باحث إسرائيلي: 3 عوامل قد تشعل انتفاضة ثالثة بالضفة
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
#سواليف
سلط باحث إستراتيجي إسرائيلي الضوء على التحدي الكبير الذي باتت تواجهه #قوات_الاحتلال في الضفة الغربية، مشيرا إلى بروز عوامل جديدة قد يؤدي تراكمها إلى اندلاع #انتفاضة_ثالثة في الضفة الغربية.
وقال الدكتور ميخائيل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، في مقال بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن #الضفة_الغربية “تغلي بعد 10 أشهر من الاستقرار النسبي”.
بالمقابل، تجاهل الكاتب الإشارة إلى أن ردة فعل الفلسطينيين في الضفة يقف وراءها تفاعل الفلسطينيين مع المجازر التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة، واستمرار الممارسات القمعية لقوات الاحتلال واقتحاماتها المستمرة للضفة الغربية، وتدشين وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير لتسليح #المستوطنين بغرض تنفيذ اعتداءات يومية على الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم.
مقالات ذات صلة عدنان الروسان يكتب .. حلل يا دويري … و لا تأبه ..!! 2024/08/24وبينما أشار إلى تزايد عمليات المقاومة خلال الأسبوعين الماضيين، فقد رأى ميلشتاين “أن دور السلطة الفلسطينية وجهود الجيش الإسرائيلي حالت حتى الآن دون سيناريوهات مرعبة مثل انتفاضة ثالثة ستؤدي قريبا إلى تحدّ إستراتيجي شديد لإسرائيل”.
زاهر جبارين
وركز الباحث الإسرائيلي على ما قال إنها 3 عوامل متشابكة تؤدي إلى تصعيد العمليات في الضفة الغربية التي بدأت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول وتسارعت نتيجة لذلك.
وقال “العامل الأول هو الجهود المتنامية التي تبذلها حركة حماس لإشعال المنطقة وتعزيز مكانة المنظمة في الضفة الغربية. ويروج لأغلب هذه الجهود زاهر جبارين، رئيس حماس في الضفة الغربية، الذي عُيّن في هذا المنصب بعد اغتيال صالح العاروري في يناير/كانون الثاني”.
وتحدث عن سيرة جبارين فقال “مثل السنوار والعاروري، سجن جبارين مدة طويلة (حكم عليه بالسجن عدة مؤبدات في عام 1993 وأطلق سراحه في صفقة شاليط)، ويتحدث العبرية بطلاقة، وعلى دراية جيدة بأسرار المجتمع الإسرائيلي. وهو يعمل حاليا من تركيا”.
وزعم ميلشتاين أن جبارين هو “المموّل الأول لحماس، ويسيطر على شبكة من الشركات والشركات العقارية وجمع الأموال”.
وقال الباحث الإسرائيلي “يريد جبارين أن يثبت أنه ليس أقل من سلفه، وفي الوقت نفسه يظهر مساهمة الضفة الغربية في النضال الوطني، ردا على الانتقادات الداخلية بأن انتفاضة ثالثة لم تندلع للتخفيف على قطاع غزة المنهك”.
ورأى أن “الضفة الغربية هي نقطة الضعف في إسرائيل”، مؤكدا أنه “منذ حوالي شهر، والمقاومة هناك قادرة على اختراع أدوات جديدة للقتال، بينما تظهر جميع استطلاعات الرأي أن الفلسطينيين في الضفة الغربية يفضلون الكفاح المسلح، وهو ما ظهر بالفعل عندما قادوا الانتفاضتين الأولى والثانية”.
وفي محاولة تحريض لا تخلو من التشويه، زعم ميلشتاين أن “قصة حياة جبارين هي الرغبة في تخليص نفسه من صورة قاتمة وإثبات أنه قائد قدير”، ونقل عن العميد المتقاعد ورئيس المخابرات السابق في مصلحة السجون الدكتور يوفال بيتون “لم يكن جبارين أبدا قائدا بارزا بين السجناء. وينظر إليه على أنه قائد تكتيكي يأتي من الأطراف (بلدة سلفيت)، ومن المرجح أن اختياره نائبا للعاروري جاء لأنه لم يعدّه تهديدا. إنه يستمد مكانته من كونه من أوائل الذين انضموا إلى الجناح العسكري في الضفة الغربية ومن حقيقة أنه كان الرجل الذي جنّد يحيى عياش. وبعد أن وجد نفسه في طليعة المسرح، عقب اغتيال العاروري، يريد أن يثبت أنه قائد جدير”.
اتهام إيران
ثم انتقل إلى الحديث عن السبب الثاني للتصعيد في الضفة الغربية، متهما إيران بمحاولة تسليح الضفة الغربية، فقال إنها “كانت تعمل قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول على إشعال المنطقة من خلال تمويل وتشجيع البنية التحتية المحلية وإغراق الضفة الغربية بالأسلحة”.
وأضاف “يروّج فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لجهود مكثفة لتهريب الأسلحة من سوريا عبر الأراضي الأردنية إلى الضفة الغربية، ومن ذلك القنابل القوية والألغام وقاذفات آر بي جي”.
وأضاف “قبل 3 أشهر من 7 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية زياد النخالة اتخاذ إجراءات وصياغة خطط لتسليح الضفة الغربية من أجل التوصل إلى تحول إستراتيجي، ومن ذلك عن طريق تهريب الأسلحة وشرائها من عناصر في إسرائيل. الهدف هو الانتقال من الهدوء إلى المقاومة”.
ومضى بالقول إن “جهود حماس وإيران تغير الواقع الأمني في الضفة الغربية. تواجه قوات جيش الدفاع الإسرائيلي العاملة في شمال الضفة شبكات تقوم بالقتال في المناطق المبنية وتفجير عبوات ناسفة بكثافة غير مسبوقة في المنطقة. ومع اشتداد التهديد، يصعّد الجيش الإسرائيلي أيضا، مثل التشغيل الواسع النطاق للطائرات من دون طيار، وهي أداة امتنعت إسرائيل عن استخدامها في الضفة الغربية 17 عاما”.
وأشار إلى أنه “منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تم القضاء على نحو 570 فلسطينيا في الضفة الغربية، 70% منهم في شمال الضفة و100 من هؤلاء في غارات جوية”.
ورأى ميلشتاين أن البنية التحتية لحماس “تتميز بالجرأة والتنظيم والتطور أكثر مما كانت عليه في الماضي، وتركز على الهجمات ضد الأهداف العسكرية والمدنية في الضفة الغربية وضد المجتمعات على طول خط التماس، وتتوسع باتجاه طولكرم وأريحا، وتحاول إعادة العمليات إلى قلب إسرائيل، ولكنها في الوقت نفسه تطور تقليدا لأساليب غزة، مثل تصنيع الصواريخ والتخطيط لغارات على المستوطنات الإسرائيلية”.
ثم انتقل إلى الحديث عن العوامل المحفزة للفلسطينيين للمقاومة في الضفة، وخاصة في نابلس ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية التي عدّها مصدرا محوريا للتهديدات الأمنية لإسرائيل.
ونقل عن أريك باربينغ، الذي شغل منصب رئيس منطقة الضفة الغربية والقدس في الشاباك حتى عام 2019، القول “إنها مناطق سابقة تخشى السلطة الفلسطينية العمل فيها، وهناك جميع مكونات الحريق: الضائقة الاقتصادية، استمرار استحضار الفلسطينيين لذكرى النكبة (التي أدت إلى تهجير فلسطينيي 48 إلى هذه المخيمات) التي تنتقل من جيل إلى جيل، البطالة والفراغ الحكومي”.
ضعف السلطة الفلسطينية
أما السبب الثالث للتصعيد، حسب ميلشتاين، فهو ضعف السلطة الفلسطينية الذي قال إنه يعود لسببين هما: “الصورة السلبية في الداخل كجسم فاسد ومهتز بعكس سلطة حماس في غزة، والتضييق الذي تفرضه إسرائيل (موازنة عائدات الضرائب وتقييد حركة العمال إلى إسرائيل) إذ تجعل من الصعب العمل باستمرار، وذلك يسهم في خلق أزمة اقتصادية تؤدي إلى فقدان تدريجي للسيطرة على الأرض وخاصة في نابلس”.
واستشهد على ذلك “بمحاولة السلطة الفلسطينية الفاشلة قبل 3 أسابيع اعتقال أبو شجاع (محمد جابر)، قائد كتيبة طولكرم التابعة للجهاد الإسلامي، الذي نقل إلى المستشفى في المدينة بعد إصابته في محاولة اغتيال إسرائيلية، حيث قوبلت قوات الشرطة الفلسطينية التي دخلت المبنى بحشد غاضب طردهم من المبنى وأنقذوا الرجل المطلوب وحملوه على أيديهم في موكب.
ورأى الباحث أن حركة فتح تشهد تفككا متسارعا الآن، و”تنعكس هذه العملية في نمو المليشيات المحلية التي لها ظاهريا علاقات مع المنظمة الأم، ولكنها في الواقع تعمل كمنظمات ذات طابع إسلامي متطرف”.
وينعكس ذلك في شريط فيديو من قبل أسبوعين لمنظمة تسمى “الرد السريع” من مخيم طولكرم للاجئين، يعلن فيها أحد قادتها: “سنسير على طريق الشهداء حتى تتحرر فلسطين من نجاسة اليهود، هذا جهاد هدفه النصر أو الشهادة”.
وقال إنه في مناطق عدة، لا سيما جنين وطولكرم، تتعاون عناصر من فتح مع عناصر حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين لتشكيل خلايا مقاومة.
ولمواجهة حالة التصعيد هذه، دعا الكاتب إلى النظر بحذر ثاقب إلى الضفة الغربية، والتركيز على الاستقرار الاقتصادي، وتقوية السلطة الفلسطينية، وتعزيز ردع الشعب الفلسطيني.
وختم بالقول إن “جهود الجيش الإسرائيلي التي حالت حتى الآن دون سيناريوهات مرعبة مثل انتفاضة ثالثة يتم تقويضها بمعدل متزايد وستؤدي قريبا إلى تحدّ إستراتيجي خطير”، داعيا إسرائيل إلى “إنهاء حملات الاستنزاف في الشمال والجنوب والتركيز على التهديد الإيراني”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف قوات الاحتلال انتفاضة ثالثة الضفة الغربية المقاومة المستوطنين أکتوبر تشرین الأول السلطة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة انتفاضة ثالثة
إقرأ أيضاً:
حسن خريشة لـعربي21: هذا سر تمسك السلطة الفلسطينية بالاتفاقيات مع إسرائيل
قال نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، الدكتور حسن خريشة، إن "تمسك السلطة الفلسطينية بالاتفاقيات مع إسرائيل، وعلى رأسها اتفاق أوسلو، لا يعود إلى قناعة وطنية أو سياسية، بل إلى مصالح فئوية مرتبطة ببقاء السلطة نفسها، وهذه الاتفاقيات أصبحت الإطار الوحيد الذي يبرر وجود السلطة، ويوفر لها الغطاء السياسي والدعم المالي، حتى لو كان ذلك على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية".
وأوضح خريشة، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "السلطة لا تستطيع الانفكاك من هذه الاتفاقيات لأنها ببساطة لم تُبنَ على مشروع تحرري حقيقي، بل على دور وظيفي مُحدد"، مضيفا: "السلطة تلتزم أمنيا بالاتفاقيات لأنها تضمن بقاءها، وتُرضي المانحين، وتُحافظ على امتيازات الطبقة السياسية، فيما يُترك الشعب يواجه الاحتلال وحده".
وشدّد على أن "كل مَن راهن أو روّج لموضوع حل الدولتين قد باع الوهم للشعب الفلسطيني؛ فاتفاقية أوسلو لم يذكر فيها بند بشكل واضح لإقامة دولة فلسطينية، وإنما نحن الفلسطينيون من اخترعنا هذا الموضوع لنقول إن هناك حل الدولتين، وهو ما تبناه الأوروبيون، وتبناه أصدقاء لنا في العالم، لكن الأمر لم يعد ممكنا في الظروف الحالية، وبالتالي أصبح حل الدولتين جزءا من الماضي".
وذكر خريشة أن "التاريخ الفلسطيني الحديث بدأ في 7 أكتوبر 2023، وحركة حماس صنعت معجزة بكل المقاييس لم يكن يتوقعها أحد، والشعب الفلسطيني موحد خلف مقاومة أنجزت انجازا كبيرا، وقدّمت تضحيات كبيرة، وأعتقد أن أي انتخابات قادمة ستفوز بها المقاومة"، متابعا: "ليس لدينا خيار سوى أن نصمد ونقاوم".
وإلى نص المقابلة المصورة مع "عربي21":
كيف ترى العملية العسكرية الواسعة التي بدأتها إسرائيل في الضفة الغربية في يناير/ كانون الثاني الماضي ومساعيها الرامية لمحو المخيمات؟
هذه العملية هي تكرار لعمليات سابقة كان الهدف منها -كما أعلن الإسرائيليون- اجتثاث المقاومة، لكن هذه العملية الجديدة التي بدأت منذ أكثر من 88 يوما في جنين، و82 يوما في مخيم طولكرم، وكذلك في نور شمس لها أهداف مختلفة كثيرة، وتختلف عن كل المرات السابقة التي كانت تشتمل على اجتياحات، وتدمير بنى تحتية.
هذه المرة هناك تدمير بنى تحتية، وحرق عدد من البيوت، هدم عدد آخر، واتخاذ المتبقي منها في المخيمات كثكنات عسكرية، والأهم من ذلك هو طرد الناس بالقوة من بيوتهم، وتشكيل فرق هندسية تعمل من أجل هدم البيوت وتحويل الزقاق الذي كان عرضه مترين إلى شارع عرضه 20 مترا، وتقسيم المخيم إلى مربعات الهدف منه في النهاية إنهاء فكرة المخيم باعتبار القضية الفلسطينية كلها هي قضية لجوء وحق عودة.
كل هذا بالتزامن مع منع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين من القيام بواجباتها وعملها المنوطة به، وهو ما يُعتبر احتلال مباشر لشمال الضفة الغربية، وتحديدا لهذه المخيمات، ومن ثم تتسع هذه الدائرة لتشمل معظم شمال الضفة الغربية، فالبداية كانت من جنين ثم نور شمس، ثم طولكرم وطوباس والفارعة، ومخيم بلاطة، والعديد من المناطق الأخرى.
وهذا يترافق مع إطلاق يد المستوطنين لتكثيف وتعزيز الاستيطان من خلال استخدامهم كأداة من أدوات جيش الاحتلال، فهم يحرقون المنازل، ويغلقون الطرق.
وهناك قضية جديدة تطفو على السطح بشكل مكثف وهي "الاستيطان الرعوي"، بمعنى: مستوطن واحد يجلب عددا من الأبقار والأغنام، ثم يحوّط المنطقة التي يرعى بها، وبالتالي تصبح هذه الأرض جزءا من الاستيطان، والأغوار أكبر مثال على ذلك.
أيضا هناك محاولات لشق طرق كبيرة في القدس، وهو ما يجري بالتوازي مع العملية العسكرية التي يقوم بها الاحتلال في شمال الضفة الغربية، التي تهدف إلى إلغاء المخيم، ثم تهجير السكان، ومنع عودتهم إلى المخيمات أو المناطق التي هجروا منها، وهو ما يتوافق مع رؤية ترامب حين يتحدث عن المستوطنات، فقد كانت الإدارة الأمريكية قديما تقول إن الاستيطان عقّد طريق التسويات، أما الآن فقد ظهرت مصطلحات جديدة تُعمّم وتُستخدم بشكل مكثف مثل مصطلح (يهودا والسامرة) الذي يُطلق على الضفة الغربية، وهو المصطلح الذي تبنته الإدارة الأمريكية الجديدة من خلال اعتماد هذه التسمية عبر سفيرها الموجود لدى إسرائيل.
والهدف من ذلك كله هو الاستيلاء على الضفة الغربية، وضمها للاحتلال، وقد أتضح ذلك خلال تصريحات قادة الاحتلال، أو قرارات الكنيست.
أضف إلى ذلك: البوابات الحديدية التي تنشر على كل الطرق الداخلية، والخارجية الرابطة بين المدن، وحتى بين القرى، من أجل إنشاء "معازل" تمنع في المستبقل قيام أي كيان تواصلي بين هذه المدن ومحيطها، بمعنى هناك محاولات لضم الضفة الغربية بشكل كامل، ومنع إقامة أي دولة فلسطينية في المستقبل.
لماذا لم نلحظ انتفاضة واسعة داخل الضفة منذ اندلاع "طوفان الأقصى" وإلى الآن؟
المواجهات العسكرية أو المظاهر المسلحة أو أنشطة الكتائب الفلسطينية موجودة قبل "طوفان الأقصى"، ومع انطلاق "طوفان الأقصى" ازدادت نشاطا وتجذرا، لكن البيئة في الضفة الغربية ليست موائمة للمقاومة بشكل كبير؛ لأن السلطة لديها قرار واضح بعدم تصعيد الأمور مع الإسرائيليين لأسباب كثيرة، منها عدم قدرتها أو عدم رغبتها في مواجهتها، والالتزام بالاتفاقات، وغيرها من الأسباب.
كما أن الاحتلال كان يقوم كل فترة باجتياح مخيم ما، ويستخدم كل ما يمتلك من أدوات سواء كانت تكنولوجية، أو التحرك على الأرض من أجل اجتثاث المقاومة، وقد فشل في المرات السابقة، لكن هذه المرة الأمور تغيرت، ففي البداية كانت هناك انتفاضة مسلحة، واليوم الانتفاضة لم تعد موجودة نتيجة الإجراءات التي يتخذها الإسرائيليون، أو تتخذها السلطة الفلسطينية مع الأسف.
هل فشلت كل محاولات استنساخ تجربة "مقاومة غزة" في الضفة الغربية؟
في البداية كنا نسميهم هؤلاء "الفدائيين الجدد"، وكانت بداياتهم في عام 2021 مشجعة، وكان الجانب الإسرائيلي يخشى أن يكون هناك نموذج مشابه لنموذج غزة، لذلك بذلوا جهدا كبيرا جدا من أجل اجتثاث هذه الظاهرة، على اعتبار أن المدن الفلسطينية الموجودة في المخيمات سواء في طولكرم أو قلقيلية أو جنين هي مدن بالخاصرة الإسرائيلية، بمعنى أن المسافة بين طولكرم -على سبيل المثال– للبحر لا تزيد عن 12 كيلو مترا، وبالتالي هي خاصرة رخوة للإسرائيليين.
لذا، حاول الاحتلال بكل السبل عدم استنساخ ما جرى في غزة، أو على الأقل ألا تكون هناك إمكانيات لهذه المقاومة قادرة على إيقاع الأذى الكبير بالإسرائيليين.
والآن نرى أن هناك احتلالا مباشرا، ولا توجد مقاومة حقيقية كما كانت في عام 2021 وحتى بعد "طوفان الأقصى"؛ لاعتبارات كثيرة أهمها، وأخطرها هي الإجراءات التي تعزل المناطق بعضها عن بعض، ليسهل الاحتلال المباشر لتلك الأراضي.
ما الذي أضعف المقاومة في الضفة بشكل أكبر.. الضربات الإسرائيلية أم قمع السلطة؟
الذي أضعف المقاومة، أو كان له التأثير الكبير عليها هو أمرين: الأول، الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، بالإضافة إلى موقف السلطة التي لم تكن ترغب بالأساس بأن تكون هناك انتفاضة أو مقاومة مسلحة للإسرائيليين، لذا كانت هناك عمليات اعتقال، ورأينا كيف أطلقوا عليها في جنين "حماية وطن"، لكن مع الأسف "عملية حماية وطن" لا تحمي مَن يريد حماية الوطن.
كان من المفترض أن القائم على "حماية وطن" أن يحميه من مستوطني الاحتلال، لكن مع الأسف هذا الأمر ساهم في إضعاف المقاومة، من خلال حملات الاعتقالات، والملاحقات المستمرة لهؤلاء الشباب.
بالإضافة إلى أن الاحتلال استخدم كل ما لديه من قوة، فنحن نعيش الآن حرب إبادة حقيقية هنا في الضفة الغربية على غرار ما جرى في غزة، ولدينا على سبيل المثال العديد من القرى المهجّرة، وهناك على الأقل 15 ألف نازح أو مُهجّر من المخيمات، والنصيب الأكبر من هذا العدد من مخيم جنين، لذا الأمور باتت مختلطة، ولهذا كان الإضعاف مُتعمد جدا للمقاومة في الضفة الغربية.
وأقول إن السلطة الفلسطينية اليوم لم تعد مشروعا وطنيا، ولا حتى حالة انتقالية نحو الاستقلال كما روّجوا لنا. ما يجري على الأرض يشي بأنها باتت ذراعا وظيفيا للاحتلال، تؤدي دورا أمنيا وسياسيا واقتصاديا لتثبيت وجوده، وقمع كل ما يهدد هذا "الاستقرار" المزعوم.
باتت المقاومة تُلاحَق في الضفة على يد الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تأسست إثر توقيع اتفاق أوسلو، تحت لافتة التنسيق الأمني، وهو تنسيق لا يصبّ إلا في مصلحة الاحتلال.
والسلطة تُعيد إنتاج نفسها ككيان بيروقراطي، يتغذى على المساعدات، ويعيش على رواتب الموظفين، ويسهر أحيانا على راحة المستوطنين أكثر من سهره على حماية أبناء شعبه.
الانتخابات مغيبة، والمجلس التشريعي مشلول، والرئاسة مُحتكرة منذ أكثر من عقد ونصف، بينما تُمارس السلطة القمع والتضييق على الحريات، وتدير الضفة بعقلية أمنية لا تختلف عن عقلية المحتل.
إن ما يجري لم يعد قابلا للتجميل أو التبرير، ولم تعد هناك مساحة للحديث عن "تصويب المسار". فالمسار من أساسه مختل، والسلطة انحرفت عن كل ما كان يؤمل منها.
الواقع يقول: لدينا سلطة تُشغّل بعض الناس عند الاحتلال، وتلاحق المقاومين، وتمنع أي عمل وطني حقيقي، وتُدير ملفاتها بإشراف مباشر من المانحين ومنسق الاحتلال.
كيف تقيم تجربة أوسلو، وكيف ترى الموقف من حل الدولتين والموقف من الدولة الواحدة؟
هذا الأمر تبناه الرئيس الأمريكي «بوش الابن» في الفترة السابقة قبل 23 عاما تقريبا، وكل مَن راهن أو روّج لهذا الموضوع قد "باع الوهم" للشعب الفلسطيني؛ فاتفاقية أوسلو لم يذكر فيها بند بشكل واضح لإقامة دولة فلسطينية، وإنما نحن الفلسطينيون من اخترعنا هذا الموضوع لنقول إن هناك حل الدولتين، وهو ما تبناه الأوروبيون، وتبناه أصدقاء لنا في العالم.
لكن الأمر لم يعد ممكنا في الظروف الحالية، بدليل الحرب التي تجري في غزة، ونتائج الاستيطان المكثف والعدوان المستمر على الضفة الغربية، لذا "وهم" حل الدولتين يتلاشى يوما بعد يوم، ويجب علينا ألا نصنع للإسرائيليين مبررات أو أوهام.
وقد رأينا كيف تعامل الاحتلال مع المبادرة العربية التي طرحت عام 2002، والآن هناك مشروع عربي الذي هو نتاج القمة العربية الأخيرة، ومع الأسف ما زال حبرا على ورق، ولم يطبق أي منه؛ وأعتقد أن السبب في ذلك هو الإدارة الامريكية، بجانب الإسرائيليين، بالإضافة للضعف الرسمي الفلسطيني الذي لا يعتبر نفسه جزءا من هذه الحرب التي تُشنّ على قطاع غزة، ولا هنا في الضفة الغربية، وإنما أصبح جزءا من النظام العربي الرسمي، وهو ما ينعكس على الحالة الفلسطينية.
لذا، أعتقد أن "حل الدولتين" بات جزءا من الماضي، وليس على الفلسطينيين إلا الصمود والمواجهة في حرب الإبادة التي يتعرضون لها، فهي حرب وجود بالنسبة لنا، وقد عايشنا حروبا كثيرة، وكان الشعب الفلسطيني دائما ما يصمد فيها، ويخرج منها يلملم جراحه، وفي النهاية هو صامد وباق في أرضه.
لكن البعض يؤمن بأن «أوسلو» لا تزال سارية المفعول؟
ما بقي من «أوسلو» هو "بقايا سلطة"، قبل أوسلو كانت فلسطين قريبة للفلسطينيين، وكان لدينا طموحات عريضة وآمال كبيرة، لكن بعد أوسلو رأينا أنها لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى المزيد من الاستيطان، بالإضافة إلى الانقسام الداخلي الفلسطيني، وفي عام 2002 اجتاح الإسرائيليون مخيم جنين، وقالوا: "إن أوسلو قد انتهت" ثم طُرحت المبادرة العربية ورفضوها، فكانت الدبابات الإسرائيلية دائما تلغي الاتفاقات.
وعندما نتحدث عن أوسلو نتحدث عن «مناطق أ، ب، ج» وما تم احتلاله في الضفة الغربية هي مناطق (أ) وهي تحت السيادة الفلسطينية بالأساس.
هناك إجماع وطني فلسطيني من خلال المجلس الوطني، والمجلس المركزي، والمجالس الوطنية الأخرى منذ 2015 بضرورة إنهاء أوسلو، وما ترتب عليها، وأهمها إلغاء التنسيق الأمني، لكن مع الأسف الشديد لم تنفذ هذه القرارات حتى اللحظة بالرغم من إدراكنا التام أن الكل الفلسطيني مُستهدف، وليس المقاومة في غزة فقط، بل كل الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو في الضفة الغربية.
المُستهدف هو المقاوم والمفاوض الذي يأمل تحقيق إنجاز حل الدولتين، لذا مطلوب منا اليوم أن نوحد جميع صفوفنا، وأن نلم شملنا من أجل أن نجيب على السؤال الكبير: كيف تُستثمر القضية الفلسطينية بوضعها الحالي؟، علما بأن «طوفان الأقصى» زلزل المنطقة بشكل كامل، فكل التغييرات التي تجري في العالم الآن كان وراءها "طوفان الأقصى".
ما سر تمسك السلطة بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل؟
يقولون إنهم غير قادرين على مواجهة الإسرائيليين، ويقولون إن هناك "كيانية فلسطينية" قد أُنشئت، وهو ما لم نراه على الحقيقة، فالسلطة الفلسطينية تتآكل يوما بعد يوم، وحتى الإسرائيليون يستهدفون هذه السلطة، بمعنى أنهم يريدون سلطة ضعيفة تخدم الأجندة الإسرائيلية، وليست قوية تخدم الفلسطينيين، وإنما دور وظيفي لهذه السلطة.
وحتى اللحظة لا توجد "أجسام شرعية" في هذه السلطة، بمعنى لا توجد مؤسسة مُنتخبة في السلطة الفلسطينية، وقسم من هؤلاء ما زال -بكل أسف- يعتقد بإمكانية تحقيق تسويات مع الاحتلال، وقسم آخر يعتقد أن السلطة أو الحكم الذاتي هو "كيانية" فلسطينية ستؤدي بنا في المستقبل إلى الدولة.
لكن بعد أكثر من 25 عاما ما زالت الأرض الفلسطينية تتقلص يوما بعد يوم، والاستيطان يزداد، ومع ذلك ما زال البعض يتمسك ببقايا أوسلو، رغم أن تلك الاتفاقية هي ما جلبت هذا الدمار الكبير الذي نراه اليوم؛ فعندما قسّموا المناطق لـ أ، ب، ج لم يتطرقوا للاستيطان والمستوطنات، أو القدس.
وتمسك السلطة الفلسطينية بالاتفاقيات مع إسرائيل، وعلى رأسها اتفاق أوسلو، لا يعود إلى قناعة وطنية أو سياسية، بل إلى مصالح فئوية مرتبطة ببقاء السلطة نفسها، وهذه الاتفاقيات أصبحت الإطار الوحيد الذي يبرر وجود السلطة، ويوفر لها الغطاء السياسي والدعم المالي، حتى لو كان ذلك على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية، والسلطة لا تستطيع الانفكاك من هذه الاتفاقيات لأنها ببساطة لم تُبنَ على مشروع تحرري حقيقي، بل على دور وظيفي محدد، وهي تلتزم أمنيا بالاتفاقيات لأنها تضمن بقاءها، وتُرضي المانحين، وتُحافظ على امتيازات الطبقة السياسية، فيما يُترك الشعب يواجه الاحتلال وحده، وهذه الاتفاقيات منحت السلطة شكل الدولة دون أن تمتلك مقوماتها، ولذلك لا تزال تتمسك بها رغم فشلها عمليا.
أعتقد أن مَن صنع أوسلو يندم على فعله اليوم أشد الندم، وأحمد قريع –رحمه الله- كان يقول ذلك بشكل واضح، والرئيس عرفات قال: "وقعنا في فخ الإسرائيليين" من خلال هذا الاتفاق "المسخ" الذي قسّم الشعب الفلسطيني، وكثّف الاستيطان، وأطاح بطموحات الفلسطيني التي كانت تتلخص دائما في العودة والتحرير.
كان المشروع الوطني الفلسطيني هو العودة والتحرير، ويبدو أن العودة اليوم أصبحت صعبة جدا، والتحرير أصبح جزءا من الأدبيات التاريخية للشعب الفلسطيني.
نأمل في ظل الوضع الحالي أن نتماسك نحن الفلسطينيون من أجل أن نصنع مشروعنا الوطني الثابت والواضح الذي يتمثل في العودة والتحرير.
هل يمكن القول بأن السلطة الفلسطينية اليوم باتت بلا شرعية؟
ليس هناك جسم شرعي واحد في السلطة الفلسطينية؛ فقد كان لدينا مجلس تشريعي منتخب، وتم حل هذا المجلس على وعد بأن تكون هناك انتخابات بعد 6 شهور، وهو ما لم يحدث.
تستخدم منظمة التحرير، والمجلس الوطني، والمجلس المركزي بديلا عن الأجسام الشرعية المنتخبة في فلسطين، لذا نحن بحاجة لتجديد الشرعيات، وهذه الشرعيات يجب أن تجدد عبر صندوق الاقتراع؛ ففي السابق كان الحصول على الشرعية عبر الكفاح المسلح والمقاومة، وهذه المقاومة في الضفة الغربية لم تعد قائمة ولا السلطة تتبناها، وبالتالي صندوق الاقتراع هو الخيار الوحيد لنا، ونأمل في الفترة القادمة عندما تهدأ الأجواء أن يكون هناك توجه حقيقي لانتخابات، علما بأن الانتخابات التي كانت مقررة في فترة سابقة قد ألغيت بحجج لا تصمد أمام الواقع.
وبالتالي شرعية صندوق الاقتراع غير متوفرة، والمؤسسات الفلسطينية غائبة، وعندما تكون هناك حكومة فلسطينية لا تُعرض على المجلس التشريعي، ولا تأخذ الثقة من جسم شرعي منتخب، لذا لا تستطيع أن تمارس عملها، وبالتالي هناك تجاوزات كثيرة للقانون الأساسي الفلسطيني في هذا الشأن.
في حال إجراء انتخابات خلال الفترة الراهنة.. كيف ترى فرص أو حظوظ فوز حركة حماس بالمقارنة بحركة فتح؟
هذا «الطوفان» بالنسبة للفلسطينيين كان حلم، وهذا الحلم أصبح حقيقة ناصعة على الأرض، ورأينا كيف يقاوم ويقاتل الشباب الفلسطيني، ورأينا كيف يقدم شعبنا الفلسطيني كل التضحيات الجسام ليصنع تاريخ جديد للشعب الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني شعب موحد خلف مقاومة أنجزت انجازا كبيرا، وقدّم تضحيات كبيرة، وأعتقد أن أي انتخابات ستفوز بها حركة حماس، وسيفوز "برنامج المقاومة" على "برنامج التسويات"، علما بأن "برنامج المقاومة" هو مَن فاز في 2006 في الانتخابات التشريعية، والنتائج ذاتها ربما تكرر مرة أخرى.
ما طبيعة الاتصالات التي لا تزال قائمة بين السلطة وإسرائيل؟
حتى اللحظة هناك تنسيق أمني واضح، لكن الإسرائيليين لا يعيرون السلطة أي اهتمام، ولا تحظى بتقدير يُذكر من الإسرائيليين، ومع ذلك هناك استمرار في ملف التنسيق، وهو تنسيق من جانب واحد؛ لأن الإسرائيليين يريدون استخدامنا، ولا يعتبرونا شركاء في تسوية، أو سلام، أو حتى في اتفاقية أوسلو.
هل تملك إسرائيل أوراق ضغط على السلطة ورموزها؟
بكل تأكيد فهذا احتلال، والاحتلال يعمل على مدى سنوات طويلة من أجل تدجين الفلسطينيين، اليوم عندما نرى في شمال الضفة الغربية سيارات الجيش الإسرائيلي تجوب الشوارع، حتى يشعروا الناس أن هذا شيء طبيعي ويعتاد الناس هذه الصورة المشينة.
وعلى الجانب الآخر هناك عملية تدجين من خلال فرض عملية التعايش، عندما يقول الإسرائيليون إنهم لن يخرجوا قبل نهاية العام من المخيمات أو من شمال الضفة الغربية، نجد بعض الناس تتعامل مع الأمر بمنتهى الرضا.
مع الأسف الشديد بعض المناطق تخوض صراع ومواجهات مع الاحتلال بشكل مباشر، في حين بعض المناطق الأخرى تعيش حياتها بالطريقة العادية، بمعنى أصبحت كل مدينة وكل محافظة تدافع عن نفسها بنفسها بعيدا عن ترابطها مع الآخرين، سواء كان ذلك على امتداد ساحة الوطن في الضفة الغربية بأكلمها.
ما طبيعة أوراق الضغط التي تملكها إسرائيل على السلطة؟
أولا تملك قضية المعابر، ثانيا تملك قضية المقاصة واحتجاز الأموال وهي إحدى نتائج أوسلو، وتمتلك قضية السجون والاعتقالات، وتمتلك منع السفر لهؤلاء للناس، وتمتلك أيضا تلميع البعض في هذا الشأن، وتمتلك قوات على الأرض، وعندما تسأل الفلسطيني مَن يوجد في المخيمات الآن يقول البعض: "إنه الجيش"، وهو وسيلة ضغط كبيرة على الفلسطينيين.
هناك محاولة إفقار للفلسطيني، هذا الإفقار يأتي عن طريقين: منع العمال من التوجه إلى أعمالهم، والموظفون لا يستطيعون أخذ رواتبهم كاملة، نتيجة تجميد أموال المقاصة.
نرى أيضا حملات منظمة ضد البنوك الفلسطينية، أو القطاع المصرفي الفلسطيني بشكل عام، وكلها عمليات إضعاف متعمدة وممنهجة من قِبل الإسرائيليين حتى تبقى السلطة ضعيفة، وتستمر في الالتزامات التي لا تلتزم بها إسرائيل بأي صورة من الصور.
هل السلطة الفلسطينية مُخترقة من إسرائيل، وهل يمكن القول إن الاحتلال يملك أوراق فساد أو ابتزاز ما بحق بعض رموز السلطة؟
بالطبع فالاحتلال في عمل دائم، وهذه الأمور كانت موجودة سابقا، وستبقى موجودة، لأن كل الدول المحتلة تعمل على إسقاط الآخرين ليعيشوا تحت الاحتلال.
وأعتقد أن الأمر يتم عبر تخويف، وتهديد، وابتزاز للكثيرين سواء كان عبر بطاقات (v.i.p) أو عبر التصاريح والمنافع الاقتصادية، وما شابه، ويتم استخدام الابتزاز بصورة أو بأخرى في التعامل مع بعض رموز هذه السلطة.
كيف ترى شعبية ودور الرئيس محمود عباس في الوقت الراهن؟
قلت إن السلطة منذ البداية اتخذت قرارا بعدم المشاركة في الحرب، وكأن الحرب تجري في عالم آخر، وبالتالي هي لم تكن شريكة لأسباب كثيرة، هذا الأمر جعل السلطة تعزل نفسها بنفسها، بالإضافة إلى صعود المقاومة، ووقوف الحاضنة الشعبية وراء المقاومة أضعف السلطة بشكل كبير.
السلطة اليوم تعيش أزمة كبيرة وكأنها مغيبة عن الواقع، وأيضا الفصائل نفسها تعيش أزمة؛ لأن الدور الإغاثي يفترض أن تقوم به السلطة، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين، والفصائل الفلسطينية، لكن يبدو أن هؤلاء تخلوا عن دورهم، وكأنهم في عالم، والناس في عالم آخر.
عندما كان هناك إضراب مؤخرا، الذي تبنى الموضوع بالأساس هم المحامون، وبالتالي النقابات المهنية أصبحت تأخذ دور الفصائل نتيجة تنازل الأخيرة، وبمعنى آخر تخلي الفصائل عن دورها الحقيقي في المواجهة التي تجري بين الشعب الفلسطيني وبين الإسرائيليين على كل الصعد.
لماذا فشلت كل محاولات المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية خلال المراحل السابقة؟ ومَن المسؤول عن ذلك؟
النخب السياسية الفلسطينية ما زالت تعيش صراعاتها الداخلية، وتعيش أحلامها وأوهامها، ومصالحها، لذا عندما ذهبوا إلى كل عواصم العالم وكان آخرها الصين، وروسيا، والقاهرة.. تجدهم يتفقون ثم يعودون إلى كرتهم الأولى.
ما زال البعض منهم ليس لديه رغبة في إنهاء الانقسام، وليس لديه قرار، بالإضافة إلى المحيط الإقليمي، فهناك أيدي وأرجل كثيرة في الساحة الفلسطينية تمنع ذلك.
ومن ناحية أخرى كلٌ يريد التشبث بموقفه، على اعتبار أن موقفه هو الموقف الصحيح. المقاوم يقول ذلك، والمفاوض يقول ذلك.. والفصائل الفلسطينية فشلت في تشكيل كتلة مانعة تمنع الانقسام، أو كتلة جامعة تجمع المنقسمين من أجل إنهاء حالة الانقسام الداخلي.
واليوم نحن نتعرض لحرب وجودية، وبالتالي مطلوب التوحد من كل الفلسطينيين بكل هيئاتهم، وفئاتهم، وتوجهاتهم على اعتبار أن الاستهداف لهم جميعا، ولا أحد يمتلك حصانة ضد الاستهداف من قِبل الإسرائيليين.
لذا، يجب أن يوحد شعبنا الفلسطيني، لأن هذا الدم الذي أريق في غزة، وتلك الضحايا، وهذا الدمار الكبير الذي يحصل في غزة، أو هنا في الضفة الغربية لم يستطع أن يوحد هؤلاء أو على الأقل أن تخرج أصوات حقيقية تقول إنها مع تشكيل هيئة أو حكومة فصائلية وطنية، وإنهاء خلافاتهم بصورة أو بأخرى، وما زال كل منهم يحاول أن يدير الصراع بالطريقة التي تخدم مصالحه، ويريد أن يرمي الكرة في ملعب الآخرين.
أعتقد أن هذا الأمر نتاج عدم وجود رغبة، أو عدم وجود قرار، أو إرادة سياسية بهذا الشأن، فالكل يريد أن يحافظ على ما حصل عليه من مكاسب نتاج هذا الانقسام.
ما مستوى التماسك الشعبي في غزة على ضوء الأحداث والمظاهرات التي شهدها القطاع سابقا؟
أنا كفلسطيني، ونائب في المجلس التشريعي، أعتقد أن الناس تمتلك حرية الرأي والتعبير والتظاهر، وقول ما يشاؤون، وتحديدا عند ما يكونون في قطاع غزة؛ لأنهم هم أصحاب الجرح، ويعيشون الدمار.. وقد أوصلوا رسالة واضحة أن حرب الإبادة ليست ضد المقاومة ولا ضد حماس فقط، بل تستهدف كل الشعب الفلسطيني.
لكن الذي لم أستطع أن أفهمه أن تخرج مسيرة أو تجمع من الناس في رام الله تهتف بشعارات تشعرنا بالعار؛ فكيف تقول: "حماس برة برة، وحماس إرهابية"، وتطالب بنزع سلاح المقاومة، ويطالبون أيضا بتهجيرهم.
هؤلاء (حماس) هم مَن صنعوا هذا العز والكرامة، وصمدوا بشكل بطولي لأكثر سنة ونصف في وجه أعتى قوة في الشرق الأوسط شريكة مع أكبر قوة في العالم أمريكا وغيرها، أعتقد أن هؤلاء يجب أن يُكرموا لأنه لا توجد حروب بدون تضحيات كبيرة.
نفهم الألم، ونتفهم الجرح، لكن أن تصدر هذه الشعارات هنا في رام الله فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا، وشعبيا مرفوض؛ لأن الشعب الفلسطيني ما زال يتغنى بـ 7 أكتوبر، بالرغم من ملاحظات البعض هنا وهناك، لكن عندما نقول سحب سلاح المقاومة، فإن السلاح الفلسطيني كان دائما شرف للفلسطيني، وتمسك به سنوات طويلة، ولم أر فلسطينيا واحدا يتنازل لا عن شرفه ولا عن سلاحه.
هؤلاء القادة الكبار الذين قدّموا أرواحهم هم وأبناءهم وعائلاتهم كلهم، وكل مَن في قطاع غزة قدّم الكثير خلال حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وبالتالي صرخاتهم، وألمهم مفهوم، لكن أن يكون هناك صدى لهذا الصوت هنا في رام الله فهذا أمر غير مفهوم ومُدان.
مَن يقف خلف محاولات الفتنة في غزة؟
إنها أصابع الإسرائيليين، نتنياهو فشل فشلا ذريعا طوال سنة ونصف في حرب استخدم فيها كل وسائل التكنولوجيا، ووسائل حرب الإبادة، ولم يحقق أيا من أهدافه التي تحدث عنها، بدءا بالحديث عن تحرير الأسرى، وإنهاء حكم حماس عسكريا وإداريا، وقد فشل في ذلك، والآن يستخدم الأدوات الجديدة التي كان يستخدمها دائما، وهي التركيز على الانقسام الداخلي، فقد حاول خلال سنوات طويلة أن يقسم الشعب الفلسطيني، لكن الشعب الفلسطيني كان دائما يتوحد عندما يواجه هذا الاحتلال.
واليوم أعتقد أن أصابع إسرائيل موجودة، أصابع من أبناء جلدتنا أيضا موجودة للأسف الشديد، وبالتالي هم يحاولون فرض فكرة أن المقاومة فشلت، وتحميل المقاومة مسؤولية هذا الدمار، في حين أن كل العالم يدرك أن هذا الدمار مسؤولية الإسرائيليين والأمريكان.
وحتى لو خرجت حماس من غزة أو استسلمت حماس.. فإن الإسرائيلي سيكمل مشروعه الواضح، وهو مشروع التهجير، وإعادة الاحتلال، وهو ما يتوافق مع رؤية ترامب التي تحدث فيها عن "ريفيرا غزة".
لكن هذا لا يؤثر كثيرا على مجريات الأحداث، لأن الناس ليس لها خيار في غزة إلا أن تصمد وتنتصر، وهي منتصرة، فمن صمد 17 شهرا أو سنة ونصف في وجه هذا العدوان سيستمر في الصمود؛ لأنه ليس له خيار آخر سوى أن يبقى، وأن يبقى الوطن، وأن تبقى غزة.
بالنسبة لي: التاريخ الفلسطيني الحديث بدأ في 7 أكتوبر، وهؤلاء صنعوا معجزة بكل المقاييس لم يكن يتوقعها أحد، وحلم تم تحقيقه على الأقل في الأيام الأولى من هذه الحرب، وهذا ما نعيشه سواء كان في الضفة الغربية أو في غزة أو في الشتات الفلسطيني الذي ما زال يؤمن بأنه ليس لدينا خيار سوى أن نصمد ونقاوم.
بماذا تقصد بـ "أصابع أبناء جلدتنا" التي ذكرت؟
أقصد نحن الفلسطينيين؛ فجزء منا يريد أن تنتهي المقاومة من أجل العودة إلى قطاع غزة، لكن المستفيد الأول من ذلك هم الإسرائيليين بالدرجة الأولى.
وأعتقد أن الأمر في النهاية سينتهي بالحكمة والعقل، فما من بيت في غزة إلا وقدّم ضحايا وتضحيات من أجل هذه الحرب، ومَن يقدم الدم يحق له الكلام، أما استثمار ما جرى على حساب مَن قدّم الدم فهذا أمر مرفوض ومعيب جدا.
كيف تقيم دور الإمارات في دعم القضية الفلسطينية؟
لا أود الحديث عن الإمارات على وجه الخصوص، فأنا أشعر بالخذلان من عالمنا العربي الرسمي بشكل كامل؛ فهؤلاء عقدوا أول قمة بعد 35 يوما من الحرب، واتخذوا عددا من القرارات (12 قرارا تقريبا)، ثم عادوا إلى قمة أخرى واتخذوا ثلاث قرارات أخرى زيادة عن القرارات سابقة، ومع الأسف لم يطبق منها شيئا.
الجانب الإسرائيلي كان يدرك منذ اللحظة الأولى أن هذه الحرب لن يشارك فيها أي عربي مع الفلسطينيين باستثناء اللبنانيين واليمنيين، أما بقية العرب وقفوا موقف المتفرج.
وعندما نرى حجم التظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية التي تجري في أمريكا، وغيرها من دول العالم.. لم نرَ مثلها في عالمنا العربي، الذي كان ينتفض في الستينات، والسبعينات، والثمانينات في انتفاضات كانت تمتلئ بها الشوارع العربية من أجل فلسطين.
يقولون إنهم خاضوا حروبا ثلاثة أو أربعة ضد إسرائيل من أجل القضية الفلسطينية، واليوم أشعر بالأسى والأسف نتيجة تركنا وحدنا في هذه المعركة.
لو أرادوا الوقوف معنا فإمكانيات وقدرات الأمة العربية قدرات كبيرة جدا، فكان بإمكانهم الضغط على الأمريكيين من أجل وقف الحرب منذ زمن لو استخدموها، أو استخدموا على سبيل المثال طرد السفراء الإسرائيليين، ووقف عمليات التطبيع، وغير ذلك.
كان بإمكان الأمة أن تصنع شيئا على المستوى الإغاثي، فكثير قدموا لنا مساعدات عينية، لكنها ليست المطلوبة، فأنا لا أريد كرتونة طعام، بل أريد أن تقف معي في المحافل الدولية وتضغط على الإسرائيليين لوقف هذه المجازر التي لم يحدث مثلها في العصر الحديث، فلم نسمع أو نقرأ في كتب التاريخ عن حرب إبادة استمرت سنة ونصف على شعب تعداده مليونين ونصف المليون على مساحة جغرافية صغيرة، على مرأى ومسمع من العالم.
أشعر مثل كثير من الفلسطينيين بالأسى؛ فالعالم العربي تخلى عنا بشكل مخزٍ في الوقت الذي كنّا بحاجة ماسة له، فنحن لم نقصر يوما في علاقتنا مع أي بلد عربي رغم ضعف وقلة إمكانياتنا.
كنت من الجيل الذي عاصر الفصول الأخيرة من الثورة الجزائرية، وكنّا في المدارس في حالة فقر مدقع، وكان على كل طالب أن يدفع يوم السبت من كل أسبوع قرشا أو تعريفة لصالح صندوق لدعم الثورة الجزائرية، علمونا كيف ننشد للجزائر، لكن اليوم لا أحد يُعلّم أولاده مثل ذلك، وربما يكون ذلك نتيجة عدم رغبة الأنظمة، وضعف الأحزاب، والقوى السياسية العربية، ولم تعد تسمع اسم فلسطين إلا في انتخابات الاتحادات الطلابية في بعض البلدان العربية، وكأن اسم فلسطين صار "شماعة" أو سُلما للوصول للحكم. مَن يستخدم اسم فلسطين عليه أن يكون وفيّا لفلسطين ونضالها.
أعتب على كثير من الأحزاب والقوى العربية التي لم تستطع أن تتفاعل مع الأحداث، باستثناء البعض كإخواننا في اليمن الذين نكن لهم كل الاحترام، الذين يخرجون كل جمعة في مظاهرات مليونية، بالإضافة إلى الأردن أيضا، فمثل هذه الفاعليات تشعرنا بالانتماء.
وأقول بشكل واضح: نحن نشعر بالانتماء لهذه الأمة العربية، ونؤمن بأن الحضن العربي مهما كان باردا فهو أدفأ من الأحضان الإسرائيلية والأمريكية، لكن مع ذلك نشعر أحيانا بحالة من الإحباط عندما أرى طيارا أمريكيا يحرق نفسه من أجل فلسطين، عندما نرى جامعات النخبة في أمريكا تخرج وتتظاهر، في مقابل صمت طلابنا.
قضيتنا قد عمّت العالم، وعادت إلى الصدارة في كل مكان، والمطلوب أن نعيش هذه التجربة في عالمنا العربي، على الأقل أن يقوم بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القمم العربية أو الإسلامية.