جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-22@10:30:07 GMT

بين الفردية والدونية

تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT

بين الفردية والدونية

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

يكفينا تيمنًا بالفطرة التي فطر الله عليها الإنسان، وهي أنه يبحث عن الأفضلية والتفوق ويسعى إلى الراحة والتميز، وحتى في معترك الحياة والتحديات التي تُواجهه في زمانه والاختلافات بين البشر لا شك أنه يريد أن يكون الأقوى والفائز في أي نزال، ولكن ولغياب التنظير الصحيح لبعض المجتمعات، تجد أن الكثيرين ينشدون ذلك التميُّز، من خلال الشعارات والمجد القديم، ومن خلال الاسم، وحتى أنه يطلب ذلك من غيره، ولكن لا يعلم علم اليقين أن التميز له صفات عملية وتضحيات فردية وشخصية وبشكل آخر تمامًا.

في قياس القوة لأي مجتمع إن كان اليوم أو في الزمن السحيق هو في الحقيقة إنه محصلة قياس الفرد الواحد لتحسب فيما بعد كمحصلة ومجموع عام يكون عليها ذلك المجتمع كقوة حقيقية متكاملة وهذا يلتقي تمامًا وحقيقة القوة المالية عندما يكون لها رصيد مالي حقيقي وأصول وإنتاج أو تلك الأوراق التي تطبع دون غطاء حقيقي وتكون مجرد أرقام فلكية لا قيمة لها.

ولكن أين نحن من توضيح العلاقة ما بين الفردية والدونية؟ حيث إن كل ما سبق من حديث يأتي تمامًا تحت هذا المصطلح، ولذلك سأجتهد لكي أضع النقاط على الحروف. فلو أن الفرد في أي مجتمع يرى في نفسه فاعلًا ومؤثرًا وداعمًا من خلال كل تصرفاته وأعماله، فإنَّ ذلك المجتمع حتمًا سيكون قويًا، ولكن ماذا لو كان الفرد في أدنى مستويات الفكر المفرد، مثلًا عندما يريد أن ينعطف بمركبته من الطريق لا يستخدم الإشارة؛ لأنه وفي عمق ذاته غير معني بغيره، رغم أن ذلك لا يكلفه شيئًا، غير أن مصلحته المرور بسرعة وهي مصلحة فردية، وكذلك فإنه لا يُريد أن يقف، في طابور ولا يفكر أن هناك بشرًا سبقوه في الدور، لكن يريد أن يتقدمهم، وهذا فكر مفرد!

لو أن شخصًا ما يمشي في طريق، ويجد اختصارًا، فإنِّه لا يعني نفسه المشي بعيدًا، فيختصر حتى لو كان ذلك الاختصار تخريبًا لزراعة وورود جميلة، غير أنه لا يكترث لذلك وأن في اختصاره مصلحة فردية وفكرٌ مفرد!

لو أن شخصًا ما وضع أمانته دون توثيق مع شخص آخر، وقام ذلك الشخص باستغلال ذلك وكسب ما هو مؤتمن عليه، مُفكرًا في مصلحته دون اكتراث، فإنَّ ذلك فكرٌ مفرد!

لو مررت بمحتاج ولديك ما يكفيك ولم تكترث له، فذلك فكرٌ مفرد!

لو أن الحكومة قررت وأمرت وأصدرت قوانين وتابعتَ أنت هواك ولم تتقيدـ فإنَّ ذلك فكرٌ مفرد!

لا شك أنَّ كل ما ورد أعلاه ليس سوى أمثلة استدلالية فقط، لكي نحاول جاهدين توضيح النظرة الفردية التي قد تُسيطر على بعض المجتمعات البشرية، وأنها تمامًا هي ما يوجههم، ومع ذلك تجد أن ذلك المجتمع يطلب الكمال والتفوق والمعاملة المثلى والراتب الكبير، في حين أن الأسس الصحيحة ومفاتيح كل ذلك هو الذي يملكها.

إن المجتمعات التي تقتنع بظاهر التحضر والقوة والنجاح، في حين أن عمقها وحقيقتها الداخلية غير ذلك، لا تصمد أمام أي اختبار في الحياة، فلقد طغت عليها المصلحة الشخصية، وهذه المجتمعات تجدها تنادي بالبحث عن الأفضل في كل مناحي الحياة، إلّا نفسها بالعدد المفرد. غير أنهم لا يعلمون أن كل ذلك لا يمكن تحقيقه، سوى عندما تتغلب المصلحة المجتمعية على المفردة، وأن الإنسان خُلِق ليكون مُكمِّلًا للآخر وليس نقيضًا له، ولن يتحقق ما يأمله الفرد إلا بالتكامل.

وأخيرًا.. لا تلوم المجتمعات والدول بشكل عام حكوماتها أو أنها تبقى معتقدة أن دونيتها من فعل الغير؛ كالدول الأخرى الباحثة عن مصالحها من خلال ترك الآخرين في أدنى مستوى، لتبقى مسيطرة عليها وإلى الأبد، ولكل الأسباب التي سبقت، فإنَّ الفردية تنتج الدونية وترسخها وتسيطر على عقول أهلها وهم لايدركون ذلك.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزير الأوقاف: المجتمعات الإسلامية في حاجة لإعادة إحياء قيم التعايش والتسامح

شارك الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، في أعمال المؤتمر الدولي «الحوار الإسلامي - الإسلامي: أمة واحدة ومصير مشترك»، الذي يعقد بمملكة البحرين يومي 19 و20 فبراير الجاري، تحت رعاية جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، وبحضور الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف؛ وأنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، إلى جانب مشاركة أكثر من 400 شخصية من العلماء والقيادات الإسلامية والمفكرين من مختلف أنحاء العالم.

وفي كلمته خلال المؤتمر، أكد الدكتور أسامة الأزهري أن علوم الإسلام تقوم على ثلاث دوائر مترابطة: دائرة العلم القائمة على البرهان والدليل، ودائرة الفكر التي تنير الثقافة الشائعة، ودائرة الثقافة الشائعة التي تشمل عامة المسلمين.

الخطر يكمن في تصورات العامة عن العلاقة بين المذاهب

وأوضح أن الخطر يكمن في تصورات العامة بشأن العلاقة بين المذاهب الإسلامية، إذ قد يسود الاعتقاد الخاطئ بأن علاقة المذاهب تقوم على الصراع أو الاستعلاء، وهو ما يستدعي دورًا محوريًّا للعلماء والمفكرين في تصحيح المفاهيم وترسيخ روح المودة والتسامح بين المسلمين.

إعادة إحياء قيم التعايش والتسامح

وأشار وزير الأوقاف إلى أن المجتمعات الإسلامية في حاجة ماسة إلى إعادة إحياء قيم التعايش والتسامح، لافتًا إلى أن التاريخ الإسلامي شهد تعايشًا بين أتباع المذاهب المختلفة في القبائل والعائلات دون أن تكون المذهبية سببًا للفرقة أو التنازع.وشدد على أن التعصب هو الداء الأكبر، مستشهدًا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ"، مؤكدًا أن الاستعلاء بالمذهب أو الشعائر أو المظهر هو أحد أسباب الانقسام بين المسلمين.

ودعا الدكتور أسامة الأزهري إلى تبني وثيقة الوحدة الإسلامية، التي اقترحها فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، لوضع دستور إسلامي إسلامي يجمع شمل المسلمين ويحقق مقاصد الشريعة في حفظ النفس، والدين، والعقل، والعرض، والمال.

وشدد الوزير على أهمية أن يتبنى المسلمون صناعة الحضارة، والابتكار في العلوم، والحفاظ على البيئة، وتعزيز قيم الاستدامة، وإكرام الطفولة والمرأة، وإصلاح ذات البين، مؤكدًا أن جميع الفضائل تتجسد في أمرين: تعظيم ذات الله -عز وجل-، وإصلاح ذات البين.

واختتم وزير الأوقاف كلمته بتأكيد أن الإسلام رسالة حضارية إنسانية، داعيًا المسلمين إلى التمسك بأخلاق النبوة، واحترام الأوطان، وتعزيز العمران، وتجسيد الأخلاق الرفيعة، حتى يكونوا قدوة لغير المسلمين في معاني التسامح، والعدل، وإطفاء نيران الحروب، وتحقيق الأمن والاستقرار في العالم.

مقالات مشابهة

  • طبيب البابا فرنسيس: مازال في الخطر ولكن لا يواجه الموت
  • هل يمكن أن يكون الصندل عملا فنيّا؟ بيركنستوك تقول نعم ولكن محكمة ألمانية ترى غير ذلك
  • "يوروبول" يحذر: تصاعد المجتمعات الإلكترونية العنيفة التي تستهدف الأطفال
  • خبير إستراتيجي: مصر دائما تتخذ المسار السلمي ولكن مع وجود قوى تحميه
  • المفتي دريان من البحرين: الحوار الطريق الأسلم للاعتراف بالآخر
  • سعود بن صقر : العلوم قادرة على إحداث تغييرات جذرية في المجتمعات
  • وزير الأوقاف: المجتمعات الإسلامية في حاجة لإعادة إحياء قيم التعايش والتسامح
  • موقف طريف بين أنجيلو وسيماكان: طقمي رائع ولكن طقمك سيء .. فيديو
  • بوتين: ترامب وعد بحل الأزمة الأوكرانية ولكن غير موقفه سريعا
  • بوتين: سأكون سعيدا بلقاء ترامب ولكن يجب التحضير المسبق