لماذا يتفانى بلينكن في دعم الحرب الإسرائيلية على غزة؟
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
واشنطن– لم تكن تصريحات أنتوني بلينكن المغلوطة حول محادثات وقف إطلاق النار في غزة استثناء، فقد دأب وزير الخارجية الأميركي على ليّ الحقائق عندما يتعلق الأمر بإسرائيل ومصالحها.
وعقب اجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قبل أيام، قال بلينكن إن نتنياهو وافق على المقترح الأميركي الجديد، وإن الأمر متروك لموافقة حركة حماس للتوصل للصفقة.
واختار بلينكن ألا يذكر أن نتنياهو قدم مطالب جديدة إضافية متشددة في ما يتعلق بمستقبل وجود قوات الاحتلال داخل قطاع غزة، وهو ما ترفضه حماس وكذلك الحكومة المصرية التي ترفض الوجود الإسرائيلي في محور فيلادلفيا.
وانتهت الزيارة التاسعة لوزير الخارجية إلى المنطقة منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من دون اتفاق هدنة، ويرى البعض أن بلينكن ربما يكون هو نفسه السبب المباشر وراء فشل مساعي الوساطة الأخيرة.
وبرز دور بلينكن خلال الأشهر الأخيرة في تشكيل وتقرير سياسة بلاده تجاه أزمة العدوان الإسرائيلي على غزة، وذلك في ظل ضعف اللياقة الذهنية والعقلية للرئيس جو بايدن، وانشغال نائبته كامالا هاريس بمعترك حملة الانتخابات الرئاسية خلال الأسابيع الأخيرة.
وقاوم بلينكن منذ اللحظات الأولى أي دعوات للضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار، بل لم يضع أي خطوط حمراء إذا تخطتها إسرائيل قد يتبعها قطع المساعدات العسكرية المتدفقة إليها، أو حتى خفضها.
وتحت قيادته، أصبحت رسالة الدبلوماسية الأميركية بوضوح هي أنه لن تكون هناك عواقب على الحكومة الإسرائيلية بغض النظر عما تفعله في غزة من قتل وترويع وقضاء على أسباب الحياة.
كما انتقد بلينكن قرار جنوب أفريقيا رفع قضية أمام محكمة الجنايات الدولية ضد إسرائيل بسبب ارتكابها جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، وأكد الوزير أن "قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل لا تؤدي إلا إلى صرف انتباه العالم. إن تهمة الإبادة الجماعية ضد إسرائيل لا أساس لها".
بلينكن (يسار) فشل في الضغط على نتنياهو للقبول بمقترح صفقة التبادل في زيارته الأخيرة لإسرائيل (الأناضول) "وزيرا لإسرائيل"!خلال زيارته الأولى لإسرائيل عقب هجوم "طوفان الأقصى"، قال بلينكن في تل أبيب وهو يقف بجوار نتنياهو "لا أقف أمامكم اليوم بصفتي وزيرا لخارجية الولايات المتحدة فحسب، بل أيضا بصفتي يهوديا. لقد فرّ جدي، موريس بلينكن، من المذابح في روسيا. ونجا زوج والدتي، صامويل بيسار، من معسكرات الاعتقال في أوشفيتز".
ومنذ اندلاع الحرب، يقوم وزير الخارجية الأميركي بدور أكثر أهمية وفاعلية من وزير الخارجية الإسرائيلي في ما يتعلق بتبرير الممارسات الوحشية لجيش الاحتلال والدفاع عن أكثر الحكومات يمينية وتطرفا في تاريخ إسرائيل أمام المحافل الدولية.
ويتحدث بلينكن مع وسائل الإعلام المحلية مروجّا ومبررا للمواقف الإسرائيلية في الداخل الأميركي. وخارجيا، يكرر بلينكن أن لإسرائيل الحق "في الدفاع عن نفسها"، مع عدم التطرق إلى معاناة وخسائر الشعب الفلسطيني، مكتفيا بـ"حثه" أو "تطلعه" لأن تعمل حكومة نتنياهو على تقليل عدد الضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
وخلال زيارات بلينكن المتكررة لإسرائيل والمنطقة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان الهدف الأهم له هو إفساح المجال لإسرائيل لتدمير حماس من دون توسيع نطاق الصراع جغرافيا خارج قطاع غزة، ودون اكتراث بتكلفة هذه الفكرة من سقوط آلاف الضحايا من المدنيين الأبرياء.
استماع دون فعل
وقبل أشهر، نصب متظاهرون غاضبون من موقف بلينكن الداعم للعدوان الإسرائيلي خيمهم واعتصموا أمام منزله، وطالبوا بوقف إطلاق النار في غزة.
ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "بلينكن يدعم إرهاب إسرائيل"، و"بلينكن دع غزة تعش"، و"بلينكن دموي". واعتبره المتظاهرون مشاركا في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بغزة.
من جانبه، حاول بلينكن لعب دور الوزير الذي يستمع لكل الأصوات، إلا أن ذلك لم يغير من مواقفه المتشددة الداعمة إسرائيل. وأسس بلينكن قناة لموظفي وزارة الخارجية للتعبير عن آرائهم المختلفة مع توجهات إدارة بايدن الداعمة لإسرائيل دون شروط.
وفي أحد الاجتماعات الموسعة مع العاملين بوزارته، قال بلينكن إنه يعلم أنه "بالنسبة لكثيرين منكم، فإن المعاناة الناجمة عن هذه الأزمة لها تأثير شخصي عميق. إن الكرب الذي يأتي مع رؤية الصور اليومية للرضع والأطفال والمسنين والنساء وغيرهم من المدنيين الذين يعانون في هذه الأزمة أمر مؤلم. أشعر بذلك". وأضاف: "نحن نستمع إليكم وإلى رسائلكم".
ولم يغير بلينكن من مستوى دعمه الكامل لإسرائيل. وقبل 4 أشهر، اجتمع مع قادة جماعات الأميركيين العرب، لكن الاجتماع انتهى وسط غضب الأخيرين من سلبية موقف بلينكن، ورفضه اتخاذ أي خطوات لردع إسرائيل عن الاستمرار في سياسة الإبادة الجماعية.
منذ بدء مهام منصبه وزيرا للخارجية في يناير/كانون الثاني 2021، يكرر بلينكن أن هدف بلاده يتمثل في الالتزام بحل الدولتين -دولة فلسطينية تعيش إلى جانب دولة إسرائيلية- إلا أن بلينكن لم يقم بأي خطوة، ولو رمزية، في هذا الاتجاه.
ويرفض بلينكن السماح بفتح مكتب دبلوماسي فلسطيني في واشنطن، أو إعادة افتتاح قنصلية أميركية في القدس للفلسطينيين، أو أن يتراجع عن سياسات دونالد ترامب التي قوضت التمثيل الفلسطيني في الولايات المتحدة.
ويتعارض موقف واشنطن المؤيد شكليا لحل الدولتين مع تجاهل إدارة بايدن مدى ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وشرقي القدس، ويتجاهل بلينكن حقيقة وصول عدد المستوطنين الإسرائيليين إلى أكثر من 700 ألف شخص في الضفة والقدس، إضافة لأنهم أصبحوا أكثر عدوانية وإجراما تجاه الفلسطينيين العزل.
بلينكن (يسار) مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عند معبر كرم أبو سالم الحدودي (رويترز) لا لعقاب المتطرفينوخلص تحقيق لوزارة الخارجية الأميركية -قُدم لبلينكن قبل عامين- إلى ضرورة تقييد مبيعات الأسلحة للوحدات العسكرية الإسرائيلية التي اتُهمت بشكل موثوق بانتهاكات حقوق الإنسان، إضافة لضرورة فرض عقوبات على قادة هذه الوحدات، تنفيذا لقانون أميركي يعرف بقانون "ليهي"، الذي ينص على حظر توريد الأسلحة للجهات الأمنية، التي تخالف المعايير الأميركية للحفاظ على حقوق الإنسان.
وقال عديد من مسؤولي وزارة الخارجية الذين عملوا على ملف العلاقات مع إسرائيل إن تقاعس بلينكن قوّض ادعاءات حماية حقوق الإنسان، وبعث برسالة إلى الإسرائيليين مفادها أن إدارة بايدن ليست على استعداد لاتخاذ أي خطوات جادة ضد إسرائيل.
وعلى مدار السنوات الماضية، مُنعت مئات الوحدات الأجنبية، بما في ذلك وحدات في المكسيك وكولومبيا وكمبوديا، من تلقي أي مساعدات أميركية، أو تدريب أو أسلحة ممولة من الولايات المتحدة. إلا أن بلينكن كان له موقف مغاير بشأن الوحدات الإسرائيلية، إذ قال إن الأخيرة المتهمة بارتكاب انتهاكات خطيرة فعلت ما يكفي لتجنب العقوبات.
وقال بلينكن -في رسالة للكونغرس- إن إسرائيل عاقبت بشكل كاف جنديا لقتله فلسطينيا أعزل، إذ خدم المجتمع إجباريا لمدة 3 أشهر. ووصف معلقون أميركيون موقف بلينكن بالمهزلة، وأنه لا يتفق مع القانون.
وأشارت صحيفة وول ستريت جورنال -نقلا عن مصادر مطلعة من داخل حملة كامالا هاريس- إلى أن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن لن يبقوا في وظائفهم حال وصول هاريس للبيت الأبيض.
ويرى بعض المعلقين أن ارتباط بلينكن ومساره الوظيفي بولائه التام لبايدن، يجعله من غير المرغوب في ضمهم لإدارات أخرى. ويرى البعض بلينكن موظفا بيروقراطيا مثاليا بارعا، قضى معظم حياته مساعدا مخلصا لجو بايدن، ووصل إلى أقصى ما يحلم به بمنصب وزير الخارجية، وليست له أي طموحات مهنية أخرى.
ماكين: بلينكن فاشل!
في عام 2014، حذر السيناتور الراحل جون ماكين من ضعف مهارات وإمكانيات أنتوني بلينكن، ووصفه بأنه "خطر على أميركا وعلى الشباب والجنود الذين يقاتلون".
وجاءت انتقادات ماكين اللاذعة لبلينكن بعد تقديم شهادته في مجلس الشيوخ بصفته نائبا لوزير الخارجية حينذاك، إذ أكد بلينكن أن الحرب في أفغانستان ستنتهي بنهاية عام 2014، وادعى أنه لا شيء سيغير الجدول الزمني المحدد للانسحاب من أفغانستان.
وترى خبيرة العلاقات الدولية كيتي بافليش أن بلينكن غير مؤهل من الأساس لقيادة وزارة الخارجية، وأنه واحد من أسوأ الاختيارات التي قام بها بايدن. وعددت بافليش نماذج فشل بلينكن بداية من فوضى الانسحاب "الكارثي" من أفغانستان، للفشل في ردع روسيا من الهجوم على أوكرانيا في ما تعد أول حرب برية كبرى في أوروبا منذ عقود.
جدير بالذكر أن بلينكن، البالغ من العمر الآن 62 عاما، بدأ حياته المهنية كاتبا رئيسيا لخطابات السياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس بيل كلينتون، وشغل لاحقا منصب مدير الموظفين عندما كان بايدن أكبر ديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. ثم عمل مستشارا للأمن القومي لبايدن عندما كان نائبا للرئيس، ونائب وزير الخارجية خلال إدارة باراك أوباما الثانية، ثم كبير مستشاري السياسة الخارجية في حملة بايدن لعام 2020.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات وزیر الخارجیة قال بلینکن ضد إسرائیل أن بلینکن
إقرأ أيضاً:
يديعوت أحرونوت: صفقة الأسرى ربما لا تتم قبل نهاية ولاية بايدن
كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت عن أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تذهب فقط نحو صفقة جزئية واحدة في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى التي تجريها حاليا مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأن هناك احتمالات كبيرة ألا تبرم صفقة التبادل قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن.
صفقة جزئية محدودةوقال المحلل العسكري للصحيفة رونين بيرغمان إنه حصل على رسالة وجهها مسؤول إسرائيلي كبير من الحكومة اليمينية المتشددة لعائلات الأسرى الإسرائيليين، حذرهم فيها من أن الصفقة ربما لا تشمل أبناءهم، لأنها لن تكون إلا جزئية ومحدودة، وربما لا تتبعها أي مراحل أخرى.
وقال بيرغمان، وهو أيضا صحفي استقصائي يعمل مع صحيفة نيويورك الأميركية، "في الأيام الأخيرة، أرسل مصدر سياسي رفيع المستوى في الائتلاف الحكومي المتشدد سلسلة من الرسائل عبر طرف ثالث إلى عائلات المختطفين الذين لا يفترض أن يتم إدراجهم في الصفقة الإنسانية".
وأضاف -نقلا عن عائلات الأسرى- أن هذه الرسائل "مخيفة ومقلقة للغاية".
وأشار المحلل العسكري إلى أن هذه المعلومات تتزامن مع معلومات واردة من مصادر عديدة تفيد بأن إسرائيل تحاول فصل مرحلة الاتفاق الإنساني من الصفقة عن أي اتفاق من شأنه إنهاء الحرب، فضلا عن أن التزام الوسطاء بمواصلة المفاوضات بعد هذه المرحلة يضعف أيضا.
إعلانوحسب بيرغمان، فإن المخطط التفصيلي للصفقة -التي استؤنفت المفاوضات بشأنها الشهر الماضي- يتضمن إطلاق سراح النساء (بما في ذلك المجندات) والأطفال والرجال الذين تزيد أعمارهم على 50 عاما ضمن الاتفاق الإنساني (المرحلة الأولى)، في حين تعتبر حماس جميع الرجال الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما "جنودا"، وأن الجدل لا يزال قائما بين الطرفين حول أي من هؤلاء الرجال سيتم تعريفه على أنه مريض وسيتم إدراجه في إطار الاتفاق الإنساني.
وعلق بيرغمان على مضمون رسالة المسؤول الكبير، بالقول "لا يوجد الآن سوى اتفاق جزئي واحد، لن يتضمن أي التزام صريح أو آلية واضحة حول كيفية مواصلة المفاوضات من أجل الإفراج عن البقية".
وأضاف: "وفقا للرسائل، فإن الصفقة ليست في الأفق بعد، ولا توجد فرصة لمعرفة ما سيحدث هذا العام، ومن المحتمل جدا ألا يحدث حتى في الوقت القصير المتبقي من عهدة الإدارة الأميركية الحالية بعد عطلة عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة".
وفي حين أكد أن الأطراف المتفاوضة منخرطة في صياغة إطار الهيكل التفصيلي للصفقة، فقد أشار إلى أن الخطوط العريضة لها "تشير فقط إلى بضع جمل وبطريقة غامضة للغاية إلى صفقة ثانية".
نتنياهو لا يوافق على إنهاء الحرب
ونقل المحلل العسكري عن رسالة المسؤول الكبير لعائلات الأسرى، التي دعتهم للضغط رفضا لتوجه الحكومة للذهاب نحو صفقة واحدة للجميع.
وفي حين أبدى بيرغمان تشككه في الهدف من توجيه هذه الرسالة، فقد أشار إلى اتساع دائرة تأييد الصفقة إلى أهالي الأسرى من معسكر اليمين والمستوطنين، الذين أسسوا أيضا مجموعات مختلفة مثل منتدى تكفا وغيرها.
ولفت إلى تغيير في موقف جزء من قاعدة الجزء اليميني المتطرف في ائتلاف نتنياهو لصالح الصفقة، بما في ذلك تأييد صفقة كاملة من شأنها أن تضمن عودة جميع المختطفين، أحياء وأمواتا، وتؤدي إلى إنهاء الحرب والانسحاب من قطاع غزة.
إعلانكما أشار أيضا إلى أن مسؤولين كبارا جدا في الجيش الإسرائيلي والشاباك يدعمون صفقة واحدة، لكنهم يفهمون أيضا أن المستوى السياسي لن يوافق عليها بأي شكل من الأشكال.
وقال بيرغمان إن المفاوضات في السابق كانت تجري على أساس أن تضمن الدول الوسيطة استمرار وقف إطلاق النار خلال المفاوضات لإنجاز المرحلة الثانية، ولكن هذا الالتزام المحدود قد تقلص أيضا، "لدرجة أنه يكاد يكون معدوما".
وختم بالقول إن عائلات الأسرى تخشى من أن أبناءها سيتركون لعدة أشهر أو حتى سنوات بعد أن يعود نتنياهو إلى القتال، ويرفض شروط حماس لإنهاء الحرب.