حاتم الطائي
◄ بيئة العمل المحلية تُعاني من "السُبات الصيفي" لمدة 5 أشهر
◄ ضرورة تطبيق طرق إدارة حديثة تقضي على الاختلالات الهيكلية في العمل
◄ اللامركزية ضرورة حتيمة تفرضها التطورات وتستدعيها الحاجة المُلحّة
تُعاني بيئة العمل المحلية في بلادنا من تحديات كبيرة، من المُؤسف أنَّها لم تجد الحلول الناجعة والإجراءات العلاجية النهائية للقضاء عليها حتى الآن؛ بل رُبما تتزايد مثل هذه التحديات سنةً تلو الأخرى ومرحلةً وراء مرحلة، على الرغم من النجاحات الأخرى التي تتحقق على أرض الواقع؛ سواءً في القطاعين الحكومي أو الخاص.
ومما نُعاني منه فعليًا في بلادنا، وربما في كثير من الدول العربية، أننا ندخل فيما يُشبه "السُبات الصيفي"؛ حيث تتزايد إجازات الموظفين وتكثُر الغيابات عن الدوام، وفي بعض الأحيان يستأذن البعض للانصراف مُبكرًا، حسبما تسمح لهم أنظمة العمل الداخلية. كل ذلك يحدث لمدة قد تقترب من 5 أشهر- بلا مبالغة- من السنة، تبدأ من شهر مايو مع ارتفاع درجات الحرارة وقرب انتهاء العام الدراسي للطلاب، وتستمر خلال أشهر الصيف الفعلية وتدخل فيها إجازة عيد الأضحى، وتنتهي في شهر سبتمبر مع عودة الدراسة وانقضاء موسم خريف ظفار وعودة أغلب الموظفين والعاملين إلى دوامهم الرسمي. هُنا نحن أمام تحدٍ هائل ناتج عن اختلالات عميقة في ثقافة العمل، فكُل من يحصل على إجازة يرفع شعار "هذا حقي" و"إجازاتي أقرها القانون"، وبالتأكيد لا أحد يعترض على ذلك، لكن في المُقابل يتعين على مسؤول كل وحدة إدارية أو شركة قطاع خاص، أن يُعيد هيكلة الإجازات السنوية للموظفين بحيث لا تتأثر سيرورة العمل في أي قطاع، وأخص بالذكر هنا الوظائف المرتبطة بالخدمات المُقدمة للمواطن، والإجراءات ذات الصلة بحركة الاقتصاد وجذب الاستثمارات. وخلال هذه الفترة كثيرًا ما نقرأ تعليقات أو شكاوى من تعطل معاملات المواطنين في جهة حكومية ما، أو أنَّ شركة بالقطاع الخاص لم تسدد مستحقات عليها، وفي كلتا الحالتين، يُعزى السبب إلى غياب الموظف أو العامل المُختص!
في بيئات العمل المتطورة والحديثة، يلجأ الموظفون إلى إجراء عملية "نقل مهام" إلى زميل مُعين في نفس الدائرة أو القسم، بل أيضًا يتركون رسالة إلكترونية تلقائية على بريدهم الإلكتروني، تصل إلى كل من يُرسل بريدًا إلكترونيًا لهم، مفادها أنهم في إجازة وأن الزميل الفلاني يقوم محله، وهو مستعد لخدمتهم، كما تصل إلى هذا الزميل نفس الرسالة، ومن ثم يُبادر إلى التواصل مع طالب الخدمة. وكذا الحال يُفترض به، في الأقسام والدوائر التي تتطلب مواجهة المُراجع مباشرة، مثل المكاتب الأمامية ومكاتب خدمة العملاء، وفي حالة خروج الموظف لإجازة يحل محله زميل آخر يتولى مسؤولية زميله. لكن من المُدهش أن المُراجع يذهب لإنجاز مُعاملته فيُقال له "تعال بعد أسبوعين، الزميل في إجازة"!!
الأمر يسري كذلك مع كبار المسؤولين، من وزراء ووكلاء وزارات، ربما تتطلب مُعاملة ما مقابلة وكيل وزارة أو وزير، وهنا نسأل: أين اللامركزية وتوزيع المهام؟ ولماذا لا يُطبِّق المسؤول الكبير أسلوب "الإنابة"، بحيث يُنيب أحد المديرين الكبار بمهام مُحددة، أو أن يُخصِّص وقتًا يوميًا لمتابعة أبرز الملفات وأكثرها حساسيةً؟
هذه التحديات وغيرها تستلزم فورًا ضرورة عودة الأداء الحكومي بكامل طاقته، بعد فترة إجازات طويلة، خاصة وأن الربع الأخير من العام الجاري سيبدأ بعد أيام معدودات، ونأمل أن يكون هذا الربع زاخرًا بالأنشطة والتطورات والإنجازات. في حقيقة الأمر أقولها بصراحة: لا يُمكن قبول أن تدخل مؤسسات الدولة كل سنة في سُبات صيفي يمتد لعدة شهور بحجة أنه "موسم الصيف والإجازات"، وعلى جميع المسؤولين متابعة العمل وسير الإجراءات في كل وحدة حكومية.
إنَّ مثل هذه التحديات تسبب في سلبيات كثيرة، منها تأخر الأعمال والمشاريع، ويكفي أننا خلال هذه الشهور لا نقرأ عن افتتاح مشروع كبير، ولا عن إنجاز ضخم حققته أي وحدة حكومية، لماذا؟ لأن معظم الموظفين في إجازات! إننا نريد أن نرى تحركات على أرض الواقع تؤكد أنَّ هناك مشاريع يتم تنفيذها وليس فقط اجتماعات ونقاشات، وهذه ظاهرة أخذت تنتشر كذلك خلال الآونة الأخيرة؛ حيث تنتشر أخبار عن اجتماعات لمسؤولين كبار ومناقشات، واستعراض لقضايا مختلفة، دون جديد يُذكر، فهل وصل الحال ببعض المسؤولين أنهم يعقدون الاجتماعات فقط لإجراء المناقشات والمباحثات حول مختلف الموضوعات؟!
وهذا يقودنا إلى نقطة أشرنا إليها، وهي اللامركزية؛ إذ ما يزال بعض المسؤولين لا يُطبقون نهج اللامركزية، رغم أنه يحظى بمباركة سامية ومن مجلس الوزراء كذلك، لكن بعض المسؤولين لا يرغبون في نقل الصلاحيات إلى من يرأسونهم من مديري عموم ورؤساء دوائر، في حين أن هناك وزارات خدمية (مثل وزارة الإسكان والتخطيط العمراني) نجحت في تحقيق نقلة نوعية بفضل تطبيق نهج اللامركزية وتخويل المسؤولين في مديريات الوزارة بالمحافظات بمهام الوزير نفسه، وهذه خطوة جريئة وتستحق الإشادة والثناء، ونأمل أن يسير على خطاها جميع الوزراء في الحكومة.
ولا شك أن تطبيق اللامركزية من شأنه أن يُعزز مسيرة التنمية في المحافظات، خاصة وأن كثيرًا من المحافظات ما تزال تفتقر إلى رؤية تطويرية شاملة، تضمن الارتقاء بالقطاعات التنموية والاقتصادية في هذه المحافظات. وهنا لا نُنكر جهود عدد من المحافظين مشهود لهم بالكفاءة والحيوية في العمل، حتى إننا نقرأ أخبارهم بصفة يومية في الصحف، وربما نجد هذا المحافظ النشيط يجوب أنحاء محافظته متنقلًا بين الولايات لمتابعة سير العمل، في حين أن محافظين آخرين لا نقرأ لهم أي خبر في الصحف لمدة تفوق الشهر أو الشهرين، ودعوني أقولها بلا مواربة، إنَّ هناك عدد من المحافظين لا يكاد حتى المواطن العادي يعرف أسماءهم! بسبب ضعف نشاطهم وقلة ظهورهم المجتمعي، والمقصود بالظهور هنا ليس رعاية الفعاليات؛ بل متابعة المشاريع وإسداء التوجيهات في مواقع العمل.
في حقيقة الأمر، إننا نأمل تجاوز حالة شبه الجمود الحالية في العمل الحكومي وإنعاش القطاع الخاص، في وقت تزداد فيه تحديات النمو، في ظل التطورات الإقليمية والمتغيرات الجيوسياسية، وضعف القطاع الخاص في بلادنا، والحل يكمن في طرح المزيد من المبادرات وإعادة تقييم المبادرات السابقة، وإطلاق حزم تحفيزية جديدة، خاصة للقطاعات الإنتاجية وتلك التي توفر فرص العمل للمواطنين، والجميع يعلم تمامًا طبيعة التوظيف لدينا، وما يواجهه الباحثون عن عمل من تحديات غير مسبوقة في الحصول على فرصة وظيفية.
وعندما نتحدَّث عن القطاع الخاص وأهمية تحفيزه وتنميته، نؤكد أنَّ هذا القطاع هو الوحيد القادر على قيادة مسيرة التنمية، فعلى الرغم من أهمية الاستثمارات الأجنبية، إلّا أننا يجب أن نُعوِّل أولاً وقبل كل شيء على القطاع الخاص الوطني؛ لأنه قاطرة التنمية الفعلية، والمُولِّد لفرص العمل والداعم لخطط التحديث والتطوير. ونمو القطاع الخاص يعني توفير الوظائف وتنشيط الحركة التجارية والعقارية، وإتاحة المزيد من الفرص لنهضة اقتصادية شاملة ترتقي بمستوى معيشة المواطن وتعود بالنفع على اقتصادنا الوطني.
ويبقى القول.. إنَّ المرحلة المُقبلة تتطلب منّا جميعًا المُسارعة لبذل كل جهد يُساهم في نمو الاقتصاد، الذي يمثل العمود الفقري لأي نهضة تنموية، وهذا يتطلب توفير المزيد من الحوافز وتبسيط الإجراءات، وبصفة خاصة ما يتعلق بالتمويل؛ لأنه ضمانة نمو وتوسُّع القطاع الخاص، كما يستدعي الأمر ضرورة إنجاز المُعاملات المتأخرة وسداد المُستحقات ومواصلة جهود جذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية على حدٍ سواء، كي تنعم بلادنا بمزيد من الرخاء والاستقرار والازدهار.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: القطاع الخاص من الم
إقرأ أيضاً:
«تنمية الموارد البشرية الإماراتية في دبي» يشكّل فريق تمكين التوطين
دبي - «الخليج»
أعلن مجلس تنمية الموارد البشرية الإماراتية في دبي، تشكيل فريق تمكين التوطين، الذي يهدف لمعالجة تحديات التوظيف غير التقليدية، ويأتي هذا الفريق كمبادرة مبتكرة تهدف إلى تعزيز جهود التوطين في القطاع الخاص بالإمارة، بما يسهم في تحقيق الأهداف الوطنية وتمكين المواطنين من أصحاب الخبرات الطويلة من المساهمة في مستقبل اقتصاد الإمارات.
ويضم الفريق نخبة من ممثلي كبرى شركات القطاع الخاص والمؤسسات المالية والاستشارية والجهات الحكومية، بهدف وضع حلول عملية ومبتكرة لدعم وتمكين الكفاءات الإماراتية ودمجها في سوق العمل، من خلال شراكة استراتيجية بين القطاعين العام والخاص، ويسعى الفريق إلى تجاوز العقبات الوظيفية وخلق مسارات مهنية جديدة تسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي ودعم رؤية دبي نحو بناء اقتصاد مزدهر.
وسيعمل الفريق على معالجة التحديات الوظيفية المعقدة التي تحتاج إلى حلول مخصصة لضمان توفير فرص عمل للكفاءات الإماراتية، بما في ذلك أصحاب الخبرات المتقدمة، كما سيحرص الفريق على تطوير استراتيجيات توظيف مبتكرة تراعي الطبيعة المتغيرة لسوق العمل بالإمارة، مع تعزيز الشراكات والتعاون بين مختلف القطاعات لتعظيم أثر جهود التوطين وتحقيق نتائج مستدامة.
وفي تعليق له على تشكيل الفريق، قال المهندس سلطان بن سعيد المنصوري، رئيس مجلس تنمية الموارد البشرية الإماراتية في دبي: «تشكيل فريق تمكين التوطين يعكس التزامنا بتذليل العقبات الوظيفية وتمكين الكفاءات الإماراتية في القطاع الخاص، من خلال التركيز على الحلول المبتكرة والعمل الجماعي عبر الاستعانة بخبرات القطاع الخاص، ونحن على ثقة بأن هذه المبادرة ستسهم في تعزيز النسيج الاقتصادي لدبي، وفتح آفاق جديدة للإماراتيين للنجاح في مختلف القطاعات، ويمثل هذا الفريق خطوة مهمة نحو بناء خبرات وطنية مستعدة للمستقبل تلبي احتياجاتنا وتنبثق من أولوياتنا الوطنية».
ويجدر الذكر أن الفريق ترأسته أمل عبد اللطيف عمر، ممثلة عن شركة «كيوليس إم إتش آي»، وآمنة زايد البوسعيدي كنائبة للرئيس، ممثلة عن مجلس تنمية الموارد البشرية الإماراتية. كما يضم الفريق الأعضاء: أحمد محمد الفردان من شركة «كيوليس إم إتش آي»، وأحلام عبدالله المرزوقي من مجموعة كلداري، وأحمد حسين حسن من مجموعة دلسكو، وأحمد محمد الجناحي من شركة «كي بي إم جي»، ومريم حمد النعيمي من شركة الأنصاري للصرافة، وناصر رضا الفردان من شركة «نكست كير»، وإيمان أحمد البستكي من مجموعة عبد الواحد الرستماني، ورفيعة إسماعيل حاج من فنادق ومنتجعات جبل علي، وآمنة جعفر الصايغ من معهد الإمارات المالي، وبدر محمد أحمد من شركة «كي بي إم جي»، وليلى عامر الغفاري من مجلس تنمية الموارد البشرية الإماراتية، وشاكر جمعة مبارك، من شركة «كيوليس إم إتش آي»، كمقرر للفريق، لضمان التنسيق الفعال.
ويجسد تنوع أعضاء الفريق، من حيث الخبرات والقطاعات، التزامه بحل أي تحديات للتوطين من خلال نهج تعاوني وشامل، وسيجتمع الفريق بشكل منتظم لتحليل التحديات الوظيفية واقتراح استراتيجيات قابلة للتنفيذ وتنفيذ المبادرات المستهدفة التي تسهم في تحقيق نتائج ملموسة، كما يخطط الفريق لإطلاق حملات توعوية تهدف إلى إبراز قيمة الكفاءات الإماراتية، وتعزيز مشاركتها الفعالة في القطاع الخاص.