بين مؤيد ومعارض ومقاطع…لماذا تفرّق إسلاميو الجزائر في انتخابات الرئاسة؟
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
الجزائر – تباينت مواقف الأحزاب الكبرى ذات المرجعية الإسلامية في الجزائر تجاه الاستحقاق الانتخابي الأهم في البلاد بين مؤيد للرئيس المترشح عبد المجيد تبون ومعارض له ورافضٍ للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 7 سبتمبر/أيلول المقبل.
وكانت حركة البناء الوطني أول حزب سياسي يعلن بالإجماع ترشيح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لولاية جديدة من أجل "استمرارية حماية الثوابت الوطنية ومشروع بناء الجزائر الجديدة"، وفق بيان صادر عنها في وقت سابق.
ويذكر أن حركة البناء، وهي ثاني أكبر حزب إسلامي، يرأسها حاليا الوزير السابق عبد القادر بن قرينة، الذي حلّ ثانيًا في رئاسيات ديسمبر/كانون الأول 2019 في منافسة تبون وآخرين.
بالمقابل، دخلت حركة مجتمع السلم (حمس)، وهي أكبر أحزاب المعارضة الجزائرية، برئيسها عبد العالي حساني شريف مُرشحًا منافسًا بشعار "فرصة للتغيير"، لتعود إلى الواجهة بعد آخر مشاركة لرئيسها الراحل محفوظ نحناح في رئاسيّات نوفمبر/تشرين الثاني 1995.
وحظي مرشح "حمس" بدعم من "حركة النهضة"، وهي من الأحزاب الإسلامية التاريخية في الجزائر منذ عهد السريّة، قبل تعرضها لسلسلة من الانقسامات التنظيمية.
من جهة أخرى، آثر عميد الإسلاميين الشيخ عبد الله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية، عدم دخول السباق الرئاسي الجديد بعدما خاضه مرّتين عامي 1999 و2004.
الشيخ عبد الله جاب الله يرفض المشاركة في الرئاسيات الجديدة (الجزيرة) الواقعية السياسيةوفي استطلاع للجزيرة نت مع قادة الأحزاب الإسلامية حول اختلاف مواقفها من رئاسيات 2024، قال سعيد نفيسي نائب رئيس حركة البناء الوطني إن "الموقف السياسي تحكمه مصالح الوطن أولا، ثم مصلحة الحزب ثانيا في إطار الواقعية السياسية".
واعتبر ترشيح الرئيس تبون منسجمًا تماما مع رؤية الحركة القائمة على المشاركة الإصلاحية والمعارضة الإيجابية "بما يضمن السير بخطوات واضحة نحو تجسيد مشروعها المجتمعي".
وقال نفيسي إن الجزائر أمام تنافس برامجيّ بعيدا عن أي استقطاب أيديولوجي، مؤكدا رفض حركة البناء تقسيم الساحة السياسية في ظل التعددية إلى وطني وإسلامي وديمقراطي.
وأضاف المتحدث أن تحديات التنمية المحلية وكذلك الظروف الإقليمية والدولية ترجّح أهمية التحالف مع رجل يتوفر على إمكانات التسيير والقرار، للحفاظ على مكتسب الأمن والاستقرار والاستمرار في تجسيد المشاريع.
وكان سعيد نفيسي صريحًا بقوله "إننا ندرك يقينا لا شك معه أنّ تبون سيكتسح الانتخابات بفوز ساحق، ولا يتصور متابع عاقل للساحة السياسية في الجزائر احتمال فوز مرشح آخر"، لذلك فإن حركته، بصفتها حزبًا صاعدا، لن تنخرط في أي خيار خاسر.
التدافع الانتخابيوفي الاتجاه الآخر، أوضح ناصر حمدادوش نائب رئيس حركة مجتمع السلم أنّ موقعها في المعارضة مع غياب مرشح توافقي يفرضان المنافسة والتدافع الانتخابي بمرشّح الحزب.
وأشار في تصريح للجزيرة نت إلى أن التنافس الرئاسي يجسد الحفاظ على سيادة الحركة واستقلالية قرارها وتوسيع قاعدتها الشعبية، زيادةً على انسجامها مع مبرّرات تأسيس الأحزاب والتعددية على أساس الأفكار والبرامج والرجال من أجل الوصول إلى الحكم عبر الإرادة الشعبية.
واعترف المتحدث بأن غياب الحركة عن المنافسة في الانتخابات الرئاسية 2019، و"عدم تقديم مترشح باسمها خلال مدة طويلة جدا منذ 1995، كان لهما آثار سلبية على حزب سياسي يؤمن بالمشاركة"، على حد تعبيره.
قيادة حركة البناء الوطني تختار تأييد الرئيس تبون في الانتخابات الرئاسية (الجزيرة) مدرسة الوسطية والاعتدالومن جهته، أرجع الأمين العام لحركة النهضة محمد ذويبي دعم المرشح الإسلامي حساني شريف إلى "التراجع الملحوظ في الحريات الفردية والجماعية بعد حراك 22 فبراير/شباط 2019".
وأشار ذويبي في حديث للجزيرة نت إلى "ظهور بوادر محاولات مشبوهة لإفشال الاستحقاق الرئاسي وإدخال البلد في حالة من اللأمن واللاستقرار". كما برّر قرار حزبه بالتحالف مع المعارضة بـ"صعوبة الوضع الاجتماعي والاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية".
وأكد ذويبي أن اختيار مرشح "حمس" بالتحديد يعود للموقع المشترك في المعارضة، وانتماء الحركتيْن إلى المرجعية الفكرية والسياسية نفسها "ضمن مدرسة الوسطية والاعتدال"، على حد تعبيره.
وتحدث مسؤول النهضة عن "تطابق وجهات النظر في تشخيص واقع البلاد، وكذلك في الحلول المقترحة بشتى المجالات"، معتبرا أن شخصية حليفه تتميّز بالكفاءة والأمانة.
رفض الأمر الواقعأما جبهة العدالة والتنمية فقد أكدت أن "أي انتخابات لا يمكنها النجاح إلا بتوفر الضمانات اللازمة لبناء ديمقراطي حقيقي وترسيخ ثقافة المشاركة في إدارة الشأن العام والتداول السلمي على السلطة".
وشددت الجبهة على "مراجعة القوانين المرتبطة بالانتخابات، مع ضرورة استقلال القضاء والنأي به عن المناكفات السياسية وعن كل شبهة توظيف تمسّ بمصداقيته واستقلاليته".
وفي وقت لاحق، دعت المواطنين إلى ممارسة حقهم في الاقتراع للتعبير عن "رفض سياسة الأمر الواقع، والسلوكيات والمواقف المشوّهة والضارة بالعمل السياسي والانتخابي"، وفق بيانات متوالية لمجلسها الشوري الوطني.
تفرق الإسلاميين بالجزائر في الانتخابات الرئاسية 2024 بعد تجارب وحدوية (الجزيرة) تيار غير منسجموفي قراءته لخلفيات هذا التباين السياسي، يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قسنطينة بوبكر جيملي إنه "من الصعب الحديث عن تيار إسلامي منسجم في الجزائر بسبب النزاعات والصراعات البينيّة الظاهرة والمستترة".
وأوضح للجزيرة نت أنّ هذا الواقع ترتّب عنه تنافسية داخلية عالية في مقابل تهدئة ومحاولة للتقارب مع الأطراف الأخرى من خارج التيار الإسلامي، لدرجة أصبح فيها كل مكون من مكوناته يحاول تسجيل نقاط على الآخر.
وأشار المحلل السياسي إلى "جذور تاريخية وفكريّة وشخصية" لهذا الاختلاف، يمكن تلخيصها في ثنائيات "الجماهيرية مقابل التربوية" و"العالمية مقابل الإقليمية" و"النخبوية مقابل الشعبية" و"المدرسة مقابل التنظيم".
ومن أهم العوامل التي تغذّي الاختلافات الفكرية داخل التيار الإسلامي، يقول جيملي، هو تنازع القيادات، إضافة إلى طبيعة العلاقة مع السلطة، حيث يصبح تباين المواقف من الرئاسيات والاستحقاقات الوطنية الأخرى مجرد امتداد طبيعي لذلك.
واعتبر جيملي أن ترشيح "حمس" رئيسها كان خطوة لتفادي تصدعات في الصف، بنقل ساحة المعركة إلى خارج الحزب، واستغلال الانتخابات كفرصة للترويج للمشروع والبرنامج.
كما وصف موقف حركة النهضة في دعم حساني شريف بالمبدئي والمهم مستقبلا، حيث "سيكون له تأثير على تشكّل ونمو تنسيق وتحالف إستراتيجي بإمكانه بعث التيار الإسلامي من جديد".
مقابل ذلك، يرى جيملي قرار حركة البناء بدعم الرئيس تبون لولاية ثانية "براغماتيًّا".
وعن تفضيل الشيخ جاب الله مراقبة مجريات الاستحقاقات من دون الانخراط المباشر فيها، فإنّ المحلل يفسّره بـ"أسباب حزبية داخلية، وربّما لعدم تشاور الآخرين معه مسبقًا بخصوص الترشح".
ويعتقد جيملي أن الوعاء الانتخابي بصفة عامة للإسلاميّين في الجزائر كبير، "لكنّ جزءًا منه جامد وكامن في حالة عزوف، في حين أن القطاع النشط تستقطب منه حمس حصة الأسد".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی الانتخابات حرکة البناء فی الجزائر للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
أزمة سياسية في ألمانيا.. شولتس يخسر تصويت الثقة وتحديد موعد الانتخابات المبكرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
خسر المستشار الألماني أولاف شولتس تصويت الثقة التاريخي في البرلمان الألماني، مما يفتح الطريق لإجراء انتخابات وطنية مبكرة بعد انهيار حكومته، وفقًا لما أفادت به وكالة "رويترز".
وكان المستشار الألماني قد طلب إجراء التصويت بهدف خسارته عمدًا، ودعا البوندستاغ (مجلس النواب) إلى إعلان عدم ثقته به، لتكون هذه الخطوة الرسمية الأولى نحو إجراء انتخابات جديدة.
ووفقا لرويترز سيطلب شولتس الآن من الرئيس فرانك فالتر شتاينماير حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة، والتي يجب أن تُجرى في غضون 60 يومًا، مع تحديد موعدها في 23 فبراير.
وكان المستشار في حاجة إلى 367 صوتًا في تصويت سحب الثقة يوم الاثنين لتحقيق هدفه، وفي النهاية حصل على تأييد 394 نائبًا. حصل على 207 أصوات مؤيدة، فيما امتنع 116 عن التصويت.
وفي خطاب مؤثر أمام قاعة مليئة بالحضور، قال شولتس: "هدفي هو تقديم موعد الانتخابات الفيدرالية. يتعلق الأمر بالثقة في بلدنا وعدم تعريض مستقبلنا للخطر".
وأكد شولتس أن هدفه هو تعزيز الثقة في مستقبل البلاد، مضيفًا: "أفضل أيام ألمانيا تنتظرنا".
وكانت حكومة شولتس الائتلافية قد انهارت في نوفمبر بعد استقالة الحزب الديمقراطي الحر المؤيد للأعمال احتجاجًا على إقالة المستشار لوزير المالية كريستيان ليندنر بسبب خلافات عميقة حول إدارة الديون.
وأدى ذلك إلى تشكيل حكومة أقلية في ألمانيا تتألف من الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة شولتس وحزب الخضر، وذلك في وقت تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية عميقة وتوترات جيوسياسية.
ومن المقرر أن يظل شولتس في منصبه رئيسًا للحكومة حتى تشكيل إدارة جديدة.
وفي خطابه الذي استمر لمدة نصف ساعة في البرلمان، دافع شولتس عن قراره بالضغط لإجراء انتخابات مبكرة، مشيرًا إلى أن الانقسام داخل الحكومة أصبح غير مقبول. كما انتقد بشدة تصرفات الحزب الديمقراطي الحر وسط اتهامات له بالتخطيط لانهيار الحكومة، وقال: "أنا آسف بشدة لهذا الضرر".