لجريدة عمان:
2024-09-13@03:48:51 GMT

ليس دفاعا عن طالب البلوشي

تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT

لا يملك المرء إلا أن يتعاطف مع الفنان العُماني طالب محمد البلوشي الذي كان «ترند» وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية إزاء الحملة الكبيرة التي شُنَّتْ ولا تزال تُشَنُّ عليه في منصة إكس وفيسبوك، وغيرهما، بسبب أدائه دور كفيل من جنسية خليجية في الفيلم الهندي «حياة الماعز».

وليت أن هذا الهجوم كان نقدًا لتمثيله أو طريقة تقمصه للدور، وإنما هو في معظمه مجرد شتائم شخصية له، طالت في بعض الأحيان البلد الذي ينتمي إليه!

في عالم الفن والتمثيل، هناك نقطتان مهمّتان على كل متفرج على فيلم سينمائي أو مسرحية أو مسلسل تليفزيوني أن يضعهما في اعتباره بينما يجلس أمام الشاشة الكبيرة واضعًا رِجْلًا على رِجْل وفي يده الفشار؛ الأولى أنه لا يُمكن أن يُدان ممثِّلٌ لأنه أدى شخصية معينة، خيّرةً كانت أم شريرة، فأداء الأدوار المتنوعة والمختلفة جزءٌ أساسيٌّ من حياة أي ممثل.

يمكن فقط أن ننقد هذا الأداء فنقول إنه تقمص الشخصية بشكل ممتاز، أو العكس، كان أداؤه باهتًا، ولم يعطِ الشخصية حقّها من التمثيل. أما النقطة الثانية - وهي الأهم - أن الممثل لا يمثل شعبًا كاملًا أو مجتمعًا بأسره عندما يؤدي دورًا معينًا؛ بل يمثل فقط الشخصية التي يجسدها في العمل الفني. وهنا تحضرني مقولة شهيرة عن فن التمثيل مفادها أن «التمثيل ليس هو الشخص الذي أنت عليه، بل هو الشخص الذي يمكنك أن تكونه»؛ فالممثل ليس هو الشخصيةَ التي يؤديها، بل هو الشخص الذي يستطيع أن يجسد تلك الشخصية بكل أبعادها، وفي حالة «حياة الماعز» فإنه لو لم يؤدِّ طالب شخصية الكفيل الشرير الذي يعذب عمّاله الهنود لكان قد أداها أي ممثل آخر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ذلك الشرير الذي ظهر في الفيلم بجنسية معينة لا يعني إطلاقًا أن كل أبناء تلك الجنسية هم مثله.

وعلى كلٍّ، طالب البلوشي ليس الممثل الأول، ولن يكون الأخير، الذي يواجه انتقادات بسبب دور أداه في فيلم، ويحضرني هنا مثال قريب حدث الشهر الماضي، وقد انتُقِدَ الممثّل هذه المرة حتى قبل أن يُصوِّرَ مشهدًا واحدا من الفيلم، الذي أثار ضجة وهو مجرد فكرة في أذهان صُنّاعه! وأعني به الفيلم الكوميدي «النونو» للممثل المصري أحمد حلمي الذي أثار غضب الكثير من المصريين، بعد أن أعلنت مُنتِجتُه؛ هيئة الترفيه السعودية، أن حلمي سيجسّد فيه شخصية نصاب يستهدف الحجاج والمعتمِرين في بعض عملياته، وهو الأمر الذي اعتبره مصريون في وسائل التواصل الاجتماعي تكريسًا لصورة نمطية مسيئة للشعب المصري، ما أدى إلى إعلان هيئة الترفيه عن إلغاء الفكرة.

مثال آخر؛ في عام 1985، قدم الممثل الأمريكي ميكي رورك واحدًا من أبرز أدواره السينمائية في فيلم «سنة التنين» «Year of the Dragon»، الذي أخرجه المخرج الأمريكي مايكل تشيمينو. لعب رورك دور الكابتن ستانلي وايت، وهو ضابط شرطة نيويوركي ذو أصول بولندية، يعمل في حي «تشاينا تاون» المعروف بكثافة سكانه من الأمريكيين الصينيين. وعلى الرغم من الأداء الممتاز لميكي رورك، إلا أن الفيلم أثار انتقادات الجالية الصينية في أمريكا؛ متَّهِمة إياه أنه يقدم صورة نمطية سلبية عن الصينيين الأمريكيين، ويعزز الصور النمطية العنصرية عنهم. واجه الفيلم اتهامات بالإساءة إلى مجتمع «تشاينا تاون» وتقديمه بصورة غير عادلة.

من المهم أن نذكر هنا أن الأعمال الفنية لا يُرد عليها بالسباب أو الشتائم، بل بأعمال فنيّة أخرى. فالفن هو مساحة للتعبير عن الأفكار والمشاعر ووجهات النظر المختلفة، ومن الطبيعي أن تثير إعجاب هذا المتلقي وتغضب ذاك. لذا فإن الرد الحضاري على أي عمل فني يشعر متلقوه بإساءته إليهم هو تقديم عمل فني آخر يعبر عن وجهة نظرهم، وهذا سيسهم بالتأكيد في إثراء الحوار الثقافي. وأضرب هنا مثالًا بفيلم «مولد أمة» «The Birth of a Nation»، الذي أُنتِجَ عام 1915 وأخرجه دي. دبليو. جريفيث، وهو فيلم أمريكي صامت يروي قصة الحرب الأهلية الأمريكية وإعادة الإعمار من وجهة نظر عائلة بيضاء جنوبية. يُمجِّد الفيلم جماعة «كو كلوكس كلان» الأمريكية العنصرية، ويصوّر أفرادها أبطالًا يحاولون حماية الجنوب من الفوضى والعنف اللذين ينسبهما الفيلم بشكل غير عادل للأمريكيين من أصل إفريقي. فكان أن ردّ على هذا الفيلم بعد خمس سنوات المخرج الأمريكي من أصل إفريقي أوسكار ميشو بفيلم «داخل حدودنا» «Within Our Gates» الذي سلط الضوء على واقع الحياة اليومية للأمريكيين من أصل إفريقي في تلك الفترة، مع التركيز على قضايا الظلم الاجتماعي والعنصرية. ورغم أن هذا الفيلم لم يحقق نجاحًا تجاريًّا كبيرًا في وقته، إلا أنه يُعَدُّ اليوم من أهم الأفلام التي عالجت موضوع العنصرية والتفرقة في أمريكا، ويُشار إليه بشكل متكرر في الدراسات الأكاديمية حول السينما الإفريقية الأمريكية والتاريخ الاجتماعي للولايات المتحدة.

خلاصة القول، على منتقدي الفنان طالب البلوشي أن يدركوا أنه، كغيره من الممثلين في شتى أنحاء العالم، قد يؤدي أدوارًا تثير جدلًا أو استياءً لدى البعض. ومع ذلك، فإن تقييم مثل هذه الأدوار يجب أن يحدث من منظور فني بحت، بعيدًا عن التسييس أو الهجوم الشخصي أو التعرض لبلده أو هويته. الفن هو وسيلة للتعبير ولإثارة النقاش، وليس أداة لتوجيه الاتهامات أو الإساءة للآخرين. وفي النهاية، وكما علمنا المثال الذي سردناه قبل قليل، يمكن أن يكون الرد الحضاري على أي عمل فني بتقديم عمل فني آخر يفتح باب الحوار ويقدم وجهة نظر مغايرة تعزز الفهم المتبادل والاحترام بين الثقافات والشعوب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عمل فنی

إقرأ أيضاً:

رسالة برلمانية للسفارة الأمريكية بشأن تعديلات الأحوال الشخصية: لا تتدخلوا رسائلكم سلبية - عاجل

بغداد اليوم - بغداد 

كشف عضو اللجنة القانونية النيابية النائب عارف الحمامي، اليوم الثلاثاء (10 أيلول 2024)، عن مضمون رسالة للسفارة الأمريكية في بغداد بشأن تعديلات قانون الأحوال الشخصية.

وقال الحمامي في حديث لـ"بغداد اليوم"، إنه" كان لنا لقاء مع نائب السفيرة الامريكية في بغداد قبل أيام، بناءً على طلبها وتم توضيح كل الملاحظات التي تناولتها منصات التواصل الاجتماعي بشأن تعديلات الاحوال الشخصية".

وأوضح، إننا" أكدنا ضرورة عدم التدخل من قبل السفارة لأنه غير مبرر، ولا يعطي رسائل إيجابية للشعب العراقي ويعتبر تجاوزًا على حقوق العراقيين، ولهم أن يقرروا بانفسهم تعديل الاحوال الشخصية مستندين الى المواد الدستورية التي نرجع اليها في حال الخلاف".

واضاف الحمامي ان" الكثير مما تناقلته منصات التواصل ووسائل الاعلام عن مضامين وبنود التعديلات غير دقيق والبعض روج لمواد غير موجودة بالاساس، لافتا إلى أن" كل الاطياف لديها الحق بالمضي في اعتماد ماتراه مناسبا لها حتى ان المسيحين انفسهم يعملون على طرح تعديلات في الاحوال الشخصية الخاص بهم".

واشار الى، إن" التعديلات تطرح للنقاش ومن ثم يصار الى اتفاق للمضي بها، مؤكدًا أن "اي تدخل هو تجاوز ولا يعطي رسائل ايجابية بكل الاحوال".

وأعربت السفيرة الامريكية لدى العراق، إلينا رومانوسكي، يوم الثلاثاء، (20 آب 2024)، عن قلقها من "التعديلات المقترحة" على قانون الأحوال الشخصية العراقي.

وقالت رومانوسكي في تغريدة بمنصة (إكس):"إننا نشعر بالقلق إزاء التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي والتي من شأنها أن تقوض حقوق المرأة والطفل".

وأضافت "نحث العراقيين على الانخراط في حوار مدني يحترم بشكل كامل حرية الدين أو المعتقد وحقوق المرأة والطفل".

وأثارت تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية في العراق، موجة غضب واسعة في أوساط المجتمع المدني وسط اتهامات بأنها تعزز الطائفية في البلاد وتشرعن زواج القاصرات.

ويخشى ناشطون حقوقيون أن تؤدي التعديلات إلى "حرمان" المرأة من مكتسبات وحقوق، وأن يفتح الباب أمام زواج القاصرات.

والتعديل المثير للجدل يمنح العراقيين عند إبرام عقود زواج الحق في الاختيار في تنظيم شؤون أسرهم بين أحكام المذهب الشيعي أو السني أو تلك التي ينص عليها قانون الأحوال الشخصية النافذ والمعمول به منذ عقود.

ويعمل بقانون الأحوال الشخصية الحالي الذي يعد متقدما وسط مجتمع عراقي محافظ، منذ العام 1959 بعيد سقوط النظام الملكي، ويحظر الزواج دون سن 18 عاما ويمنع خصوصا رجال الدين من مصادرة حق الأهل بالتوجه إلى محاكم الدولة المدنية.

وتشير التعديلات الجديدة تشير في إحدى فقراتها إلى أنه "يحق للعراقي والعراقية عند إبرام عقد الزواج أن يختار المذهب الشيعي أو السني الذي تطبق عليه أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية، ويجوز لمن لم يسبق له اختيار تطبيق أحكام مذهب معين عند إبرام عقد الزواج، تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة لتطبيق أحكام الشرع على الأحوال الشخصية، وفق المذهب الذي يختاره ويجب على المحكمة الاستجابة لطلبهم".

وينص مشروع القانون على أنه "إذا اختلف أطراف القضية الواحدة في الأسرة بشأن تحديد مصدر الأحكام الواجب تطبيقها في طلبهم، فيعتمد الرأي الشرعي فيها"، كما يلزم التعديل الجديد "المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي والمجلس العلمي والإفتائي في ديوان الوقف السني بالتنسيق مع مجلس الدولة بوضع مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية وتقديمها إلى مجلس النواب للموافقة عليها خلال 6 أشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون".

ويشمل التعديل كذلك تصديق محكمة الأحوال الشخصية على عقود الزواج "التي يبرمها الأفراد البالغون من المسلمين على يد من لديه تخويل شرعي أو قانوني من القضاء أو من ديواني الوقفين الشيعي والسني بإبرام عقود الزواج، بعد التأكد من توافر أركان العقد وشروطه وانتفاء الموانع في الزوجين".

 

مقالات مشابهة

  • جيش العدل البلوشي يتنبى مسؤولية قتل 3 من حرس الحدود الإيراني
  • مدعوون للمقابلة الشخصية في التربية / أسماء
  • بيان عاجل من نادي قضاة مصر دفاعا عن حسن سير العدالة واستقلال القضاء
  • اعترافات ابن القنصل بالدقهلية: بزور البطائق الشخصية مقابل مبالغ مالية
  • تعديل قانون الأحوال الشخصية.. وصمة عار في جبين المرحلة برمّتها
  • للأزواج والزوجات.. حقوق كفلها قانون الأحوال الشخصية حال الترمل
  • وزارة العمل : بدء المقابلات الشخصية للدفعة الخامسة من الشباب على دورات مجانية في "المالتي ميديا" بالاسكندرية
  • ضبط لصوص مواتير المياه والمتعلقات الشخصية
  • موسى البلوشي رئيسا لاتحاد اليد.. والوهايبي نائبا
  • رسالة برلمانية للسفارة الأمريكية بشأن تعديلات الأحوال الشخصية: لا تتدخلوا رسائلكم سلبية - عاجل