الدكتور بنطلحة يكتب: السيد الرئيس.. إن لم تستحِ فقل ما شئت
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
د. محمد بنطلحة الدكالي- مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء
الخطاب السياسي يعتبر من أشكال الخطاب العام، حيث يقوم الخاطب من خلاله بتثبيت تملك السلطة في الصراع السياسي، ويتميز بكونه يقوم على عملية الإقناع للجهة الموجه لها الخطاب من خلال تقديم معطيات موضوعية وواقعية مدعمة بالحجج والبراهين.
ويساهم الخطاب السياسي في توثيق الأخبار الواردة فيه ومنحها شرعية قانونية تساعد في جعلها تتناسب مع الموضوع الرئيسي لهذا الخطاب. وليحقق غايته يجب أن يكون الخطاب السياسي مقنعا حتى يقتنع المخاطب بصدقية الخطاب، كل هذا ضمن سياق متماسك ولغة مقنعة ومنطقية إلى جانب مكونات تعبيرية أخرى كالصورة ولغة الجسد.
ترى هل تمكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من خلال اللقاء الدوري الذي عقده مؤخرا مع ممثلي وسائل الإعلام من امتلاك آليات وتقنيات الخطاب السياسي؟
إن الملاحظة الأولى التي تسترعي الانتباه، أن السيد الرئيس ومن خلال دراسة ملامح الصورة وطريقة الكلام، بدا مرتبكا غير واثق من نفسه، مكثرا العديد من الحركات في الكثير من الأوقات، رغم أن خرجته الإعلامية يبدو واضحا للعيان أنها خضعت للتوضيب والمونتاج. ورغم ذلك أطلق العنان لخيالاته ومستملحاته، حيث قام بتقديم العديد من المغالطات، حيث أكد أن الجزائر ستنتج مليار و400 مليون متر مكعب من مياه تحلية البحر يوميا، حيث زعم أن بلاده «أصبحت أول بلد إفريقي وثالث بلد عربي في إنتاج المياه باستخدام تقنية تحلية مياه البحر».
وكشف الرئيس عبد المجيد تبون عن الخطوط العريضة لمشروع تعديل قانون الأحزاب ملمحا إلى أن «هناك أحزاب انفجرت إلى عدة أحزاب أخرى وهذا بسبب غياب إسمنت قانوني، سنحاول وضعه في مشروع قانون الأحزاب القادم».
نظرية «الإسمنت القانوني»، والتي سيتنافس العديد من المداحين في شرحها وتبسيطها إلى الشعب المغلوب على أمره، وربما تصبح تخصصا جديدا في علم السياسة، يراد بها تقليص عدد الأحزاب المؤطرة للجماهير والإبقاء على أحزاب السلطة وحدها من خلال وضع شروط تعجيزية في قانون الأحزاب الجديد.
ومن المضحكات المبكيات، أن السيد الرئيس صرح بأن بلاده تواجه مؤامرة خارجية كبرى تتعلق بالعدس واللوبيا من خلال التلاعب بأثمانها حتى لاتصل إلى أشقائنا في الجزائر!
إن السيد الرئيس يختزل كل الخيبات والويلات التي يعاني منها الشعب في «العصابة»، أزمة الطوابير وغلاء الأسعار وندرة المواد الاستهلاكية ونهب الأموال وتبديرها، والاستخفاف بأرواح المواطنين جراء الحرائق المنتشرة في كل أنحاء الجزائر.. مردها إلى «العصابة» من الداخل، وإلى عدو خارجي مفترض، حتى عملية الإطفاء المتخلفة يقف وراءها العدو والعصابة!!
السيد الرئيس، نعلم جيدا أنكم بدأتم التسخينات لحملتكم الانتخابية، ونراقب عن كثب حرب المواقع التي يعرفها نظامكم العسكري، لذا أنتم تبررون فشلكم في التسيير عن طريق الالتجاء إلى نظرية المؤامرة بغية تشكيل متخيل جمعي يخدم هذه اللحظة التاريخية من الزمن الجزائري، من أجل تبرير القمع الداخلي وغلاء المعيشة وانسداد الأفق لجحافل العاطلين.
إنها حيلة لم تعد تنطلي على أحد رغم أنكم تضفون الكثير من المساحيق الجمالية على هذا العدو المفترض طلبا لاصطفاف شعبي خلف حكومتكم عن طريق خلق قضايا وهمية تشغل الأشقاء عن مناقشة واقعهم البئيس.
العدو الحقيقي السيد الرئيس، هو عدم القدرة على خلق تنمية حقيقية رغم الثروة البترولية الهائلة والتي كان بإمكانها أن تجعل شعب الجزائر يعيش التقدم والرفاه. العدو الحقيقي هو إهدار الثروات وتكديسها في الأبناك الأجنبية وشراء الأصوات والذمم. العدو الحقيقي هو الفوارق وعدم وجود عدالة اجتماعية وقمع الحراك وإخراس الأصوات الشريفة التي تحذر من انهيار داخلي وشيك.
السيد الرئيس، رجاء وأنت تجيب عن سؤال حول الوعود الـ54 الشهيرة التي شكلت جوهر برنامج حملتك الانتخابية السابقة، حيث أكدت أنه تم تحقيق 75في المئة منها وأن الباقي سيتحقق في عام 2024، تذكر دموع الثكالى وأنين المظلومين والمحتاجين..إنها الحقيقة الغائبة، وإن لم تستحِ، فقل ما شئت…
المصدر: مراكش الان
كلمات دلالية: السید الرئیس من خلال
إقرأ أيضاً:
«چيل دولوز».. وإعادة تأسيس الخطاب الفلسفي
چيل دولوز Gilles Deleuze، فيلسوف فرنسي معاصر ولد عام 1925م، لُقِبَ بـ "نيتشه الفرنسي"، ألتحق "باليسيه كارنو" في باريس، ودرس الفلسفة في جامعة السوربون ما بين عام 1944م وعام 1948م، وقام بتدريس تاريخ الفلسفة بجامعة السوربون حتى نهاية عام 1960م، وعمل باحثًا في المركز القومي للبحث العلمي حتى عام 1964م، وقام بالتدريس في جامعة ليون من عام 1964م إلى عام 1969م، وفي عام 1969م تم تعيينه أستاذًا للفلسفة في جامعة فنسان بتوصية من ميشيل فوكو حتى تقاعد عن التدريس في عام 1987. ومن أهم اعماله: "الاختلاف والتكرار"، "اسبينوزا ومشكلة التعبير"، "منطق المعني"، "نيتشة والفلسفة". ورحل عن عالمنا في عام 1995م.
حاول دولوز تقديم رؤية جديدة للمشروع الفلسفي، توجتها مفهوميته الجديدة والمهمة المتفردة التي أوكلها للفلسفة ومفاهيما. في حين نجد تعريف دولوز يقلب مفهوم الفلسفة من البحث عن الأصول أو المبادئ لصنع المفاهيم، فلم تعد إذن مهمة الفلسفة التنقيب عن المبادئ الأولى واستقصائها، وإنما إنتاج مفاهيم جديدة تواكب صيرورة العصر وتجعل للفلسفة حضورًا قويًا وضروريًا في كل المجالات الإنسانية. لذا يلخص إلى أن قيمة الفيلسوف تتحدد بمقدرته على مدى إبداعه للمفاهيم غير أن الإبداع هنا لا يحيل إلى التأمل والتفكير أو التواصل.
عزيزي القارئ إن الفكر عند دولوز غالبًا ما يعمل وفق معاييره ومفاهيمه الخاصة، ولهذا السبب لم يحتضن دولوز تاريخ الفلسفة بمعناه التقليدي في فرنسا، حيث يري أن الفيلسوف الذي يخلق حدثًا في التفكير، إنما يفصل نفسه عن تاريخ الفلسفة، ويدخل متاهة الفكر وغيابات العقل.
وختامًا نجد صديقي القارئ أنه يمكننا وصف الفلسفة عند دولوز بأنها الفكر المختلف، مقابل فكر المتفق أو مبدأ الذاتية السائد في الفلسفة. كما يريد دولوز من تحليلاته الوصفية لحالة ضياع الذات في الجسد، والجسد في تعبيراته الخارجية، أن يصل إلى حذف أسطورة العقلLogos بالمعني التقليدي الذي ساد الفلسفة، ذلك أن العقل عنده ليس هو مركز العالم، وليست الذات الناطقة الفاعلة هي حاملة هذا العقل بشموليته وجبروته، إنها مجرد مركز عابر بين مختلف الذوات، والأشياء الأخرى.
[email protected]