تدخُّل الآباء في حياة أبنائهم البالغين يمكن أن يتحول إلى مشكلة كبيرة تواجه العديد من الأسر، خاصة بعد زواج الأبناء. فبعد سنوات طويلة من تحمل المسؤولية الكاملة عنهم واتخاذ القرارات بالنيابة عنهم، ومع كل الجهود والتضحيات التي قدمها الآباء، قد يكون من الصعب عليهم التراجع خطوة للخلف والسماح للأبناء بالاستقلال والانطلاق في حياتهم الخاصة، واتخاذ قراراتهم بأنفسهم، واكتساب الخبرة من تجاربهم.

أهمية تعيين الحدود بين الآباء والأبناء البالغين

قد لا تشعر أنك تتدخل في حياة ابنك أو ابنتك، بل تشعر أن حبك لهم يدفعك لحمايتهم من الأخطاء أو الألم أو الندم الناتج عن اتخاذ قرارات غير سديدة. ترغب في تقديم النصيحة لهم ليتمكنوا من اتخاذ الخيارات الصحيحة، لأنك ترى أن تجربتك وخبراتك تمنحك فهمًا أعمق للحياة.

وربما تشعر بالألم عندما يخبرك أحدهم أنه يجب عليك التراجع قليلًا وترك أبنائك يتحملون مسؤولية قراراتهم. لكن لن تتمكن من قبول ذلك إلا عند إدراك أهمية وضع حدود بين الآباء والأبناء البالغين. إذ إن الحدود ضرورية للحفاظ على علاقة صحية داخل الأسرة.

يتم وضع الحدود العاطفية من خلال إدراك كل طرف في العلاقة أنه مسؤول عن سعادته (شترستوك)

وفقًا لموقع "فيري ول مايند"، ستُمكنك الحدود الصحية من الحفاظ على التفاهم المتبادل بينك وبين أبنائك والسلاسة في التعامل، لأنها ستحدد بوضوح ما هو مقبول وما هو غير مقبول في العلاقة بين الطرفين. إذ يمكن للتدخل المفرط أن يؤدي إلى خلق مشاعر الاستياء لدى كلا الجانبين.

تحديد الحدود يشجع الأبناء البالغين على تحمل مسؤولية حياتهم، ويمنحهم شعورًا بالاستقلالية، مما يدعم نموهم ليصبحوا أفرادًا ناضجين ومكتفين ذاتيًا.

في المقابل، يدرك الآباء أن لديهم حياة يمكنهم عيشها، ولديهم هوية وتعريف لأنفسهم بخلاف كونهم آباء، وهو ما يُشعرهم بإمكانية متابعة اهتماماتهم واحتياجاتهم الخاصة دون الشعور بالذنب.

نصائح لتعيين الحدود بفعالية

هناك بعض النصائح والخطوات التي يُمكنك من خلالها تعيين الحدود بشكل صحي دون أن يتأثر الوالدان أو الأبناء سلبًا، ومنها:

مقاومة الرغبة الشديدة في إنقاذ الأبناء: أحد أهم الأشياء التي تُعين الآباء على تعيين الحدود مع أبنائهم هو مقاومة الدافع المستمر في إنقاذهم؛ هنا يجب إدراك أن جزءًا من مخاوف الآباء نابع من وجهات نظرهم التي قد تكون مختلفة تمامًا عن وجهات نظر الأبناء، هذا الاختلاف قد يجعل ما يعتبره الوالد شرًا محضًا ليس شرًا أبدًا من وجهة نظر الابن.

حتى في ظل وجود الشرور والأزمات الحقيقية والواقعية تمامًا، والتي لا يختلف أحد بشأنها، يكون من حق الأبناء البالغين التعامل معها، إذا أرادوا ذلك، لتكون لهم تجربتهم الذاتية، وليتمكنوا من التعلم من أخطائهم، فليس بوسع أحد حماية شخص آخر بشكل تام من كافة المخاطر أو الصدمات.

الاعتراف بأن أبناءك قد أصبحوا بالغين: لتتمكن من تحقيق الخطوة السابقة، سيكون عليك أن تعترف أن أبناءك قد أصبحوا رجالًا ونساءً، وأنهم لم يعودوا أطفال الأمس، الذين كانوا بحاجة للرعاية الكاملة. اعترف أن ابنك البالغ أصبح من حقه الآن الاستقلال، وعليك أن تحترم آراءه وخياراته وأسلوب حياته، وتجنُّبُ إصدار الأحكام عليه أو انتقاده.

بناء كلا الطرفين لهويته: عند تعيين الحدود مع الأبناء البالغين يجب على الوالدين أن يعيدا بناء هويتهما، وتحديد ما يرغبان في القيام به في حياتهما، وتشجيع الأبناء على فعل الشيء نفسه، وفهم الاحتياجات الخاصة ومنح الاهتمام للرعاية الذاتية لتجنب الشعور بالإرهاق أو الاستياء.

عند تعيين الحدود يدرك الآباء أن لديهم حياة خاصة يمكنهم عيشها (شترستوك)

وضع الحدود العاطفية: يتم وضع الحدود العاطفية من خلال إدراك كل طرف في العلاقة أنه مسؤول عن سعادته، فلا يجب أن يستمد الوالد كامل سعادته أو شعوره بالاطمئنان أو الأنس فقط من الأبناء، بل يجب أن يدرك أنه مسؤول عن بناء حياة لنفسه وخلق سعادته الشخصية، وليس على الأبناء أن يكونوا مسؤولين عن تحقيق هذه السعادة للآباء. والعكس صحيح أيضًا، ليس على الآباء أن يكونوا مسؤولين عن تحقيق سعادة أبنائهم البالغين.

حاول أن تجعل كل شيء واضحًا: بعد تعيين الحدود وهو ما قد يشمل مجالات مثل الدعم المالي أو المشاركة العاطفية أو المساحة الشخصية أو المشاركة في صنع القرار، عليك أن تجلس مع أبنائك وتتحدث معهم بشأن هذه الحدود بوضوح. عليك هنا أن تكون حازمًا ومتسقًا في التأكيد على حدودك. كما يمكن التعبير خلال هذه الجلسة بوضوح عن توقعاتك ومخاوفك، وأن تستمع أيضًا إلى وجهة نظرهم. التواصل الفعال هو المفتاح لتحقيق التفاهم المتبادل. بعد توضيح كل شيء، سيكون عليك أن تتعلم أن تقول "لا" عندما يطلب أبناؤك طلبات تخترق أو تنتهك حدودك، عليك تعلم كيفية قول "لا" دون الشعور بالذنب.

طلب المساعدة المتخصصة إذا لزم الأمر: إذا وجدت صعوبة في وضع حدود صحية أو إذا استمرت الأزمات والصراعات في الحدوث، فقد يكون عليك أن تفكر هنا في الحصول على استشارة من معالج أو مستشار عائلي. يمكن للمتخصص تقديم رؤى وتقنيات فعالة للتعامل مع ديناميكيات الأسرة المعقدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تعیین الحدود علیک أن

إقرأ أيضاً:

الإعلامية راندا فكري: لابد من بناء جسر متفاهم بين الأجيال

قالت الإعلامية راندا فكري، يجب بناء جسر متفاهم بين الأجيال المختلفية خاصة بعد التغير الاجتماعي والصراع بين الأجيال التي شهدناها في الأونة الأخيرة، موضحة أن هناك تحولات طرأت على المجتمع الانفتاح الاقتصادي وما صاحبه من تطور تكنولوجي، الذي زاد من تعمق الهوة بين جيل محافظ متمسك بثقافته وعاداته وتقاليده القديمة، وبين جيل نشأ في ظروف حياتية مختلفة مكسوة بغطاء ثقافي وتواصلي منفتح.

عن التفاهم بين الأباء والأبناء، أوضحت الإعلامية راندا فكري خلال تقديمها برنامج «الحياة أنت وهي» المذاع عبر قناة «الحياة»، اليوم: «محاولة فرض الأهل أمور على أبنائهم أحيانا لا يأتي بالنتيجة المطلوبة، على اعتبار أن الآباء يعرفون مصلحة أبنائهم أكثر»، فمثلًا إذا فرض الآباء على ابنهم دخول جامعة معينة قد ينتهي بتخرجه من الجامعة دون فهم لمجاله ويلجأ للعمل في أي وظيفة، وأن محاولة تفهم الآباء لأبنائهم وإقناعهم يحتاج إلى صبر أكثر.

وتابعت: «أهالينا زمان كانوا لديهم حزم في تربيتهم لنا، لكن صعب نطبق ده على الجيل الجديد، إلا في حالات معينة كالتعاليم الدينية، فمثلا الأب لما يأمر إبنه بالصلاة، فلابد من طاعته ويؤدي الفرائض  الخمس في أوقاتهم، فلا يجوز الجدال في هذه الأمور، لكن يجب أن يتم ذلك بطريقة وأسلوب يحببه في الصلاة».

مقالات مشابهة

  • طول البقاء أمام الشاشات يسبب صعوبات لغوية للأطفال
  • إعلامية: يجب بناء جسور من التفاهم بين الأجيال
  • الإعلامية راندا فكري: لابد من بناء جسر متفاهم بين الأجيال
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. هدايا مُدبَّرة!
  • يستهدف استقلالية القضاء.. الرئاسي يرفض مشروع للحوثيين لـ "تعديل السلطة القضائية"
  • برج الجوزاء.. حظك اليوم الخميس 12 سبتمبر: لا تجعل التغيرات تؤثر عليك
  • علشان ميضحكش عليك.. إزاي توثق عقد شقة في الشهر العقاري
  • “ترك كل شيء للأمهات خطر” .. خبير تربوي يطالب الآباء بمتابعة الأبناء خلال الدراسة
  • أمين الفتوى يحذر من ضرب الزوجات: "حتى لو طولت لسانها عليك" (فيديو)
  • وأنت تسوق... طيارة تقطع عليك الخط.. تفاعل على نقل طائرات برا إلى الرياض