تصاعدت عمليات القصف الجوي التي يشنها الطيران الحربي التابع للجيش منذ بداية الأسبوع الجاري في أجزاء واسعة من دارفور ووسط السودان. في المقابل تواصلت عمليات القصف المدفعي التي تشنها قوات الدعم السريع باتجاه محلية كرري بامدرمان والأبيض بشمال كردفان بجانب التدوين المدفعي المتواصل على الاحياء السكنية ومنازل المدنيين بمدينة الفاشر .

منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة

أمستردام: ٢4 أغسطس 2024 

اعداد وتحرير : راديو دبنقا

وطال القصف الجوي والمدفعي الأعيان المدنية مثل المستشفيات والمراكز الصحية والأحياء السكنية والأسواق مما أدى لسقوط ضحايا مدنيين.

واستهدف القصف الجوي منذ بداية الاسبوع مدينة الضعين في شرق دارفور، والفاشر ومليط والطويشة وأبو حميرة وكبكابية والكومة في شمال دارفور وكبم بجنوب دارفور بجانب عدد من أحياء مدينة الحصاحيصا في ولاية الجزيرة بجانب مناطق في أمبدة بأمدرمان. كما استهدف القصف المدفعي الذي يشنه الدعم السريع مناطق في أحياء محلية كرري بأمدرمان وحي الواحة، والفاشر.

وتقع جميع المناطق التي تعرضت للقصف الجوي تحت سيطرة الدعم السريع عدا حي النصر في الفاشر الذي يسيطر عليه الجيش، وشملت المناطق التي جرى قصفها مستشفيات ومرافق صحية أخرى وأسواق وأحياء سكنية ومرافق حكومية مدنية ولكن موالون للجيش يرون إن هذه المرافق كان بها وجود عسكرياً.

وفي المقابل تقع جميع المناطق التي استهدفها الدعم السريع بالقصف المدفعي تحت سيطرة الجيش.

وتنص القوانين الدولية على حماية الأعيان المدنية وهي جميع الأعيان التي ليست أهدافًا عسكرية”. وتنص القوانين “تُحمى الأعيان المدنية من الهجوم ما لم تكن أهدافًا عسكرية وطوال الوقت الذي تكون فيه كذلك”. وتنطبق هاتان القاعدتان على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.

أبو حميرة

ويوم السبت الماضي، شن الطيران الحربي التابع للجيش السودان غارات جوية على منطقة أبو حميرة جنوب أم كدادة 168 كلم شرق الفاشر عاصمة شمال دارفور.

وقال مواطنون إن قذيفتين سقطتا في محيط محطة مياه بمنطقة “تليس” دون وقوع خسائر في الأرواح والممتلكات. وأوضحوا إن المنطقة لا يوجد بها مظاهر عسكرية. وكانت قوة من الاحتياطي المركزي انسحب من المنطقة في وقت سابق فيما نزح عدد من المواطنين من المنطقة إلى أبو حميرة.

مليط

ويوم الاثنين الماضي، شن الطيران الحربي غارات جوية على مدينة مليط” بولاية شمال دارفور مما أدى إلى تدمير في مباني هيئة المياه ومكاتب الغابات وبعض المنازل المجاورة.

وقال مواطنون من مليط لراديو دبنقا إن القصف أدى إلى انهيار منزلين مشيرين إلى عدم حدوث خسائر في الأرواح. وأوضحوا إن عملية القصف الجوي الحالية تعد الثانية من نوعها خلال عشرة أيام.

وفي ابريل الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة مليط التي تعتبر مركزاً تجاري مهماً يربط الفاشر بليبيا. وكانت عملية السيطرة على مليط تمهيداً لحصار الفاشر وشن هجوم واسع على المدينة ابتداءاً من التاسع من مايو الماضي.

وشنّ الطيران الحربي الأسبوع الماضي غارة جوية على منطقة المالحة ومناطق أخرى كما كثف عملياته في أطراف مدينة الفاشر.

الضعين

ويوم الثلاثاء الماضي، شنّ الطيران الحربي غارات على الضعين في شرق دارفور، والفاشر والطويشة وأبو حميرة في شمال دارفور والحصاحيصا ومناطق أخرى في الجزيرة.

وفي الضعين، استهدف القصف الجوي الطيران الحربي مستشفى الضعين التعليمي خاصة عنبر الباطنية رجال، وعنبر النساء والتوليد، ومركز غسيل الكلى، سوق الضعين الكبير جوار المسجد الكبير، ومدرسة الخنساء الأساسية للبنات. وقال مواطنون من الضعين لراديو دبنقا إن القصف أدى تسعة مدنيين ثمانية منهم نساء، إضافة إلى أحد الكوادر الطبية بالمستشفى، كما أصيب سبعة عشر شخصاً بينهم نساء وأطفال.

الطويشة

وفي الطويشة بشمال دارفور، قصف الطيران الحربي التابع للجيش المدينة مما أدى إلى وقوع قتلي وجرحي، وأظهر مقطع فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي صور القتلى والجرحى الذين سقطوا جراء القصف بجانب حريق شب في أحد المنازل.

الفاشر

وفي الفاشر، قال شاهد عيان من مركز صحي النصر بالفاشر لراديو دبنقا إنه في حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح الثلاثاء قصف الطيران الحربي التابع للجيش شرق مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وأضاف أن الطائرة الحربية جاءت من الاتجاه الغربي واتجهت شرقاً قصفت، ثم حلقت من الشرق إلى الغرب وأسقطت دانه بمركز صحي حي النصر ودانه أخري بمنزل مواطن يدعي بكري.

وتابع أن القصف أدى الى مقتل شخصين وإصابة 13 حالتهم خطيرة و15 إصابتهم خفيفة، وذكر أن هذه هي المرة الثانية التي يتعرض فيها المركز للقصف.

وأشار إلى أن الطيران الحربي قصف أيضاً موقف مليط مما أوقع قتلى وجرحى وسط المواطنين والعسكريين الذين يتبعون للقوات المسلحة، مبيناً أن موقف مليط يكتظ بالمواطنين.

كما يواصل الطيران الحربي يومياً قصف تمركزات الدعم السريع في شمال المدينة.

وبالمقابل تواصل قوات الدعم السريع القصف المدفعي على مدينة الفاشر الذي استهدف عدد من المرافق الصحية والطوعية والأحياء السكنية ومعسكرات النازحين بجانب المطار وعدد من الأهداف العسكرية.

وفي يوم الأربعاء 21 أغسطس قصفت قوات الدعم السريع مواقع مدنية في حي السلام جنوب مدينة الفاشر ما ادى الى مصرع امرأة واثنين من أطفالها أثناء محاولتهم الاحتماء في مسجد النور في الحي ذاته من القصف، كما أصيب في القذيفة المدفعية عدد من المصلين، وفي اليوم ذاته قصفت قوات الدعم السريع مقار تابعة لجامعة أمدرمان الإسلامية فرع الفاشر مما أدى إلى تدمير المكتبة الرئيسية ومكاتب إدارية.

الحصاحيصا

وفي ولاية الجزيرة استهدف القصف المدفعي أحياء الامتداد والصداقة في الحصاحيصا، ومنطقة الفريجاب المجاورة.

وقالت لجان المقاومة الحصاحيصا في صفحتها على فيسبوك إن طيران الجيش شن يوم الثلاثاء بشن غارة جوية إستهدفت المنطقة الشمالية الشرقية من المدينة (حوش الزلابية) والكامل مما أدى الى سقوط عشرات القتلى وسط المدنيين والعديد من الإصابات.

قصف مدفعي

من جهة أخرى، شهدت مدينة الفاشر قصفا مدفعياً من قبل قوات الدعم السريع باتجاه الفاشر جنوب وسوق المواشي والمستشفى السعودي واتجاه المطار منذ مساء أمس الثلاثاء، فيما قصف الطيران الحربي فجر وصباح الأربعاء أهدافا في المناطق الشمالية والشرقية.

وأشار شهود عيان إلى سقوط أربعة قتلى جراء القصف وعشرات الجرحى الثلاثاء وإن عدد من المصابين في حالة حرجة وسيخضعون لتدخل جراحي. وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم محليات ولاية شمال دارفور عدا الفاشر.

الكومة

وصباح الأربعاء، قصف الطيران الحربي، مدينتي الكومة وكبكابية بولاية شمال دارفور وكبم بجنوب دارفور.

وقال صالح حريرين من غرفة طوارئ محلية الكومة لراديو دبنقا إن قصف الكومة استهدف الفرقان والبوادي في أطراف المدينة، وأدى إلى مقتل امرأة و”4 “اطفال ونفوق عدد” 153 “من الماشية، وتدمير مصادر المياه بالمدينة.

وأوضح إن القصف روع الاطفال بمراكز ايواء النازحين بالكومة التي تأوي حوالي 45 ألف نازحاً، وأكد عدم وجود أي معسكر للدعم السريع ونفي أي وجود لمظاهر عسكرية داخل المحلية مشيرا إلى أن المحلية تدار بواسطة مدير تنفيذي يتبع لحكومة شمال دارفور.

أمدرمان

وكشفت لجنة المعلمين في بيان لها يوم الثلاثاء عن قصف سلاح الطيران الحربي، منزل الأستاذ/ خالد مأمور بأمبدة مما أدى إلى مقتل جميع أفراد اسرته، بمن فيهم زوجته المعلمة أيضا، فيما أصيب المعلم بجروح خطيرة نقل على إثرها إلى المستشفى.

وبالمقابل كشف مواطنون لراديو دبنقا عن مقتل وجرح 9اشخاص من اسرة واحدة في ام بدة الجميعاب بواسطة دانة سقطت على منزلهم يوم الاثنين أطلقتها قوات الدعم السريع.

وأفاد أحد أقرباء الاسرة ان دانة يعتقد انها أطلقتها قوات الدعم السريع سقطت على منزل اسرة كبرون درى كنجار بأم بدة الجميعاب الحارة 16.

الابيض

وفي مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان قتل يوم 14 أغسطس الجاري 12 شخص على الأقل إثر تدوين مدفعي عنيف نفذته قوات الدعم السريع أصاب سوق المدينة الرئيسي ومدرسة الخنساء الثانوية للبنات.

وقالت مستشفى الضمان الذي نقل إليه إلى الضحايا أن 12 شخص قتلوا وأصيب نحو 45 آخرون في قصف لقوات الدعم السريع على مواقع في مدينة الأبيض.

ماهية الأعيان المدنية

وكشف خبراء قانونيون إن السودان موقع على في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 لحماية ضحايا الحرب وهو طرف في البروتوكول الإضافي الاول لعام 1977 المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، إضافة إلى البروتوكول الإضافي الثاني المتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية.

وأوضحوا أن الالتزام باتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الثاني مضمن في اعلان جدة بين الجيش وقوات الدعم السريع الصادر في 11 مايو 2023.

ووفقاً لمدونة القانون الدولي الإنساني العرفي فإن الأعيان المدنية هي “جميع الأعيان التي ليست اهدافاً عسكرية”.

وأشاروا إلى أن نظام المحكمة الجنائية الدولية صنف تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية أي التي لا تمثل أهدافا عسكرية كـ “جريمة حرب”.

ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني

#ساندوا_السودان

#Standwithsudan

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسومالجيش الحصاحيصا الدعم السريع الطيران الفاشر القصف المدفعي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الحصاحيصا الدعم السريع الطيران الفاشر القصف المدفعي

إقرأ أيضاً:

بعد هزائم الدعم السريع.. هل ينجح البرهان في فرض سيطرته؟

منذ الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، برز الفريق أول عبدالفتاح البرهان كشخصية محورية في المشهد السياسي السوداني، كأنما القدر قد اختاره ليقود سفينة البلاد في بحر مضطرب من التحولات والصراعات.

تولى قيادة المجلس العسكري الانتقالي بعد استقالة الفريق أول عوض بن عوف، مدعومًا بتأييد واسع من القوى السياسية التي تصدرت المشهد آنذاك، فضلًا عن دعم قوات الدعم السريع، والتأييد التلقائي من الجيش.

كانت تلك المرحلة بداية لتوازن هشّ ومعقد بين القوى العسكرية والمدنية، بعد دخوله في مفاوضات مع قوى الحرية والتغيير (قحت) لتحديد المرحلة الانتقالية، تصاعد التوتر سريعًا بين الطرفين لتحديد شكل المرحلة الانتقالية.

لكن سرعان ما تصاعد التوتر بين الطرفين، خاصة بعد فض اعتصام القيادة العامة للجيش في يونيو/ تموز 2019، وهو الحدث الذي أثار عاصفة من الغضب الشعبي، لكنه في الوقت نفسه عزز موقع البرهان في المعادلة السياسية، وكأنه صعد على أمواج متلاطمة من الأزمات.

في أغسطس/ آب 2019، أصبح البرهان رئيسًا للمجلس السيادي الانتقالي، محاولًا أن يقود مركبًا ممزق الأشرعة في بحر مضطرب من الصراعات بين التيارات الإسلامية المحافظة والعلمانية اليسارية المرتبطة بالغرب.

إعلان

لكن الرياح لم تكن دائمًا في صالحه، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قاد ما أسماه "حركة تصحيح المسار"، بينما وصف خصومه ذلك بالانقلاب العسكري، حيث أطاح بحكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، معززًا قبضته على السلطة.

ومع ذلك، وجد نفسه في مواجهة ضغوط إقليمية ودولية مؤيدة لحمدوك، مما جعله يتأرجح بين القبول، والرفض على الساحة الدولية. رغم اعتماده على الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، فإن التوترات الداخلية والتحديات الاقتصادية والسياسية جعلت موقفه يشبه بناءً من الرمال المتحركة، حيث يجد نفسه في توازن هش بين القوى المحلية والإقليمية والدولية، في ظل مشهد سياسي معقد، ومفتوح على احتمالات عدة.

المفارقة الكبرى تكمن في أن قوات الدعم السريع، والتي كانت شريكًا رئيسيًا للبرهان في السيطرة على السلطة بعد إطاحة البشير، أصبحت تمثل التهديد الأكبر له. فبعد أن ساهمت في تعزيز نفوذه العسكري، والسياسي من خلال دعمها في أحداث حاسمة مثل فض الاعتصام وإجراءات تصحيح المسار أو الانقلاب العسكري حسب خصومه، فقد انقلبت هذه القوات إلى عدو لدود، حيث يخوض الآن حرب وجودٍ ضروسًا ضدها.

والأكثر إثارة للدهشة أن الحماقة التي أقدمت عليها قوات الدعم السريع في محاولتها الانقلابية في 15 أبريل/ نيسان 2023، وما ارتكبته من جرائم إبادة جماعية واغتصاب وسرقة وتدمير للبنى التحتية بعد أن تحولت إلى مليشيا إجرامية، أتاحت للبرهان فرصة غير مسبوقة للالتفاف الشعبي حوله.

هذا التأييد الشعبي، الذي جاء كرد فعل على فظائع (الدعم السريع)، زاد من طموح البرهان لقيادة البلاد ليس فقط في فترة ما بعد الحرب، بل أيضًا في مرحلة ما بعد الفترة الانتقالية.

لكن السؤال الذي يظل معلقًا في الهواء هو: ما هي فرص الرجل في إطالة أمد هذا السياق المعقد؟ هل سيتمكن من تحويل الالتفاف الشعبي المؤقت إلى شرعية دائمة، أم إن التحديات الداخلية، والخارجية ستجعل موقفه كقارب يكافح للبقاء وسط عاصفة لا ترحم؟

إعلان

في النهاية، يبقى مستقبل البرهان مرهونًا بقدرته على تحقيق توازن شبه مستحيل بين القوى المتصارعة، في وقت يبدو فيه المشهد السياسي السوداني كقطعة شطرنج معقدة، كل حركة فيها تحمل في طياتها احتمالات النصر أو الهزيمة.

خلفيات وملابسات صعود البرهان

وصل البرهان إلى موقعه الحالي باعتباره شخصية رئيسية في السودان، حيث يجمع بين السلطات العسكرية، والسياسية في ظل ظروف مضطربة، وانتقالية.

بدأت الأحداث باحتجاجات شعبية واسعة ضد حكم البشير الذي استمر أكثر من 30 عامًا، حيث طالبت الجماهير بإسقاط نظامه؛ بسبب الأزمات الاقتصادية والفساد.

في 11 أبريل/ نيسان 2019، أطاحت اللجنة الأمنية (مشكلة من وزير الدفاع وقادة في الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى) بالبشير وتشكل مجلس عسكري انتقالي بقيادة وزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف، الذي استقال بعد يوم واحد فقط تحت ضغط قائد قوات الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير التي كانت تتحكم في الشارع الغاضب حينها.

بعد استقالة بن عوف، تولى البرهان، الذي كان يشغل منصب المفتش العام للجيش، قيادة المجلس العسكري الانتقالي في 12 أبريل/ نيسان 2019. كان البرهان يتمتع بدعم مقدر داخل الجيش، واعتبر شخصية مقبولة نسبيًا من قبل (الدعم السريع) و(قحت).

خلال هذه الفترة، بدأت مفاوضات بين المجلس العسكري و(قحت) لتحديد شكل الفترة الانتقالية. ومع ذلك، تصاعدت التوترات بعد فض اعتصام القيادة العامة في الخرطوم في 3 يونيو/ تموز 2019، مما أدى إلى مقتل عشرات المتظاهرين وزيادة الضغط على المجلس العسكري.

في أغسطس/ آب 2019، تم التوصل إلى اتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير لتشكيل مجلس سيادي انتقالي يتكون من 11 عضوًا (5 عسكريين و6 مدنيين) لقيادة الفترة الانتقالية.

في 21 أغسطس/ آب 2019، تم تعيين البرهان رئيسًا للمجلس السيادي الانتقالي، بينما تم تعيين عبدالله حمدوك -وهو اقتصادي مدني- رئيسًا للوزراء.

خلال الفترة الانتقالية، كان البرهان يمثل السلطة العسكرية في السودان، بينما تولى حمدوك وحكومته المهام التنفيذية. ومع ذلك، استمرت التوترات بين العسكريين، والمدنيين حول السلطة ومسار الانتقال الديمقراطي.

إعلان

في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قاد البرهان مسارًا تصحيحيًا أطاح بالحكومة الانتقالية بعد تصاعد الخلافات داخل (قحت) نفسها، وتدهور الأوضاع الاقتصادية لمستوى غير مسبوق. فأعلن البرهان حل المجلس السيادي والحكومة وفرض حالة الطوارئ.

بعد هذا الحدث، عاد البرهان ليكون الشخصية الأبرز في المشهد السياسي السوداني، حيث تولى السلطة بشكل فعلي وأدار البلاد بمساعدة العسكريين، وقوى مدنية مناوئة لـ (قحت).

بهذه الطريقة، وصل البرهان إلى موقعه الحالي كشخصية رئيسية في السودان، حيث يجمع بين السلطات العسكرية والسياسية في ظل ظروف مضطربة وانتقالية.

موازنة صعبة بين القوى السياسية

يواجه البرهان تحديًا كبيرًا في إدارة العلاقة بين التيارات السياسية المتنافسة في السودان، حيث يحاول الموازنة بين التيار الإسلامي والتيار العلماني اليساري دون الالتزام الكامل مع أي منهما.

التيار الإسلامي، المتمثل في جماعات مثل حزب المؤتمر الوطني الذي كان يحكم في عهد عمر البشير، يتمتع بقوة تنظيمية كبيرة وخبرة واسعة في الحكم. هذا التيار، رغم تراجع نفوذه بعد الإطاحة بالبشير، لا يزال يحاول العودة إلى المشهد السياسي من خلال التحالفات الخفية أو العلنية مع بعض القوى العسكرية والسياسية.

خبرته في إدارة الدولة، وقدرته على تعبئة القواعد الشعبية تجعلانه لاعبًا لا يمكن تجاهله لا سيما في حفز المقاومة الشعبية التي أحدثت فرقًا كبيرًا في مواجهة (الدعم السريع) في الحرب الحالية، مما يضطر البرهان إلى التعامل معه بحذر لتجنب استفزاز قواعده أو خلق توترات إضافية.

من جهة أخرى، فإن التيار العلماني اليساري – المتمثل في تحالفات مثل قوى الحرية والتغيير (قحت) التي تحوّلت لاحقًا إلى (تقدم) ثم (صمود) بقيادة حمدوك- يشكل قوة ضاغطة على البرهان للمضي قدمًا في عملية تحوّل ديمقراطي يعزل فيه التيار الإسلامي تمامًا.

إعلان

ويحاول البرهان موازنة العلاقة بين هذين التيارين من خلال اتباع سياسة مرنة تهدف إلى إرضاء الطرفين دون الالتزام الكامل مع أي منهما.

من ناحية، يتعامل مع التيار الإسلامي بتحفظ، حيث يسمح له بحضور محدود في المشهد السياسي دون منحه نفوذًا كبيرًا. ومن ناحية أخرى، يحاول استيعاب بعض مطالب التيار العلماني اليساري من خلال تقديم وعود سياسية مع الحفاظ على السيطرة العسكرية على مقاليد الأمور.

هذه السياسة المرنة تهدف إلى تجنب الاصطدام المباشر مع أي من التيارين، ولكنها أيضًا تعرض البرهان لانتقادات من كلا الجانبين، حيث يراه الإسلاميون مترددًا في دعمهم، بينما يراه العلمانيون جزءًا من نظام عسكري يعيق التحول الديمقراطي.

في النهاية، توازن البرهان بين هذه القوى السياسية يبقى تحديًا كبيرًا، حيث يتطلب إدارة دقيقة للمصالح المتناقضة وتجنب الانحياز الكامل لأي طرف.

نجاحه في هذا التوازن يعتمد على قدرته على الحفاظ على دعم الجيش مع تقديم تنازلات محدودة لإرضاء القوى السياسية، لكن أي خطأ في هذه المعادلة قد يؤدي إلى تهديد استقرار حكمه ومستقبله السياسي.

ومنذ إجراءات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، واجه البرهان معضلة البحث عن حاضنة سياسية لضمان استمراره في السلطة.

تاريخيًا، لجأت الأنظمة العسكرية في السودان إلى تأسيس كيانات سياسية موالية، مثل "الاتحاد الاشتراكي" في عهد الرئيس السابق جعفر نميري (1985 – 1969)، لكن تكرار هذه التجربة يواجه تحديات بسبب تغير طبيعة القوى السياسية وكيمياء الكتلة الجماهيرية.

ولذا قد يلجأ البرهان إلى الإدارات الأهلية والطرق الصوفية ورجال الأعمال، لكنها قوى غير قادرة على توفير شرعية دائمة.

في ظل هذه المعطيات، يظل البرهان في وضع سياسي هش، يفتقر إلى حاضنة متماسكة تضمن له الاستمرار. أما اعتماد البرهان على الجيش كدعامة رئيسية لحكمه، حيث وفر له الحماية منذ الإطاحة البشير، فأمر لا يمثل ضمانة مستمرة إذ إن نظام الجيش لا يعطي قائده (شيكًا على بياض)، خاصة مع استمرار الضغوط السياسية والاقتصادية.

إعلان

بالإضافة إلى ما سبق، فإن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، مع تراجع الجنيه السوداني بفعل ارتفاع معدلات التضخم، تجعل بقاء البرهان في السلطة أكثر صعوبة. فضعف الخدمات الأساسية يفاقم الاحتقان الشعبي، ويجعل الاحتجاجات العفوية احتمالًا قائمًا.

كما أن القوات الأمنية نفسها قد تتأثر بالأوضاع المعيشية المتدهورة، مما قد يؤدي إلى تصدعات داخل الجيش. في ظل هذا الوضع، يواجه البرهان خيارين: تقديم تنازلات سياسية لكسب الدعم الاقتصادي، أو الاستمرار في الاعتماد على الموارد الذاتية، وهو ما يعني استمرار التدهور وزيادة الغضب الشعبي.

بيد أن البرهان يحظى بدعم إقليمي من بعض الدول أبرزها مصر التي ترى في استقرار السودان مصلحة إستراتيجية لها. في المقابل، تواجه حكومته ضغوطًا دولية، إذ علقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مساعداتهما، بزعم المطالبة بانتقال ديمقراطي.

فهل يستطيع البرهان المناورة بين كل هذه الضغوط عبر تعزيز علاقاته مع حلفائه الإقليميين، أو تقديم تنازلات سياسية محدودة لاستعادة الدعم الدولي؟

سيناريوهات مستقبل البرهان السياسي

تتراوح خيارات البرهان بين: تكوين حاضنة سياسية جديدة عبر استقطاب قوى تقليدية، لكنه يواجه تحديات اقتصادية وسياسية تعيق نجاح هذا الخيار، أو الاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية وإجباره على التنحي، خاصة مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والتظاهرات الشعبية المحتملة. أو حدوث انشقاقات داخل الجيش تطيح به، إذا تصاعدت الخلافات داخل المؤسَّسة العسكرية أو تصاعدت الآثار السلبية في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب.

في المحصلة، يظل بقاء البرهان في السلطة مرهونًا بقدرته على المناورة بين هذه التحديات، لكنه يواجه وضعًا غير مستقر قد يهدد مستقبله السياسي واحتمالات استقرار حكمه.

لا يبدو حتى الآن أن لدى البرهان أي رؤية سياسية واضحة وإنما يتعامل مع الأزمات بردود فعل آنية.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • بعد هزائم الدعم السريع.. هل ينجح البرهان في فرض سيطرته؟
  • اشتباكات وقصف مدفعي بين الجيش السوري وحزب الله
  • قتلى وجرحى معظمهم أطفال بسبب قصف مدفعي لـ”الدعم السريع” على كرري
  • حميدتي أكد أن أهالي قتلى الدعم السريع يعانون من التجاهل والنسيان
  • الدعم السريع ترتكب مجزرة في ريفي شرق الفاشر وتنهب أبقار
  • تجهيز مدينة سودانية لتكون عاصمة الحكومة الموازية
  • الجيش السوداني يعلن عن انتصارات جديدة و يستعيد بلدة التروس في الفاشر أخبار السبت 15 مارس 2025
  • مقتل (30) عنصرا من مليشيا الدعم السريع بالمحور الشرقي لمدينة الفاشر
  • الجيش السوداني: نواصل التقدم في جميع محاور القتال بمدينة الفاشر
  • هل دخل السودان عصر الميليشيات؟