التعليم العالي ومهارات المستقبل
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
يمر التعليم العالي في العالم بمتغيرات عدة، سواء تلك المتعلقة بما أحدثته الثورة الصناعية الرابعة، والتطورات التقنية التي كان لها الأثر البالغ في العديد من منعطفاته خاصة في ظل ظهور الذكاء الاصطناعي وقدراته الهائلة، إضافة إلى متطلبات سوق الأعمال وسرعة نموه وتغيُّره بما ينعكس على المهارات التي ينبغي أن تركِّز عليها مؤسسات التعليم، لمواكبة المستجدات والتطورات التقنية والعلمية، واستشرافها للمتغيرات ورفع جاهزيتها لمهارات المستقبل ووظائفه.
فالمتغيرات المتسارعة على مستوى التقنيات الحديثة ومتطلبات مواكبة تأثيرها في مجالات الحياة العلمية والعملية، تتطلَّب من منظومة التعليم العالي الاستعداد من خلال تهيئة الأنظمة التعليمية المناسبة التي تساعد في تأهيل الشباب الجامعي بالمهارات والمعارف، وتهيئة البيئة المناسبة الجاذبة، حتى يستطيعوا المنافسة في عالم تكنولوجي متنوع ومتعدد الثقافات والمجالات، ومتغيِّر بل ومتقلِّب بحسب التطورات التي يواجهها، ليس على المستوى التقني وحسب بل أيضا على المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
إن نجاح منظومة التعليم العالي وقدرتها على القيام بعملها يتطلَّبان أن تكون أكثر مرونة وقدرة على مواكبة الواقع العملي المستقبلي من ناحية، والانفتاح على المهارات والآفاق المعرفية من ناحية أخرى، لرفع جاهزيتها واستعدادها لما يسمى بـ (التعلُّم مدى الحياة)، و(التعلُّم المستدام)، وهي تلك الأنماط التعليمية التي تؤمن بقدرة التعلُّم وانفتاحه على أولويات المجتمعات وحاجاتها المتغيِّرة، وبالتالي فإن تلك المرونة والجاهزية تتطلَّب فهما عميقا للتطوُّر المجتمعي وأولوياته الوطنية.
والحق أن عُمان اعتنت عناية فائقة بالتعليم العالي سواء من خلال التشريعات أو تطوير السياسات والنُظم بما يتواكب مع التطورات العالمية والإقليمية، ومتطلبات سوق العمل المحلي وفتح آفاق ريادة الأعمال وتطلعات الرؤى الوطنية والتطورات المتسارعة في التقنيات والمهارات المرتبطة بها، ولعل ما تشهده منظومة التعليم العالي من مرونة وقدرة على الانفتاح والتطلعات نحو بلوغ مؤشرات طموحة، يكشف الوعي التام بأهمية التعليم عموما والتعليم العالي بشكل خاص، وأثره في تحقيق الأهداف الوطنية في كافة القطاعات التنموية.
ولأن بلوغ (مجتمع المعرفة) لا يتحقَّق سوى بالتعليم والاهتمام به وتطويره وتنميته، فإن مواءمة ما تقدمه مؤسسات التعليم العالي مع متطلبات سوق العمل والاحتياجات الوطنية والأولويات المجتمعية، يمثِّل أساسا لتطوير المناهج والبرامج التعليمية والأكاديمية، ودعم الإبداع والابتكار وتحفيزه في البيئة التعليمية، وبالتالي فإن تحقيق الغايات الإستراتيجية، واحتياجات التنمية المستدامة في الدولة، يتطلَّبان تعزيز مهارات الطلاب وقدراتهم على المستوى الأكاديمي والعملي، ووعيهم بتلك الاحتياجات وقدرتهم على اتخاذ القرارات التي تتناسب معها وتلبي طموحاتهم.
تشير (دراسة مسح الخريجين لعام 2023)، التي أعدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، إلى أن «نسبة العاملين لخريجي المرحلة الجامعية الأولى المشاركين في المسح 29.6%»، وقد أظهرت النتائج أنه على الرغم من تملُّك خريجي المرحلة الجامعية الأولى لغالبية المهارات المكتسبة، إلاَّ أنه «يوجد أوجه قصور طفيفة في بعض المهارات المكتسبة خلال الدراسة الجامعية عن تلك المطلوبة في سوق العمل كمهارة إدارة الوقت، ومهارات الإبداع والابتكار، ومهارة التفكير الناقد ومهارات الإقناع والتفاوض...»، وهي مهارات أساسية من مهارات المستقبل، ومتطلَّب من متطلبات سوق الأعمال.
فعلى الرغم من اهتمام مؤسسات التعليم العالي بهذه المهارات سواء من خلال المناهج والبرامج الأكاديمية أو من خلال المناشط والفعاليات والمنتديات التي تقيمها، إلاَّ أنه مازال هناك فاقد يتضح جليا لكل من يطّلع على نتائج دراسة المسح، والأمر هنا لا يخص مؤسسة دون غيرها، وإنما يمثِّل حالة عامة تحتاج إلى التحليل والدراسة، للوصول إلى أسباب ذلك وما يمكن اتخاذه من حلول في سبيل تعزيز تلك المهارات لدى الشباب الجامعي، وتمكينهم بما يتوافق مع القدرات والمهارات المستقبلية.
ولقد شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية نتائج قبول الفرز الأول للعام الأكاديمي 2024-2025، والذي أعلن عنه مركز القبول الموحد في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار؛ إذ بلغ عدد المقبولين للدراسة سواء في مؤسسات التعليم العالي المحلية أو الحاصلين على بعثات خارجية 27178 طالبا وطالبة، أي حوالي نصف عدد خريجي الدبلوم العام لهذه السنة والذين بلغ عددهم 50452 طالبا وطالبة، ومنذ أن تم الإعلان عن النتائج، انشغل المقبولون بفرص القبول التي حصلوا عليها، بينما انشغلت أُسرهم بالسؤال بفُرص التوظيف المستقبلية لتلك الفرص.
إن مهارات التحليل واتخاذ القرار باعتبارها مهارات أساسية، تظهر في اختيار التخصصات التي ستحدِّد مستقبل الطالب، وبالتالي فإن التخطيط للمستقبل، والوعي باحتياجات مستقبل سوق الأعمال والإيمان بأنه متغيِّر رغم الاستشرافات، من أهم تلك المهارات التي على الناشئة والشباب التحلي بها. إنها بوابة المستقبل التي من خلالها يلج إلى الدراسة الجامعية ثم العمل وفق خيارات أفضل أكاديميا ومهنيا، غير أن ملاحظة أن الفاقد الأكاديمي للطلاب سواء بتخليهم عن فرص الدراسة، أو الانسحاب لاحقا، يولِّد حالة من عدم التوازن على المستوى الاجتماعي.
فعلى الرغم من أن الطالب يقوم باختيار التخصصات والمؤسسات التعليمية بناء على حريته الشخصية – أو هكذا نفترض –، غير أن هناك طلابا يتخلون عن فرص الدراسة لأسباب قد تكون بالنسبة لهم منطقية، إلاَّ أنهم لا يدركون أن تلك الفرص التي يتخلون عنها، هناك من كان ينتظرها ولم يحصل عليها من ناحية، وأنها فاقد مهم يؤثر ليس على مستوى التعليم بل على المستوى الاقتصادي وتحقيق مستويات الرفاه الاجتماعي المنشود.
وفي مقابل ذلك فإن هناك طلبة يتحلون بالعديد من المهارات والقدرات من أجل تحديد الخيارات والتخطيط للمستقبل، مما جعلهم يسيرون نحو تحقيق طموحهم، ولهذا فإن دور مؤسسات التعليم العالي غالبا ما يشكِّل جوهرا لتعزيز تلك المهارات وتمكين القدرات بما يتوافق مع ذلك الطموح من ناحية، ورؤية آفاق المستقبل من ناحية أخرى، فالمهم هنا ليس توجيه النظر إلى وظيفة بعينها، بقدر ما هو التركيز على المهارات والمعارف التي تفتح أمام الطلبة فرص التوظيف؛ ذلك لأن سوق العمل متغيِّر ومتسارع خاصة في ظل تسارع التطورات التقنية والتقلبات الاقتصادية.
يُعد الاهتمام بالمهارات أساس التنمية الأكاديمية للطلبة، لأنه البناء القادر على فتح الفرص والتطوير خاصة وأن مؤسسات التعليم العالي عامة تحتفي بالتحوُّل الرقمي والتطوُّر التقني، وتعمل على إشراك الطلاب في العملية التعليمية والمناشط المختلفة، بُغية تحفيز تلك المهارات والكفايات، ولهذا فإن جذب الطلبة من خلال بيئة تعليمية قادرة على الوفاء بمتطلبات المرحلة، وتوعيتهم بأهمية الفرص التعليمية التي حضوا بها، وفرصهم في سوق العمل، ستضمن الاحتفاظ بهم باعتبارهم طلاب علم واعدين، وكفاءات مهنية ستخدم سوق العمل الوطني.
إن نجاح المنظومة التعليمية يقاس بخريجيها وقدراتهم ومهاراتهم، وتعزيز الوعي بمتطلبات التطورات والأهداف الوطنية المستقبلية، من أجل إيجاد توازن اجتماعي قائم على فتح الفرص، والمساهمة في تنمية القطاعات واستدامتها والمنافسة في سوق العمل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مؤسسات التعلیم العالی مهارات المستقبل على المستوى سوق العمل من ناحیة من خلال
إقرأ أيضاً:
وزير التعليم العالي يعلن عن تدشين المؤتمر الطلابي العلمي الأول في عدن
شمسان بوست / سبأنت:
أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتعليم الفني والتدريب المهني، الدكتور خالد الوصابي، اليوم, في العاصمة المؤقتة عدن، تدشين فعاليات المؤتمر الطلابي العلمي الأول، الذي سيعقد تحت شعار (نحو بيئة علمية حاضنة للبحث والابتكار).
ويهدف المؤتمر الذي يستمر حتى 22 ابريل القادم، إلى إبراز مواهب وقدرات الطلاب في مجالات البحث العلمي والابتكار، وإتاحة الفرصة لهم لعرض إنتاجاتهم البحثية والابتكارية أمام الجهات ذات العلاقة، إلى جانب الاستفادة من إنجازاتهم في مواجهة التحديات المعاصرة، وتعزيز التعاون بين الطلاب الباحثين في الداخل والخارج، والارتقاء بمستوى البحث العلمي لدى الطلاب وتعزيز قدراتهم الإبداعية.
وفي حفل التدشين، أوضح الدكتور الوصابي, أن هذا المؤتمر يأتي كإحدى نتائج مؤتمر الابتعاث الذي عقد في يناير من العام الماضي..مشيرًا إلى أن الوزارة تؤمن بأهمية دعم المبدعين والباحثين كركيزة أساسية لتحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية، وإيجاد حلول مستدامة للمشكلات التي تواجه اليمن.
وقال “أن المؤتمر يمثل منصة للطلاب لعرض أبحاثهم ومناقشتها مع خبراء متخصصين، وأن الوزارة تسعى إلى تسويق الكوادر البحثية لدى الجهات الحكومية والخاصة، وتنظيم معرض خاص يتم فيه عرض الابتكارات العلمية للطلاب”.. داعياً رؤساء الجامعات إلى تكوين فرق بحثية تربط بين الأكاديميين والطلاب الموفدين في الخارج لتشجيع التعاون البحثي والاستفادة المتبادلة.
من جانبه، استعرض وكيل الوزارة لقطاع البعثات، الدكتور مازن الجفري، انشطة المؤتمر الذي يبدأ بإرسال دعوات لطلبة الدراسات العليا في الداخل والخارج عبر الجامعات والملحقيات وإستقبال البحوث وإجراء تحكيم البحوث من قبل اللجنة العلمية وإعتمادها من اللجنة التحضيرية، بالإضافة إلى عقد ندوة حوارية عن أهمية البحث العلمي والريادة والإبتكار.. مشيراً إلى أن الإعلان عن الأبحاث الفائزة والتكريم سيكون في ختام المؤتمر الذي يعقد يومي 21 و 22 ابريل القادم .
بدوره أكد وكيل الوزارة لقطاع البحث العلمي، الدكتور أحمد التويجي، أن البحث العلمي يعد أساس تطور الأمم وأداة لتحقيق التنمية المستدامة وحل التحديات الكبرى..مضيفاً أن الوزارة نجحت منذ عام 2017 في دعم البحث العلمي من خلال تمويل برامج الدراسات العليا ودعم المبتعثين في الخارج، ما أسهم في تأهيل كوادر متميزة في مختلف التخصصات.
تخلل إعلان التدشين عرض فيلم وثائقي لعملية التجهيزات والاستعدادات اللازمة لعقد المؤتمر ، والشروط اللازمة للمشاركة في المؤتمر وآلية التقديم والتقييم.