كل الحلم خيمة.. الأمطار والسيول تشرد عشرات الألاف من السودانيين في ظل الحرب
تاريخ النشر: 25th, August 2024 GMT
خسر عشرات الألاف من السكان بشمال السودان منازلهم إثر أمطار وسيول قياسية، ومضى أسبوعان من دون أن تصل الخيام لإيواء الأسر المشردة وسط توقعات باستمرار هطول الأمطار وجريان الأودية.
منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
تنقاسي/ أبو حمد 24 أغسطس 2024 –
اعداد وتحرير : سودان تربيون
واعتاد السكان في ولايتي نهر النيل والشمالية في أقصى شمال السودان على فيضانات النيل المدمرة في السابق وعلى أمطار شحيحة دون أن تشكل خطرا على حياتهم وممتلكاتهم.
وصنف وزير الداخلية السوداني خليل باشا سايرين الأسبوع الماضي ولايتي نهر النيل والشمالية أكثر الولايات تضررا في خريف هذا العام.
ومن بين 68 حالة وفاة بسبب الأمطار والسيول على مستوى القطر منذ يونيو الماضي أعلن عنها وزير الداخلية، رصدت سودان تربيون من خلال تقرير ميداني في ولايتي نهر النيل والشمالية وصول حالات الوفاة بسبب الأمطار والسيول إلى 66 وفاة، طبقا للسلطات المحلية بالولايتين.
وعلى الأرجح تبدو هذه الإحصائية مرشحة للزيادة في ظل توقعات الإرصاد الجوية باستمرار الأمطار الغزيرة في شمال البلاد واستمرار انتشال جثامين المعدنين في مناطق التنقيب عن الذهب من آبار التعدين المغمورة بمياه السيول.
ويقول أحمد عبد الله من الهيئة النقابية للأعمال الحرة – قطاع التعدين بسوق طواحين الذهب في أبو حمد لسودان تربيون، إن اللجنة بالتعاون مع الدفاع المدني تمكنت من إجلاء 150 معدن وانتشال جثة لمعدن في الصحراء الواقعة شمال المدينة والتي تحولت إلى بحيرة واسعة بسبب السيول، بينما تستمر الجهود لانتشال أربعة مفقودين على الأقل.
محنة رغم الذهب
تعرضت مدينة أبو حمد – نحو 540 كيلومتر شمالي العاصمة السودانية الخرطوم – ومجموعة الجزر التي حولها إلى أمطار قياسية في ليل الخامس من أغسطس بلغت 142 ملم صاحبتها سيول جارفة ألحقت أضرارا بالغة لأول مرة بخط السكة الحديد المشيد منذ نحو 120 عاما وبسوق المدينة القديم.
لكن الأضرار بأحياء المدينة وخاصة حي القوز كان جسيمة، بينما تبدت الكارثة بوضوح في جزيرة مقرات، وخاصة في قرية أبو سدير داخل الجزيرة والتي اكتسحها السيل بالكامل مخلفا ثلاث وفيات.
ويذكر أهالي أبو سدير أن السيل الذي تعرضوا له لم تشهد المنطقة له مثيلا، مدللين بأن قلعة أثرية قرب ضفة النيل منذ حقبة المسيحية جرفها السيل ولم يحدث أن تعرضت لأمر مشابه.
ويروي السكان بالقرية قصصا مروعة عندما داهمتهم السيول ليلا حيث كانوا يتشبثون بالأشجار خوفا من الانجراف إلى النهر لأن منازلهم المشيدة من الطين لم تقوى على مقاومة السيل.
بيد أن محنة المتضررين في محلية أبو حمد في أقصى شمال ولاية نهر النيل بعد نحو أسبوعين تتركز في عدم وصول أي مساعدات من الحكومة الاتحادية أو من المنظمات الإنسانية، رغم أن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وصل إلى المنطقة وتفقد المتضررين.
ويقول مدير الرعاية الاجتماعية بمحلية أبو حمد يوسف حبيب لسودان تربيون إن الأمطار والسيول ألحقت الضرر بحوالي 13 ألف أسرة، أي ما يعادل 65 ألف نسمة تقرييا، بينما لا تمتلك المحلية سوى 210 خيمة.
ويضيف المسؤول أن السلطات آثرت عدم توزيع هذه الخيام نسبة للعجز الكبير وتنتظر وصول مساعدات توفر الإيواء.
ويشير إلى أن الجهد الشعبي سد النقص في الغذاء لكن الحوجة الآن للخيام خاصة مع توقعات استمرار الأمطار.
وحسب السلطات المحلية بأبو حمد تسببت الأمطار والسيول في مصرع 35 شخصا بالمحلية.
ومن بين المتأثرين بالأمطار والسيول بمحلية أبو حمد، نازحون من الحرب فقدوا منازل أوتهم، منحت لهم بالايجار أو على صعيد الهبة.
وقالت محاسن خضر “60 سنة”، لسودان تربيون وهي تجلس على انقاض منزل منح لأسرتها مجانا: “أخرجتنا الحرب من الخرطوم والآن أخرجنا السيل من المنزل الذي أوانا في أبو حمد”.
وتتزايد مخاوف الأهالي في مدينة أبو حمد والجزر المتضررة من الآثار البيئية والصحية المترتبة على الأمطار والسيول في ظل انتشار أنشطة التعدين وتباطوء عمليات رش نواقل الأمراض وشفط المياه.
يشار إلى أن محلية أبو حمد تستفيد من ريع رسوم تفرضها على أنشطة التعدين الواسعة بالمنطقة حيث يوجد بها أكبر أسواق التعدين في السودان، حيث يضم نحو مليون شخص يعملون في التعدين والأنشطة المصاحبة.
ويقع سوق طواحين الذهب على بعد حوالي 20 كيلومتر شرقي مدينة أبو حمد ويمتد في مساحة 8 كيلومترات مربعة.
سيول تنقاسي
في ليلة العاشر من أغسطس صحت بلدة تنقاسي الواقعة على بعد حوالي 15 كيلومتر جنوبي مدينة مروي بالولاية الشمالية، بعد منتصف الليل على صوت هدير سيل جارف شبهه الأهالي بالطوفان، لأن المياه حاصرتهم من السماء والأرض، حسب قولهم.
وسجلت تنقاسي أعلى الوفيات جراء السيول والأمطار بالولاية الشمالية، حيث تسبب سيل جارف اجتاح البلدة في تسع وفيات أغلبها بين الأطفال وبينها أربعة وفيات من أسرة واحدة.
ويؤكد المدير التنفيذي لمحلية مروي محجوب محمد سيد أحمد لسودان تربيون أن السيول دمرت بشكل كلي أكثر من 700 منزل فضلا عن مئات المنازل بشكل جزئي وسط عجز كبير في الخيام ومواد الإيواء وأمصال العقارب والثعابين.
ويشير إلى أن المحلية تمتلك فقط نحو 50 خيمة فضلت توزيعها كمراكز في المناطق المتضررة لاستقبال المساعدات الغذائية.
ورصدت سودان تربيون استقبال المنطقة المنكوبة لمساعدات غذائية أغلبها تبرعات من الخيرين، وسط مطالبات للمتضررين بتوفير الخيام والأغطية قبل هطول المزيد من الأمطار.
وقول الحاج سليمان وهو شيخ سبعيني بحي تنقاسي السوق إنه لم يشهد طوال عمره سيلا مدمرا كالذي شاهده هذا العام في تنقاسي.
وتابع “في العام 1988 دمر فيضان النيل منزلي، والآن بعد 36 سنة دمر السيل منزلي مرة أخرى.. نحتاج للخيام قبل أن نبدأ في بناء منزل مرة أخرى”.
وقالت وزارة الصحة بالولاية الشمالية في تقرير هذا الأسبوع إن ضحايا الأمطار والسيول في 96 منطقة بالولاية الواقعة في أقصى شمال السودان ارتفع عددهم إلى 31 حالة وفاة و179 حالة إصابة، فضلا عن 155 إصابة بلدغات العقارب.
وأشار التقرير لتعرض نحو 2350 منزلا و31 مرفقا حكوميا للإنهيار الكلي وحوالي 4050 منزل للإنهيار الجزئي وأكد تأثر 6500 أسرة و32450 شخص لأضرار بالغة بسبب الأمطار والسيول بينما وصلت حالات الإصابة بإلتهاب ملتحمة العين الوبائي نحو 1570 حالة.
ويعيش أكثر من 130 ألف شخص بالولاية الشمالية ظروفا صعبة إثر موجة أمطار وسيول نادرة من حيث المعدلات دمرت مئات المنازل والمرافق الحكومية.
الطبيعة والحرب ضد السودانيين
وخلال أغسطس الحالي ألحقت الأمطار أضرارا واسعة بولايتين في إقليم دارفور (غرب) هما غرب دارفور وشمال دارفور، وولايتين في شرق السودان هما كسلا والبحر الأحمر.
وفي ولاية غرب دارفور أعلن رئيس الإدارة المدنية بالولاية، التجاني كرشوم – معين من قبل قوات الدعم السريع – عاصمة الولاية الجنينة منطقة منكوبة ومهددة بالكوارث نتيجة السيول والفيضانات التي أدت إلى انهيار 7000 منزل بشكل كلي وجزئي.
وتسببت الأمطار الغزيرة في في فيضان وادي كجا بشكل غير مسبوق.
كما تسبب سيل وادي باري في انهيار جسر مورني بمحلية كرينك بولاية غرب دارفور وهو جسر حيوي يربط بين الجنينة وزالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، وأفادت تقارير بوفاة مسافرين غرقا أثناء محاولتهم عبور الوادي.
وتسببت أمطار غزيرة في خسائر طالت المنازل في مخيمات ابو شوك وزمزم ونيفاشا للنازحين في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وفي شرق السودان تسببت أمطار غزيرة مصحوبة بالرياح في مصرع ثلاثة أشخاص في ولاية البحر الأحمر، خلال أغسطس الجاري.
وقبلها غمرت مياه الأمطار ثلاثة مخيمات للنازحين من الحرب في ولاية كسلا، شرقي السودان، كما تسببت في وفاة شخصين.
وفي أواسط السودان شهدت محلية العزازي غربي ولاية الجزيرة – تحت سيطرة الجيش السوداني – أمطارا غزيرة ألحقت أضرارا بالمنازل والمرافق العامة.
وإلى جانب تسبب الأمطار والسيول في فقدان الأرواح وتدمير المنازل والمرافق العامة، فإنها تلحق الأضرار بالنشاط الزراعي خلال أوقات عصيبة يعيشها السودانيون في ظل الحرب ونقص الغذاء.
في هذا السياق أعلن وزير الداخلية السوداني تضرر 198 ألف فدان من الأراضي الزراعية نتيجة السيول والأمطار إلى جانب نفوق العديد من الحيوانات.
وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة “أوتشا” قد حذر في يوليو الماضي من أمطار فوق المعدلات بكل من ولايات الشرق ودارفور وشمال وأواسط البلاد، ستفاقم معاناة ملايين النازحين السودانيين بسبب الحرب.
ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
#ساندوا_السودان
#Standwithsudan
الوسومابو حمد الأمطار السيول نهر النيلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: ابو حمد الأمطار السيول نهر النيل
إقرأ أيضاً:
الحرب في السودان: تداعيات الأفلات من العقاب من منظور سياسي/ أقتصادي
بروفيسور حسن بشير محمد نور
للسودان إرث طويل في انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وصولا للاتهامات بالابادة الجماعية، التي اوصلت البلاد لمحكمة الجنايات الدولية بأحالة من مجلس الامن الدولي، ووضع ذلك السودان ضمن قائمة الدول الراعية للارهاب، وسلطت عليه عقوبات اقتصادية اقعدته عن التنمية ورفع قدرات اقتصاده وخفض انتاجيته وتنافسيته الخارجية. من السذاحة حصر تلك الانتهاكات والجرائم في جوانبها القانونية وتحقيق العدالة والقصاص فقط، رغم الأهمية الكبرى ذلك .
كان لتلك الجرائم والانتهاكات، مع الافلات من العقاب الذي لازمها عواقب جسيمة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ومن حيث الكفاء والاداء الاقتصادي مجتمعة. وبالطبع لا زالت تلك الجرائم والانتهاكات مستمرة حتي اليوم، بل ان وتيرتها قد ارتفعت بشكل خطير من أطراف الحرب الدائرة الان في كل مكان، سواء في مناطق سيطرت الدعم السريع أو الجيش، ولا زالت تقارير وادانات تلك الجرائم من المنظمات الدولية والوطنية المعنية بحكم القانون وحقوق الانسان والحريصة علي تحقيق العدالة وعدم الافلات من العقاب تملأ الافاق.
منذ استيلاء نظام الإنقاذ بقيادة عمر البشير على السلطة في السودان عام 1989، دخل السودان في مرحلة مظلمة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم المنظمة، التي استهدفت المعارضة السياسية والمدنيين وشمل ذلك تأييدًا للأنشطة الإرهابية. وعلى الرغم من الإطاحة بالنظام في ثورة ديسمبر (كانون الاول) 2018 (التي تمر هذه الايام ذكراها السادسة)، استمرت الممارسات القمعية من قبل المكون العسكري، مما أدى إلى إشعال حرب متوحشة ترافقها اتهامات دولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. يتناول هذا المقال التداعيات السياسية والاقتصادية لهذه الجرائم، وتأثير الإفلات من العقاب على مستقبل السودان، من منظور الفكر السياسي ومناهج الاقتصاد السياسي.
تم قمع المعارضة بشكل ممنهج ابتداءا مما عرف (ببيوت الاشباح) سيئة السيط وليس انتهاءا بقمع الحريات والعمل النقابي، وقد فرض حكم الانقاذ نظامًا بوليسيًا استهدف كل أشكال المعارضة السياسية، بالاعتقال التعسفي، والتعذيب، والإعدام خارج نطاق القانون. اضافة ذلك ادخل النظام البلاد في مرحلة جديدة من الحروب الاهلية رابطا اياها بالشعارات الدينية وقد حول تلك الحرب لغزوات (جهادية) مصحوبة بتعبئة جمعت بين الايدولوجيا والخرافة، ادت تلك الحرب لازهاق مئات الالاف من الارواح، اضافة لاستنزافها للموارد ودخول الاقتصاد السوداني في مرحلة طويلة من التضخم الركودي لم يخرج منها الا بعد اكتشاف وتصدير البترول في نهاية عقد تسعينيات القرن الماضي.
أدت سياسات القمع والإقصاء إلى تكاليف اقتصادية واجتماعية وتداعيات سياسية انتهت بأنفصال جنوب السودان في 2011، ويا لها من خسائر بشرية ومادية هائلة.
لم يعتبر نظام الانقاذ من محنة انفصال الجنوب كطبيعة الانظمة الاستبدادية (والاستبداد يعمي البصيرة)، اذ اشعل حرب الإبادة الجماعية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، مرتكبا مجازر بحق المدنيين، حيث استخدم التطهير العرقي والقصف الجوي والتجويع كوسائل حرب، ما دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار أوامر اعتقال بحق البشير وعدد من مسؤوليه. وكان من تداعيات ذلك اخراج اقليم دارفور ومناطق في كردفان والنيل الازرق من دائرة الانتاج والنسيج الاجتماعي، ما ادي، اضافة للخسائر الاقتصادية لنزوح ولجؤ علي نطاق واسع.
لم يكتفي النظام بذلك بل قام بدعم جماعات إرهابية كان من ضمنها تنظيم القاعدة باستضافة زعيمه اسامة بن لادن وكارلوس وغيرهم، ودفع ذلك باتهامه بجرائم خطيرة مثل تفجير السفارات الامريكية في شرق افريقيا والهجوم علي المدمرة كول، مما ادي إلى إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفرض عقوبات اقتصادية شديدة الوطأة اقتصاديا واجتماعيا، شملت العقوبات تجميد الأصول وفرض قيود على التجارة والاستثمار وحرمان السودان من الوصول للتكنولوجيا الحديثة بل وحتي قطع الغيار. ادي ذلك لتدمير قطاعات اقتصادية كاملة في الزراعة (مثل مشروع الجزيرة) والصناعة والخدمات وادي لتعطل قدرات النقل الجوي (شركة الخطوط الجوية السوداني، سودان اير) والبحري والنهري بشكل شبه تام.
كل ذلك قاد لعزلة دولية للسودان وحرمانه من الدعم الدبلوماسي، كما ادي الي تفكيك البنية المؤسسية للدولة وتحويلها إلى أداة قمعية تخدم النظام فقط. اما من الناحية الاقتصادية فقد كان لذلك تداعيات جسيمة علي الاستقرار الاقتصادي في انخفاض معدلات النمو، ارتفاع معدلات التضخم وتراجع سعر صرف العملة السودانية بمعدلات عالمية قياسية، اضافة لاختلال التوازن الخارجي وكان لكل ذلك اثار هائلة علي تنامي معدلات الفقر والبطالة.
لم تنجح ثورة ديسمبر(كانون اول) 2018 في تحقيق التحول الديمقراطي المنشود، حيث ظل المكون العسكري، مدعوما بدولة الانقاذ العميقة يسيطر على المشهد السياسي والقدرات الاقتصادية والخدمة المدنية، اضافة للقضاء والنيابة العامة، وكان ان استمرت انتهاكات حقوق الإنسان. تصاعدت التوترات بين المكون العسكري والمدني خلال الفترة الانتقالية، وقد عجزت الحكومة المدنية من انجاز العديد من المهام المحورية مثل تفكيكك البنية المؤسسية لنظام الانقاذ، استرداد الاموال المنهوبة وتلك التي تحت سيطرت المكون العسكري بما فيه الدعم السريع، اضافة لاصلاح الخدمة المدنية والقضاء والتيابة العامة، واجازة قانون النقابات وغيرها من المهام الداعمة لروافع الانتقال الديمقراطي. أدى الاستقطاب الحاد إلى انقلاب 25 اكتوبر 2021 ، الذي كان المقدمة الموضوعية للحرب الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع
تفاقمت الازمات والتداعيات الخاصة بالجرائم والانتهاكات بعد الحرب المستمرة بين الجيش والدعم السريع، التي فاقمت من الازمة الاقتصادية وادت لأزمة أنسانية توصف بانها الاسوأ في العالم، اضافة لاتهام الطرفان بارتكاب جرائم قتل جماعي، واغتصاب، ونهب ممتلكات المدنيين، ما أدى إلى نزوح الملايين داخليًا وخارجيًا، وتدهورت او انهارت الخدمات الأساسية. وبالرغم من الاتهامات الدولية بارتكاب جرائم حرب، لا يزال القادة العسكريون يتمتعون بحرية التنقل وممارسة السلطة، مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب ويؤدي لتطبيع الانتهاكات والاجرام.
ما يهمنا هنا هو التأكيد علي ان الإفلات من العقاب يؤدي إلى انهيار ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، ما يعزز النزعات الانفصالية والصراعات القبلية، ويؤدي لتعميق الازمة السياسية ويشجع النخب العسكرية علي التشبث بالسلطة. بالتالي فان استمرار الجرائم دون محاسبة يكرّس صورة السودان كدولة فاشلة لا تحترم القانون الدولي ويقوض فرص الاستثمار الأجنبي والتعاون الدولي مما يؤدي لتعميق الأزمة الاقتصادية.
تتصاحب تلك الازمات باعاقة التنمية بشكل تام وتزيد من معدلات الفقر والبطالة، ما يؤدي إلى أزمات اجتماعية مستعصية علي الحل. اضافة بالطبع لغياب العدالة والعدالة الانتقالية الذي يؤدي بدوره لدوامة العنف وعدم الاستقرار السياسي وتفاقم النزاعات الإهلية وتعطيل فرص السلام، ونتيجة لذلك سيظل السودان في حالة انكماش اقتصادي تفاقم من معاناة مواطنيه.
نخلص من استعراضنا الي ان الإفلات من العقاب يمثل تحديًا خطيرًا لمستقبل السودان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، حيث يقوض أسس الدولة ويؤدي إلى استمرار دوامة الأزمات السياسية والاقتصادية. من منظور الفكر السياسي، يتطلب الخروج من هذه الأزمة الاخذ في الاعتبار جوانب العدالة والعدالة الانتقالية وتعزيز سيادة القانون، بالتزامن مع استصحاب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والتكاليف الناتجة عن كل ذلك في جميع اساليب البحث عن حل مستدام ونهائي لمشاكل البلاد. ومن الجدير بالاعتبار عدم اغفال الجوانب الاقتصادية/ السياسية، التي تؤكد علي ان تحقيق الاستقرار الاقتصادي يعتمد على إنهاء النزاعات وبناء نظام حكم ديمقراطي قادر على استقطاب الاستثمارات وتطوير البنية الإنتاجية، وان ذلك لن يحدث بدون محاسبة حقيقية تخلص السودان من ان يكون رهينًا للفوضى المزمنة والازمات والتخلف.
mnhassanb8@gmail.com