الجزائر – تباينت مواقف الأحزاب الكبرى ذات المرجعية الإسلامية في الجزائر تجاه الاستحقاق الانتخابي الأهم في البلاد بين مؤيد للرئيس المترشح عبد المجيد تبون ومعارض له ورافضٍ للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 7 سبتمبر/أيلول المقبل.

وكانت حركة البناء الوطني أول حزب سياسي يعلن بالإجماع ترشيح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لولاية جديدة من أجل "استمرارية حماية الثوابت الوطنية ومشروع بناء الجزائر الجديدة"، وفق بيان صادر عنها في وقت سابق.

ويذكر أن حركة البناء، وهي ثاني أكبر حزب إسلامي، يرأسها حاليا الوزير السابق عبد القادر بن قرينة، الذي حلّ ثانيًا في رئاسيات ديسمبر/كانون الأول 2019 في منافسة تبون وآخرين.

بالمقابل، دخلت حركة مجتمع السلم (حمس)، وهي أكبر أحزاب المعارضة الجزائرية، برئيسها عبد العالي حساني شريف مُرشحًا منافسًا بشعار "فرصة للتغيير"، لتعود إلى الواجهة بعد آخر مشاركة لرئيسها الراحل محفوظ نحناح في رئاسيّات نوفمبر/تشرين الثاني 1995.

وحظي مرشح "حمس" بدعم من "حركة النهضة"، وهي من الأحزاب الإسلامية التاريخية في الجزائر منذ عهد السريّة، قبل تعرضها لسلسلة من الانقسامات التنظيمية.

من جهة أخرى، آثر عميد الإسلاميين الشيخ عبد الله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية، عدم دخول السباق الرئاسي الجديد بعدما خاضه مرّتين عامي 1999 و2004.

الشيخ عبد الله جاب الله يرفض المشاركة في الرئاسيات الجديدة (الجزيرة) الواقعية السياسية

وفي استطلاع للجزيرة نت مع قادة الأحزاب الإسلامية حول اختلاف مواقفها من رئاسيات 2024، قال سعيد نفيسي نائب رئيس حركة البناء الوطني إن "الموقف السياسي تحكمه مصالح الوطن أولا، ثم مصلحة الحزب ثانيا في إطار الواقعية السياسية".

واعتبر ترشيح الرئيس تبون منسجمًا تماما مع رؤية الحركة القائمة على المشاركة الإصلاحية والمعارضة الإيجابية "بما يضمن السير بخطوات واضحة نحو تجسيد مشروعها المجتمعي".

وقال نفيسي إن الجزائر أمام تنافس برامجيّ بعيدا عن أي استقطاب أيديولوجي، مؤكدا رفض حركة البناء تقسيم الساحة السياسية في ظل التعددية إلى وطني وإسلامي وديمقراطي.

وأضاف المتحدث أن تحديات التنمية المحلية وكذلك الظروف الإقليمية والدولية ترجّح أهمية التحالف مع رجل يتوفر على إمكانات التسيير والقرار، للحفاظ على مكتسب الأمن والاستقرار والاستمرار في تجسيد المشاريع.

وكان سعيد نفيسي صريحًا بقوله "إننا ندرك يقينا لا شك معه أنّ تبون سيكتسح الانتخابات بفوز ساحق، ولا يتصور متابع عاقل للساحة السياسية في الجزائر احتمال فوز مرشح آخر"، لذلك فإن حركته، بصفتها حزبًا صاعدا، لن تنخرط في أي خيار خاسر.

التدافع الانتخابي

وفي الاتجاه الآخر، أوضح ناصر حمدادوش نائب رئيس حركة مجتمع السلم أنّ موقعها في المعارضة مع غياب مرشح توافقي يفرضان المنافسة والتدافع الانتخابي بمرشّح الحزب.

وأشار في تصريح للجزيرة نت إلى أن التنافس الرئاسي يجسد الحفاظ على سيادة الحركة واستقلالية قرارها وتوسيع قاعدتها الشعبية، زيادةً على انسجامها مع مبرّرات تأسيس الأحزاب والتعددية على أساس الأفكار والبرامج والرجال من أجل الوصول إلى الحكم عبر الإرادة الشعبية.

واعترف المتحدث بأن غياب الحركة عن المنافسة في الانتخابات الرئاسية 2019، و"عدم تقديم مترشح باسمها خلال مدة طويلة جدا منذ 1995، كان لهما آثار سلبية على حزب سياسي يؤمن بالمشاركة"، على حد تعبيره.

قيادة حركة البناء الوطني تختار تأييد الرئيس تبون في الانتخابات الرئاسية (الجزيرة) مدرسة الوسطية والاعتدال

ومن جهته، أرجع الأمين العام لحركة النهضة محمد ذويبي دعم المرشح الإسلامي حساني شريف إلى "التراجع الملحوظ في الحريات الفردية والجماعية بعد حراك 22 فبراير/شباط 2019".

وأشار ذويبي في حديث للجزيرة نت إلى "ظهور بوادر محاولات مشبوهة لإفشال الاستحقاق الرئاسي وإدخال البلد في حالة من اللأمن واللاستقرار". كما برّر قرار حزبه بالتحالف مع المعارضة بـ"صعوبة الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية".

وأكد ذويبي أن اختيار مرشح "حمس" بالتحديد يعود للموقع المشترك في المعارضة، وانتماء الحركتيْن إلى المرجعية الفكرية والسياسية نفسها "ضمن مدرسة الوسطية والاعتدال"، على حد تعبيره.

وتحدث مسؤول النهضة عن "تطابق وجهات النظر في تشخيص واقع البلاد، وكذلك في الحلول المقترحة بشتى المجالات"، معتبرا أن شخصية حليفه تتميّز بالكفاءة والأمانة.

رفض الأمر الواقع

أما جبهة العدالة والتنمية فقد أكدت أن "أي انتخابات لا يمكنها النجاح إلا بتوفر الضمانات اللازمة لبناء ديمقراطي حقيقي وترسيخ ثقافة المشاركة في إدارة الشأن العام والتداول السلمي على السلطة".

وشددت الجبهة على "مراجعة القوانين المرتبطة بالانتخابات، مع ضرورة استقلال القضاء والنأي به عن المناكفات السياسية وعن كل شبهة توظيف تمسّ بمصداقيته واستقلاليته".

وفي وقت لاحق، دعت المواطنين إلى ممارسة حقهم في الاقتراع للتعبير عن "رفض سياسة الأمر الواقع، والسلوكيات والمواقف المشوّهة والضارة بالعمل السياسي والانتخابي"، وفق بيانات متوالية لمجلسها الشوري الوطني.

تفرق الإسلاميين بالجزائر في الانتخابات الرئاسية 2024 بعد تجارب وحدوية (الجزيرة) تيار غير منسجم

وفي قراءته لخلفيات هذا التباين السياسي، يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قسنطينة بوبكر جيملي إنه "من الصعب الحديث عن تيار إسلامي منسجم في الجزائر بسبب النزاعات والصراعات البينيّة الظاهرة والمستترة".

وأوضح للجزيرة نت أنّ هذا الواقع ترتّب عنه تنافسية داخلية عالية في مقابل تهدئة ومحاولة للتقارب مع الأطراف الأخرى من خارج التيار الإسلامي، لدرجة أصبح فيها كل مكون من مكوناته يحاول تسجيل نقاط على الآخر.

وأشار المحلل السياسي إلى "جذور تاريخية وفكريّة وشخصية" لهذا الاختلاف، يمكن تلخيصها في ثنائيات "الجماهيرية مقابل التربوية" و"العالمية مقابل الإقليمية" و"النخبوية مقابل الشعبية" و"المدرسة مقابل التنظيم".

ومن أهم العوامل التي تغذّي الاختلافات الفكرية داخل التيار الإسلامي، يقول جيملي، هو تنازع القيادات، إضافة إلى طبيعة العلاقة مع السلطة، حيث يصبح تباين المواقف من الرئاسيات والاستحقاقات الوطنية الأخرى مجرد امتداد طبيعي لذلك.

واعتبر جيملي أن ترشيح "حمس" رئيسها كان خطوة لتفادي تصدعات في الصف، بنقل ساحة المعركة إلى خارج الحزب، واستغلال الانتخابات كفرصة للترويج للمشروع والبرنامج.

كما وصف موقف حركة النهضة في دعم حساني شريف بالمبدئي والمهم مستقبلا، حيث "سيكون له تأثير على تشكّل ونمو تنسيق وتحالف إستراتيجي بإمكانه بعث التيار الإسلامي من جديد".

مقابل ذلك، يرى جيملي قرار حركة البناء بدعم الرئيس تبون لولاية ثانية "براغماتيًّا".

وعن تفضيل الشيخ جاب الله مراقبة مجريات الاستحقاقات من دون الانخراط المباشر فيها، فإنّ المحلل يفسّره بـ"أسباب حزبية داخلية، وربّما لعدم تشاور الآخرين معه مسبقًا بخصوص الترشح".

ويعتقد جيملي أن الوعاء الانتخابي بصفة عامة للإسلاميّين في الجزائر كبير، "لكنّ جزءًا منه جامد وكامن في حالة عزوف، في حين أن القطاع النشط تستقطب منه حمس حصة الأسد".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی الانتخابات حرکة البناء فی الجزائر للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

لماذا فاز الاخوان في انتخابات الأردن؟

لماذا فاز #الاخوان في #انتخابات_الأردن؟

د. #خالد_أحمد_حسنين

النتيجة التي حصلت عليها جماعة الاخوان وحزبهم “جبهة العمل الاسلامي” في انتخابات مجلس النواب الأردني العشرين، والتي جرت يوم العاشر من هذا الشهر، كانت مفاجئة للأوساط السياسية جميعها، ومنها الإخوان أنفسهم، فقد كانت توقعات الإخوان للفوز بعشرة مقاعد في القائمة الوطنية عند أكثر المتفائلين في الحزب، ومثلهم في القوائم المحلية، إلا أن المفاجأة الحقيقية كانت في القائمة الوطنية، حيث حصد الإخوان 17 مقعدا من أصل 41 مقعدا مخصصا للقائمة الوطنية، وبمجموع 31 نائبا من أصل 138 عضوا من أعضاء مجلس النواب، أي ما نسبته 22%.

جاءت المفاجأة في هذا الفوز بسبب العديد من التحليلات والقراءات التي سبقت العملية الانتخابية، فالأوضاع في المنطقة، وخصوصا ما يتعلق بمستقبل الحرب في غزة، أوحت بأن عقل الدولة الأردنية ربما سيدفع باتجاه ضبط مخرجات العملية الانتخابية، كما كان يحصل في كافة العمليات الانتخابية السابقة، ومعرف أن الدولة بأجهزتها وخبراتها المتوارثة كانت قادرة على فعل ذلك، بطرق مباشرة وغير مباشرة، فلماذا تركت الأمور تذهب إلى هذا الحد، وخصوصا في القائمة الوطنية؟

مقالات ذات صلة الحكومة والنواب والمعارضة..! 2024/09/12

وقبل أن نجيب على هذا السؤال يمكنني التأكيد أن أجهزة الدولة (وخصوصا الأمنية منها) لم تكن بعيدة عن التدخل في كافة تفاصيل العملية الانتخابية، وخصوصا في الدوائر المحلية، وأنها أوحت للعديد من المرشحين بالاقدام على الترشح من أجل تقليل فرص مرشحين آخرين، وأنها ساهمت في منع ترشح البعض بحجج مختلفة، وبوعود كثيرة تم بذلها للعشرات من أجل ضمان فوز البعض الآخر، وأن هناك عشرات المرشحين ممن كانوا يضربون بسيف الأجهزة، ويدّعون أن مقاعدهم مضمونة، وأن هناك آلاف الإجتماعات التي عقدت داخل الغرف المغلقة (في المؤسسات التابعة لأجهزة الدورة) من أجل ترتيب بعض القوائم، ومحاصرة أي تشويش عليها، كل ذلك وغيره تم بشكل معلن وفي وضح النهار، إلا أن النتيجة كانت مختلفة، فلماذا؟

يمكن القول أن النتائج الخاصة بالقوائم الحلية كانت متوقعة وضمن الترتيبات والمحاصصات المعروفة سلفا، وربما ساهم القانون الجديد المتعلق بالكوتات، في فوز بعض النساء وفوز مسيحي وشركسي على قوائم العمل الاسلامي، وهذا ما أضاف للمقاعد المتوقعة سلفا عددا إضافيا بحيث وصل إلى 14 مقعدا.

نعود للقائمة الوطنية، وهي مربط الفرس في هذا التحليل، حيث لوحظ أن الأحزاب (المحسوبة على الدولة) والتي جرى تشكيلها بعد إقرار قانون الأحزاب الجديد، مختلفة فيما بينها، مما يوحي بأنها تتبع أجنحة متعددة داخل الدولة، وكل جناح يحاول أن يدفع برجالاته إلى الواجهة عبر القائمة الوطنية، لذا فإن السبب الرئيس لحيادية الدولة تجاه القائمة الوطنية كان في ظني الخشية من تحول الصراع بين الأحزاب إلى إفساد العملية الانتخابية كلها، وبالتالي فإنني أتوقع أن قرارا (ساميا وحاسما) هو الذي ضبط الميزان، وألزم الجميع بترك القائمة الوطنية دون تدخلات، إلا في حدود حشد كل جناح لرجالاته خلف قائمته الحزبية، وذلك حفاظا على عدم انتقال الصراع إلى داخل أجهزة الدولة نفسها.
وأتوقع أن هناك رغبة لدى أجهزة الدولة المختلفة، منها الديوان الملكي، في معرفة الوزن النسبي الحقيقي لكل حزب من الأحزاب المتنافسة، ومدى قدرته على إقناع الجماهير بالتصويت له، وربما لتسهيل عمليات الرهانات المستقبلية في اختيار أحزاب المخزن (كما تسمى في المغرب)، فهذه هي التجربة الأولى لتطبيق القانون الجديد، وكان لا بد أن تكون النتائج صادقة (إلى حد ما) من أجل تقييم هذه الخطوة.
سبب آخر ربما يكون وراء الحياد النسبي لأجهزة الدولة يتعلق بخيار أسوأ الإحتمالات (كما يسمى في الإدارة) وهو فوز هنا حزب جبهة العمل الاسلامي بمقاعد أكثر من المتوقع، وهذا المسار إن حصل (وقد حصل) فلن يكون مؤثرا على قرار المجلس في القضايا المفصلية، فقد أظهرت النتائج أن الاخوان يحتلون أقل من ربع عدد مقاعد المجلس، وربما يكون هناك 6-7 نواب محسوبون على المعارضة (النسبية، أو الولاء الناقد على رأي صديقنا عمر العياصرة) وبالتالي لدى الدولة 100 نائب على الأقل يمكن (التفاهم) معهم على (المصلحة الوطنية العليا) إذا تعذر ذلك مع الاخوان.
السبب الثالث للنتيجة يتعلق بسلوك الإخوان كجماعة، منذ قرار اعتبارهم جماعة أمر واقع وليست جماعة مرخصة فعليا، والتعامل معهم على هذا الأساس، منذ ذلك التاريخ أصبحت حسابات الإخوان دقيقة وحذرة للغاية في التعامل مع الدولة، وأصبحو يشعرون أنهم على حافة مجزرة قانونية تمتلك الدولة كافة أوراقها، ويمكن تفعيلها في أي لحظة، وبالتالي أرسل الاخوان عشرات رسائل حسن النية تجاه العلاقة من الدولة، وبخاصة في مسار الإصلاح السياسي، فتقبلوا على مضض إغلاق مقراتهم، وإزالة اللافتة التاريخية للجماعة عن تلك المقرات، وقبلوا بالعمل كضيوف من داخل مقرات حزب جبهة العمل الاسلامي، وشاركوا بشكل فاعل في لجنة التحديث السياسي، ومرروا التعديلات الدستورية وقانوني الأحزاب والانتخاب، وابتعلوا مرارتها على مضض، وخفضوا سقف المواجهة في معركة نقابة المعلمين، وتسامحوا مع التدخلات المباشرة في انتخابات النقابات (وبخاصة المهندسين والزراعيين)، وضبطوا بشكل معقول تفاعلات الطلاب والجامعات ولم يوصلوها إلى مستوى المواجهة في العديد من المحطات، وكتموا غيظهم إزاء الحصار المفروض عليهم في مجلس النواب التاسع عشر، وأخيرا ضبطوا حراك الشارع الأردني أثناء معركة طوفان الأقصى ضمن الحدود المقبولة للدولة، بالرغم من بعض التجاوزات المحدودة هنا وهناك، كل ذلك ربما أقنع الدولة وأجزتها بأن الإخوان ليسوا خطرا مهددا لبنية النظام، وبالتالي يمكن تجربة خيار أسوأ الاحتمالات، مقابل الفوائد الجمة التي يمكن تحقيقها من وراء ذلك.

السبب الرابع لفوز الإخوان هو معركة طوفان الأقصى، التي تخوضها المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس نيابة عن الأمة كلها، والتي تحظى بتأييد أغلبية الشعوب العربية، والجميع يعلم أن حركة حماس جزء من حركة الإخوان المسلمين العالمية، والعلاقة بين حماس وإخوان الأردن علاقة وطيدة، فهم تاريخيا تنظيم واحد، وحماس نشأت في حضن الإخوان الأردنيين ضمن تنظيم بلاد الشام، وبالتالي فإخوان الأردن هم الآباء الرسميون لحماس، وعلى الجانب الآخر نجد أن أغلبية الأردنيين، في المدن والريف والبادية والمخيمات يؤيدون بشكل جارف حركة حماس، ويشعرون بالتقصير تجاه نصرتها، وبالتالي كان التصويت للاخوان (في جانب منه) نوعا من التعبير عن التأييد للمقاومة، ورد الجميل لها ولأهل فلسطين، وقد استثمر الإخوان كثيرا في هذه العاطفة، فجعلوا رمز حملتهم المثلث الأخضر المقلوب، ومعظم خطاباتهم وأناشيدهم الانتخابية عن المقاومة، وذلك في تعبير واضح عن أنهم شركاء في مشروع المقاومة. دون أن نغفل عن التأكيد على وجود الإخوان التاريخي في الشارع الأردني، وأدائهم للأدوار الخيرية والاجتماعية تجاه الفئات المهمشة والمحرومة في المجتمع حتى اليوم، على الرغم من أن الدولة حاصرتهم، ونقلت إدارة جمعية المركز الاسلامي إلى قيادات الحزب الوطني الاسلامي (وربما أثر ذلك ايجابا على نتائج انتخابات الحزب)، ومع ذلك ما زال الاخوان يمارسون أدوارهم السابقة، والتي تعتبر جزءا من إلتزامهم الديني والأخلاقي تجاه المجتمع، مما أكد على مصداقيتهم عند الناس.
السبب الأخير الذي سأختم به مقالتي هذه يتعلق بالنظرة الاستراتيجية للدولة الأردنية إزاء الأوضاع في غزة، واليوم التالي للحرب عليها، ولعل حسابات الدولة تؤكد بأن حماس قوة باقية في المعادلة الفلسطينية حتى لو استمرت الحرب عاما آخر، وبالتالي فلا بد من إعادة تموضع الموقف الأردني بما يؤهله للحفاظ على المكتسبات الوطنية، ومواجهة الخيارات المستقبلة للصهاينة والأميركان (وخصوصا في حال فوز ترامب) والنوايا العدوانية لليمين الصهيوني نجاه الأردن، والرفض القاطع لإقامة الدولة الفلسطينية، فضلا عن تلاشي شعبية السلطة الفلسطينية لدى الفلسطينيين أنفسهم، كل هذه المعطيات تدفع باتجاه حقيقة واضحة تقول بأن حماس ستكون لاعبا رئيسا على الساحة السياسية الفلسطينية خلال السنوات القادمة، ولمّا كان التعامل مع حماس ليس متيسرا حاليا في ظل التحالفات الأردنية (المفيدة مرحليا) مع أميركا ومحور الاعتدال العربي، فإن تعزيز ورقة الإخوان في المشهد السياسي القادم يمكن أن يكون له فائدة في تحقيق علاقة مع حماس، حتى لو كانت في الظل وضمن الأبواب الخلفية، وربما يتمكن الإخوان (ضمن تفاهمات مع الدولة) في إعادة بناء العلاقة مع حماس بما يخدم المصالح الاستراتيجية للدولة، ويساهم في مواجهة مخططات التهجير من الضفة الغربية التي يدفع اليمين المتطرف باتجاه تنفيذها خلال الفترة القادمة.

مقالات مشابهة

  • إسلاميو الأردن وانتخابات 2024.. انتصروا لغزة فانتصر لهم الناخبون
  • لماذا فاز الاخوان في انتخابات الأردن؟
  • تبون يستقبل مبعوثة خاصة من ماكرون
  • تعليقا على انتخابات الرئاسة الجزائرية
  • الجزائر.. مرشحا المعارضة يطعنان بنتائج الانتخابات الرئاسية
  • عمرو خليل: الشرق الأوسط في بؤرة مناظرة انتخابات الرئاسة الأمريكية
  • حساني شريف يطعن بنتائج الانتخابات الرئاسية في الجزائر
  • مرشحو الجزائر يشككون في نتيجة الانتخابات الرئاسية وأخرون يعترفون بالعزيمة  
  • الصحافة اللاتينية تنتقد صورية الانتخابات الرئاسية الجزائرية
  • انتخابات الجزائر: أرقام وصدمات