لجريدة عمان:
2024-09-13@03:43:00 GMT

إبادة تعليميّة وثقافيّة

تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT

إبادة تعليميّة وثقافيّة

لم تقتصرْ حرب الإبادة الجماعية، التي تُرتكب في الأراضي الفلسطينية المحتلة على يد جيش الاحتلال، منذ السابع من أكتوبر 2023 على العنصر البشري فحسب، بل امتدّ الأمر ليصل إلى إبادة تعليمية ثقافية تراثية غير مسبوقة على مستوى العالم، تحدث في قطاع غزّة على وجه التحديد.

الأمم المتحدة حذّرت مُبكّرا من "إبادة تعليمية مُتعمّدة" في قطاع غزة، في أعقاب تدمير أكثر من 80% من مدارسه.

ووفقا للأمم المتحدة، فإنّ مصطلح "الإبادة التعليمية" يشير إلى المحو المُمنهج للتعليم، من خلال اعتقال، أو احتجاز، أو قتل المعلمين والطلبة والموظفين، وتدمير البُنية التّحتية التعليميّة.

جميع طلبة غزة في مرحلتي التعليم العام والتعليم العالي، أي نحو 800 ألف طالب وطالبة، سواء في المدارس الحكومية، أو مدارس أبناء اللاجئين التابعة لوكالة الغوث، أو المدارس الخاصّة، أو مؤسسات التعليم العالي، لم يلتحقوا بمدارسهم ولا جامعاتهم، منذ بدء الحرب، لأنه لم يعدْ هناك أبنية تعليمية قائمة في القطاعين، ولم يعدْ هناك بيئة تعليمية تربوية أكاديمية مواتية أو متوفّرة أو آمنة، بل لم يعدْ هناك ظروف صالحة للعيش أصلا، كما تم حرمان نحو 40 ألف طالب وطالبة من تقديم امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" هذا العام. وهذا الأمر لم يحدث على مدار تاريخ الشعب الفلسطيني.

الأبنية والمرافق التربوية والتعليمية، لا سيّما المدارس، أصبحت أماكن ومقرّات لإيواء النازحين، وفوق هذا وذاك، يتم استهدافها بالقصف والتدمير على مدار الساعة، حيث أصبحت هياكل محطّمة لا تصلح لشيء، ولم تعدْ تقي من مطر الشتاء ولا حرّ الصيف.

وفي إحصائية رسمية لوزارة التربية والتعليم، غير نهائية والأعداد فيها متزايدة، أشارت إلى استشهاد أكثر من 11 ألف طالب وطالبة من المدارس والجامعات، وما يزيد عن 600 معلم، ونحو مائة أستاذ جامعي، عدا عن عشرات الآلاف الذين أصيبوا بإعاقات وعاهات دائمة، وجروح وأمراض مستعصية لا يبرؤون منها. كما تم تدمير 450 مدرسة وكلّية وجامعة ومؤسسة تعليمية تدميرا كليا وجزئيا، معظمها لم يعدْ آمنا ولا صالحا حتى لإيواء النازحين والمُشرّدين.

الدمار الشامل لحق بكل المرافق، شلل تام، وخراب كبير، طال البشر والشجر والحجر، لم يعد هناك شيء صالح للعيش في محافظات غزة، دخان وركام، وأتربة وغبار، ودخان يلفّ كلّ الأرجاء، حتى الأجواء صابها التلوّث، وصُبغت بالسّخام والدماء القانية، فيما الأشلاء البشريّة اختلطت بكل شيء، وبهذا يمكن القول إن الإبادة طالت كل شيء؛ مادّي أو معنوي، ملموس أو محسوس، مخفي أو مرئي، الأمر الذي يحتاج إلى سنوات عديدة، لعلّها تكون قادرة على إزالة آثار الحرب والعدوان.

هذا الشلل القاتل، والشامل، والمميت، في غزة قد يستمرّ سنوات، وهو ما يهدّد بمحو الوعي لدى جيل فلسطيني كامل، وقد يزرع في النفوس عُزوفا طوعيا عن التعليم والثقافة تحت ضغط الفقر والبطالة والحرمان، وقلّة ذات اليد.

وفي الجانب الثقافي التراثي، عملت آلة الاحتلال على تدمير مُتعمّد لما يزيد عن 200 موقع تراثي، ومنشأة تاريخية وتراثية، بما في ذلك الأرشيف المركزي لغزة، الذي يحتوي على 150 عاما من التاريخ الموثّق، إضافة إلى هدم 227 مسجدا تاريخيا، و3 كنائس أثرية قديمة، و13 مكتبة عامة، وعشرات مراكز البحوث والدراسات والمختبرات والمكاتب والمراكز والمؤسسات الثقافية، والأسواق والأحياء الشعبية، التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام، إضافة إلى تدمير متاحف ومسارح وجداريات وقلاع، ومخطوطات، كلّ ذلك بهدف محو الذاكرة الوطنية، وطمس الهوية والتراث التاريخي، وتقويض أسس المجتمع الفلسطيني وتحويلها إلى أنقاض.

واعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وفقا لتقرير أصدره نهاية شهر يونيو الماضي، حمل عنوان "الإبادة الثقافية"، أن ما يحدث على هذا الصعيد هو جريمة إبادة جماعية تهدف إلى قصد التدمير الكُلّي أو الجزئي للفلسطينيين من خلال طمس تراثهم التاريخي، وهو ما يجوز تصنيفه إبادة ثقافية بحقّهم، على غرار ما قامت به سابقا في مدن وقرى فلسطين التاريخية إبّان النكبة عام 1984، وتقوم به حاليا في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، كما أنّه يُعبّر عن شُبهة إبادة ثقافية تستهدف التخلّص من الآثار المادية التي تربط السكان الأصليين (الفلسطينيين) بوطنهم، ومسح مُتعمّد وممنهج لتاريخهم وتراثهم.

ومن أبرز الأماكن الأثرية والثقافية المُدمّرة: المسجد العمري، وكنيسة بيرفيريوس، وميناء البلاخية، وقصر الباشا الأثري، وكنيسة جباليا البيزنطيّة، ومركز رشاد الشوا، الذي يعتبر أحد أهم المعالم الثقافية في مدينة غزة.

وحسب التقرير، فإن هناك شبهات أيضا حول قيام قوات الاحتلال الإسرائيلية بسرقة المقتنيات الأثرية الموجودة في متحف قصر الباشا، ومخزن غزة للآثار، وعدة أماكن أثرية أخرى، مُلقيا المسؤولية على المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية، وخاصة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" للقيام بواجباتهم والحفاظ على الممتلكات الثقافية الفلسطينية، وفقا لاتفاقية "لاهاي" لحماية الممتلكات الثقافية في حالات الحرب، التي تُعدّ إسرائيل من الدول الموقّعة عليها، حيث يُحظر نقل القطع الأثرية من الأراضي المحتلة، ويُعتبر ذلك سرقة ونهبا للممتلكات الثقافية، ويُشكّل انتهاكا لقوانين حقوق الإنسان الدولية، كما هو مفصّل في اتفاقية الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.

• عبد الحكيم أبو جاموس كاتب وشاعر فلسطيني وأخصائي بمجال التربية والتعليم

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لم یعد

إقرأ أيضاً:

أبو الغيط في الاجتماع الوزاري العربي.. ما يحدث في فلسطين حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي

أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري أن ما يحدث في فلسطين هو تطهير عرقي وتهجير قسري للسكان في والضفة الغربية على حد سواء، كما ان الشعب الفلسطيني يتعرض لحرب إبادة جماعية متجاوزا كافة الاعراف والمواثيق الدولية.

وفال إن إن وقف إطلاق النار اليوم لم يعد مطلباً عربياً، بل هو مطلب عالمي يحظى بإجماع مشهود.

وقال أبو الغيط في كلمته في الجلسة الافتتاحية اننا نقترب هذه الأيام من مرور عام كامل على العدوان الوحشي على أهلنا في غزة، وفي فلسطين كلها.. عام من الإجرام.. عام من الإبادة والتطهير العرقي، الذي يتبجح ولا يختبئ، يُباهي بالجريمة ويُفاخر بالعار غير عابئ بحساب أو عقاب، عام قُتل فيه 17 ألف طفل و11 ألف امرأة.

هو أيضاً عام من عجز المجتمع الدولي عن وقف المذبحة.. بل وإسهام بعض القوى الغربية - لا سيما مع بداية العدوان- في تقديم مظلة أمان للإجرام لكي يتمادى، وغطاء سياسي للقتل لكي يتواصل، بل ويتوسع من غزة الصامدة إلى جنوب لبنان إلى الضفة الغربية، في الضفة وحدها ارتقى سبعمائة شهيد منذ السابع من أكتوبر، ناهينا عن الدمار والخراب والخسائر الهائلة.

وأضاف: أقول بلا تجميل إن القوة الكبرى في عالم اليوم إما لا ترغب في ممارسة الضغط على الاحتلال، وإما أنها لا تستطيع إيقاف هذه البلطجة والوحشية، لقد مرت شهور قبل أن تنطق دول بعينها بكلمة وقف إطلاق النار، وعندما أدركوا فداحة الجريمة وطالبوا بوقف الحرب، كان الوقت قد تأخر، وصار المعتدي واثقاً من أن أحداً لن يراجعه، وأنه فوق القانون وفوق المساءلة وفوق العدالة الدولية، سواء محكمة العدل أو المحكمة الجنائية وفوق الأمم المتحدة وقراراتها، بل وفوق مجلس الأمن وما يصدر عنه من قرارات تدعو بوضوح لوقف إطلاق النار.

وأشار الى انه إذا كان الاحتلال يُمارس الإجرام من أجل الانتقام فهو مُدان بالقتل ومُجرد من الإنسانية، ولكن الهدف يتعدى الانتقام، والغاية أبعد من مجرد الإخضاع والترويع، لدى الاحتلال وهمٌ بأنه باقٍ أبد الدهر، وأنه سيلتهم الأرض مجردة من سكانها، لذلك فإن أجندته الحقيقية تتخفى خلف حجة الأمن التي يخاطب بها العالم، هي أجندة قوامها تصفية القضية وضم الأراضي وتحقيق التطهير العرقي والتهجير.

إن التصريحات الرسمية بشأن التطهير والإبادة ليست من اختراعنا، وهي مسجلة ولن تُنسى أو تُمحى من الذاكرة، أما نوايا التهجير القسري فمؤكدة، والعمل على تحقيقه متواصل، بل هو يشمل غزة والضفة معاً، ويُمارَس كل يوم في صورة تهجير قسري داخلي يُطلقون عليه مُسمى مخففاً هو "أوامر الإخلاء".

لقد تصدينا جميعاً -متضامنين وبصوت واحد- لهذه المخططات، وسنستمر في مواجهتها وإحباطها، باللسان وبالعمل، نفضحها في العالم كله ليعرف بنوايا الاحتلال ومراميه، ونعمل بشكل متواصل على دعم صمود الفلسطيني على أرضه، الفلسطينيون يبذلون دماءهم في هذا الصمود البطولي النبيل، وأقل ما نقدمه هو أسباب الدعم والإسناد لهذا الصمود الذي هو - في واقع الأمور- جوهر قضية فلسطين ومعناها وامتدادها الباقي على الأرض، لقد ارتقى أكثر من 41 ألف شهيد ولكن هناك ستة ملايين باقون على أرض فلسطين، ولا يُمكن إخراجهم منها.

وأشار أبو الغيط الى تحرك الجامعة العربية خلال الشهور المنصرمة على أكثر من صعيد في حملة دبلوماسية مكثفة، قادتها اللجنة الوزارية العربية الإسلامية برئاسة المملكة العربية السعودية اقتربت المواقف في العالم من مواقفنا بالتدريج، ووجدنا الحكومات تُبدّل من لغتها، والاعتراف بالدولة الفلسطينية تتوسع رقعته، والشعوب تُعبر عن رأيها في ظلمٍ إنساني لا ينكره سوى من تجرد من الضمير وانسلخ من الإنسانية.

وأضاف انه يتعين مواصلة الجهد، مع الشركاء المقتنعين بعدالة القضية.. والساعين إلى تجسيد حل الدولتين على الأرض، وليس فقط الترويج له بالكلام.

إن وقف إطلاق النار اليوم لم يعد مطلباً عربياً، بل هو مطلب عالمي يحظى بإجماع مشهود، هو ضرورة إنسانية وأخلاقية، وهدف استراتيجي لتجنيب هذه المنطقة شرور حرب موسعة ليست احتمالاتها ببعيدة، بل إن شراراتها تلوح في أفق المنطقة منذرةً بالخراب للجميع بغير استثناء.

ولكننا، مع ذلك كله، نرى الاحتلال مستمراً في غيّه، مُمعناً في الهرب إلى الأمام عبر اختراع الأكاذيب واعتماد أساليب التلفيق المكشوف.. .يدّعي رئيس حكومة الاحتلال أن "محور فيلادلفي" هو ما يُعطل صفقة الأسرى ووقف إطلاق النار، والحقُ أن رفض وجود قوات الاحتلال على الحدود بين مصر وقطاع غزة هو موقف مصري مدعومٌ عربياً بشكل واضح، ويتأسس على رفض إعادة فرض الاحتلال على القطاع، ورفض اقتطاع أجزاء منه.. وقد صار واضحاً اليوم للجميع أن نتنياهو غير مستعد لإبرام صفقة لأنه لا يريد دفع المقابل.. لا يريد وقف هذه الحرب العدوانية حتى بهدف إنقاذ أبناء شعبه الذين صار أغلبهم واعين بحقيقة مراوغاته وأجندته المكشوفة.. ونسمعه يقول بالأمس القريب إنه من دون السيف لا يمكن العيش في الشرق الأوسط.. .ونقول له لن يكون أمام إسرائيل بعد كل هذا القتل والتدمير سوى أن تقبل بدولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل.. .فالسيف لن يحل المشكلة، والترويع لن يُجدي مع الشعب الفلسطيني البطل.

وأضاف أبو الغيط أن الجرح المفتوح في فلسطين لا يحرف أنظارنا عن جراح مفتوحة في أوطان عزيزة علينا.. لا زال السودان يعيش أزمة قد تكون هي الأشد وطأة من الزاوية الإنسانية.. .التسوية السياسية ووقف الاحتراب ما زالت أهدافاً بعيدة المنال.. والأزمة مستحكمة.. وجاءت كارثة الفيضانات والسيول لتضيف مزيداً من الألم إلى المعاناة القائمة.. لقد تضررت نحو 32 ألف أسرة في 13 ولاية من ولايات السودان.. وقال مدير منظمة الصحة العالمية في زيارته لبورتسودان قبل يومين إن النظام الصحي في المدينة على وشك الانهيار.. لقد بات الأمر يحتاج من الجميع -دولاً ومنظماتٍ- إلى تكاتف عاجل مع السودان وأهله لتجاوز هذه المحنة الإنسانية التي يعيشها الشعب على أكثر من صعيد.. فالأزمة الغذائية في هذا البلد هي الأسوأ على مستوى العالم.. وأوضاع النازحين بالغة الهشاشة.. ولا يجب أبداً أن يُترك السودان وحده في مواجهة هذه النوازل.

وفي ليبيا.. لا يسعني سوى الإعراب عن الأسف والقلق مما آلت إليه التطورات مؤخراً في هذا البلد العربي العزيز.. .فالانقسام لا يلتئم وإنما تتسع الهوة بين الشرق والغرب.. .وتتصلب المواقف بصورة لا تخدم وحدة ليبيا، ولا وحدة مؤسساتها بما في ذلك تلك المؤسسات التي يستفيد منها المواطن الليبي في كافة أرجاء الوطن.. ونناشد الأطراف الفاعلة أن تضع مصلحة الشعب والحفاظ على مقدراته نصب أعينها.. .وندعو من هنا.. كافة الأطراف للعودة للحوار البنّاء تحت مظلة بيت العرب لتجاوز الخلافات، تمهيداً لإتمام المصالحة الوطنية الشاملة وإجراء الانتخابات التي طال انتظارها.

وقال إن القضايا كثيرة، والمرحلة التي تمر بها أمتنا حاسمة ولا تحتمل سوى التضامن والتآزر والعمل المشترك.. .فلن نعبُر أزماتنا سوى بالتضامن بين بعضنا البعض.

مقالات مشابهة

  • موسم الولي الصالح مولاي عبد الله الشريف بوزان .. تراث روحي وثقافي في خدمة التنمية المحلية
  • للنصب على المواطنين.. سقوط المتهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بالمرج
  • إدارة كيان تعليمي وهمي.. القبض على «مستريح» جديد في المرج
  • حملات تفتيش على 606 مؤسسات تعليمية في دبي
  • جامعتا محمد بن زايد للعلوم الإنسانية ونهضة العلماء تنظمان ورشة تعليمية في إندونيسيا
  • جامعتا محمد بن زايد للعلوم الإنسانية "ونهضة العلماء" تنظمان ورشة تعليمية في إندونيسيا
  • الجبهة الشعبية ترحب بموقف حزب الخضر بإعلان ما يجري في غزة هو إبادة جماعية
  • الجبهة الشعبية ترحب بموقف حزب الخضر بإعلان ما يجري في غزة إبادة جماعية
  • أبو الغيط في الاجتماع الوزاري العربي.. ما يحدث في فلسطين حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي
  • كيان تعليمي وهمي ينصب على المواطنين في مصر الجديدة