لجريدة عمان:
2024-09-13@03:47:01 GMT

التعليم العالي ومهارات المستقبل

تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT

يمر التعليم العالي في العالم بمتغيرات عدة، سواء تلك المتعلقة بما أحدثته الثورة الصناعية الرابعة، والتطورات التقنية التي كان لها الأثر البالغ في العديد من منعطفاته خاصة في ظل ظهور الذكاء الاصطناعي وقدراته الهائلة، إضافة إلى متطلبات سوق الأعمال وسرعة نموه وتغيُّره بما ينعكس على المهارات التي ينبغي أن تركِّز عليها مؤسسات التعليم، لمواكبة المستجدات والتطورات التقنية والعلمية، واستشرافها للمتغيرات ورفع جاهزيتها لمهارات المستقبل ووظائفه.

فالمتغيرات المتسارعة على مستوى التقنيات الحديثة ومتطلبات مواكبة تأثيرها في مجالات الحياة العلمية والعملية، تتطلَّب من منظومة التعليم العالي الاستعداد من خلال تهيئة الأنظمة التعليمية المناسبة التي تساعد في تأهيل الشباب الجامعي بالمهارات والمعارف، وتهيئة البيئة المناسبة الجاذبة، حتى يستطيعوا المنافسة في عالم تكنولوجي متنوع ومتعدد الثقافات والمجالات، ومتغيِّر بل ومتقلِّب بحسب التطورات التي يواجهها، ليس على المستوى التقني وحسب بل أيضا على المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

إن نجاح منظومة التعليم العالي وقدرتها على القيام بعملها يتطلَّبان أن تكون أكثر مرونة وقدرة على مواكبة الواقع العملي المستقبلي من ناحية، والانفتاح على المهارات والآفاق المعرفية من ناحية أخرى، لرفع جاهزيتها واستعدادها لما يسمى بـ (التعلُّم مدى الحياة)، و(التعلُّم المستدام)، وهي تلك الأنماط التعليمية التي تؤمن بقدرة التعلُّم وانفتاحه على أولويات المجتمعات وحاجاتها المتغيِّرة، وبالتالي فإن تلك المرونة والجاهزية تتطلَّب فهما عميقا للتطوُّر المجتمعي وأولوياته الوطنية.

والحق أن عُمان اعتنت عناية فائقة بالتعليم العالي سواء من خلال التشريعات أو تطوير السياسات والنُظم بما يتواكب مع التطورات العالمية والإقليمية، ومتطلبات سوق العمل المحلي وفتح آفاق ريادة الأعمال وتطلعات الرؤى الوطنية والتطورات المتسارعة في التقنيات والمهارات المرتبطة بها، ولعل ما تشهده منظومة التعليم العالي من مرونة وقدرة على الانفتاح والتطلعات نحو بلوغ مؤشرات طموحة، يكشف الوعي التام بأهمية التعليم عموما والتعليم العالي بشكل خاص، وأثره في تحقيق الأهداف الوطنية في كافة القطاعات التنموية.

ولأن بلوغ (مجتمع المعرفة) لا يتحقَّق سوى بالتعليم والاهتمام به وتطويره وتنميته، فإن مواءمة ما تقدمه مؤسسات التعليم العالي مع متطلبات سوق العمل والاحتياجات الوطنية والأولويات المجتمعية، يمثِّل أساسا لتطوير المناهج والبرامج التعليمية والأكاديمية، ودعم الإبداع والابتكار وتحفيزه في البيئة التعليمية، وبالتالي فإن تحقيق الغايات الإستراتيجية، واحتياجات التنمية المستدامة في الدولة، يتطلَّبان تعزيز مهارات الطلاب وقدراتهم على المستوى الأكاديمي والعملي، ووعيهم بتلك الاحتياجات وقدرتهم على اتخاذ القرارات التي تتناسب معها وتلبي طموحاتهم.

تشير (دراسة مسح الخريجين لعام 2023)، التي أعدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، إلى أن «نسبة العاملين لخريجي المرحلة الجامعية الأولى المشاركين في المسح 29.6%»، وقد أظهرت النتائج أنه على الرغم من تملُّك خريجي المرحلة الجامعية الأولى لغالبية المهارات المكتسبة، إلاَّ أنه «يوجد أوجه قصور طفيفة في بعض المهارات المكتسبة خلال الدراسة الجامعية عن تلك المطلوبة في سوق العمل كمهارة إدارة الوقت، ومهارات الإبداع والابتكار، ومهارة التفكير الناقد ومهارات الإقناع والتفاوض...»، وهي مهارات أساسية من مهارات المستقبل، ومتطلَّب من متطلبات سوق الأعمال.

فعلى الرغم من اهتمام مؤسسات التعليم العالي بهذه المهارات سواء من خلال المناهج والبرامج الأكاديمية أو من خلال المناشط والفعاليات والمنتديات التي تقيمها، إلاَّ أنه مازال هناك فاقد يتضح جليا لكل من يطّلع على نتائج دراسة المسح، والأمر هنا لا يخص مؤسسة دون غيرها، وإنما يمثِّل حالة عامة تحتاج إلى التحليل والدراسة، للوصول إلى أسباب ذلك وما يمكن اتخاذه من حلول في سبيل تعزيز تلك المهارات لدى الشباب الجامعي، وتمكينهم بما يتوافق مع القدرات والمهارات المستقبلية.

ولقد شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية نتائج قبول الفرز الأول للعام الأكاديمي 2024-2025، والذي أعلن عنه مركز القبول الموحد في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار؛ إذ بلغ عدد المقبولين للدراسة سواء في مؤسسات التعليم العالي المحلية أو الحاصلين على بعثات خارجية 27178 طالبا وطالبة، أي حوالي نصف عدد خريجي الدبلوم العام لهذه السنة والذين بلغ عددهم 50452 طالبا وطالبة، ومنذ أن تم الإعلان عن النتائج، انشغل المقبولون بفرص القبول التي حصلوا عليها، بينما انشغلت أُسرهم بالسؤال بفُرص التوظيف المستقبلية لتلك الفرص.

إن مهارات التحليل واتخاذ القرار باعتبارها مهارات أساسية، تظهر في اختيار التخصصات التي ستحدِّد مستقبل الطالب، وبالتالي فإن التخطيط للمستقبل، والوعي باحتياجات مستقبل سوق الأعمال والإيمان بأنه متغيِّر رغم الاستشرافات، من أهم تلك المهارات التي على الناشئة والشباب التحلي بها. إنها بوابة المستقبل التي من خلالها يلج إلى الدراسة الجامعية ثم العمل وفق خيارات أفضل أكاديميا ومهنيا، غير أن ملاحظة أن الفاقد الأكاديمي للطلاب سواء بتخليهم عن فرص الدراسة، أو الانسحاب لاحقا، يولِّد حالة من عدم التوازن على المستوى الاجتماعي.

فعلى الرغم من أن الطالب يقوم باختيار التخصصات والمؤسسات التعليمية بناء على حريته الشخصية – أو هكذا نفترض –، غير أن هناك طلابا يتخلون عن فرص الدراسة لأسباب قد تكون بالنسبة لهم منطقية، إلاَّ أنهم لا يدركون أن تلك الفرص التي يتخلون عنها، هناك من كان ينتظرها ولم يحصل عليها من ناحية، وأنها فاقد مهم يؤثر ليس على مستوى التعليم بل على المستوى الاقتصادي وتحقيق مستويات الرفاه الاجتماعي المنشود.

وفي مقابل ذلك فإن هناك طلبة يتحلون بالعديد من المهارات والقدرات من أجل تحديد الخيارات والتخطيط للمستقبل، مما جعلهم يسيرون نحو تحقيق طموحهم، ولهذا فإن دور مؤسسات التعليم العالي غالبا ما يشكِّل جوهرا لتعزيز تلك المهارات وتمكين القدرات بما يتوافق مع ذلك الطموح من ناحية، ورؤية آفاق المستقبل من ناحية أخرى، فالمهم هنا ليس توجيه النظر إلى وظيفة بعينها، بقدر ما هو التركيز على المهارات والمعارف التي تفتح أمام الطلبة فرص التوظيف؛ ذلك لأن سوق العمل متغيِّر ومتسارع خاصة في ظل تسارع التطورات التقنية والتقلبات الاقتصادية.

يُعد الاهتمام بالمهارات أساس التنمية الأكاديمية للطلبة، لأنه البناء القادر على فتح الفرص والتطوير خاصة وأن مؤسسات التعليم العالي عامة تحتفي بالتحوُّل الرقمي والتطوُّر التقني، وتعمل على إشراك الطلاب في العملية التعليمية والمناشط المختلفة، بُغية تحفيز تلك المهارات والكفايات، ولهذا فإن جذب الطلبة من خلال بيئة تعليمية قادرة على الوفاء بمتطلبات المرحلة، وتوعيتهم بأهمية الفرص التعليمية التي حضوا بها، وفرصهم في سوق العمل، ستضمن الاحتفاظ بهم باعتبارهم طلاب علم واعدين، وكفاءات مهنية ستخدم سوق العمل الوطني.

إن نجاح المنظومة التعليمية يقاس بخريجيها وقدراتهم ومهاراتهم، وتعزيز الوعي بمتطلبات التطورات والأهداف الوطنية المستقبلية، من أجل إيجاد توازن اجتماعي قائم على فتح الفرص، والمساهمة في تنمية القطاعات واستدامتها والمنافسة في سوق العمل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مؤسسات التعلیم العالی مهارات المستقبل على المستوى سوق العمل من ناحیة من خلال

إقرأ أيضاً:

وزير التعليم العالي يجتمع بفريق عمل مؤسسة شباب القادة

استقبل الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، فريق عمل مؤسسة شباب القادة، برئاسة النائب أحمد فتحي رئيس مجلس أمناء المؤسسة، بمقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة.

أكد وزير التعليم العالي خلال الاجتماع أهمية دور مؤسسة شباب القادة في تنمية قدرات الشباب، وتزويدهم بالمهارات اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل. 

وأشاد وزير التعليم العالي بالجهود التي تبذلها المؤسسة في هذا الصدد، ورحب الوزير بالبرامج التي تنفذها المؤسسة. 

وزير التعليم العالي يدعم برامج قادة المستقبل 

وأثنى وزير التعليم العالي على نتائجها الإيجابية، مؤكدًا تقديم كافة أشكال الدعم للمؤسسة؛ للاستمرار والتوسع في برامجها.

ونوه وزير التعليم العالي بدعمه الكامل واهتمامه البالغ بهذه البرامج التي تعمل على بناء جيل من الطلاب لديهم الفكر والمهارات والأدوات لتنمية المجتمع المصري، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر ٢٠٣٠.

وناقش الاجتماع كافة التحضيرات والاستعدادات لانطلاق الحدث الختامي من مسابقة "قادة الأنشطة الطلابية" والذي تتنافس فيه فرق الأنشطة الطلابية على مستوى الجامعات المصرية، بعد أن تمت تصفية مشاريعهم من ٦١١ نشاطًا طلابيًّا إلى ١٠٠ نشاط طلابي، وذلك يوم السبت الموافق ١٤ سبتمبر الجاري، حيث ستكون المنافسة في ٦ مجالات مختلفة هي: (التضامن الاجتماعي وبناء الانسان - الطب والصحة العامة - التكنولوجيا والابتكار - التصنيع والتصميم - نماذج المحاكاة - البيئة والتكنولوجيا الخضراء). 
 

كما تم مناقشة فعالية الحدث الختامي من برنامج "قادة الهندسة" في نسخته الثانية، حيث يهدف البرنامج لخلق كوادر من طلاب كليات الهندسة في مختلف الجامعات المصرية في أقسام الميكانيكا، والكهرباء، والعمارة، والهندسة المدنية، ويعمل على محاكاة سوق العمل من خلال التدريبات التقنية التي تقدم للطلاب، ويعمل أيضًا البرنامج على مهارات الطلاب الشخصية؛ ليكونوا قادة في الحياة العملية بعد التخرج.

وأشاد النائب أحمد فتحي بدعم الوزارة المستمر لمؤسسة شباب القادة، مؤكدًا حرص المؤسسة على تقديم برامج تدريبية متخصصة تساهم في بناء الإنسان المصري في مختلف المجالات، كما أشار إلى أن المؤسسة استطاعت الوصول إلى عدد كبير من الشباب المصري من خلال برامجها المتنوعة، والتي تهدف إلى بناء جيل جديد من القادة قادر على تحقيق التنمية المستدامة وفقاً لرؤية مصر 2030.

حضر اللقاء من جانب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عمر شريف عمر أمين المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية، والدكتور أيمن فريد مساعد وزير التعليم العالي للتخطيط الإستراتيجي، وحضر من مؤسسة شباب القادة YLF، وأسامة هشام مستشار مجلس الأمناء، وعبدالله عرمش منسق البرامج.

مقالات مشابهة

  • وزير التعليم العالي: دعم الرئيس وراء نجاح الجامعات الأهلية
  • «التعليم العالي»: خطة لتخريج كوادر قادرة على المنافسة في سوق العمل
  • وزير التعليم العالي: الجامعة الألمانية الدولية تقدم برامج تخدم سوق العمل
  • وزير التعليم العالي يشهد حفل تخريج دفعة جديدة للمعهد العالي للهندسة بأكاديمية الشروق
  • الحوثيون يلزمون طلاب التعليم العالي بالحضور في ذكرى المولد النبوي
  • "التعليم" تحدد 11 حالة صحية تمنع نقل وتكليف شاغلي الوظائف التعليمية
  • "التعليم" تحدد 11 حالة صحية تمنع نقل وتكليف شاغلي الوظائف التعليمية - عاجل
  • وزير التعليم العالي يجتمع بفريق عمل مؤسسة شباب القادة
  • التعليم العالي: غلق كيان وهمى جديد في الشرقية
  • «التعليم العالي» تغلق كيانا وهميا في الشرقية