24 أغسطس، 2024

بغداد/المسلة: في كل عام، تشهد مدينة كربلاء المقدسة في العراق واحدة من أكبر التجمعات البشرية في العالم، والتي تُعرف بـ”زيارة الأربعينية” وفق موسوعة ويكيبيديا. هذه الزيارة التي تمتد من بداية شهر صفر إلى العشرين منه، تجمع ملايين الزوار من جميع أنحاء العراق والعالم، الذين يسيرون لمسافات تصل إلى 500 كيلومتر تعبيراً عن ولائهم للإمام الحسين عليه السلام وتجديدًا للبيعة لثورته.

تُعتبر زيارة الأربعينية أكبر تجمع سلمي في التاريخ، حيث يجتمع الناس من مختلف الجنسيات والخلفيات في مشهد فريد يعكس قيم السلام والتسامح والإيمان. وتُعدّ هذه الزيارة مثالاً حيًا على قدرة الدين والإيمان على جمع الناس في إطار واحد بعيداً عن الخلافات والنزاعات.

التغطية الإعلامية: تحيّز وغموض

على الرغم من الأهمية الروحية والإنسانية لهذه الزيارة، إلا أن الكثير من وسائل الإعلام العربية الدولية الكبرى،  غالبًا ما تتعامل معها بطرق لا تعكس الواقع. ففي تقارير لوكالات، تم الإشارة إلى “مئات الآلاف” فقط من الزوار، متجاهلةً العدد الحقيقي الذي يصل إلى عشرات الملايين. هذا التقديم المقتضب يقلل من حجم الحدث وأهميته، ويعكس قصورًا في فهم الأبعاد الحقيقية لهذه الزيارة.

من ناحية أخرى، تقدم بعض الوكالات تغطية أكثر تحيّزًا من خلال التركيز على عدد الزوار الإيرانيين فقط، مشيرة إلى أن هناك “2.5 مليون زائر إيراني” في حين أن العدد الإجمالي للزوار من مختلف الجنسيات يتجاوز العشرين مليون. هذه التغطية التي تركز على جنسية محددة فقط تُظهر الحدث بصورة جزئية وتحاول إقحامه في سياق سياسي يتجاهل القيمة الحقيقية لهذه الزيارة.

وتسببت هذه التغطيات الإعلامية غير المنصفة في استياء بين العراقيين، الذين يرون فيها محاولة لتحريف الحقائق وإدخال الطقوس الدينية في نزاعات دولية لا تمت للحدث بصلة.

  رمز للتضامن والسلام

بالرغم من كل هذا، تبقى زيارة الأربعينية رمزًا للتضامن والسلام في وجه العنف والتطرف. إنها تذكير سنوي للعالم بأسره بأن الإيمان يمكن أن يكون قوة موحِّدة تجمع بين الناس بمختلف أعراقهم وخلفياتهم.

ومن خلال النظر إلى زيارة الأربعينية كحدث ديني واجتماعي بالغ الأهمية، من الواضح أن التغطية الإعلامية العربية والغربية بحاجة إلى مراجعة مقاربتها لهذا الحدث الكبير. فبدلاً من التركيز على الأعداد أو التحيّز السياسي، يجب أن تعكس التغطية الروح الحقيقية لهذه الزيارة، التي تجسد قيم الإنسانية والأمل والسلام في عالم مضطرب.

أهمية روحية

زيارة الأربعينية تحمل أهمية روحية وإيمانية عميقة، حيث تعد فرصة للملايين للتقرب إلى الله وتجديد العهد مع الإمام الحسين وقيمه النبيلة في التضحية من أجل الحق والعدل.

وهذه الزيارة ليست مجرد طقس ديني، بل هي مناسبة لتجديد الإيمان وتعزيز الروحانية لدى المشاركين.

ومن الناحية المجتمعية، تبرز زيارة الأربعينية روح التكافل والتضامن من خلال المواكب الخدمية الهائلة التي تنشأ على طول مسار الزوار.

وتقوم هذه المواكب بتقديم الطعام والشراب والمأوى مجانًا، مما يعكس روح التعاون والمساعدة بين أبناء المجتمع من مختلف الأطياف دون تفريق، مجسدين بذلك أسمى معاني العطاء والإيثار.

وفي هذه اللحظات، تختفي الفوارق الاجتماعية، ويتجلى التكاتف في أبهى صوره، حيث يسعى الجميع لخدمة بعضهم البعض كعائلة واحدة.

شهادات

حسين العبيدي، 45 عامًا، من البصرة، العراق، يقول: “كانت هذه المرة العاشرة التي أشارك فيها في زيارة الأربعينية. كل مرة أشعر بأنني أقرب إلى الله وإلى الإمام الحسين. هذه الزيارة ليست مجرد طقوس دينية، بل هي تجربة روحانية تجمعنا وتُذكرنا بقيم الصبر والإيثار. المشي من البصرة إلى كربلاء ليس بالأمر السهل، لكنه يجعلني أشعر بأنني أساهم ولو بقدر بسيط في إحياء قضية الحق والعدل التي استشهد من أجلها الإمام الحسين.”

زينب الكاظمي، 32 عامًا، من بغداد، العراق، تقول: “شاركت لأول مرة في زيارة الأربعينية هذا العام مع أصدقائي وعائلتي. كان المشهد رائعًا، ملايين الناس يسيرون سويًا من جميع الأعمار والخلفيات. الجميع يشاركون في تقديم الطعام والشراب والخدمات للزوار. شعرت بالسلام والأمان وأنا أسير مع هؤلاء الناس الذين تجمعهم محبة الإمام الحسين. بالنسبة لي، هذه الزيارة كانت تجربة تحولية وأود أن أشارك فيها كل عام.”

علي حيدر، 27 عامًا، من بيروت، لبنان، يتحدث: “جئت إلى كربلاء لأول مرة لأشارك في زيارة الأربعينية. لم أكن أتوقع هذا العدد الهائل من الناس الذين يسيرون لعدة أيام للوصول إلى هنا. كان الجو مفعمًا بالإيمان والروحانية، وشعرت بتأثير قوي في قلبي عندما وصلت إلى مقام الإمام الحسين. هذه الرحلة كانت بمثابة دعوة لتجديد العهد مع مبادئ الحق والعدل.”

فاطمة الموسوي، 50 عامًا، من طهران، إيران، تروي : “هذه زيارتي الرابعة لكربلاء في مناسبة الأربعينية. كل مرة أشارك فيها، أشعر بأنني أعيش تجربة جديدة ومختلفة. إنها لحظة تجمعنا كمسلمين وكإنسانية. الجميع يساعد بعضهم البعض، ويتشاركون الطعام والماء، وهذا يعكس قيم التضامن والوحدة. هذه الزيارة تذكرنا بأن هناك قوى أكبر تجمعنا وتوحدنا.”

وتسترسل أمينة جابر، 29 عامًا، من لندن، المملكة المتحدة : “كنت مترددة في البداية حول المشاركة في هذه الزيارة، لكنني قررت أن أكون جزءًا منها هذا العام. لم أكن أتوقع هذا الكم من الضيافة والكرم من الناس الذين يقدمون الطعام والماء دون مقابل. إنها حقًا تجربة تجمع بين الإيمان والعمل الخيري، وقد شعرت بأنني أقترب أكثر من جذوري وهويتي. هذه الزيارة تعني الكثير لي، وستكون جزءًا دائمًا من حياتي.”

كل شهادة من هذه الشهادات تعكس تجربة فريدة وأثرًا عميقًا تركته زيارة الأربعينية في نفوس المشاركين. إنها أكثر من مجرد حدث ديني، بل هي تجربة إنسانية تعزز قيم التضامن والوحدة والسلام.

 

 

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: زیارة الأربعینیة الإمام الحسین هذه الزیارة

إقرأ أيضاً:

بهدف حماية المدنيين.. إتلاف الأطنان من مخلفات الحرب بـ«الجبل الغربي»

في إطار جهوده المتواصلة لحماية الأرواح والممتلكات، قام قسم التفتيش الأمني وتفكيك المتفجرات بفرع الجبل الغربي، بالتعاون مع إدارة الشؤون الفنية بجهاز المباحث الجنائية في وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، بإعدام وإتلاف كمية من مخلفات الحرب تُقدّر بـ 2 طن.

ووفق بيان الوزارة، “نُفذت العملية بنجاح في منطقة الهيرة، بعد التأكد من استيفاء كافة شروط ومعايير السلامة وتأتي هذه الخطوة عقب انتشال الكمية من عدة مواقع بمناطق الجبل الغربي خلال الأشهر الماضية، ضمن جهود الجهاز المتواصلة لتأمين المناطق ورفع المخلفات الحربية”.

هذا “وتُعد مخلفات الحرب في ليبيا  مشكلة كبيرة تُؤثر على المجتمعات المحلية والبيئة بشكل عام، وبعد سنوات من الصراع الداخلي والاضطرابات، انتشرت في مختلف أنحاء البلاد المواد المتفجرة ومخلفات الحرب غير المنفجرة، مما يُشكل تهديدًا مباشرًا على حياة المدنيين ويُعيق جهود إعادة الإعمار والتنمية”.

وتتضمن هذه المخلفات “الألغام الأرضية والقذائف غير المنفجرة والذخائر المُهملة، والتي تُعيق حركة الناس وتُحد من إمكانية الوصول إلى الأراضي الزراعية والمناطق السكانية بأمان، بالإضافة إلى الخطر الجسدي المباشر، وتؤثر هذه المخلفات على الجانب الاجتماعي والاقتصادي، حيث تُعرقل الأنشطة التجارية والزراعية وتؤدي إلى خسائر اقتصادية معتبرة”.

وتسعى العديد من المنظمات الدولية والمحلية إلى “معالجة هذه التحديات من خلال برامج إزالة الألغام والتوعية بمخاطر المخلفات الحربية، وتهدف هذه الجهود إلى تعزيز السلامة العامة ودعم عملية إعادة البناء والتنمية في ليبيا، مما يُساعد في تكوين بيئة أكثر أمانًا واستدامة للسكان المحليين”.

مقالات مشابهة

  • الجهامة: زيارة ماكرون لمستشفى العريش تعبير عن تقدير عالمي لجهود مصر تجاه غزة
  • في أجواء من الخشوع.. قداس بكاتدرائية سانت كاترين لراحة البابا فرانسيس
  • مسؤول هندي: تجربة الإمارات في الذكاء الاصطناعي نموذج عالمي يحتذى
  • زيارة البابا فرانسيس لمصر عام 2017.. رسالة سلام وإرث ثقافي
  • بهدف حماية المدنيين.. إتلاف الأطنان من مخلفات الحرب بـ«الجبل الغربي»
  • نصر عبده: زيارة ماكرون رسالة للعالم بأن مصر دولة أمن وأمان
  • مجتمعاتٌ في قرية عالميَّة
  • إلهام شاهين توجه رسالة لـ داليا مصطفى في يوم ميلادها.. ماذا قالت؟ | صورة
  • رئيس الوزراء الهندي يصل إلى جدة ويغرد بالعربية: هذه الزيارة ستعزز صداقتنا.. صور
  • جبريل ابراهيم يتوجه إلى واشنطن.. تعرف على أسباب الزيارة