لجريدة عمان:
2025-02-01@04:03:38 GMT

ليس دفاعا عن طالب البلوشي

تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT

لا يملك المرء إلا أن يتعاطف مع الفنان العُماني طالب محمد البلوشي الذي كان «ترند» وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية إزاء الحملة الكبيرة التي شُنَّتْ ولا تزال تُشَنُّ عليه في منصة إكس وفيسبوك، وغيرهما، بسبب أدائه دور كفيل من جنسية خليجية في الفيلم الهندي «حياة الماعز».

وليت أن هذا الهجوم كان نقدًا لتمثيله أو طريقة تقمصه للدور، وإنما هو في معظمه مجرد شتائم شخصية له، طالت في بعض الأحيان البلد الذي ينتمي إليه!

في عالم الفن والتمثيل، هناك نقطتان مهمّتان على كل متفرج على فيلم سينمائي أو مسرحية أو مسلسل تليفزيوني أن يضعهما في اعتباره بينما يجلس أمام الشاشة الكبيرة واضعًا رِجْلًا على رِجْل وفي يده الفشار؛ الأولى أنه لا يُمكن أن يُدان ممثِّلٌ لأنه أدى شخصية معينة، خيّرةً كانت أم شريرة، فأداء الأدوار المتنوعة والمختلفة جزءٌ أساسيٌّ من حياة أي ممثل.

يمكن فقط أن ننقد هذا الأداء فنقول إنه تقمص الشخصية بشكل ممتاز، أو العكس، كان أداؤه باهتًا، ولم يعطِ الشخصية حقّها من التمثيل. أما النقطة الثانية - وهي الأهم - أن الممثل لا يمثل شعبًا كاملًا أو مجتمعًا بأسره عندما يؤدي دورًا معينًا؛ بل يمثل فقط الشخصية التي يجسدها في العمل الفني. وهنا تحضرني مقولة شهيرة عن فن التمثيل مفادها أن «التمثيل ليس هو الشخص الذي أنت عليه، بل هو الشخص الذي يمكنك أن تكونه»؛ فالممثل ليس هو الشخصيةَ التي يؤديها، بل هو الشخص الذي يستطيع أن يجسد تلك الشخصية بكل أبعادها، وفي حالة «حياة الماعز» فإنه لو لم يؤدِّ طالب شخصية الكفيل الشرير الذي يعذب عمّاله الهنود لكان قد أداها أي ممثل آخر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ذلك الشرير الذي ظهر في الفيلم بجنسية معينة لا يعني إطلاقًا أن كل أبناء تلك الجنسية هم مثله.

وعلى كلٍّ، طالب البلوشي ليس الممثل الأول، ولن يكون الأخير، الذي يواجه انتقادات بسبب دور أداه في فيلم، ويحضرني هنا مثال قريب حدث الشهر الماضي، وقد انتُقِدَ الممثّل هذه المرة حتى قبل أن يُصوِّرَ مشهدًا واحدا من الفيلم، الذي أثار ضجة وهو مجرد فكرة في أذهان صُنّاعه! وأعني به الفيلم الكوميدي «النونو» للممثل المصري أحمد حلمي الذي أثار غضب الكثير من المصريين، بعد أن أعلنت مُنتِجتُه؛ هيئة الترفيه السعودية، أن حلمي سيجسّد فيه شخصية نصاب يستهدف الحجاج والمعتمِرين في بعض عملياته، وهو الأمر الذي اعتبره مصريون في وسائل التواصل الاجتماعي تكريسًا لصورة نمطية مسيئة للشعب المصري، ما أدى إلى إعلان هيئة الترفيه عن إلغاء الفكرة.

مثال آخر؛ في عام 1985، قدم الممثل الأمريكي ميكي رورك واحدًا من أبرز أدواره السينمائية في فيلم «سنة التنين» «Year of the Dragon»، الذي أخرجه المخرج الأمريكي مايكل تشيمينو. لعب رورك دور الكابتن ستانلي وايت، وهو ضابط شرطة نيويوركي ذو أصول بولندية، يعمل في حي «تشاينا تاون» المعروف بكثافة سكانه من الأمريكيين الصينيين. وعلى الرغم من الأداء الممتاز لميكي رورك، إلا أن الفيلم أثار انتقادات الجالية الصينية في أمريكا؛ متَّهِمة إياه أنه يقدم صورة نمطية سلبية عن الصينيين الأمريكيين، ويعزز الصور النمطية العنصرية عنهم. واجه الفيلم اتهامات بالإساءة إلى مجتمع «تشاينا تاون» وتقديمه بصورة غير عادلة.

من المهم أن نذكر هنا أن الأعمال الفنية لا يُرد عليها بالسباب أو الشتائم، بل بأعمال فنيّة أخرى. فالفن هو مساحة للتعبير عن الأفكار والمشاعر ووجهات النظر المختلفة، ومن الطبيعي أن تثير إعجاب هذا المتلقي وتغضب ذاك. لذا فإن الرد الحضاري على أي عمل فني يشعر متلقوه بإساءته إليهم هو تقديم عمل فني آخر يعبر عن وجهة نظرهم، وهذا سيسهم بالتأكيد في إثراء الحوار الثقافي. وأضرب هنا مثالًا بفيلم «مولد أمة» «The Birth of a Nation»، الذي أُنتِجَ عام 1915 وأخرجه دي. دبليو. جريفيث، وهو فيلم أمريكي صامت يروي قصة الحرب الأهلية الأمريكية وإعادة الإعمار من وجهة نظر عائلة بيضاء جنوبية. يُمجِّد الفيلم جماعة «كو كلوكس كلان» الأمريكية العنصرية، ويصوّر أفرادها أبطالًا يحاولون حماية الجنوب من الفوضى والعنف اللذين ينسبهما الفيلم بشكل غير عادل للأمريكيين من أصل إفريقي. فكان أن ردّ على هذا الفيلم بعد خمس سنوات المخرج الأمريكي من أصل إفريقي أوسكار ميشو بفيلم «داخل حدودنا» «Within Our Gates» الذي سلط الضوء على واقع الحياة اليومية للأمريكيين من أصل إفريقي في تلك الفترة، مع التركيز على قضايا الظلم الاجتماعي والعنصرية. ورغم أن هذا الفيلم لم يحقق نجاحًا تجاريًّا كبيرًا في وقته، إلا أنه يُعَدُّ اليوم من أهم الأفلام التي عالجت موضوع العنصرية والتفرقة في أمريكا، ويُشار إليه بشكل متكرر في الدراسات الأكاديمية حول السينما الإفريقية الأمريكية والتاريخ الاجتماعي للولايات المتحدة.

خلاصة القول، على منتقدي الفنان طالب البلوشي أن يدركوا أنه، كغيره من الممثلين في شتى أنحاء العالم، قد يؤدي أدوارًا تثير جدلًا أو استياءً لدى البعض. ومع ذلك، فإن تقييم مثل هذه الأدوار يجب أن يحدث من منظور فني بحت، بعيدًا عن التسييس أو الهجوم الشخصي أو التعرض لبلده أو هويته. الفن هو وسيلة للتعبير ولإثارة النقاش، وليس أداة لتوجيه الاتهامات أو الإساءة للآخرين. وفي النهاية، وكما علمنا المثال الذي سردناه قبل قليل، يمكن أن يكون الرد الحضاري على أي عمل فني بتقديم عمل فني آخر يفتح باب الحوار ويقدم وجهة نظر مغايرة تعزز الفهم المتبادل والاحترام بين الثقافات والشعوب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عمل فنی

إقرأ أيضاً:

ضبط تشكيل عصابي تخصص فى تزوير البطاقات الشخصية بالقليوبية

ضبطت مديرية أمن القليوبية تشكيل عصابي يتكون من شخصين تخصصا فى تزوير البطاقات الشخصية والرقم القومي وإثبات بها بيانات على غير الحقيقة فى منطقة الخانكة، وبحوزتهما كمية من الاكليشهات والأختام المنسوبة لجهات حكومية، وتحرر المحضر اللازم وتولت النيابة التحقيق.

وردت معلومات تفيد قيام شخصين لأحدهما معلومات جنائية بدائرة مركز شرطة الخانكة بالقليوبية، بتكوين تشكيل عصابي تخصص نشاطه الإجرامي في تزوير المحررات الرسمية واستقطاب المواطنين راغبي الحصول على بطاقات رقم قومي مثبت بها بيانات ومهن على خلاف الحقيقة مقابل مبالغ مالية.

عقب تقنين الإجراءات جرى استهدافهما وألقي القبض عليهما، وعثر بحوزتهما على عدد من الأختام والأكلاشيهات لعدد من الجهات والأجهزة والأدوات المستخدمة في أعمال التزوير وعدد من الشهادات والمستندات "مزورة ومعدة للتزوير".

مقالات مشابهة

  • إقامة جبرية.. هنا الزاهد: روحت لدكتور نفساني علشان أفهم وأعرف الشخصية
  • غارة بمسيرة أمريكية على سيارة قرب إدلب.. من الشخصية المستهدفة؟
  • الدويري : ترمب إنسان مصاب بانفصام الشخصية
  • الصياد.. دفاعا عن الارض والعرض وصون عزة وكرامة الشعب السوداني
  • مدعوون للمقابلة الشخصية في وزارة الاوقاف – أسماء
  • ضبط تشكيل عصابي تخصص في تزوير البطاقات الشخصية بالقليوبية
  • ضبط تشكيل عصابي تخصص فى تزوير البطاقات الشخصية بالقليوبية
  • ضبط تشكيل عصابي تخصص في تزوير البطاقات الشخصية
  • الإعلام التنموي وبناء الشخصية المصرية.. ندوة بمعرض الكتاب - صور
  • موعد المقابلات الشخصية لبرنامج «سفراء ضد الفساد» في كفر الشيخ