لم تقتصرْ حرب الإبادة الجماعية، التي تُرتكب في الأراضي الفلسطينية المحتلة على يد جيش الاحتلال، منذ السابع من أكتوبر 2023 على العنصر البشري فحسب، بل امتدّ الأمر ليصل إلى إبادة تعليمية ثقافية تراثية غير مسبوقة على مستوى العالم، تحدث في قطاع غزّة على وجه التحديد.
الأمم المتحدة حذّرت مُبكّرا من "إبادة تعليمية مُتعمّدة" في قطاع غزة، في أعقاب تدمير أكثر من 80% من مدارسه.
جميع طلبة غزة في مرحلتي التعليم العام والتعليم العالي، أي نحو 800 ألف طالب وطالبة، سواء في المدارس الحكومية، أو مدارس أبناء اللاجئين التابعة لوكالة الغوث، أو المدارس الخاصّة، أو مؤسسات التعليم العالي، لم يلتحقوا بمدارسهم ولا جامعاتهم، منذ بدء الحرب، لأنه لم يعدْ هناك أبنية تعليمية قائمة في القطاعين، ولم يعدْ هناك بيئة تعليمية تربوية أكاديمية مواتية أو متوفّرة أو آمنة، بل لم يعدْ هناك ظروف صالحة للعيش أصلا، كما تم حرمان نحو 40 ألف طالب وطالبة من تقديم امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" هذا العام. وهذا الأمر لم يحدث على مدار تاريخ الشعب الفلسطيني.
الأبنية والمرافق التربوية والتعليمية، لا سيّما المدارس، أصبحت أماكن ومقرّات لإيواء النازحين، وفوق هذا وذاك، يتم استهدافها بالقصف والتدمير على مدار الساعة، حيث أصبحت هياكل محطّمة لا تصلح لشيء، ولم تعدْ تقي من مطر الشتاء ولا حرّ الصيف.
وفي إحصائية رسمية لوزارة التربية والتعليم، غير نهائية والأعداد فيها متزايدة، أشارت إلى استشهاد أكثر من 11 ألف طالب وطالبة من المدارس والجامعات، وما يزيد عن 600 معلم، ونحو مائة أستاذ جامعي، عدا عن عشرات الآلاف الذين أصيبوا بإعاقات وعاهات دائمة، وجروح وأمراض مستعصية لا يبرؤون منها. كما تم تدمير 450 مدرسة وكلّية وجامعة ومؤسسة تعليمية تدميرا كليا وجزئيا، معظمها لم يعدْ آمنا ولا صالحا حتى لإيواء النازحين والمُشرّدين.
الدمار الشامل لحق بكل المرافق، شلل تام، وخراب كبير، طال البشر والشجر والحجر، لم يعد هناك شيء صالح للعيش في محافظات غزة، دخان وركام، وأتربة وغبار، ودخان يلفّ كلّ الأرجاء، حتى الأجواء صابها التلوّث، وصُبغت بالسّخام والدماء القانية، فيما الأشلاء البشريّة اختلطت بكل شيء، وبهذا يمكن القول إن الإبادة طالت كل شيء؛ مادّي أو معنوي، ملموس أو محسوس، مخفي أو مرئي، الأمر الذي يحتاج إلى سنوات عديدة، لعلّها تكون قادرة على إزالة آثار الحرب والعدوان.
هذا الشلل القاتل، والشامل، والمميت، في غزة قد يستمرّ سنوات، وهو ما يهدّد بمحو الوعي لدى جيل فلسطيني كامل، وقد يزرع في النفوس عُزوفا طوعيا عن التعليم والثقافة تحت ضغط الفقر والبطالة والحرمان، وقلّة ذات اليد.
وفي الجانب الثقافي التراثي، عملت آلة الاحتلال على تدمير مُتعمّد لما يزيد عن 200 موقع تراثي، ومنشأة تاريخية وتراثية، بما في ذلك الأرشيف المركزي لغزة، الذي يحتوي على 150 عاما من التاريخ الموثّق، إضافة إلى هدم 227 مسجدا تاريخيا، و3 كنائس أثرية قديمة، و13 مكتبة عامة، وعشرات مراكز البحوث والدراسات والمختبرات والمكاتب والمراكز والمؤسسات الثقافية، والأسواق والأحياء الشعبية، التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام، إضافة إلى تدمير متاحف ومسارح وجداريات وقلاع، ومخطوطات، كلّ ذلك بهدف محو الذاكرة الوطنية، وطمس الهوية والتراث التاريخي، وتقويض أسس المجتمع الفلسطيني وتحويلها إلى أنقاض.
واعتبر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وفقا لتقرير أصدره نهاية شهر يونيو الماضي، حمل عنوان "الإبادة الثقافية"، أن ما يحدث على هذا الصعيد هو جريمة إبادة جماعية تهدف إلى قصد التدمير الكُلّي أو الجزئي للفلسطينيين من خلال طمس تراثهم التاريخي، وهو ما يجوز تصنيفه إبادة ثقافية بحقّهم، على غرار ما قامت به سابقا في مدن وقرى فلسطين التاريخية إبّان النكبة عام 1984، وتقوم به حاليا في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، كما أنّه يُعبّر عن شُبهة إبادة ثقافية تستهدف التخلّص من الآثار المادية التي تربط السكان الأصليين (الفلسطينيين) بوطنهم، ومسح مُتعمّد وممنهج لتاريخهم وتراثهم.
ومن أبرز الأماكن الأثرية والثقافية المُدمّرة: المسجد العمري، وكنيسة بيرفيريوس، وميناء البلاخية، وقصر الباشا الأثري، وكنيسة جباليا البيزنطيّة، ومركز رشاد الشوا، الذي يعتبر أحد أهم المعالم الثقافية في مدينة غزة.
وحسب التقرير، فإن هناك شبهات أيضا حول قيام قوات الاحتلال الإسرائيلية بسرقة المقتنيات الأثرية الموجودة في متحف قصر الباشا، ومخزن غزة للآثار، وعدة أماكن أثرية أخرى، مُلقيا المسؤولية على المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية، وخاصة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" للقيام بواجباتهم والحفاظ على الممتلكات الثقافية الفلسطينية، وفقا لاتفاقية "لاهاي" لحماية الممتلكات الثقافية في حالات الحرب، التي تُعدّ إسرائيل من الدول الموقّعة عليها، حيث يُحظر نقل القطع الأثرية من الأراضي المحتلة، ويُعتبر ذلك سرقة ونهبا للممتلكات الثقافية، ويُشكّل انتهاكا لقوانين حقوق الإنسان الدولية، كما هو مفصّل في اتفاقية الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
• عبد الحكيم أبو جاموس كاتب وشاعر فلسطيني وأخصائي بمجال التربية والتعليم
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: لم یعد
إقرأ أيضاً:
عاجل - نظام البكالوريا المصرية.. تطور تعليمي شامل ومواكب للعالمية
تبدأ وزارة التربية والتعليم تطبيق نظام البكالوريا المصرية اعتبارًا من العام الدراسي المقبل، ليشمل طلاب الصف الأول الثانوي الحاليين، نظام البكالوريا المصرية، العام الدراسي المقبل، طلاب الصف الأول الثانوي.
ما هو نظام البكالوريا المصرية؟يعتمد على تقليل عدد المواد الدراسية مع منح فرص متعددة لتحسين الدرجات.يركز على تنمية التفكير والنقد والإبداع.يدمج بين المواد العلمية، الأدبية، والفنية، نظام البكالوريا، تنمية المهارات، تطوير التعليم، تقليل عدد المواد.تقسيم المواد الدراسية والمراحل التعليميةالسنوات الدراسية: الصف الأول، الثاني، والثالث الثانوي.مواد دراسية محددة تنتهي خلال سنة واحدة.تقديم 4 مسارات علمية: الطب وعلوم الحياة، الهندسة وعلوم الحاسب، الأعمال، الآداب والفنون، المسارات التعليمية، مواد منفصلة، التعليم الدولي.فرص التقييم والمحاولات الامتحانية4 محاولات للامتحانات بالصف الثاني الثانوي، و2 بالصف الثالث.رسوم إضافية للمحاولات الإضافية (500 جنيه للمادة).يُرصد أعلى الدرجات في جميع المحاولات، تعدد فرص التقييم، رسوم الامتحانات، تحسين المجموع.أبرز مميزات نظام البكالوريا المصريةتقليل عدد المواد في سنتين فقط، مما يخفف الضغوط.تقديم مسارات علمية متطورة تلبي احتياجات سوق العمل.اعتراف دولي بشهادة الثانوية العامة.التركيز على المواد العلمية والفنية المتقدمة، مميزات البكالوريا المصرية، تقليل الضغوط، اعتراف دولي، سوق العمل.التطوير المستقبلي للمناهجتحديث شامل للمناهج الدراسية.إضافة مستويات متقدمة للرياضيات، الفيزياء، الجغرافيا، الاقتصاد.تطوير يواكب الأنظمة العالمية في التعليم، تطوير المناهج، مستويات متقدمة، تعليم عالمي.خطوات تنفيذ النظام وإقرارهمناقشة آليات التنفيذ داخل المجموعة الوزارية للتنمية البشرية.طرح النظام للحوار المجتمعي بمشاركة الإعلاميين والمعلمين والمتخصصين.إصدار الصيغة النهائية للتطبيق بعد التوافق، إقرار النظام، خطوات التنفيذ، الحوار المجتمعي.