هل وظّف بزشكيان اسم المرشد لتنال حكومته ثقة البرلمان المحافظ؟
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
طهران– منذ فوز الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بالانتخابات الرئاسية المبكّرة التي أجريت في الخامس من يوليو/تموز الماضي وجلّ التوقعات تسير في اتجاه وقوع خلافات بين الرئيس المحسوب على التيار الإصلاحي والبرلمان الذي تسيطر عليه غالبية من المحافظين.
وشهد الأسبوع الماضي أولى المواجهات وربما أهمها، بين الرئيس والبرلمان؛ عندما قدم بزشكيان حكومته المقترحة، ثم ناقشها البرلمان وصوّت على منحها الثقة.
وشهدت جلسات المناقشة خطابات شديدة اللهجة من بعض الأعضاء المحافظين المتشددين وتحديدا نائبي العاصمة طهران حميد رسائي وأمير حسين ثابتي، وهما من حزب "جبهة استدامة الثورة الإسلامية" ومقربان من سعيد جليلي الذي يعدّ نفسه "زعيم حكومة الظل" في إيران.
و"جبهة الاستدامة" هي مجموعة سياسية محافظة توصف بأنها "المجموعة الأكثر يمينية في إيران". وأنشئت هذه المجموعة كقائمة انتخابية للانتخابات التشريعية لعام 2012، وتتألف جزئيا من الوزراء الذين كانوا في حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، وكان محمد تقي مصباح يزدي "الزعيم الروحي" لهذه الجماعة.
ومباشرة قبل موعد التصويت على منح الثقة للوزراء المقترحين، ألقى الرئيس بزشكيان كلمة أمام البرلمان للدفاع عن حكومته المقترحة، وأكد وجود تنسيق بينه وبين المرشد الأعلى علي خامنئي وكذلك رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف في ما يتعلق باختيار الوزراء.
وصرح بزشكيان بأن المرشد وافق على جميع الوزراء المقترحين وذكر تحديدا اسم وزير الخارجية عباس عراقجي، ووزير الإرشاد والثقافة الإسلامية عباس صالحي، ووزير التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية رضا صالحي أميري.
وفي جزء آخر من كلمته، أوضح بزشكيان أيضا أن جميع الوزراء تمت تسميتهم "بالتنسيق مع المرشد". وقال "جئنا إلى هنا بعد تنسيق.. وفي الواقع، المرشد هو من اقترح أن تكون فرزانه صادق مالواجرد وزيرة للطرق.. لماذا تجعلوني أقول أشياء لا ينبغي أن تُقال؟".
البرلمان الإيراني برئاسة قاليباف وافق رغم أغلبيته المحافظة على حكومة بزشكيان الإصلاحي (غيتي) الثقة الكاملةوبعد أيام من المناقشات والخطابات المؤيدة والرافضة ودفاع الوزراء المقترحين وختاما دفاع الرئيس، جاءت المفاجأة التي خالفت جميع التوقعات، إذ وافق البرلمان على جميع الوزراء المقترحين من قبل بزشكيان.
احتفل التيار الإصلاحي عبر إعلامه ومنصات التواصل، كما أشاروا إلى دور رئيس البرلمان قاليباف، معتبرين أن شعار "الوفاق الوطني" الذي رفعه الرئيس قد تحقق.
وفي هذا الصدد، عدّ محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الأسبق محمد خاتمي وأحد أبرز الوجوه الإصلاحية، تصويت البرلمان بالموافقة على جميع أعضاء حكومة بزشكيان علامة جيدة على مستقبل البلاد "المفعم بالأمل".
وقال أبطحي في تدوينة له على منصة إكس "يجب أن تسمى المرحلة الجديدة مرحلة التعاون والتعاطف والوئام، ويمكن للحكومة حل المشاكل بدلا من إزالة العقبات التي يتسبب بها البعض، كما يجب على الحكومة والبرلمان حماية بيئة التعاطف هذه وإبقاء المتطرفين على الهامش". وختم "بتقدير إدارة قاليباف الممتازة والقوية" للبرلمان في هذه المناسبة.
ورأت بعض الآراء أن التوجه المتشدد المحافظ لم يعد حاكما على البرلمان، وأشاروا في هذا الصدد إلى تصريحات نائب مدينة قم الأخيرة مجتبى ذو النوري، حيث قال "في حال قررت الحكومة استئناف المفاوضات النووية فسندعمها". وهو من قام سابقا في أبريل/نيسان 2018 بحرق علم الولايات المتحدة ونص الاتفاق النووي على منصة البرلمان اعتراضا عليه.
لكن التيار المحافظ لم يمر مرور الكرام على تصريحات الرئيس المتعلقة بالتنسيق مع المرشد في ما يتعلق باختيار الوزراء. واعتبر أن بزشكيان وضع البرلمان أمام المرشد وخلق "مواجهة" بينهما واستغلها لمصلحته.
وفي هذا الصدد، علق نائب طهران مالك شريعتي على تصريحات بزشكيان قائلا "الرئيس استخدم المرشد من أجل حصول حكومته المقترحة على ثقة البرلمان"، واصفا التصريحات "بالخطأ الكبير". وأضاف -في تدوينة على منصة إكس- "على أي حال كلام بزشكيان هذا سيقلل كثيرا من عدد الوزراء المعرضين للخطر".
ومن جهة أخرى، تساءل كثيرون عن استقلالية البرلمان، وقالوا إنه من الخطأ أن يتحدث الرئيس أمام البرلمان عن التنسيق مع المرشد، حتى إن كان هذا الأمر معروفا للجميع بشكل غير رسمي.
تبيين الحقيقة
من جهته، قال الخبير السياسي مصطفى فقيهي إن ما يحدث الآن بين بزشكيان وقاليباف يبدو هو ذاته ما حدث سابقا بين الرئيس حسن روحاني ورئيس البرلمان آنذاك علي لاريجاني، عندما توصّلا إلى تحالف غير مكتوب من أجل تهميش منافسيهم المتشددين.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أنه على عكس عهد روحاني ولاريجاني، سيؤدي هذا التقارب بين بزشكيان وخصمه في الانتخابات قاليباف إلى تعزيز قدراتهما، وبطبيعة الحال سيحظى هذا الائتلاف غير المكتوب بموافقة ودعم عناصر قوية.
كذلك فإن الموافقة الشاملة على حكومة بزشكيان المقترحة من قبل البرلمان هي أيضا منطقية وقابلة للتقييم من خلال التحليل، لكن ليس من الواضح إن كان هذا التفاعل الثنائي سيستمر حتى نهاية العهد الرئاسي، كما كان الحال في عهد روحاني، وفق رأي فقيهي.
وفي ما يتعلق بتصريحات الرئيس عن التنسيق مع المرشد، قال فقيهي إن هذا الإجراء كان أيضا في عهد الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، ففي الدفاع عن بعض الوزراء أعلن رسميا دعم المرشد لهم في البرلمان.
ورفض الرأي القائل إن بزشكيان دفع الثمن من مكانة المرشد، بل إنه أعلن الحقائق بشأن الحصول على إذن المرشد، وهذا أيضا هو الشيء الصحيح الذي يجب أن يكون شفافا أمام الرأي العام، وفق رأيه.
نزع سلاح البرلمان
ومن جانب آخر، رأى أستاذ السياسة علي رضا تقوي نيا أن الضغط الذي مارسه رئيس البرلمان والمقربون منه على رئيس الجمهورية وإدخال بعض الوزراء المقربين من قاليباف، مثل وزير الداخلية إسكندر مؤمني، هو الذي دفع البرلمان إلى التصويت بمنح الثقة لكل الحكومة المقترحة.
وتابع في حديثه للجزيرة نت "كان بالطبع لخطاب بزشكيان وتوظيفه للمرشد تأثير كبير في التصويت لمصلحة مجلس الوزراء، فبزشكيان قدم نفسه أمام البرلمان المحافظ على أنه شخص مقرب من المرشد".
وأضاف أن بزشكيان لم يقم بعمل جيد وجعل البرلمان في مواجهة مع المرشد، وما فعله لم يسبق له مثيل في تاريخ الجمهورية الإسلامية. ورأى تقوي نيا أنه "مع الخطاب الذي ألقاه بزشكيان قد تم نزع سلاح البرلمان عمليا".
الوزراء الجدليون
ومن الوزراء الذين خالفهم المحافظون المتشددون في البرلمان، واعتبر البعض أن تصريحات بزشكيان بشأن التنسيق مع المرشد أنقذتهم، يمكن الإشارة إلى وزير الخارجية عباس عراقجي الذي هوجم بسبب الاتفاق النووي عندما كان نائبا سياسيا لوزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، وشاركه بالمفاوضات النووية وصولا إلى توقيع الاتفاق النووي في 14 يوليو/تموز 2015.
وكذلك وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي الذي كان رئيسا للبنك المركزي في عهد الرئيس الأسبق حسن روحاني، ويعدّ من المقربين منه.
ومثلهم وزير الصحة محمد رضا ظفرقندي، بسبب مواقفه الداعمة لاحتجاجات الحركة الخضراء التي قادها زعماء التيار الإصلاحي في عام 2009 بعد رفضهم نتيجة الانتخابات الرئاسية التي أدت إلى فوز أحمدي نجاد آنذاك.
وكذلك وزير العمل أحمد ميدري، بسبب مشاركته في عام 2004 في احتجاج البرلمان على رفض أهلية عدد كبير من نواب البرلمان السادس من قبل مجلس صيانة الدستور عند ترشحهم لانتخابات البرلمان السابع، إذ كان ميدري نائبا إصلاحيا آنذاك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات سعيد جليلي رئیس البرلمان حکومة بزشکیان مع المرشد
إقرأ أيضاً:
خامنئي: ليس لنا قوات بالوكالة ومثيرو الفوضى استغلوا ضعف سوريا
قال المرشد الإيراني علي خامنئي إنه ليس لإيران "قوات بالوكالة" في الشرق الأوسط ولا تحتاج إليها لاستهدف "العدو".
وأشار -أمس الأحد- إلى أن الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وحركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي في فلسطين يتخذون قراراتهم بناء على دوافع ذاتية.
وقال خامنئي "يقولون إن إيران فقدت وكلاءها في المنطقة. هذا خطأ" مؤكدا أن بلاده لا تحتاج إلى أي قوات بالوكالة.
وأكد أن هذه الجماعات تقاتل بسبب إيمانها وعقيدتها، قائلا إن "اليمن يقاتل لأنه مؤمن بذلك، وقوة الإيمان هي التي تدفع حزب الله إلى الميدان لكي يقاتل، وحماس والجهاد تقاتلان لأن عقيدتهما تحثهما على ذلك".
ووفق تصريحات نقلها موقعه الرسمي، أشار خامنئي إلى أن مجموعة ممن وصفهم بـ"مثيري الفوضى" بدعم وتخطيط من "دول أجنبية" استغلت الضعف الداخلي في سوريا لإثارة الفوضى وعدم الاستقرار، على حد قوله.
وكان المرشد الإيراني أكد -في تصريحات سابقة- أن إسرائيل والولايات المتحدة "مخطئتان تماما" في تصورهما أن محور المقاومة المدعوم من طهران انهار مع الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا.
وشدد على أن الإطاحة بالأسد لن تضعف إيران، مضيفا أن "الكيان الصهيوني يتصور أن بإمكانه تطويق قوات حزب الله والقضاء عليها من خلال سوريا، لكن من سيتم القضاء عليه هو إسرائيل".
إعلانوكانت صرحت طهران سابقا بأن وجودها في سوريا كان استشاريا وبطلب حكومي وأن خروجها منها كان "مسؤولا" مؤكدة أن العلاقات مع دمشق كانت "تاريخية".
وقد سيطرت فصائل المعارضة على العاصمة دمشق في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، مع انسحاب قوات النظام المخلوع، وفر بشار الأسد رفقة عائلته إلى روسيا التي منحته "اللجوء الإنساني" لينتهي 61 عاما من حكم حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.