جمال محمد ابراهيم

هذا البحرُ لِـي
هذا الهـواءُ الرّطـبُ لِـي
واســمِي ـ
وإن أخطأت لفـظَ اسمي على التـابـوتِ -
لِــي
أمّـا أنــا فقـد امتـلأتُ
بكلِّ أسـباب الرّحيــل ـ
فلست لِـي..
محمود درويش

كتبتُ ردّاً على رسالة وصلتني من الصديقة الأديبة الجزائرية "جميلة طلباوي"، وقد أرفقت لي ملفاً صوتياً بإنشادها قصيدة، كنتُ قد نظمتها في وداع الشاعر الكبير محمود درويش، في ليلة رحيـله في أغسطس من عام 2008 م .


طرِبتُ لإنشاد الأستاذة "جميلة" الجزائرية، وبكيتُ معها قصيدتي في رثاء الرّاحـل درويش، وقد بثتها عبر إذاعة بشّــار الجهوية في الجمهورية الجزائرية، وبعد نحو شهرين على رحيله الفاجع في عام 2008 م.
يوم ستر جثمانه في الأرض الطاهرة كنت في بيروت. رأيت أن ألوذ بحزني إلـــى صديقٍ مشتركٍ، يعزّ محموداً، مثلما أعزّه أنا. لم تكن مكاتب صحيفة "السَّـفير"، تبعد عن مكتبي ومكاتب سفارة السودان، بأكثر من بضعة أمتار، على "شارع الحمرا". جلستُ إلى صديقنا "طلال سلمان"، نتابع معاً على التلفاز بمكتبه، مراســـم ســـتر جثمان ذلك الشـــاعر العظيم، وقد حواه نعشٌ غاية في التواضع. أحاط بالنعش بعضُ أناسٍ، بينهم من همــسَ لي عنهم طلال: إنّ الراحل لو رآهم لأبعـــدهم ركلاً عن نعـشه..! لا أعلم بالطبع ما يعلمه طلال عن أولئك النفر. .
بلغتْ قصيدتي طلالاً، كما بلغته قصيــدة صديقنا السفير الشاعر عبد العزيز خوجة، سفير المملكة السعودية في لبنان وقتذاك، فـنشــر القصيدتين في صفحة واحدة من صحيفته "السـَّــفير". كانت الأديبة الإعلامية "جميلة" الجزائرية تنقب في الإنترنت، حينَ صادفت قصيدتي في تلك الصحيفة، فقامت بتسجيلها بصوتٍ شجيّ عبر إذاعتها الجهوية تلك:
مَا بَالَ قلبُكَ لاَ يُجيْبْ وَهَـا رتْلُ الجَميْلاتِ،
انتظَمْنَ قُبالةَ الجَسَدِ المُسَجّى، فوقَ رامَ الله
وَيسْألنَ القصَائدَ أينَ غَابْ..؟
فِي أيّ نَرْجسَةٍ ذَوَىَ..؟
أيّ البُحُـورِ طوَتْ زوَارقَ شِعرهِ وسبَتْ قوَافيهِ
فصَارَ اللّوْزُ أبْعَدَ مِن أزَاهِرهِ وأقرَبَ مَن ذُرَاه..؟
كُنتَ الشِــعرَ..
مُبتدأَ الحداثةِ وانْفجَارِ الذَّرةِ الشِّعريةِ الأُوْلَى
وَأوْتارَ المُغَنيَ فـي صِباه
قُلْ لنَا: مَا بَالَ قلبُكَ والكمَنْجَاتُ الحميمةُ قطّعتْ أنفاسَهُ
أيضيعَ لحنُ الأرْضِ، والوَترُ المُعذّبُ فِي وَريْدِكَ مُنتهاه؟
أغدقتْ "جميلة" على حرفي من بهاءِ صوتها البديع ما ارتفع بالقصيدة إلى سمـوات، ما ظننت حزني بقادرٍ أن يصل إليها، وأنا أبكي الصديق الشاعر الفخم محمود درويش. كان حزنها صِنوَ حزني وحزن صديقنا طلال سلمان، فالخسارة واحــدة، و"الجدارية" واحـــدة، والدمعة واحدة، لكنها فاضت في بحر الحزن..
تراكم الدّمع عليَّ تلك الليلة التي رحل فيها في أغسطس من عام 2008، وأنا في بيروت التي جمعتني به في لحيظات دفيئة، لكنها لا تقاس بمواقيت الناس.. تراكمتْ عليَّ لغةُ الشاعر التي أحببناها، واحتشدتْ حروفه بحروفي في حزنها العميق. تشكّلت القصيدة التي نظمتُ من فيض حزنٍ نبيل، وحسرة خبيئة في النفـس، إذ لم تتح لي السانحة لأقتـرب كثيراً كثيراً، من شاعر سكن الشعر وتدثّر بحروف اللغة، فلانت له ولان قلبه لها، حتى استقوتْ اللغـةُ على ا القلب الحزين، فأنكسر النبض، وغادر محمود إلى ســفره الأخيــر..

بالطبع كنتُ مُتيّماً بشعره. مُرتهناً كنتُ، بل أسيراً في قوافيه، وتشكيلاته اللغــوية الخلابة.
لكن تعود صلتي به حين عرفته مباشرة، وأنا أســـاعده في الحصول على تأشــــيرة الدخول لزيارة الخرطوم. صديقي الدكتور حيدر ابراهيم، طلب عـوني وخشيَ من تعقيدات قد تعترض ســفر الرّجل إلينا. درويش كما هو معروف فلسطيني، وله قصص تحكى عن هويته الفلسطينية، وجواز سفره الإسرائيلي القديم، وقد تركه بعد خروجه أواخر السـتينات من القرن الماضي، خــروجاً داوياً، وقت أن كان في زيارةٍ لموســــكو، ثم لاذَ من هناك بالقاهرة . إتصل بي صديقي د. حيــدر إبراهيم، وقد توسّـم فيّا خيراً، وقد كنتُ مسئولاً عن دائرة الإعلام والنطق الرسمي في وزارة خارجية السّودان، وقتذاك. تصوّر د. حيدر أن علاقاتي المتواضعة ســتعينه في تقديم يد المساعدة لشـــاعر ينبض قلبــه بشــجن القضية الفلسطينية. طلبتُ صديقنا السفير في لبنان وقتـذاك، وأيضاً سفارتنا في الأردن، لتيسير أمر تأشيرة دخول الشاعر الكبير إلى السودان. كنتُ أعلم أنه يقيم في الأردن، ولم تكن زيارته للخرطوم هي الأولى، وأنه سيجد طريقه إليها مُعبّداً ميسورا
حينَ وصل الخرطوم، وعلى سبيل الإحتفاء بحضوره، أعِدتُ نشرَ مقالٍ لي، كتبته عن مجموعته الشعرية التي صدرت في 2005 م، وقتذاك وعنوانها: "كزهر اللوز أو أبعد.."، عن رياض الريس للكتب والنشر، في صحيفة خرطومية مرموقة. وفي أمسيته الشــعرية بقاعة الشارقة، وهي من القاعات الخرطومية التي استضافت أمسيات أدبية مهمّة، أنشـــد درويش القصيدة التي حدثته عنها، وأشرتُ إليها في مقالي ذلك اليوم، وأنّي معجب بها كلّ الإعجاب، وهيَ قصيدة "الجمـيــلات"، التي حين يقرأها من يقرأها، يحسب أنه بقـادرٍ أن يجاريها، لسهولة اللغـة وجمالها ، ولحسن النظم وصوغه ولجمال الصور وقد حوت بهاءً، غير أنها أعمق أثراً، وأبلغ معنىً:

الجميلاتُ هُـنّ الجميلات،
(نقـشُ الكمنجات في الخاصِرة)
الجميلاتُ هـنّ الضعيفات
(عـرشٌ طفيـفٌ بلا ذاكـرة)
الجميلاتُ هُـنّ القـويّات
(يأسٌ يضيء ولا يحتـرقْ)
الجميلاتُ هُـنّ الأميرات
(ربّـــات وَحـيٍ قـلـِـــق)
الجميلاتُ هُـنّ القريبات
(جــارات قــــوسِ قُــــزحْ)
الجميلاتُ هـنّ البعيـدات
(مثــل أغـــانــي الفـــرحْ)
الجميلاتُ هُـن الفقيرات
(كالوردِ في ساحة المعركـة)
الجميلاتُ هُـنّ الوحيـدات
(مثل الوصيفات في حضرة الملـكـة)
الجميلاتُ هُـن الطويلات
(خـــالات نَخـْــلِ السّــماءْ)
الجميلات هـنّ القصيرات
(يشــربنَ فـي كــأس مــاءْ)
الجميلاتُ هنّ الكبيرات
(مانجو مقشرة ونبيذ معتّـقْ)
الجميلاتُ هُـنّ الصغيرات
(وَعـدُ غَــدٍ وَبراعمُ زنبـقْ)
الجميلاتُ كلّ الجميلاتِ، أنتِ
إذا ما اجتمعنَ ليخترنَ لي أنبلَ القاتلات !

هي القصيدة التي في خفة لغتها وصورها، سكنتْ قلب تلك المجموعة الشعرية الجميلة. كان حــديث درويش عن أبي حيّان التوحيدي، عميقاً وهو يقارب بين الشعر والنثر. الشعرُ أمَـة ٌ مأمورة والنثر أميــرة آمِـرة، تماماً مثلما ألمح التوحيدي. ولقد كانت أمسيته الشـعرية في القاعة الخرطومية تلك، من أجمل الأمسيات الشعرية، وستعلق بذاكرة كُلّ من حضرها، لسنين طوال. كان يلقي قصائده والحضور السّوداني يردّد معه أبياته، وهو سعيد ببعض ما أنشد من قصيدة "الجدارية" الحزينة، فتذكرتُ كيف سعِدَ نزار حين زار الخرطــوم وحدّث عن الشباب السوداني الذي تسلق الأشجار كما العصافير لينصتوا لإنشاده.
في بيروت الحَفيّة بالثقافة والابداع، التقينا مُجــدّداً في عام 2007 م: أنا ســـفير فيها وشاعر قليل الشهرة، وهو الشاعر الضخـم، رقيق الحضور. ها هو جالس لتوقيع مجموعته الأخيرة.. "أثرُ الفراشــة"، في جناح ناشر شعره، الأســتاذ رياض نجيب الريّسكان يعرف أن أمسيته الشعرية تلك، هي الأخيرة في بيروت. هي أمسية بعدها الرحلة الســرمدية، فقد ارتأى أن ينتقي من "الجدارية" أجمل المقاطع. هي "الجدارية" كما سمّاها، لأنها "معلقته" التي حمّلها أجمل البكاء. أجمل الأحزان. أجمل رثاء لميـتٍ حيّ، فأنشد منها:

هذا البحر لي
هذا الهواء الرّطب لـي
هذا الرصيف وما عليهِ
من خطاي وسائلي المنويّ... لـي
ومحطة الباص القديمةُ لي. ولـي
شبحي وصاحبه. وآنية النحاس
وآية الكرسيّ، والمفتاح ُ لـي
والباب والحراّس والأجراس لـي..
***
جدار البيت لي
واسمي، وإنْ أخطأت لفظَ اسمي
بخمسة أحرف أفقية التكوين لـيْ
مـيـمُ/المتـيّـم والمتمّم ما مضَى
حاء/ الحـديقة والحبيبة حيرتانِ وحسرتان
ميم/ المغامر والمُعـدّ المُستعدُّ لمـوتهِ...

نحتَ اسمه : محمود درويش، على حجر القبــر، وسمّاه قصيدة. كان فرحاً بما اختار من "الجـــدارية" الحــزينــة. .
في تلك الأمسية البيروتية، وبعد أن أنهى إلقاء شعره، خطونا معاً نحو البوابة المفضية إلى جناح صديقنا رياض الريّس، ولكن جمهور المعرض المتزاحم، يتدافع من حولنا وَسـدّ علينا الطريق إلى داخل قاعات عرض الكتب. لا هُم رأوا الشاعر ولا لمحوا السّـفير بجانبه، فيفسحوا لهما. همستُ لدرويش مداعباً لكسـر حلقة الضيق من بالزّحام: ليتك تصيح فيهم: "هــذا الباب لي..! " ، فيفسحوا لنا الطريق! كنت أداعبه بمقطعٍ من "الجدارية" التي أنشدها للتوّ. ضحك من قلبه، و ثم قال : أتراهم يسمعونني لو قلته. . ؟

كان حفل توقيع درويش لمجموعته الجديدة : "أثر الفراشة"، قبل حفل توقيع مجموعتي الشعرية الأولى: "امرأة البحر أنتِ..." بيومٍ واحــد، وفي ذات جناح صديقنا الناشر، رياض نجيب الريّس. رافقتني كريمتي الكبرى هـبة، صــافحها درويــش بابتسـامته العصيّة تلـك، وأصرّ أن يلتقط المصور صورة له معها. وقفـنـا ثلاثتنا للمصور (وظهرت الصورة لاحقا في كاتلوج معرض بيروت للكتاب لعام 2007). شــدّ على يدها مبتسماً: "هيا.. كوني مثل والدك شاعرة..!"، ثم وقع لها بقلمه على ديوانه "كزهر اللوز أو أبعـد.." كم حزنتْ عليه ابنتي هـبـة، حين بلغها النبأ الحزين برحيله في أغسطس من عام 2008، وهي مقيمة في لنـدن وقتها. .
إنّهُ شــاعرٌ بلا شبيه. أيقونة للمقاومة وللشّعر العربي. كان رحيله بقــرار شِــعري، وفرمانٍ كتبـه بنبضِ قلـبـه الرّهـيف... صدر عنه قبل رحيله بتسعة أعوام: إنها "جدارية" محمود درويش، مرثية صاغها لشاعر إسمه محمود درويش.. لكــأنّه امتلك رؤىً الأنبـياء. سنواته الأخيرة محض أيام إضافية، فبدا غير مُحتفٍ بحياته بعد "الجــــدارية".
قهــرَ الموت وامتلك الخلود. . رحمه الله . .

 

jamalim@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: محمود درویش فی بیروت عام 2008

إقرأ أيضاً:

الحب من طرف واحد .. الابطال سودانيون

بقلم : حسن ابوزينب عمر

(1)
يحتشد وادي عبقر السوداني بقصائد مبحرة في الجمال لكن أكثرها عذوبة دائما تلك النابعة من طرف واحد ..أبطالها شعراء سودانيون حلقوا حول الأنثى سافروا في مفاتنها ووشحوا عنقها بأكاليل القرنفل والأقحوان وصاغوا عنها كلمات أرق من الحرير سقوها بكى و لم يقبضوا سوى الريح كما يقول الشاعر التيجاني سعيد .. ربما تختلف تجاربهم ولكن يجمعهم وجدان مشترك وعواطف جياشة سبحوا فيها عكس التيار وألقموا فيها نزار قباني حجرا وهو يقول (ما أصعب أن تهوى امرأة يا ولدي ليس لها عنوان) . ملهمة الشاعر عثمان خالد كانت لقاء بالصدفة بينه وبين حسناء من الثغر داخل طائرة متجه من الخرطوم الى بورتسودان .. هي عائشة إبراهيم هندوسة كانت تعمل سكرتيرة لأحد ولاة ولاية البحر الأحمر. حاول الشاعر ان يتعرف عليها ولكن كل الردود كانت (لا ) مطلقة كبيرة .
(2)
انتهت كل محاولات التودد وتحطمت على جدار اللاء ولكن الرابح الوحيد فيها كان المستمع السوداني فقد لامست مسمعه متعة الاستمتاع بأحد أجمل أغنيات عبد العزيز المبارك سافرت في رحلة مشاعر ملهمة ومتأملة ..شفت الورود من وجنتيك غيرانة جات متوسلة حتى القمر غار من صفاك وأصبح يردد في الصلاة جاكي المساء يؤدي الفروض شال لون جميل من وجنتيك مسح خدوده وبللها وأصبح يلملم في النجوم وينظم عقوده ويغزلها طرز لي جيدك بالحرير أحلى العقود وبتقولي لا ؟
(3)
لكن أنثى الشاعر الطيب محمد سعيد العباسي كانت أكثر شراسة من أنثى عثمان خالد فقد بدأت أغنية (يا فتاتي) التي أبدع فيها الطيب عبد الله باستفزاز عاطفي عندما كان الشاعر طالباً يدرس القانون بمصر، حينما رأى وقتها إحدى الفاتنات فلاطفها وأرسل إليها قبلة في الهواء إعجاباً بحسنها وجمالها، إلا أن الفتاة لم تتجاوب معه واستنكرت ذلك التصرف وسبته بعبارات عنصرية تطعن في لونه وعرقه وقالت له: من أنت يا بربري؟ (فانتفض في ثورة عاطفية جامحة لرد اعتبار كبريائه وكرامته وقال لها (يا فتاتي ما للهوى بلد – كل قلب بالحب يبترد) وليؤكد لها أنه من بيئة متسامحة وجدانياً وعاطفياً قال لها (وأنا ما خلقت في وطن في حماه الحب يضطهد-فلماذا أراكي ثائرة. وعلام السباب يضطرد ولما دار استنكارها عن لونه وسمرته أجاب غاضبا (ألأن السواد يغمرني؟.. ليس لي فيه يا فتاتي يدِ) وزاد على ذلك حينما نعتته بالغريب قائلاً: (أغريب إن تعلمي لي ديار فيحاء ولي وطن – لي بدنياي مثل ما لهم – لي ماضٍ وحاضر وغدُ)
(4)
لكن الذي حدث مع الموريتانية وزيرة الخارجية الموريتانية (2009- 2011 ) وشعراء الدبلوماسية السودانية شيء يفوق الوصف فقد صنعت كوكبة من شعراء وزارة الخارجية السودانية تلاقيا وانسجاما حينما جرفتهم جميعا الوزيرة بجمالها الصارخ وقامتها الفارعة وأناقتها المميزة رغم احتشامها وتدثرها دوما بثياب تقليدية كثياب نساء السودان وان كانت تختارها من فئة الألوان الزاهية . فقد تاه الدبلوماسي هو محمد الطيب قسم الله (أبو حباب ) في الأنوثة الشنقيطية فقال ناه هناك من الدنيا عن الناها يا ابن القوافي أن تشفى بذكراها فهي الجمال فلا شمسا ولا قمرا وهي الجلال فلا قصرا ولا شاها راحيل شنقيط أم تاجوجها اكتملت فيها المحاسن معناها ومبناها الجن تحسد أهل الأنس قاطبة ان صاغ من نسلهم الهنا من الناها وأقسم الحسن في معراج سورته ان المحاسن في شنقيط مسراها لعل شعري من السودان يبلغكم أهلي الشناقيط حياكم وحياها
(5)
أما السفير محمد فضل الله الهادي فتغزل قائلا: ماكنت أعرف كيف الشعر لولاها حتى تبدت ولاحت لي من ثناياها يا بنت شنقيط حزت المجد من قدم أهلوك كانوا لنا أهلا وأشباها ونظم السفير خالد فرح سفير السودان في السنغال وقتها فقال سليلة المجد من شنقيط ان لها في شاطئ لنيل روضا بات يهواها
(6)
تباينت ردود الفعل في موريتانيا فقد ارتفعت أصوات داخل موريتانيا تطالب بإقالة الدبلوماسية الناعمة التي لم يكن يتجاوز عمرها وقتا الاربعون ..وكان يتبنى هذا التوجه الإسلاميين الملتزمين وكان على رأسهم الشاعر محمد ولد عبد الله الذي كتب يقول (ان شعراء السودان واجب التحفظ عندما بهرهم جمال بنت مكناس ليسقطوا في غزل فاضح شبهوا فيه زيارة الوزيرة الى الخرطوم بضوء الصبح ) أما صحيفة السراج لسان حال التيار الإسلامي فقد استنكرت تدبيج شعراء ينتمون للخارجية السودانية قصائد في التغزل بالوزيرة الشابة ورأت في الغزل السوداني خروجا على الأعراف الدبلوماسية واعتبرته تصرفا غير لائق ومهين ورأت في المسألة رؤية دونية للمرأة التي جاءت تمثل بلدها فيما رأى مدونون موريتانيون ضرورة غيرة الرئيس محمد ولد عبد العزيز على الوزيرة المتغزل فيها وطالبوا بإعفائها من منصبها ومنعها من السفر خارج البلاد وبالذات الى السودان حيث توجد تماسيح متربصة بل أن أحدهم طالب الرئيس بمنع شعراء السودان من رؤيتها مستقبلا ..
(7)
أما الوزيرة صاحبة الزوبعة العاطفية فقد رفضت التعليق على السجال الشعري وقالت انها لا تريد التعليق على الموضوع عندما اتصلت بها قناة العربية . ولكن الحال هنا يختلف مع ثريا عبد الله الزين ملهمة الشاعر صديق مدثر في رائعته (ضنين الوعد) فقد تخصص فيها الشاعر بدأ من ذلك العابر معها في حديقة الحيوان في الخرطوم فصاغ كلمات اغنيته التي صدح بها الكابلي ان تكن أنت جميلا فأنا شاعر يستنطق الصخر العصيا ان تكن أنت بعيدا عن يدي فخيالي يدرك النائي القصيا لا تقل اني بعيد في الثرى فخيال الشعر يرتاد الثريا والتي غار منها وردي وطار بها اعجابا وطلب منه كلمات من الشعر أكثر جمالا منها فانتظر صديق مدثر حتى تعود ثريا من بعثتها في لندن فكتب يقول عاد الحبيب فعادت روحي وعاد شبابي يا شوق مالك دعني أما كفاك عذابي لقد شربت دموعي أما سئمت شرابي
(8)
ان كانت ثريا صدت صديق مدثر بكل لطف الا انها فجرت براكينا من الغضب في مواقع أخرى فقد كانت سببا مباشرا في لملمة قرينة صديق مدثر وأم عياله ثيابها وحاجياتها مغادرة عش الزوجية غاضبة ولم تعد الا بعد ترضيات ووساطات رأس الرمح فيها جماعة (باركوها) ولكن ثريا المنحدرة من قرية الهلالية بالجزيرة ودرست في كلية المعلمات قبل ابتعاثها الى إنجلترا والتي لم نشاهد لها صورة الا تلك التي جمعتها مع سرب من الطالبات حلقن حول الرئيس عبود ابان زيارته لانجلترا في أواخر مايو 1964 كانت وان صبرت على غزل صديق مدثر الا انها كانت تشتعل رفضا لمن كان يتحدث أمامها عن القصيدة التي سارت بها الركبان فقد اشتطت غضبا حينما دخلت قاعة الفصل التي كانت تقوم بتدريس اللغة الإنجليزية في أحد مدارس بنات بورتسودان حينما رأت على السبورة عبارة (ضنين الوعد) فجن جنونها واتجهت الى مديرة المدرسة التي اعتذرت لها بشدة وطلبت من كل طالبة الاتيان بولي أمرها .
(9)
أما حكاية محمد حسن السنجك شاعر أغنية (يا لغرامك لجسمي ناحل) التي ترنم بها الفنان خوجلي عثمان فحكايته حكاية فقد تعلق قلبه بفتاة من ديم كوريا أحد أحياء مدينة ببورتسودان الجنوبية وكان يضرب لها أكباد الحافلة يوميا من سلبونا شمالا بعد أن سلب الحب من طرف واحد قلبه.. كان يقف سحابة يومه أمام منزل الحبيبة عله يظفر بنظرة تروي غليله أثناء فتحها للباب لأي سبب كان قبل أن يعود أدراجه في اليوم التالي ..يقول زميلنا محمود دليل أنه وبعض زملائه حلقن حوله ذات مرة داخل الحافلة المتجه الى كوريا وسألوه ان كان على علم بأن المعشوقة تعرف تعلقه بها ..لم يقل على طريقة المنخل البيشكري وأحبها وتحبني ..وتحب ناقتها بعيري ولكنه أجاب مستنكرا اذا كانت كل بورتسودان تعرف معقول هي ما عارفة؟
(10)
لكن شقيق الفتاة الذي يبدو أنه كان خارج الشبكة لديه ألف حق وهو يتساءل عن سر الرجل المصلوب يوميا على جدار المنزل المواجهة لمنزل الاسرة (الشيبة دا كل يوم واقف قدام بيتنا .. ياربي عايز شنو ؟

oabuzinap@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • مسلسل “فهد البطل”.. Watch It تكشف عن شخصية “نادر” التي يجسدها حمزة العيلي
  • الإعدام شنقا لـ 4 متهمين والسجن 15 سنة لآخر ذبحوا طفلا وقطعوا كفيه لفتح مقبرة أثرية بأسيوط
  • لاعب الحسين إربد سيف درويش ينتقل إلى فريق الصريح
  • خاص| الشاعر محمود عليم يكشف لـ الفجر الفني موعد طرح أغنية "نور"
  • خاص | بعد "لا ثواني"..الشاعر محمود عليم يكشف أعماله قادمة مع بسمة بوسيل
  • 11 عاملا.. ننشر أسماء مصابي حادث انقلاب صحراوي المنيا
  • الحب من طرف واحد .. الابطال سودانيون
  • "فرنسي إسرائيلي" ضمن الرهائن الثلاثة التي ستفرج عنهم حماس غدا
  • رسميا.. تعيين محمود فتح الله مدربا عاما لـ غزل المحلة
  • وتريات الإسكندرية يعزف أعمال باخ في سيد درويش