لجريدة عمان:
2024-09-13@03:52:57 GMT

الانتماء الوطني في مواجهة العولمة الثقافية

تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT

الانتماء الوطني في مواجهة العولمة الثقافية

قبل عقدين من الزمن كان الحديث عن خطر تأثير العولمة على القيم الوطنية والثقافات المحلية قد بلغ ذروته، ورغم أن البعض اعتقد أن ذلك الخوف والتحذير غير منطقي إلا أن آثاره تبدو اليوم واضحة جدا، وباتت الكثير من المجتمعات تدعو وتنادي بأهمية تعزيز قيمها الوطنية والحفاظ على الهويات من التآكل الذي بات ينخر في عمقها نتيجة الضخ الكبير لهويات وقيم وافدة لا تنتمي ولا تستقيم مع الحضارة الإسلامية، وبعيدة كل البعد عن الفطرة السليمة من المنظور الإنساني البحت قبل المنظور الديني.

لقد أدت العولمة التي روج لها بوصفها عاملا محوريا لتعزيز التواصل بين الشعوب إلى تآكل الهوية الوطنية لكثير من المجتمعات. ومع تزايد نفوذ القيم والمبادئ التي لا تنتمي بالضرورة إلى ثقافاتنا الشرقية، على سبيل المثال، أصبح الحفاظ على الهوية الوطنية ضرورة ملحة، ليس فقط لضمان الاستمرارية الثقافية، بل للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والنفسي للأفراد.

لقد أشار الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو إلى أن «الوطنية ليست فقط حبا للأرض، بل هي أيضا حب للقيم التي تحملها هذه الأرض». هذه الكلمات تلخص بشكل بليغ العلاقة العميقة بين الهوية الوطنية والقيم التي تحملها. ولكن اليوم، نجد أن هذه القيم مهددة من قبل تأثيرات عولمية تسعى إلى إلغاء الفوارق الثقافية بين الشعوب.

ليس من المستغرب أن يتأثر الأفراد، لا سيما الأجيال الشابة، بهذه المتغيرات؛ فوسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة تُغرقاننا بوابل من الثقافات المختلفة، حتى يكاد يضيع مفهوم الانتماء الوطني في خضم هذا التدفق المتسارع للمعلومات وما تحمله في داخلها من أفكار تشكل قيما جديدة وغريبة.

إن الدعوة التي تتزايد في كل مكان في دول الشرق ودول الجنوب العالمي لا تعني الانفصال عن العالم أو نكران القيم المشتركة التي تربط بين الناس في كل مكان، ولكنها تعني الحفاظ على قيمنا التي تشكلت عبر قرون طويلة، وهذه الدعوة بهذا المعنى موجودة حتى في الفكر الغربي، ويمكن هنا استعادة دعوة الفيلسوف الألماني كانط الذي كان ينادي بـ«الالتزام بالقيم الإنسانية المشتركة مع الحفاظ على خصوصية الهوية الوطنية». قد يبدو هذا التوازن صعب التحقيق، لكنه ضروري لضمان ألا تتحول الهوية الوطنية إلى مجرد شعار فارغ.

إن أهمية الحفاظ على قيم الانتماء الوطني لا تقتصر على الجانب العاطفي أو العرفي فحسب، بل تتعدى ذلك لتصل إلى جوانب جوهرية من الاستقرار الاجتماعي. فالأمة أو الشعب الذي يفقد هويته يتعرض للانهيار من الداخل؛ لأن أفراده يفقدون رابطهم المشترك. يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي «كي يستعيد العالم الإسلامي مكانته، عليه أن يتشبث بقيمه الوطنية والثقافية، دون الانفصال عن القيم الإنسانية المشتركة».

لكن، كيف يمكننا تعزيز هذه القيم في زمن التحولات المتسارعة؟ الحل يكمن في العودة إلى الجذور، من خلال التركيز على التعليم الوطني الذي يعزز فهم الأجيال الجديدة لتاريخها وثقافتها. ويجب أن تكون الفنون والآداب المحلية جزءًا من هذا الجهد، لأنها تعكس الهوية الوطنية بشكل فني وجمالي.

إن قيم الانتماء الوطني ليست مجرد شعور عابر، بل هي جزء من كيان المجتمع. وإذا أردنا الحفاظ على استقرارنا الاجتماعي والنفسي في هذا العالم المتغير، فإن تعزيز هذه القيم يجب أن يكون في صدارة أولوياتنا. كما قال غاندي: «القوة الحقيقية للأمة تكمن في وحدة قيمها، وليس في عدد سكانها».

لكن تحقيق ذلك لن يحدث بجهد الحكومات وحدها، ولكن بجهد مجتمعي يعكس هذه الرغبة ويصر عليها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الانتماء الوطنی الهویة الوطنیة الحفاظ على

إقرأ أيضاً:

أحمق.. وعولمة مريضة

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

إنها العولمة حيث السيطرة على العالم، وجعله نسقاً واحداً، فقد ذكر توماس فريدمان "صحفي وكاتب أمريكي" أنَّ العولمة الحالية نوع من الهيمنة الأمريكية، تأثيرها كبير على حياتنا الدينية والاجتماعية والثقافية، فهي تعني بالضرورة: اختراق البنية الثقافية المحلية، وتفاقم مخاطر الاستلاب والغزو والاستعمار الثقافي؛ بل مخاطر محو الهوية ونزع الخصوصية الشخصية، تضحي أمتنا العربية والإسلامية بالأرواح في سبيل الحفاظ على كينونتها وبؤرة هذه التضحية تجري اليوم في غزة.

الذي نشاهده في ظل جرائم الكيان اللقيط في فلسطين من مذابح ضد الإنسانية بشكل عام، والمسلم بشكل خاص، يجري دون تحقيق دولي، ودون أن تحرك القوى المهيمنة ساكنًا، بل هي توغل في تفكيك الدول عن طريق نظامها الذي يحاول فرض القيم السياسية والاجتماعية والثقافية من خلال منظور عولمة تعاني من داء تقليد ديمقراطيتها المزعومة، وتحديث المجتمعات لتصبح علمانية كما هو الحال في أوروبا وأجزاء من الولايات المتحدة وربيبها الكيان الغاصب لفلسطين، بحيث ينمو نظام سياسي عالمي من ناحية الحجم أو التعقيد، مقابل تراجع أهمية الدولة القومية، بهدف ظهور جهات فاعلة أخرى على الساحة السياسية.

كل ذلك يدفع إلى إعادة النظر في وجود كيان زرع في جسد الأمة العربية والإسلامية، على رأسه أحمق يسوق نظريته العولمة بعناصرها المسيطرة، ليكون أساس الرأسمالية، والديمقراطية الليبرالية في أمتنا العربية والإسلامية، أو أجزاء كبرى من العالم، فأينما يممت وجهك ستجد أصداء تلك الجرائم والدسائس الهائلة التي أغرت وأغوت البعض، جعلت أحمق الكيان اللقيط معتدا بذاته واثقاً من قدراته التي بدت في هذه اللحظة التاريخية أنها قدرات عولمة مريضة، تصوغ له تصور جديد للإنسانية، تصور يتجسد عنده اقتحام الفطرة الإنسانية، بحماقته التي تقوم على اعتبار انه هو المخلص والمنقذ للعالم، المدافع عن عولمة مريضة.

لقد بلغ هوسه إلى الحد الذي يُقرر فيه استعادة مملكة بني صهيون غير الموجودة أصلا، ويقوم بمحاكاة عولمة مريضة، يقول: لقد ولدت في هذا العصر لكي أبعث العصر الصهيوني، وأنه أعدَّ عدته للقيام بهذه المهمة النتنة، فقام أولاً باستخراج سلاح ديمقراطيته المتهالك، وما خلفه له أجداده الصهاينة، ثم لبس ثياب الإجرام، واعتلى كرسي كنيست أعجف هزيل، وجيش متهالك لا يستطيع حماية باب بيت واهٍ، فمارس الظلم والعند والتكبر والفساد والغرور والتعالي، وهي الصفات الرئيسة لمنظومة عولمته المريضة.

أُريدَ للكيان اللقيط أن يكون رأس حربة العولمة المريضة في منطقتنا العربية والإسلامية، وقد صور للشيطان الأحمق، أنه امتلك فلسطين، وسيطر على أهلها، لكن غابت عنه حقيقة أنه منبوذ من الأرض وسكانها، ومطرود من سمائها، كم من غزاة قبله طغوا وتكبروا وتفاخروا بقوتهم وسلطانهم، فأهلكهم الله، فسلط على كيانه جنوده، ودفع بأهل الحق روح الدفاع عن أرضهم بالقوة، ومعظم ما تقوم به المقاومة اليوم، هو نتيجة لجرائم الكيان اللقيط وطغيانه، فهو صاحب السجل الحافل بالإجرام، ودفعته عولمته المريضة إلى ارتكاب الإبادة الجماعية في حق السكان الأصليين وتفكيك مجتمعهم وسلبهم هويتهم، يروم بأفعاله الإجرامية الى فقدهم قضيتهم بمبررات استمرارها ووجودها، وها هي الأمة العربية والإسلامية برمتها تدفع ثمنًا باهظًا اقتصاديًا واجتماعيًا في مواجهة ما تفرضه سياسات الليبرالية الجديدة وعقائدها، وذلك بسبب تفاعل أو تآزر الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مع الكيان اللقيط ورأسه الأحمق.

المقاومة الفلسطينية وأخواتها المُسانِدة، تجرعت على مدى عشرات السنين الظلم، وصل بها الأمر إلى استرجاع الحقوق والحرية بما تملك من أنفس وعتاد، فما كان أحد يتصور أن هذا الكيان اللقيط، والأحمق الذي ظل يحرك أدوات سحره بالقتل والإجرام والهيمنة بهذا الوهن، وبذلك أيقنت القوى الغربية، والمتخاذلون أن شعوب الأمتين العربية والإسلامية إذا أرادت العدل والعزة والكرامة لا تقف أمامها عولمة مريضة، والمتابع لما يقع في الكيان اللقيط يستبشر بوضع أحمق العولمة في العناية المركزة، وسقوط كيانه اللقيط.

هذه النهاية الطبيعية لعصابة ظالمة تجبرت وعلت في الأرض، لأن الله تبارك وتعالى حرَّم الظلم على نفسه وجعله مُحرمًا بين عباده، فما بالك في كيان أطلق لنفسه ولأعوانه العنان، ووقع في مستنقعات الشهوات والشبهات، وتجاوز الحدود وانتهك الحرمات، وجاهر في سفك الدماء وقتل الأبرياء.

مقالات مشابهة

  • جمعية الصحفيين تنظم جلسة “تعزيز الهوية الوطنية في الإعلام الرقمي”
  • «الصحفيين الإماراتية» تنظم جلسة «الهوية الوطنية في الإعلام الرقمي»
  • دعما لحملة مكافحة ” الذباب الالكتروني “..جمعية الصحفيين الإماراتية تنظم جلسة حوارية بعنوان ” تعزيز الهوية الوطنية في الإعلام الرقمي “
  • جبر: ضرورة مواجهة التحديات التي تحول دون تمتع المرأة في العالم الإسلامي بحقوقها
  • اختتام جولة المشاورات المجتمعية لمشروع الهوية الوطنية الترويجية الموحدة
  • صرف زيادة 500 ريال سعودي على الضمان الاجتماعي الدفعة 34 بمناسبة اليوم الوطني
  • حزب الحركة الوطنية: حزمة التسهيلات الضريبية خطوة مهمة نحو دعم الاقتصاد الوطني
  • الاحتفال بالمولد النبوي: تجسيد القيم الإسلامية وتكامل التقاليد الثقافية
  • أحمق.. وعولمة مريضة
  • ندوة بدبا تستعرض سبل تعزيز الهوية الوطنية