الانتماء الوطني في مواجهة العولمة الثقافية
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
قبل عقدين من الزمن كان الحديث عن خطر تأثير العولمة على القيم الوطنية والثقافات المحلية قد بلغ ذروته، ورغم أن البعض اعتقد أن ذلك الخوف والتحذير غير منطقي إلا أن آثاره تبدو اليوم واضحة جدا، وباتت الكثير من المجتمعات تدعو وتنادي بأهمية تعزيز قيمها الوطنية والحفاظ على الهويات من التآكل الذي بات ينخر في عمقها نتيجة الضخ الكبير لهويات وقيم وافدة لا تنتمي ولا تستقيم مع الحضارة الإسلامية، وبعيدة كل البعد عن الفطرة السليمة من المنظور الإنساني البحت قبل المنظور الديني.
لقد أدت العولمة التي روج لها بوصفها عاملا محوريا لتعزيز التواصل بين الشعوب إلى تآكل الهوية الوطنية لكثير من المجتمعات. ومع تزايد نفوذ القيم والمبادئ التي لا تنتمي بالضرورة إلى ثقافاتنا الشرقية، على سبيل المثال، أصبح الحفاظ على الهوية الوطنية ضرورة ملحة، ليس فقط لضمان الاستمرارية الثقافية، بل للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والنفسي للأفراد.
لقد أشار الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو إلى أن «الوطنية ليست فقط حبا للأرض، بل هي أيضا حب للقيم التي تحملها هذه الأرض». هذه الكلمات تلخص بشكل بليغ العلاقة العميقة بين الهوية الوطنية والقيم التي تحملها. ولكن اليوم، نجد أن هذه القيم مهددة من قبل تأثيرات عولمية تسعى إلى إلغاء الفوارق الثقافية بين الشعوب.
ليس من المستغرب أن يتأثر الأفراد، لا سيما الأجيال الشابة، بهذه المتغيرات؛ فوسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة تُغرقاننا بوابل من الثقافات المختلفة، حتى يكاد يضيع مفهوم الانتماء الوطني في خضم هذا التدفق المتسارع للمعلومات وما تحمله في داخلها من أفكار تشكل قيما جديدة وغريبة.
إن الدعوة التي تتزايد في كل مكان في دول الشرق ودول الجنوب العالمي لا تعني الانفصال عن العالم أو نكران القيم المشتركة التي تربط بين الناس في كل مكان، ولكنها تعني الحفاظ على قيمنا التي تشكلت عبر قرون طويلة، وهذه الدعوة بهذا المعنى موجودة حتى في الفكر الغربي، ويمكن هنا استعادة دعوة الفيلسوف الألماني كانط الذي كان ينادي بـ«الالتزام بالقيم الإنسانية المشتركة مع الحفاظ على خصوصية الهوية الوطنية». قد يبدو هذا التوازن صعب التحقيق، لكنه ضروري لضمان ألا تتحول الهوية الوطنية إلى مجرد شعار فارغ.
إن أهمية الحفاظ على قيم الانتماء الوطني لا تقتصر على الجانب العاطفي أو العرفي فحسب، بل تتعدى ذلك لتصل إلى جوانب جوهرية من الاستقرار الاجتماعي. فالأمة أو الشعب الذي يفقد هويته يتعرض للانهيار من الداخل؛ لأن أفراده يفقدون رابطهم المشترك. يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي «كي يستعيد العالم الإسلامي مكانته، عليه أن يتشبث بقيمه الوطنية والثقافية، دون الانفصال عن القيم الإنسانية المشتركة».
لكن، كيف يمكننا تعزيز هذه القيم في زمن التحولات المتسارعة؟ الحل يكمن في العودة إلى الجذور، من خلال التركيز على التعليم الوطني الذي يعزز فهم الأجيال الجديدة لتاريخها وثقافتها. ويجب أن تكون الفنون والآداب المحلية جزءًا من هذا الجهد، لأنها تعكس الهوية الوطنية بشكل فني وجمالي.
إن قيم الانتماء الوطني ليست مجرد شعور عابر، بل هي جزء من كيان المجتمع. وإذا أردنا الحفاظ على استقرارنا الاجتماعي والنفسي في هذا العالم المتغير، فإن تعزيز هذه القيم يجب أن يكون في صدارة أولوياتنا. كما قال غاندي: «القوة الحقيقية للأمة تكمن في وحدة قيمها، وليس في عدد سكانها».
لكن تحقيق ذلك لن يحدث بجهد الحكومات وحدها، ولكن بجهد مجتمعي يعكس هذه الرغبة ويصر عليها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الانتماء الوطنی الهویة الوطنیة الحفاظ على
إقرأ أيضاً:
العاصمة المقدسة تعزز روح الانتماء والفخر احتفاءً بيوم العلم
توشحت ميادين العاصمة المقدسة وساحاتها وشوارعها براية التوحيد احتفاءً بيوم العلم، الذي يُصادف 11 مارس من كل عام في مشهد وطني مهيب يعكس روح الانتماء والاعتزاز بالهوية الوطنية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } العاصمة المقدسة تعزز روح الانتماء والفخر احتفاءً بيوم العلم - إكسالأعلام ترفرف بمظاهر الفخروعمّت الأجواء مظاهر الفخر والاعتزاز بهذه المناسبة الوطنية العزيزة، ورفرفت الأعلام الخضراء التي تحمل شعار التوحيد في مختلف أرجاء المدينة، لتجسد قيم الولاء والانتماء للوطن وقيادته الرشيدة -أيدها الله-.
أخبار متعلقة بعد اجتماع جدة.. روبيو: الكرة في ملعب روسيا للموافقة على الهدنةاجتماع جدة.. أمريكا تعلن موافقة أوكرانيا على هدنة 30 يوماوفي إطار هذه الاحتفاء، قامت أمانة العاصمة المقدسة بجهود مكثفة لنشر الأعلام في الشوارع والميادين العامة، بالإضافة إلى توزيعها في الأحياء السكنية، لتعكس مشهدًا وطنيًا زاهيًا يوحّد المشاعر ويعزز من قيمة هذا اليوم المجيد في نفوس المواطنين والمقيمين.أجواء احتفالية متنوعةولم تقتصر مظاهر الاحتفاء على ذلك، بل امتدت إلى المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية، ونُظّمت الفعاليات والأنشطة التي تسلط الضوء على مكانة العلم ورمزيته التاريخية، تأكيدًا على دوره في توحيد الصف وتعزيز الهوية الوطنية.