مجلس بوعياش يشتغل خارج القانون ورئيسته تعتدي على الدستور
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
بقلم : عزيز إدمين / ناشط حقوقي
مرت مناسبتان متفرقتان، ولكن تحملان نفس الدلالات الإنسانية والحقوقية، الأولى تتعلق بالذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، حيث أفرج الملك عن عدد من الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والثانية تتعلق بالذكرى الواحدة والسبعين لثورة الملك والشعب، إذ أصدر الملك عفوه على 4831 شخصا من المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي.
بيد أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان تفاعل بانتقائية مع الحدثين، بإصداره بلاغا بخصوص الحدث الثاني، منوّها بالمبادرة الملكية، التي تدعم انخراط المغرب في المقاربة الحقوقية، التي بلورتها الأمم المتحدة، في حين لم يصدر عنه أي بلاغ بخصوص الحدث الأول، إذ تجاهله وكأنه ليس بقضية لا حقوقية ولا إنسانية، مع العلم أن عددا من الصحافيين والمدافعين المشمولين بالعفو في المناسبة الأولى كانوا موضوع انشغالات الكثير من هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية غير الحكومية الوطنية والدولية.
واللافت أن أي متتبّع لمسار المجلس الوطني لحقوق الإنسان سيلاحظ أن تقاريره ومبادراته لم تعد تغري المهتمين والمتتبعين، بل هناك من أصبح يرفض أي مبادرة صادرة عنه ولو تطلّب منه ذلك الاستمرار في سلب حريته، إلا أن موضوع المقالة سيتطرق إلى الوضعية القانونية للمجلس ككل، من خلال الدستور ومن خلال القانون المنظم له رقم 76.15 ونظامه الداخلي المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6856 بتاريخ 13 فبراير 2020.
1- رئاسة المجلس خارج الولاية القانونية
عين الملك الأستاذة أمينة بوعياش بتاريخ 6 دجنبر 2018، وتنص المادة 37 في الفقرة الأخيرة من القانون المنظم للمجلس أنه “تحدد مدة انتداب الرئيس… في خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة”، وتضيف المادة 38 من نفس القانون “تنتهي العضوية في المجلس بالوفاة، وتنتهي أيضا بانتهاء مدة الانتداب…”. وهاذان النصان صريحان، ولا غبار عليهما، ويفيدان أن مدة انتداب رئيسة المجلس انتهت بتاريخ 5 دجنبر 2023.
ومن أجل الحفاظ على الأمن التشريعي، نجد أن المشرّع أحاط المجلس بعدد من الضمانات القانونية، فالفقرة الثانية من المادة 38، تؤكد على رئيس المجلس اتّباع مسطرة صريحة في حالة انتهاء الانتداب، حيث نصت على ضرورة أن يحيط الرئيس السلطة، التي يحق لها التعيين، بالتاريخ الذي سوف تنتهي فيه مدة الانتداب قبل ثلاثة أشهر من التاريخ المذكور، وأن يتم التعيين أو إعادة التعيين قبل 15 يوما من التاريخ المذكور.
وهنا يُطرح السؤال: هل أحاطت الأستاذة أمينة بوعياش، قبل ثلاث أشهر، الملك بتاريخ انتهاء انتدابها؟
قد يقول قائل إن المسطرة المذكورة تخص الأعضاء، وليس الرئيسة، ومع ذلك فإن القانون واضح بقوله إن المجلس يتألّف من الرئيس والأمين العام ورؤساء اللجن الجهوية… فصفة الرئيس أو الأمين العام أو رئيس لجنة أو رئيس آلية… هي مهام، والجميع أعضاء المجلس، ومع ذلك، فإن المشرع أضاف تحصينات للأمن القانوني للمجلس بالنصّ، صراحة، مرة أخرى، في الفصل 51 في فقرته الأخيرة، على أنه “إذا أحال عائق دون اضطلاع الرئيس بمهامه، يعين جلالة الملك أحد أعضاء المجلس ليتولى مهمة التسيير المؤقت للمجلس”، والعائق قد يكون صحيا أو ذهنيا، وقد يكون أيضا قانونيا، والعائق القانوني هنا ثابت وهو “انتهاء مدة الانتداب”.
2- آليات المجلس خارج الشرعية والمشروعية
تنص المادة 23 من القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، على أن “النظام الداخلي للمجلس يحدد عدد أعضاء كل آلية من الآليات الوطنية”، ويَذكُر أن المجلس يضم ثلاث آليات وطنية مرتبطة باتفاقيات دولية، وهي آلية الوقاية من التعذيب، وآلية التظلم للأطفال، وآلية خاصة بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة.
وتنص المادة 37 (الفقرة الثانية) من النظام الداخلي للمجلس، على أنه “لا يقل عدد أعضاء كل آلية عن ثلاثة أعضاء من المجلس على الأقل”.
وبالعودة إلى بلاغٍ للمجلس صدر بتاريخ 21 شتنبر 2019، نجد أن أعضاء آلية الوقاية من التعذيب، تضم كلا من السيد محمد بنعجيبة (منسقا)، والسيدة عائشة الناصري، والسيد مصطفى الريسوني (مقررا)، وهذا الأخير، السيد النقيب، تولاه الله برحمته بتاريخ 2 نونبر 2020.
ووفق نفس البلاغ دائما، تتكون الآلية المتعلقة بحماية الأطفال من: السيدة زهور الحر (منسقة)، والسيد عمر بنيطوا (مقررا)، والسيدة أجميعة حداد، وهذه الأخيرة تولاها الله برحمته بتاريخ 22 يوليوز 2020.
وبهذا الصدد، تحدد نفس المادة (37) مسطرة تأليف الآليات وكيفية اختيار أعضائها، حيث يَلزم، وبالضرورة، المرور عبر الجمعية العامة، وبالعودة إلى جميع البلاغات أو تقارير أنشطة المجلس، لا نجد أي إشارة إلى تعويض العضوين المتوفيين بعضوين آخريْن من داخل المجلس، مما يؤكد أن الآليات، ولمدة سنوات، تشتغل بأقل من العدد المفروض قانونيا، الذي لا يجب أن يقلّ عن ثلاثة أعضاء.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن لِآلية الوقائية من التعذيب وضعا خاصا داخل المجلس، وأيضا وفق القانون، وذلك نظرا لحساسية موضوع الاشتغال، الذي يقتضي التدخل السريع والاستباقي والحضور اليومي، حيث تم تحصينهم بعدد من الضمانات وفق المادة 17 من القانون المنظم للمجلس، ولكن في مقابل ذلك، فرض عليهم القانون، وفق المادة 21 الفقرة الثالثة، أن يتفرغ منسق الآلية وأعضاؤها “لمهامهم كامل الوقت طيلة مدة انتدابهم”، بل ووسّع أصحاب المجلس الوطني لحقوق الإنسان من هذا الالتزام وفق النظام الداخلي بشرط “توقيع الأعضاء المقترحين لعضوية الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب التزامهم، في حال اختيارهم، بممارسة مهامهم كامل الوقت طيلة مدة انتدابهم” (المادة 37 من النظام الداخلي).
إلا أن الأعضاء لم يلتزموا بهذا الشرط، حيث استمر منسقها، طيلة سنوات، يمارس مهامه كمدير مركز تحاقن الدم، وإلى اليوم، ما زالت السيدة عائشة الناصيريتمارس وظيفتها كقاضية بالدارالبيضاء.
3- مجلس منقوص الأعضاء
بالإضافة إلى حالتي الوفاة، اللتين ذُكرتا أعلاه، فإن عددَ حالاتِ التنافي بالعضوية في مؤسسة دستورية كثيرةٌ جدا، وهذا الحيز من المقالة لا يسمح بالتطرق إلى الجميع، كمثال تعيين الأستاذة أمينة المسعودي عضوة بالمحكمة الدستورية في نونبر 2023، حيث تنص المادة 5من القانون التنظيمي رقم 66.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، على أنه لا يمكن الجمع بين عضوية المحكمة الدستورية وعضوية إحدى المؤسسات المدرجة في الباب الثاني عشر من الدستور (ومجلس حقوق الإنسان مدرج في هذا الباب)، وهناك حالة السيد إدريس السنتيسي كعضو بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين في مارس 2023، إذ تنص المادة 38 من القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان على أنه يمنع الجمع بين العضوية فيه والعضوية في إحدى الهيئات الدستورية المنصوص عليها في الفصول من 165 إلى 170 من الدستور، ومجلس التربية والتكوين، يحمل رقم 168 من الدستور.
المشرع المغربي، من أجل تأمين الاستمرارية لهذه المؤسسات، فقد استبق أي سيناريو قد يَحول دون القيام بمهامها، إذ نصّ، في المادة 39 الفقرة الثالثة من القانون المنظم للمجلس، على أنه في حالة الوفاة أو فقدان الصفة، يُعيّن من يخلف الأعضاء المَعنيين داخل أجل 60يوم من تاريخ فقدان العضوية، وذلك للفترة المتبقية من مدة العضوية، ويفرض القانون على “رئيس المجلس أن يخبر بذلك، فورا، السلطة التي يرجع لها حق التعيين”.
وترجع سلطة التعويض، في الحالات المذكورة لحد الآن، إلى كل من الملك، بخصوص السيدة أمينة المسعودي، والنقيب الراحل مصطفى الريسوني، وإلى مجلس النواب بخصوص السيد إدريس السنتيسي، وإلى مجلس المستشارين بخصوص الراحلة أجميعة حداد… وهنا، ومرّة أخرى، يُطرح السؤال: هل أخبرت الرئيسة، بقوة القانون، سلطات التعيين من أجل التعويض؟ خاصة وأن مدة فقدان العضوية مرّت عليها شهور وسنوات وليس فقط 60 يوما كما حددها القانون.
قد يقول قائل إن الوضع فيه حرجٌ، عندما تكون سلطة التعيين بيد الملك، ولكن، من خلال تتبع أنشطة ومهام الملك، يلاحظ أنه هو أكثر حرصا على احترام الدستور والقانون، بل إن مثل هذا القول هو أسوأ من عدم احترام القانون، على غرار “العذر أقبح من الزلّة”، إذ أين سيكون الحرج مع سلطات التعيين الأخرى من قبيل البرلمان والحكومة وغيرهما من المؤسسات الأخرى؟!
ويبقى الجواب الأخير على هذا الإشكال هو بلاغات وتقارير الأنشطة والتقارير السنوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي لم تشر نهائيا إلى هذه المساطر، في حين من المفروض إدراجها في التقارير الرسمية، لأنها تتعلق بممارسة مهام وعلاقات المجلس مع مؤسسات دستورية أخرى، مما يجعل عدم الإشارة إليها خرقا واضحا، وبالتالي تكون رئيسة المجلس تتحمّل مسؤولية هذا الاعتداء على الدستور والقانون…
4- المجلس ككل فاقد للأهلية القانونية
بالعودة إلى الظهير الشريف رقم 1.19.11 المتعلق بتعيين الأمين العام وأعضاء ورؤساء اللجن الجهوية، والمؤرخ بـ9غشت 2019، والذي نُشر بالجريدة الرسمية عدد 6813المؤرخة بـ16 شتنبر 2019، نجد أن المادة الأولى تنصّ على أن بداية الانتداب والولاية هي “18 يوليوز 2019”.
وبالعودة، مرة أخرى، إلى نفس نصوص القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، فإن مدة الانتداب لجميع الأعضاء ورؤساء اللجن الجهوية والأمين العام، المحددة في 5 سنوات، انتهت بتاريخ 17 يوليوز 2024 (لا يمكن إضافة ولا يوم واحد)، أي قبل أكثر من شهر، ولكن المسطرة هنا مختلفة تماما عن التعويض في حالة الوفاة أو التنافي.
إن مهندس القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان كان حريصا جدا ألّا يقع المجلس في فراغ قانوني، لهذا وضع مسطرة خاصة في حالة انتهاء مدة انتداب أعضائه، إذ حدّد، بشكل صريح ودقيق ولا يحتاج إلى أي تأويل، في المادة 39 الفقرة الثانية، أنه يجب تعيين أعضاء المجلس، الذين سيحلّون محل الأعضاء، الذين انتهت ولايتهم، قبل 15 يوما على الأقل من تاريخ انتهاء الولاية.
أي أنه إذا كانت نهاية ولاية أو انتداب أعضاء المجلس والأمين العام ورؤساء اللجن الجهوية بتاريخ 17 يوليوز 2024، كان من المفروض قانونا ودستوريا إعادة التعيين أو تعيين الجدد قبل 2 يوليوز 2024.
ومن أجل الأمن القانوني للمجلس، فإن المشرّع ألزم رئيسة المجلس، وفق نفس الفقرة والمادة من القانون، بإحاطة السلطات، التي يرجع لها حق التعيين، بالتاريخ الذي ستنتهي فيه مدة ولاية كل عضو قبل ثلاث أشهر من التاريخ المذكور.
بالملخص أن رئيسة المجلس من المفروض أن تكون راسلت، قبل 17 أبريل 2024، كل السلطات، التي لها حق التعيين، أن تبدأ في اختيار الأعضاء الجدد.
فهل راسلت رئيسة المجلس كلا من الملك، و الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ووسيط المملكة، ورئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج؟ حتى تتمكن هذه المؤسسات من تعيين الأعضاء في الآجال القانونية والمحددة في ثلاثة أشهر…
ونظرا لغياب المعلومة، وغياب أي بلاغ أو إشارة في التقارير بخصوص هذا الموضوع، فإن رئاسة المجلس تتحمل هذا الخرق الدستوري والقانوني.
عود على البدء
إذا كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان استثنى الصحافيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان من بلاغ ينوّه فيه بالمبادرة الملكية، فإن “ما وراء الأكمة” يوحي أن ذلك ليس سقوطا سهوا، بل يعكس المدى الذي وصلت إليه شخصنةُ مؤسسةٍ دستوريةٍ، ويعكس الطبيعة النفسية لأصحاب القرار داخل المجلس.
وأعتقد أنْ ليست هناك حاجة للإشارة إلى أن ذكر أسماء بعض أعضاء المجلس، ضمن هذه المقالة، لا علاقة له بأي خلفيات شخصية، بقدر ما هو نقاش مؤسساتي ودستوري وقانوني، ويبقى للجميع الاحترام والتقدير.
وختاما، وأمام هذا التيه وهذه الدوامة القانونية بخصوص الأهلية الانتدابية للمجلس، فإن أي حل سيكون مجرد ذرّ الرماد على العيون أمام خرق دستوري وقانوني واضح، ويبقى الشيء المؤكد أن المؤسسة الملكية منزهة عن العبث بالدستور والقانون…
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: المجلس الوطنی لحقوق الإنسان النظام الداخلی أعضاء المجلس رئیسة المجلس العضویة فی من التعذیب تنص المادة على أنه فی حالة على أن من أجل
إقرأ أيضاً:
انتخاب القائد.. الدستور واضح لا موجب لتعديل المادة 49 والنص لم يذكر النصاب
قبل أربعة وعشرين ساعة من جلسة الخميس الرئاسية، ازدحمت الساحة السياسية بالاتصالات على خطوط المقرات المعنية، وبحركة الموفدين التي لم تهدأ منذ مطلع العام، من زيارة الموفد القطري، إلى السعودي، إلى الأميركي وصولاً إلى الفرنسي، بيد أن كل هذا الحراك لم يفض إلى تفاهم الكتل النيابية على مرشح يمكن أن ينتخب في الدورة الأولى أوالثانية، وإن كانت مصادر نيابية ترى أن الرئيس سوف ينتخب قبل العشرين من الجاري، ربطاً باتفاق كامل متكامل يتعلق بالرئاسة والحكومة وباتفاق وقف اطلاق النار وتنفيذ القرارات الدولية.
وفي الساعات الفاصلة عن موعد الجلسة، ورغم أن قائد الجيش لا يزال الأوفر حظاً، عاد إلى الواجهة أمس اسم الوزير السابق جهاد أزعور الذي يتقاطع عليه حزب "القوات اللبنانية"و"التيار الوطني الحر" ، وفيما طرح الدكتور سمير جعجع أمام الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للخصخصة زياد الحايك، فإن النائب جبران باسيل الذي التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في الساعات الماضية بعيداً عن الإعلام طرح اسمي أزعور والوزير السابق زياد بارود، معللاً طرحه بأهمية أن يحظى المرشح الرئاسي بتأييد دولي وعربي، في حين أن الرئيس بري لا يزال بحسب مصادر في تكتل لبنان القوي، لا يزال يفضل السير باللواء الياس البيسري وانتخابه في الدورة الثانية بـ65 صوتاً، في حين أن المصادر نفسها تشير إلى اللواء البيسري الذي لا يمانع انتخابه التيار الوطني والذي تم طرحه من قبل القطريين لا يحظى بدعم أميركي وسعودي وبالتالي فإن ليس باستطاعة الدوحة الدفع لانتخابه.
إذن الغموض سيد الموقف، وازاء هذا التخبط الحاصل وعدم امتلاك الكتل السياسية قبل ساعات من الجلسة المقبلة تصوراً مشتركاً أو رؤية موحدة، يمكن القول أن الكتل السياسية الأساسية في أزمة لن تخرج منها إلا تحت ضغط خارجي لا يزال وقعه محدوداً قبل ساعات من جلسة الخميس، لكن الأكيد ان ما بعد انتخاب الرئيس يجب ان لا يكون كما قبله، فلقد حان الأوان لإعادة انتظام الحياة الدستورية وعمل المؤسسات، وحان الوقت أيضاً لاضفاء بعض التعديلات على الدستور والتي من شأنها أن تحد من الفراغ الرئاسي بعد كل ست سنوات من انتهاء ولاية الرئيس المنتخب.
إن شغور سدة الرئاسة أصبح ممارسة شاذة تتكرر في لبنان، وأصبحت الظروف الاستثنائية السبيل الأكثر اعتمادًا لانتخاب رئيس للجمهورية في ظل هذا الفراغ. فهل سيكون وضع العماد عون الانتخابي مشابهًا لوضع العماد ميشال سليمان، ويُجرى انتخاب الرئيس دون تعديل المادة 49 من الدستور؟
ويقول رئيس مؤسسة JUSTICIA والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص، لـ"لبنان24": في عام 2008، وفي ظل تولي العماد سليمان منصب قائد الجيش، تم انتخابه رئيسًا للجمهورية رغم عدم استقالته بما يتناسب مع الشروط الواردة في المادة 49 من الدستور، التي تمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى "مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم." كذلك، استنادًا إلى قانون الانتخاب بالنسبة إلى العسكري والذي يشترط مرور ستة أشهر على تركه الخدمة. ولذلك، لجأ مجلس النواب في انتخابات 2008 إلى الإفادة من المادة الدستورية رقم 74 للتنصل من تعديل المادة 49، حيث اعتبر أن ما حصل مع العماد سليمان كان "تجاوزاً للمهلة"، أي الستة أشهر التي تفرض استقالة قائد الجيش أو سواه من العسكريين من منصبه قبل الانتخابات، وأن هذه المدة سقطت نتيجة الخلاء الحاصل في منصب الرئاسة بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود عام 2007.
وتتناول المادة 74 من الدستور خلو منصب الرئيس بسبب الوفاة أو الاستقالة أو أي سبب آخر، ما يستدعي الاجتماع فورًا دون دعوة من رئيس المجلس. ولبنان يواجه الآن، بحسب مرقص، ذات المعضلة من حيث خلو سدة الرئاسة، ولكن هذه المدة تجاوزت اليوم قرابة السنتين، مما يذهب معه البعض إلى اعتبار أنه يتوافق مع الشرط المذكور في المادة 74. لذلك، وبالطريقة عينها التي اعتُبرت فيها الظروف الانتخابية للعماد سليمان "تجاوزاً للمهلة" وبالتالي مسقطة لشرط المهلة نتيجة الخلاء الرئاسي، للقول بأن الأمر قد ينسحب على انتخاب العماد عون رئيسًا للجمهورية، مع إشارته إلى أنه يمكن الطعن في انتخابات رئيس الجمهورية أمام المجلس الدستوري، بشرط أن يُقدَّم الطعن من ثلث أعضاء مجلس النواب، أي 43 نائبًا من أصل 128. وفي حال نال العماد عون أكثر من 86 صوتًا، سيتعذّر الطعن أمام المجلس الدستوري.
في مطلق الأحوال وبحسب المادة 12 من النظام الداخلي لمجلس النواب معطوفة على المادة 23 من قانون إنشاء المجلس الدستوري، فإن الفصل في صحة الانتخاب لهذه الجهة يعود، بحسب مرقص، للمجلس الدستوري وليس إلى مجلس النواب الذي لا يعود إليه إهمال الأصوات المقترعة لصالح العماد عون أو اللواء البيسري في حال انتخاب أحدهما دون تعديل الدستور أو القانون الانتخابي.
ويقول الدكتور مرقص: ثبت من خلال التجربتين الأخيرتين لاسيما في مناسبة الانتخابات الأخيرة لرئيس الجمهورية، أن عدداً من النواب يستفيد من غياب النص الصريح في المادة / 49/ من الدستور اللبناني المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، على «نصاب Quorum لانتخاب الرئيس يساوي على الأقل نصف عدد الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب في الدورات التالية لدورة الاقتراع الأولى، حيث اكتفى المشترع الدستوري بذكر «الغالبية» Majorite افتراضاً منه أن لا حاجة لفرض النصاب وعلى اعتبار أن الانتخاب سلطة واجبة الممارسة من النواب.
ويضيف مرقص: عدد من النواب توخى استخدام تعطيل «النصاب كوسيلة للتعبير السياسي وللتعبير عن خياراته الانتخابية عوض اللجوء إلى التعبير عن خياراته السياسية والانتخابية في الانتخاب نفسه مما أسفر عن تعطيل التئام المجلس وخلاء سدة الرئاسة، هذا الواقع أدى وقد يؤدي عملياً إلى تحكم 43 نائباً باستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، وإلى منع مجلس النواب برمته من الانعقاد. وبناء عليه، اقترح مرقص تعديل الدستور للمادتين /49/ و /73/ لتقضي بأن ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورة الاقتراع الثانية وبالغالبية النسبية في الدورات التي تلي». ويحق لكل من تتوافر فيه شروط الترشيح التقدم إلى الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى أما في حال عدم فوز أحد المرشحين بغالبية الثلثين في الدورة الأولى، ففي الدورات التي تلي تنحصر المنافسة بالمرشحين اللذين تقدما في عدد الأصوات قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس ويواظب في مطلق الأحوال على الانعقاد في دورات اقتراع متتالية طيلة جلسة مفتوحة ومتواصلة إذا اقتضى الأمر. وتعتبر ساقطة حكما وفوراً نيابة عضو مجلس النواب الذي يتخلف عن حضور أي من الدورات في جلسة الانتخاب دون عذر مسبق مشروع ومقدم أصولاً، كما وفي حال رفض هيئة مكتب المجلس طلب المعذرة المقدم منه أو عدم مصادقتها عليه لمطلق أي علة كانت في مهلة أربعة وعشرين ساعة من تقديمه.
ويقول مرقص: ثمة نظرية أنه ليس من ضرورة لإجراء أي تعديل لسببين:السبب الأول لأن الانتخابات الرئاسية قد طالت بما يقارب السنتين، وبالتالي فإنّه لا موجب بعد الان لتعديل المادة 49 من الدستور لتمكين موظفي الفئة الأولى أو ما يعادلها ومنهم قائد الجيش من الاستقالة، بسبب سقوط المهلة بالدرجة الأولى. والسبب الثاني لعدم الحاجة لتعديل الدستور بحسب هذه النظرية، باعتبار أنّه من المفترض أن ينال قائد الجيش أكثرية موصوفة تفوق الأكثرية المطلوبة لتعديل الدستور وفقاً للمادة 76 منه وأنّه بالتالي لا حاجة لتعديل الدستور من اجل انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية. ويذكر مرقص بما حصل مع العماد سليمان، حينها لم يُجر تعديل دستوري بل اُعتبر أنّ الأكثرية الموصوفة العالية التي حازها تنطوي ضمناً على تعديل للدستور، رغم أنّ الأصول تقضي باتباع شكليات واجراءات معينة لتعديل الدستور، ولا يمكن استنجاتها ضمناً، لكن الشغور في الموقع الرئاسي إضافة إلى أنّ الحكومة هي حكومة تصريف اعمال يجعلان التعديل الدستوري متعذراً وواقعاً في غير محله الطبيعي.
ومن هنا يرى مرقص، ضرورة احترام المادة 49 من الدستور لناحية فتح جلسة انتخابية بدورات اقتراع متتالية دون توقف ودون مدى زمني طويل يفصل بين الدورة والأخرى على أن تتوافر أكثرية الثلثين في الدورة الاولى والأكثرية العادية في الدورات التي تلي عملاً بصراحة نص المادة 49 من الدستور، والذي يجري تحميله أكثر مما يحتمل، مما يجعل أن الانتخابات متعذرة بسبب الاصرار الدائم على توافر أكثرية الثلثين بينما النص لم يذكر النصاب، انما اكتفى بذكر الأكثرية فقط، وانّه بالتالي من الخطأ الشائع تحويل الاكثرية إلى نصاب. أي أنّ الأعمال الانتخابية تخضع للمادة 34 من الدستور التي تكتفي بالنصاب العادي أي النصف زائدا واحدا في الدورات الانتخابية التي تلي الدورة الاولى. وكذلك فإنّ المجلس النيابي يتحول بمقتضى المادة 75 إلى هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، وبحسب النص المذكور فانّه يثابر على الانتخاب دون اي عمل اخر وحتى دون مناقشة إلى حين الانتخاب. وهكذا يحب أن تكون الاجراءات وأن يرجع فيها إلى الأصول الدستورية.
ورغم كل أهمية مواد الدستور المتصلة بالانتخابات الرئاسية واقتراح عدد من الدستوريين تعديل بعضها بما يمنع الفراغ الرئاسي ويقف سداً منيعاً أمامه، يطرح البعض بين الفينة والاخرى انتخابات مباشرة من الشعب، فرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، كان قد طرح على المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في ايار الماضي فكرة انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، علما أنه سبق للرئيس السابق العماد ميشال عون أن دعا في العام 2014(قبل انتخابه في العام 2016) إلى تعديل الدستور لانتخاب رئيس جديد بالاقتراع المباشر من الشعب، ليعود رئيس التيار الوطني الحر ويدعو لإجراء الانتخابات الرئاسية من الشعب لكن على دورتين: دورة يشارك فيها المسيحيون حصراً، ودورة ثانية يشارك فيها جميع اللبنانيين.
من وجهة نظر الدكتور مرقص، هذا الأمر صعب ليس لأنه يحتاج إلى تعديل دستوري فحسب بل لأننا لسنا في نظام رئاسي وإنما برلماني، وثانيا لأن الأمر قد يفسّر بأنه إتيان برئيس مسيحي بأصوات أكثرية من المسلمين مما يعرّض صحة التمثيل في الحكم للاهتزاز وهو هشّ أصلاً. المصدر: خاص "لبنان 24"