مجالات مستقبلية للعمل الخليجي المشترك
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
خلال مسيرتها الممتدة عبر أربعة عقود؛ حققت مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية منجزات مهمة على عدة أصعدة؛ سواء فيما يتعلق بإرساء قاعدة أساسية للعمل الخليجي المشترك، أو في إرساء بعض المؤسسات الخليجية التي تخدم قضايا الاقتصاد والتنمية والأمن والدفاع، أو في إيجاد أرضية للتفاهمات السياسية وصياغة نظرية مشتركة حول (بعض) القضايا التي تمس المنطقة.
تتنوع المتغيرات التي تؤثر على طبيعة هذا التعاون، فهناك وضع جيو - سياسي ملتهب يكتنف المنطقة، ولا يمكن للدول الست أن تعزل نفسها عنه، أو أن تكون خارج معادلته، وهناك اقتصاد عالمي يشوبه عدم اليقين والغموض والتقلبات، ويفرض على المنطقة إعادة التفكير في مواردها التقليدية، وفي الكيفية التي تصبح فيها لاعبًا موجهًا في مسارات الاقتصاد العالمي، وهناك مجتمعات فتية داخل هذه الدول تتطلع إلى سياقات أكبر من التعاون، وتستوجب اللحظة الراهنة تعزيز قناعاتها بنظرية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، على أن تكون كذلك مشاركة بشكل فاعل في صنع مستقبل هذا الكيان والخطوط العريضة لأشكال التعاون فيه. عوضًا عن قضايا نوعية مثل التركيبات السكانية في هذه الدول، ورؤيتها فيما يتعلق باستقطاب الأيدي العاملة والتنافس على المهارات والعقول، وقضايا مثل مستقبل اقتصاداتها القائمة على أشكال الطاقة التقليدية، وضرورات الانتقال إلى الاستدامة الاقتصادية والبيئة، وتفعيل أنماط الاقتصاد الأخضر. يفرض إرث المنطقة أن هذه القضايا تحتمل بعدين من التعامل، إما البناء على مقاربات مستقلة من خلال سياسات هذه الدول - كل دولة في ذاتها - وإما التعامل مع هذه القضايا من منظور التعاون - الذي نميل إليه - رغم التحديات التي تكتنفه، ذلك أن لكل دولة ميزتها النسبية التي يمكن أن يبنى عليها، ويستفاد منها.
أحد أشكال التعاون التي تتطلب - في نظرنا - تعزيزًا خلال المرحلة المقبلة هو الرصد والبحث الاجتماعي، في ظل تماثل البنى الاجتماعي للمجتمعات الخليجية، وتعرضها لذات المهددات الاجتماعية الناشئة من الداخل والخارج، وفي ظل سؤال الأسرة، وسؤال هوية المجتمع، وسؤال توقعات الأجيال، وسؤال دور القوى الفتية الناشئة في تركيب المجتمعات الخليجية في تصور المستقبل، وسؤال رؤى التنمية الخليجية والتصور الذي تضعه للمجتمعات تركيبًا وهوية، نسأل ما حجم المناقشات العلمية (المشتركة) للمختصين في علوم المجتمع حول هذه الأسئلة البنيوية بالنسبة للمجتمع الخليجي؟ وكم مساحة المؤتمرات والندوات العلمية والبحوث الرصينة التي يمكن الاستناد لها في صنع القرار والتي أسست بناء على جهد مشترك أو غطت فكرة المجتمع الخليجي بشمولها في سياق الأبحاث المعدة والصادرة والمنشورة؟ نعتقد أن وجود مراصد اجتماعية على المستوى الخليجي أصبحت اليوم ضرورة قصوى تفرضها أسئلة الهوية والتركيب بالنسبة للمجتمعات الخليجية، ويمكن أن يكون هناك مرصد خليجي جامع ومشترك تتبناه المؤسسة المركزية لأمانة مجلس التعاون ويجمع أفضل خبراء الاجتماع في المنطقة من باحثين ومفكرين ومحللين وأكاديميين. ويعنى برصد التغير والثبات في حركة المجتمعات الخليجية وأثر ذلك وتأثر ذلك بمختلف عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية التي تعمل عليها دول المنطقة. وهذا نموذج لا يمكن عزله عن المطالبة أيضًا بوجود مؤسسات بحثية في مجالات أخرى، يسمُها أنها تجمع أفضل العقول في الخليج في التخصصات المختلفة، وتوظف طاقة البحث والابتكار لخدمة صنع القرار الخليجي المشترك.
وفي ظل معطيات ومتغيرات المستقبل المتلاحقة، والتي تنعكس على مختلف أنماط التنمية، وتفرض مراجعة دورية للسياسات والإستراتيجيات، يمكن أن يستفاد من التعاون الخليجي في إنشاء مؤسسة متخصصة في استشراف المستقبل، ويكون لها نطاقا عمل أساسيين: أولهما إجراء مسح الأفق المستقبلي وتصور السيناريوهات وتحديد المتغيرات الأكثر تأثيرًا على مستوى مستقبل المنطقة، والآخر يعنى بتعزيز ثقافة وقدرات استشراف المستقبل للحكومات الخليجية بما يمكننا من تحييد القدر الأكبر من التهديدات والمؤثرات المستقبلية واغتنام فرص المستقبل بالنسبة للمنطقة. وقد تكون هذه الجهود قائمة في بعض دول الخليج، ولكن القصد هنا أن يكون هناك كيان ممكن تستفيد منه كافة دول المنطقة، ويحاكي طبيعة الأنماط السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول، وينتج معرفة موطّنة تدعم صنع القرار، والمصير المشترك الذي تأسس عليه هذا التعاون. وإذا ما سحبنا أشكال التعاون هذه على التعاون البرلماني، فهناك تشابه نسبيًا - بحسب طبيعة النظم السياسية في الخليج - في آليات العمل والأدوار والمخرجات التي تشتغل عليها البرلمانات الخليجية، وهو تشابه يضع لهذه البرلمانات دورا محددا في عملية المشاركة في صنع قرار التنمية في هذه البلدان، وبعيدًا عن جدلية الصلاحيات نعتقد بفكرة (وجود أكاديمية برلمانية خليجية) تعنى بثلاث سياقات مهمة: أولها تعزيز قدرات العاملين الفنيين في المؤسسات البرلمانية الخليجية، وخاصة في مجالات التشريع ورسم القوانين، وآليات النظر في التجارب المقارنة، وتحليل مصفوفات التشريع، ودمج منظورات استشراف المستقبل في بناء التشريعات، والتشريعات المستجيبة للواقع المتغير، ومنهجيات التجريب التشريعي وغيرها من المعارف التي تعد اليوم أساسًا مهما لعمل المختص في المؤسسة البرلمانية. السياق الثاني مرتبط بتعزيز قدرات ومهارات البرلمانيين أنفسهم، سواء فيما يتعلق بمنهجيات وآليات العمل التشريعي والرقابي، أو فيما يتعلق بإدارة توقعات الناخبين والقواعد الانتخابية والتواصل والتفاعل معها، أو في تطوير المبادرات البرلمانية أو رغبات المشروعات التي يعملون عليها وكل ما يتصل بتجويد عمل البرلمانيين الخليجيين. أما السياق الثالث فيتشكل كسياق بحثي في رصد ومتابعة تطورات المسألة البرلمانية في المنطقة، وتحديد النقاط الحرجة فيها، واستشراف مستقبلها.
قد يكون ما ذكر نماذج أولية مقترحة لتعزيز العمل الخليجي المشترك، ويمكن سرد قائمة غير منتهية من النقاط التي يمكن فيها التعاون، ولكن ما نودّ إيجازه هو أن هذا التعاون كلما بني على قاعدة تطوير الإرث الثقافي، وكلما حاكى الجوانب الاجتماعية والثقافية بمكنته أن يحقق الاستدامة والتطور والتعزيز لعملياته. وهذه هي اللحظة المرجوة لتطوير العمل الخليجي المشترك في تقديرنا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الخلیجی المشترک فیما یتعلق هذه الدول
إقرأ أيضاً:
وزيرة التنمية المحلية تبحث مع وفد مقاطعة بافاريا الألمانية ومؤسسة هانس زايدل التعاون المشترك
كتب- محمد نصار:
التقت الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية، اليوم، وفد من مقاطعة بافاريا الألمانية ومؤسسة هانس زايدل الألمانية بالقاهرة والذي ضم: فلوريان أوبامير، ممثل عن وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية الإقليمية والطاقة البافارية، وصوفيا جوتكنست، مسئول التعامل مع وفود الأعمال من هيئة Bayern International التابعة لولاية بافاريا، وكارين الشافعي، الممثلة لمقاطعة بافاريا في مصر ورئيس العمليات بالغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة، وتوماس شاما، الممثل المقيم لمؤسسة هانس زايدل، مكتب مصر وعدد من ممثلي المؤسسة بالقاهرة، وذلك بحضور السفير حسام القاويش مساعد وزيرة التنمية المحلية للتعاون الدولي.
وخلال اللقاء، أشادت وزيرة التنمية المحلية بالتعاون والتنسيق الجاري بين الوزارة ومؤسسة هانس زايدل الألمانية في مجالات دعم الحرف اليدوية والتراثية بالمحافظات و جهود الوزارة في مجال اللامركزية والاستفادة من الخبرات الألمانية في هذا الشأن.
كما أشارت الدكتورة منال عوض، إلى تطلعها لاستمرار التعاون وفتح مجالات جديدة تخدم خطط وبرامج وزارة التنمية المحلية فيما يخص التدريب وبناء القدرات وتوفير فرص العمل للمرأة والشباب وكذا توفير وسائل النقل الصديقة للبيئة بالمحافظات.
كما أكدت وزيرة التنمية المحلية، استعداد الوزارة للبناء على ما تم خلال العام الجاري في فتح فرص للتعاون بين وزارة التنمية المحلية ومقاطعة بافاريا الألمانية ودراسة عقد اتفاقيات للتوأمة بين مدن المقاطعة مع المحافظات المصرية ونقل وتبادل الخبرات الألمانية في بعض القطاعات التي تتميز بها المحافظات واستغلال المزايا النسبية.
ومن جانبه أكد فلوريان أوبامير على رغبة مقاطعة بافاريا في فتح مجالات لتعزيز سبل التعاون مع الوزارة وتقديم كل الدعم اللازم في عدد من القطاعات التي ترغب الوزارة الاستفادة من التجارب والخبرات الألمانية فيها.
وشهد اللقاء استعراض عدد من مجالات التعاون المستقبلية بين الجانبين وعلي رأسها تبادل الخبرات والتدريب المهني وتحسين الخدمات ونظم التخطيط الإقليمي والتعاون في مجالات تنمية المناطق الريفية، ونقل التجارب بين الإدارات المحلية البافارية والمحافظات المصرية والاستفادة من برامج بناء القدرات، ونهج المدن الذكية بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات الألمانية بالمقاطعة فيما يخص وسائل النقل العام الصديقة للبيئة.
وأكدت وزيرة التنمية المحلية، سعي الوزارة للاستفادة من الخبرات الألمانية في الجامعات الموجودة بالقاهرة مثل الجامعة الألمانية والمؤسسات والمراكز المختلفة والوكالة الألمانية للتعاون الدولي (Giz) بما يلبي طموح المواطنين ودعم جهود الحكومة المصرية في مختلف المجالات الحيوية.
ورحب الجانب الألماني من مقاطعة بافاريا ومؤسسة هانس زايدل باستمرار التنسيق بين الجانبين خلال الفترة المقبلة لتقدم كل الدعم اللازم للوزارة والمحافظات في المجالات التي سيتم الاتفاق عليها.
الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية مقاطعة بافاريا الألمانية فرص العمل للمرأة هانس زايدلتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة وزيرة التنمية المحلية: تحسين أنظمة الصرف الصحي ضرورة ملحة أخبار