تُطالعنا بعض الحسابات المحلية بين الفينة والأخرى بصور لأشخاص مغمورين تعلوها عناوين أو «مانشتات» عريضة من مثل: « الإعلامي فلان الفلاني يقول إن.. » أو «الإعلامية الفلانية تعد أن..» ولا أحد يعرف من هذا الإعلامي ومتى وكيف أصبح كذلك وما هي تفاصيل مسيرته وتجربته الإعلامية.
ولأن بعض قنوات ووسائل الإعلام غير الرسمية فتحت الباب على مصراعيه لكل من أفاق صباحًا فوجد نفسه يمسك بالميكروفون ويخاطب الناس، فلا يجد مثل هؤلاء غضاضة في تقديم أنفسهم بصيغة «الإعلامي» أو حتى كمحلل ومُنّظِر وناقد يتحدث في كل مجال.
وإذا اعتبرنا أن لكل إعلامي مُمتهن مقومات أساسية لا بدّ أن يمتلكها فإن بعض هؤلاء يفتقرون إلى أقل هذه المقومات، ومن بينها الموهبة والحس الإعلامي والبداهة وسلامة اللغة وإدراك معنى الرسالة الإعلامية التي يقدمها والمسؤوليات التي تقع على عاتقه تجاه الشريحة التي يستهدفها والمجتمع الذي يخاطبه.
لا تُعنى تلك الوسائل كثيرًا بالجودة ولا تُخضِع من يتقدمون للعمل بها للاشتراطات المهنية الصارمة أو الأعراف المتفق عليها في مجال الإعلام لأسباب كثيرة في الغالب ومنها «التجارية»؛ فيسهُل أن تكون مطية لغير الموهوبين أو ممن يمتلكون إمكانات محدودة وطموحات شخصية عالية تقودهم للشهرة.
لكنه ورغم الحضور الطاغي لمن يُطلقون على أنفسهم بالإعلاميين ولا تُعرف لهم خبرة مهنية ولا دراسة تخصصية إلا أنه من اليسير على الممتهن الحقيقي والمتخصص تبين أن الذي أمامه لا علاقة له بالإعلام لا من قريب ولا من بعيد غير أن المشكل يتمثل في المُتلقي فهو غالبًا ما ينظر إلى من يقف خلف الميكرفون بإعجاب باعتباره قائد رأي يمكن التعويل عليه، وهنا تكمن الكارثة.
«مهرج» فجأة يُتداول فيديو لرجل مُسن يتعمد أن يقدم نفسه كـ«مهرج» بمحتوى مُسف يفتقر إلى القيمة سعيًا للظهور والحصول على أعلى عدد ممكن من المشاهدات.
يواجه الرجل منذ البداية عاصفة من التهكم لكنه لا يعبأ، بذلك بل يقرر دخول عالم منصات التواصل الاجتماعي فيواجَه بحملات من التنمّر العنيفة التي لا تهدأ من قِبل مراهقين «متحفزين» يأتون على المحتوى الباهت الذي يقدمه وهيئته وعُمره باعتبار أنه رجل عتيق بالِ بات «خارج الخدمة».
وأنت تقرأ جملة التعقيبات السلبية والهجوم الشرس الذي يطال الرجل ومحتواه تشعر بالخجل والدهشة معًا، فتسأل نفسك كيف ركب الموجة ولماذا لم يضع الأذى الذي قد يلحق بشخصه وأسرته وعائلته في الحُسبان؟ بل كيف تحول إلى «مهرج» في فضاء المنصات العفِن الذي لا ينتمي إليه؟.
النقطة الأخيرة..
«مشكلة معظمنا أننا نُفضّل أن يدمرنا المديح، على أن يُنقذنا الانتقاد».
نورمان فنسنت ويل
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الحلقة الثالثة من كتاب:( عدسات على الطريق )
بقلم : حسين الذكر ..
كان (الكشك ) صغيراً وجميلاً بديكور شعبي مائة بالمئة وقد ظهر من بعيد لأنه المكان الوحيد المضاء بشكل تام في المنطقة ، معظم زبائنه من العمال المسائيين والحرس والسواق وبعض أهالي المنطقة القريبة منه ، تشذت بالقرب منه رائحة الهيل المختلطة مع شرارات الجمر المتطايرة من على ( المنقلة ) وقد زاد هدوء الليل اجواءه جمالاً ، كذلك اضفت الكلاب ونباحها المستمر مسحت خاصة ومؤثرة . أمام الكشك نصبت مسطبة خشبية قديمة يجلس على أحد أطرافها رجل هرم ، كان يحتسي الشاي وهو منهمك بمطالعة كتاب بين يديه ، فيما ظهر كلب على بعد أمتار من المكان وقد أمسك بين فكيه عظمة من مخلفات ما ياكل الزبائن . بعد ان وصلا الشاب والعم كاظم ادايا التحية :
ــ السلام عليكم .
ــ رد صاحب الكشك الذي كان مشغولاً باعداد الطعام لأحد الزبائن : وعليكم السلام ، أهلاً وسهلاً تفضلا .
ــ أهلاً بك ، نرجوك .. قدحان من الشاي على وجه السرعة ، إذا أمكن !
ــ بعد جلوسهما الى جانب الرجل الكهل ، التفت اليهما مرحباً ، ثم أضاف بتعجب: ــ أوو من العم كاظم الحزين ، ما أعتدنا نراك في مثل هذا الوقت المتأخر ، ولكن لا يهم إن صديقي العزيز ضيف علي اليوم ،
ــ اقدم لك هذا الشاب صديقاً عزيزاً .
ــ هز الرجل الهرم رأسه مرحباً :
ــ أهلاً بكما في ضيافتي الليلة .
ــ فرد العم ، : لا يا عزيزي ، لا مجال لنا للضيافة ، نشكر لطفك ، إننا على عجالة من أمرنا ولدينا شغل هام ، نريد أن ننتهي منه قبل ان يفترسنا شبح الدجى .
ــ عجيب .. ومنذ متى أصبحت لأشياء قيمة في نظرك ، وأي حدث جلل هذا الذي جعل العم كاظم الحزين يتحدث عن أهمية الأشياء !
ــ منذ الآن ياعزيزي ، تستطيع ، أن تغير نظرتك عني .
ــ وماذا حدث هل ستقوم القيامة ؟!
ــ ألم تردد دوماً على مسامعي ، إن لفي بعض البيان لسحرا !
ــ نعم حدث ذلك ولكن كيف ، قل لي بربك ما حقيقة الأمر ؟
ــ في هذه الأثناء فرغا من إحستاء الشاي وانتصبا واقفين ، ثم تقدم العم كاظم مقبلاً رأس الرجل الهرم :
ــ عزيزي لا متسع لدي للحديث الآن ، سأشرح لك فيما بعد واسمح لنا بالمغادرة الآ ن .
ــ طيب رافقتكما السلامة .
ــ خرج الاثنان مسرعان ونباح الكلاب يطاردهما ، فيما ظل الهرم يتابعهما متمتماً : ــ كل شيء جائز ، فنحن في عالم غريب عجيب أمره ..