خَسَائِر الإمارات مِن حَرب السُّودان..!
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
ضياء الدين بلال
إذا كُنّا قد تَحَدّثنَا في المقال السّابق، عن حسابات مليشيا الدعم السريع في حربها الخَاسِرة من أجل السلطة، فماذا عن حسابات داعميها..؟!
تُعتبر دولة الإمارات العربية، الداعم الأكبر للمليشيا، والراعي الرسمي لمشروعها السُّلطوي، وبكل تأكيد ليس ذلك الدعم بلا أهداف مُحدّدة وغايات مُرتجاة.
نعم لدولة الإمارات مصالح ومخاوف ورغبات في السُّودان.
هناك أربع قراءات لتفسير دوافع دولة الإمارات في هذه الحرب الكارثيّة:
الأولى/ مصالح ذات طبيعة اقتصادية مُتعلِّقة بالذهب والموانئ والموارد الزراعية.
الثانية/ الرغبة التي تريد الإمارات تحقيقها من رعايتها للدعم السريع، هي أن تضع مثل هذه القوة المقاتلة المُتنوِّعة الانتماءات على الامتداد الأفريقي وذات القيادة المركزية الأسرية والقاعدة العسكرية الواسعة، تحت تصرفها في مُغامرات خارجية قادمة.
الثالثة/ للإمارات مخاوف ذاتيّة من مشاريع الحركات الإسلامية في المنطقة وتمدُّد نفوذها وتأثيرها.
الرابعة/ إنّ دولة الإمارات هي وكيلٌ تنفيذيٌّ للمشروع الإسرائيلي في المنطقة وفي السُّودان تحديداً.
وليس بمُستبعدٍ أن تكون القراءات الأربع في مُجملها وبغض النظر عن ترتيبها، هي التي تُشكِّل قاعدة الانطلاق في التعامل الإماراتي مع الشأن السُّوداني.
دعونا ننظر بعُمقٍ لاحتمالات تأثير مجريات الحرب وتداعياتها على مصالح ومخاوف ورغبات دولة الإمارات:
أولاً/ بافتراض صحة القراءة الأولى، بأنّ الإمارات دافعها في الأساس تحقيق مصالح اقتصادية مثل الاستحواذ على الأراضي الزراعية في الفشقة وغيرها ، والسيطرة على الموانئ أو استدامة مصالح قائمة في الأساس مثل الحصول على الذهب.
فإنّ الحرب وما صاحبها من انتهاكات وفظاعات، وما ترتّب عليها من مرارات ومشاعر سالبة، خلقت بيئة مُعادية للإمارات لن تسمح لها بالاستثمار في الأراضي السُّودانيّة أو استغلال الثروات في المدى القريب أو البعيد، فالمنطق يقول: (لا يُمكنك أن تزرع الشوك ثم تأمل أن تجني من ذلك العنب)..!
أمّا بخُصوص الاستثمار العسكري بوضع قوة الدعم السريع تحت التصرف التكتيكي والاستراتيجي لدولة الإمارات لتنفيذ مخططات معدة سلفاً أو مُحتملة.
كان لهذا السيناريو فرص أفضل للنجاح في حال وصول الدعم السريع للسُّلطة في ١٥ أبريل بعملية انقلابية سريعة وخاطفة وبتكلفة أخلاقية وسياسية زهيدة.
أما وقد فشل ذلك الانقلاب ودخلت البلاد في حرب طاحنة، وتحوّل الدعم السريع لمليشيا إرهابية ذات سُمعة سيئة على النطاق المحلي والعالمي.
فقد ارتفعت بذلك الفاتورة الأخلاقية والاقتصادية والسياسية المُترتِّبة على العلاقة بالمليشيا، لذا لم يعد من الممكن الاستفادة منها على ذلك النحو المُخطّط له قبل الحرب.
فكلما ارتفعت تكاليف الإنتاج لأيِّ سلعة أو مشروع سياسي، انخفضت في المُقابل عوائد الأرباح ربما إلى حدود الخسائر الفادحة..!
وكذلك الحرب وما تبعها من إنتهاكات وفظاعات وما ترتّب على ذلك من توثيقٍ عبر لجان ومنظمات دولية وأجهزة إعلام عالمية، سيجعل الإمارات في ورطةٍ كبيرةٍ..!
ستجد الإمارات نفسها بعد أن تضع الحرب أوزارها أو قبل ذلك، مُلاحَقَة بمُطاردات جنائية دولية، ومُطَالَبات تعويضيّة، وإدانات أخلاقية واسعة، ستظل عالقةً بتاريخها كوصمة عار لا تزيلها كريمات التجميل الإنسانية (الإعانات والإغاثات)، ومُشوّهة لصورة زاهية خلدها الشيخ المؤسس زايد بن سلطان آل نهيان.
وبخُصوص المخاوف من الإسلاميين، فحرب المليشيا العدوانية على الدولة السُّودانيّة أعادتهم للواجهة بقوة، ورفعت من أسهم شعبيتهم التي كانت في تراجع لحُدود التلاشي ما بعد ٢٠١٩.
وبذلك، أنهت الحرب عزلتهم لمشاركتهم مع غيرهم من كل فصائل المجتمع في مواجهة المشروع الغازي.
أضف إلى ذلك، فإنّ الإسلاميين بما لديهم من خبرات في الحكم وكوادر تنظيمية، سيكون لهم الدور الأكبر في تشكيل موقف مجتمعي ونفسي، سيظل عائقاً مركزياً أمام تحقيق المصالح الإماراتية في السُّودان.
وفضلاً عن خسائر الإمارات في مشروعها العسكري المُمثل في مليشيا الدعم السريع، فكذلك خَسرَت دور وتأثير حليفها المدني المطروح في السّاحة كبديلٍ للإسلاميين.
فقد وَضعَ الموقف المُخاتِل والمُراوِغ من الحرب، الحليف المدني في قائمة الاتّهام بالاشتراك السِّياسي وربّما الجنائي في جرائمها.
وإذا كانت الإمارات مُتورِّطة في صناعة هذه المأساة السُّودانيّة بالوكالة عن إسرائيل، لا أصالةً عن نفسها، فإنّ ما تمضي إليه الحرب في حالتي انتصار المليشيا أو هزيمتها لن يُحقِّق مصالح إسرائيل أيضاً، ولن ينهي مخاوفها.
فإذا انتصرت المليشيا على الجيش، فستشيع الفوضى في السُّودان، فطبيعة تكوين المليشيا وثقافة مقاتليها وعدم حكمة قيادتها لن يُمكِّنها من إدارة الدولة.
بل في الغالب ستدفع بها تداعيات الأحداث نحو الدخول في أتون تنازعات وصراعات وانقسامات داخلية عميقة.
كما أنّ الإرث الذي خلّفته الحرب وسعة القاعدة المجتمعية
المُتضرِّرة من سلوكيات المليشيا، سيكون وقوداً لحركات مقاومة شرسة من مُنطلقاتٍ مُتعدِّدةٍ.
خلاصة الأمر، فإنّ التنازعات الداخلية المُتوقّعة في مكون المليشيا والمقاومة الشعبية المُحتملة ذات الطيف الواسع، ستفتحان الباب واسعاً لسيناريو فوضى لا تبقي ولا تذر.
وعند تلك الحالة الفوضوية، ستنعدم المصالح، وتتعاظم المخاوف حين تصبح أرض السُّودان الواسعة وذات الجغرافيا المُعقّدة والمنافذ الحدودية المُتعدِّدة، الملاذ المُفضّل للحركات المتطرفة.
وبهذا سيصبح من المُرجح في سُودان الفوضى وغياب السُّلطة، أن تخرج نسخة هجين من داعش الشرق أوسطية وبوكوحرام الأفريقية.
فبدلاً من أن تكون إسرائيل والدول الغربية والإمارات في مُواجهة سُلطة حاكمة ذات نزوع براغماتي قابلة للمُساومات والمُفاضلة بين الخيارات، ستجد نفسها أمام مجموعاتٍ مُتطرِّفةٍ تتكاثر بكثافة تحت الأرض وفوقها في مناخ السُّيولة الأمنية.
وبهذه الحسابات الواضحة لكُلِّ ذي بصيرةٍ ورشدٍ، سيتّضح أنّ الإمارات كما هي جانٍ ومُعتدٍ على السُّودان، فهي كذلك ضحية لاستشارات فاسدة ومُنعدمة الصلاحية، قُدِّمَت إليها في طبقٍ من ذهبٍ مُزيّفٍ، تفتقر للمعرفة العميقة بتضاريس الخارطة السياسية السُّودانيّة وتعقيداتها العسكريّة فتحولت على إثر ذلك الأرباح المتوقعة لخسائر ماثلة ..!
وربّما بدأت الإمارات في إدراك فَدَاحَة خسائرها من حرب السُّودان.
لذا تَسَارَعت خُطاها في الفترة الأخيرة لإعادة تموضعها، وتوصيف دورها في المَشهد كوسيطٍ يسعى لتحقيق السَّلام من مقعد المُراقَبة، بدلاً عن راعٍ ومُموِّل لأفظع حربٍ، وأكبر كارثةٍ إنسانيّةٍ يشهدها العالم في السّنوات الأخيرة..!
Tarig Algazoli
algazoli@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: دولة الإمارات الدعم السریع الإمارات فی ودانی ة فی الس فی الم
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يقصف مواقع الدعم السريع في الخرطوم
نفذ الجيش السوداني صباح اليوم الأحد قصفًا مدفعيًا مكثفًا على مواقع قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم.
اقرأ ايضاًتقرير: مقتل 61 ألف شخص بولاية الخرطوم السودانية في 14 شهراوذكر شهود عيان بأن الغارات استهدفت منطقة “جنوب الحزام”، التي تضم عددًا من الأحياء في جنوب المدينة، مشيرين إلى أن أصوات المدفعية الثقيلة كانت تُسمع بوضوح من مواقع الجيش شمال أم درمان تزامنًا مع انفجارات قوية هزت المناطق الجنوبية من الخرطوم.
في مقابل ذلك أفادت مصادر محلية بأن قوات الدعم السريع قامت بقصف مماثل على مواقع الجيش السوداني في منطقة أم درمان، مما أدى إلى تصاعد المواجهات العنيفة في تلك المناطق دون ورود أنباء عن وقوع قتلى وجرحى.
من جهة أخرى أفادت منسقية النازحين بدارفور عن مقتل وإصابة 13 شخصاً بمعسكر أبو شوك بالفاشر نتيجة القصف المدفعي العشوائي لقوات الدعم السريع .
مقتل وإصابة 13 شخصًا في معسكر أبو شوك للنازحين بمدينة الفاشر جراء قصف مدفعي عشوائي لقوات الدعم السريع pic.twitter.com/1FrkaV8kc0
— سودان تربيون (@SudanTribune_AR) November 23, 2024
إنسانيا، أفاد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بأن السودان يواجه أزمة نزوح داخلي هي الأكبر على مستوى العالم، حيث تم تسجيل نزوح أكثر من 3 ملايين طفل داخل البلاد وخارجها منذ بداية النزاع.
وأوضح التقرير أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص في السودان يعاني من نقص حاد في الأمن الغذائي، مما يزيد من معاناة السكان في ظل الظروف الراهنة. كما أشار إلى أن موجة العنف الحالية أدت إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيين وتدمير البنية التحتية والمرافق الأساسية، مما ساهم في تفاقم أزمة النزوح.
وذكر التقرير أن أكثر من 7.4 مليون شخص اضطروا لمغادرة منازلهم بحثاً عن الأمان، بالإضافة إلى 3.8 مليون نازح نتيجة الصراعات السابقة. كما حذر من تدهور النظام الصحي في البلاد، مع تزايد خطر انتشار الأمراض مثل الكوليرا وحمى الضنك والحصبة والملاريا.
#الحدث_السوداني
كثف الجيش السوداني ضرباته تجاه مواقع الدعم السريع في مدينتي الخرطوم وبحري.
وأفاد مراسل الحدث بسقوط قذائف على منطقة الجرافة بمدينة أم درمان صباح اليوم بعد ليلة تعاملت فيها المضادات الأرضية للجيش مع مسيرات حاولت استهداف المناطق الشمالية من المدينة. pic.twitter.com/skcELtsirN
— Daily Sudan Post (@DailySudanPost) November 24, 2024
المصدر: وكالات
© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com)
محرر البوابةيتابع طاقم تحرير البوابة أحدث الأخبار العالمية والإقليمية على مدار الساعة بتغطية موضوعية وشاملة
الأحدثترند الجيش السوداني يقصف مواقع الدعم السريع في الخرطوم أوامر إخلاء جديدة لمبان في الضاحية الجنوبية لبيروت إصابة 11 عسكريا إسرائيليا.. 6 في غزة و 5 بمعارك لبنان تقرير دولي: 3.5 مليون يمني مهمشون وبلا مستندات هوية وطنية الدفاع التركية: تحييد 9 مسلحين من "بي كي كي" شمالي سوريا Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية اعمل معنا الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTubeاشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن
© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter