسط المعاناة التي يعيشها المواطن السوداني بسبب انقطاع الكهرباء والماء مع دخول فصل الصيف، بث البرهان تطميناته بأن مسيّرات الدعم السريع لن تستطيع تهديد المنشآت الخدمية قريبا.