ترجمة: عبد المنعم عجب الفَيا

المحكمة الأعلى

كوة كوكو......... ....... مدعي
ضد
الشركة الأفريقية لصناعات الزيوت........ مدعي عليها

موجز وقائع الدعوى :
كان المدعي يعمل عامل يومية بمصنع المدعى عليهم بالخرطوم بحري. بينما كان المدعي يقوم بغربلة بذرة القطن، سقطت على راسه من غير سبب ظاهر شوالات "جوالات" معبأة ببذرة القطن كانت مرصوصة فوق بعضها البعض، مسببة له إصابات شخصية.

لم يكن هناك أحد فوق الشوالات أو في المكان المرصوصة فيه لحظة سقوطها.
أقام العامل هذه الدعوى ضد المدعى عليهم مطالبا الحكم له بتعويض خاص وعام. قبلت المحكمة الدعوى وقضت للمدعي بتعويض خاص بمبلغ ١٤٠ جنبها وتعويض عام وقدره ٦٠٠ جنيها ليكون جملة التعويض المحكوم به ٧٤٠ جنيها.

ملخص أسباب الحكم:
١. هذه حالة من الحالات التي يطبق فيها المبدأ الإثباتي res ipsa liquitur وهو المبدأ الذي يفترض أنه لولا وجود إهمال وتقصير من المدعى عليه لما وقع الحادث.
٢. يضع هذا المبدأ عبء الإثبات ابتداءا على عاتق المدعى عليه لنفي واقعة الإهمال والتقصير.
٣. وحيث أن المدعى عليهم في هذه القضية فشلوا في نفي قرينة الإهمال والتقصير عن عاتقهم، فإنهم مسؤولون لدى المدعي.

المحامون :
أحمد ابراهيم / عن المدعي
أحمد جمعة / عن المدعى عليهم

الحكم:
٣٠ يونيو ١٩٦٠
القاضي/ توفيق قطران*:
تتلخص وقائع هذه الدعوى كما ثبت للمحكمة في الاتي:
جرى تعيين المدعي عامل يومية من قبل المدعى عليهم، الشركة الأفريقية لصناعات الزيوت وذلك في مصنعهم الكائن بالخرطوم بحري ولم يمضي على تعيينه سوى أربعة أو خمسة أيام حين وقع الحادث. وقد وقع الحادث في ١٥ يونيو ١٩٥٨ في الظروف التالية:
كان العامل المدعي يقوم بغربلة بذرة القطن مع عامل آخر وكان بجوار المكان الذي يعملان فيه، شوالات معبأة من بذرة القطن مرصوصة فوق بعضها البعض. وبغير سبب ظاهر سقطت الشولات فوق المدعي. لم يكن هناك أحد يعمل فوق رصة الشوالات. وقد ثبت بالبنية أن العمل في تستيف ورص الشوالات قد انتهى ولا أحد يوجد في الشوالات المرصوصة. كذلك لم يخطر المدعي بأي احتمال لسقوط الشوالات المرصوصة. وكانت مساحة الأرضية التي يعمل فيها المدعي وزميله الآخر حوالي ثلاثة أمتار في أربعة متر، وهي مساحة كبيرة نسبيا تكفي للقيام بغربلة بذرة القطن. ولذا لا مجال بإلقاء اللوم على المدعي. وفي تقديري ان هذه الحالة من الحالات التي ينطبق عليها مبدأ res ipsa loquitur "الشيء يحدث عن نفسه". وجرى شرح هذا المبدأ الاثباتي في قضية: Scot v.londonand st. Kathrine Docks
Company 1865,3 H. & C. 596-601
بالقول:
"إذا ثبت أن شيئا ما يقع تحت إدارة وسيطرة المدعى عليه أو مستخدميه، وان الحادث ما كان له في المجرى العادي والمالوف للأمور ان يحدث لو أن من يقع تحت إدارته هذا الشيء قد اتخذ العناية اللازمة. وفي حال غياب اي تفسير من قبل المدعى عليه، يقوم مقام دليل الإثبات المعقول، فإنه يفترض أن الحادث قد وقع بسبب عدم اتخاذ المدعى عليه العناية اللازمة ".
وتتلخص وقائع هذه السابقة الإنجليزية أن ستة شولات سكر سقطت على رأس موظف الجمارك أثناء مروره. قضت المحكمة أنه يجب على المدعى عليه أن ينفى عنه الاهمال والتقصير حتى يفلت من المسؤولية.
وهذه القضية التي أمامنا مماثلة لتلك القضية الإنجليزية.
وأما المبدا الذي قررته السابقة القضائية :
Cole v. De Traffofd 1918,2 K. B. 523
فلا ينطبق على هذه القضية. لأن السؤال الذي تدور حوله هذه القضية الإنجليزية كما أرى هو ما إذا كان المخدم صاحب العمل المدعى عليه، قد زود الجراج بنظام عمل أمن حين أصيب العامل إثر سقوط قطعة زجاج.
وفي هذه الدعوى الماثلة إمامنا، لم يقدم المدعى عليهم اي دليل إثبات يرفع عنهم عب الإثبات اعمالا لمبدأ افتراض التقصير والاهمال.
وحتى على فرض ان مبدأ res ipsa loquitur لا ينطبق على هذه الدعوى، فإنه من الواضح وضوح الشمس، أن سقوط الشوالات ما كان سوف يحدث لولا أن المدعي عليهم أو مستخدميهم، اما انهم لم يرصوا الشوالات جيدا بعضها فوق بعض، أو انهم جعلوا الرصة عالية علوا شاهقا بحيث يمكن لأي هبة ريح خفيفة أن تطيح بها. وسواء كان الإهمال والتقصير يعود إلى المدعى عليهم أنفسهم لعدم قيامهم بتخزين الشوالات تخزينا سليما، أو يعود إلى مستخدميهم، فإن المدعى عليهم مسؤولون عن الحادث لدى العامل المدعي. وذلك لأن مبدأ الذي يحكم علاقة العمل في (القانون العام) قد ألغي بتشريع إصلاح القانون لسنة ١٩٤٨ (الإصابات الشخصية). ولما كان هذا القانون قد وضع لكي يحل محل قاعدة في القانون العام، وحيث ان هذا التشريع ليس قانونا اجزائيا أو فنيا، فإن المحاكم السودانية قد تبنته على الفور تطبيقا لنص المادة (٩) من قانون القضاء المدني السوداني.
لا شك ان الإصابات التي لحقت بالمدعي بليغة. فقد ادخل المستشفى في ١٥ يونيو ١٩٥٨ وكان يعاني من نزيف حاد في الأمعاء فاجريت له عملية جراحية بعد أيام قليلة من دخوله المستشفى وكان في حاجة لنقل دم، وقد اعطي أنواع مختلفة من الحقن ومسكنات الالم والمورفين. وظل المدعي يعاني من آلام فظيعة بسبب الحادث والعملية الجراحية. وبالإضافة إلى الإصابة في الأمعاء كسرت فخذ المدعي اليسرى كسرا مركبا متشعبا. وعلى الرغم من أن المدعي قد أفرج عنه من المستشفى بعد مضي شهرين، كان عليه أن يداوم على الحضور إلى المستشفى كمريض خارجي لعدة شهور.
وقد ابان التقرير الطبي النهائي أنه يوجد قصر تشوهي بسيط في الرجل اليسرى، وضعف في عضلات الفخذ وقصور في الحركة. وقدر التقرير العجز الدائم بنسبة ٪ ٢٥ في المئة. وقد شاهدت المدعي شخصيا، وأعتقد أنه لا مجال للقول إنه في استطاعته أن يشتغل عاملا ابدا بسبب وجود قصر في إحدى الرجلين. وقد ذكر لي المدعي أنه لا يستطيع حتى أن يحمل جردلا، ومع أن قوله هذا لا يخلو من مبالغة الا انه من المؤكد قد عانى الكثير بسبب الحادث وسوف لن يعود إنسانا سويا كما كان في السابق.
من ناحية أخرى المدعي مجرد عامل بسيط يكسب حوالي ٢٠ قرش في اليوم راتب اساس. ولما كان المدعي لا يزال في العشرين من العمر فإنه في استطاعته أن يتخذ له عملا خفيفا كخفير على سبيل المثال، ويحيا حياة مفيده لكنها مؤلمة.
مع الأخذ في الحسبان كل ما ذكر، أرى أن المدعي يستحق الحكم له بالتعويض الخاص الذي طلبه وهو مبلغ ١٤٠ جنيها والذي قدمت به بينة كافية من قبل الشخص الذي انفق هذه المبالغ وهو أحد أقرباء المدعي ويعمل موظفا بالبنك ويتقاضي أجرا معتبرا. كما يستحق المدعي تعويضا عاما قدره ٦٠٠ جنيه ليكون إجمالي المبلغ المحكوم به ٧٤٠ جنيها. إلزام المدعى عليهم بسداد رسوم الدعوى وايداعها خزينة المحكمة حيث أقام المدعي هذه الدعوى بدون رسوم.

ملحوظة المحرر:
شطبت محكمة الاستئناف العليا ايجازيا الإستئنافين المقدمين من طرفي الدعوى.

هوامش المترجم :
١. القاضي توفيق قطران فلسطيني الجنسية وهو من قلة قليلة من القضاة بقية في خدمة حكومة السودان بعد قرار سودنة الوظائف انفاذا لاتفاقية تقرير المصير لسنة ١٩٥٣
٢. عبارة المبدأ، res ipsa loquitur لاتينية وتعني حرفيا في الإنجليزية the thing speaks for itself وفي العربية: "الشيء يحدث عن نفسه". ويسمى هذا المبدأ أيضا قاعدة التقصير والاهمال المفترض presumption of negligence لأنه يقوم على افترض التقصير والإهمال في قضايا المسؤولية عن الفعل الضار ابتداءا في المدعى عليه. ففي الحالات التي لا يوجد فيها سبب ظاهر معروف للفعل الضار يفترض أنه لولا تقصير المدعي عليه ما كان الفعل ليقع. فإذا لم يقدم المدعى عليه تفسيرا معقولا للحادث لينفي مسؤوليته، فإنه يكون مسؤولا عن الضرر وبالتالي التعويض عنه. للمزيد انظر مؤلف كرشنا فاسديف، ص ٤٣:
The Law of Evidence in the Sudan
٣. يبدو أن قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة ١٩٨٤ قد أخذ بمبدأ المسؤولية المطلقة لمن يكون تحت إدارته وسيطرته اي شيء يتسبب في ضرر للغير دون حاجة لإثبات تقصير مالك الشيء أو من كان حياته هذا الشيء . وبالتالي لا حاجة لاعمال قاعدة افتراض الإهمال والتقصير. حيث جاء بالمادة ١٤٨ (١) من القانون المذكور: "كل من تولى حراسة شيء يكون مسؤولا عما يحدثه هذا الشيء من ضرر للغير سواء أكان هذا الشيء حيوانا ام جمادا وسواء أكان منقولا ام عقارا".
لكن القانون المذكور اخذ بقاعدة الإهمال والتقصير المشترك حيث يجوز المدعى عليه أن يدفع بأن المدعي ساهم هو الآخر في نسبة ما في وقوع الضرر. وهذا ما قضى به نص المادة ١٥٥ من ذات القانون والتي تقرأ :" للمحكمة إنقاص مقدار التعويض بنسبة اشتراك المضرور في أحداث الضرر أو زيادته".
٣. ترجمناها من مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة ١٩٦٠ ص ١٢٩ حيث كانت الأحكام القضائية تصدر آنذاك بالإنجليزية.

abusara21@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المدعى علیهم المدعى علیه بذرة القطن هذه الدعوى هذه القضیة هذا الشیء أن المدعی ما کان

إقرأ أيضاً:

بتهمة الإهمال..  أولى جلسات محاكمة الشيف الشربيني وزوجته |اليوم

 

تنظر محكمة جنح الشيخ زايد، غدا، جلسة محاكمة الشيف الشربيني وزوجته الإعلامية بتهمة الإهمال، بعدما تسبب نجل الإعلامية في دهس عامل دليفري ووفاته أثناء قيادة سيارة الشيف.

بتهمة الإهمال  ..  أولى جلسات محاكمة الشيف الشربيني وزوجته |اليوم

وأيدت محكمة مستأنف جنح الطفل بأكتوبر، حبس ابن طليقة الشيف الشربيني المتهم بدهس عامل دليفري بالشيخ زايد، سنة مع الشغل وتغريمه 500 جنيه بعد استئنافه على الحكم الصادر من محكمة أول درجة.

وكانت محكمة جنح الطفل بالجيزة عاقبت المتهم بالحبس سنة مع الشغل في اتهامه في دهس عامل دليفري بمدينة الشيخ زايد، كما غرمت المحكمة المتهم ١٠٠ ألف جني

وأفاد الشيف خلال التحقيقات بأنه مالك السيارة المتسببة في الحادث، ولكن نجل زوجته هو الذي كان يقودها وقت وقوع الحادث، وأوضح أنه حضر إلى مكان الحادث بعد تلقيه اتصالًا هاتفيًّا من نجل زوجته.

وأشار إلى أنه لم يعلم شيئًا عن وفاة الضحية إلا بعد أن اطلع على التحقيقات، وأنه انتقل إلى موقع الحادث، في محاولة للتعامل مع الوضع، ولكن انصرفت سريعا، خوفا من الاعتداء على من قبل المواطنين الغاضبين.

واستمعت نيابة الشيخ زايد لأقوال مهندس كمبيوتر، وهو أحد شهود العيان على دهس عامل دليفري بسيارة شيف شهير.

وقال الشاهد إنه أثناء قيادته سيارته الخاصة على سرعة ٨٠ كيلومترًا بالساعة بطريق البستان شاهد سيارة تسير بسرعة فائقة تتعدى١٦٠ كيلومترًا بالساعة.

وأوضح أنه فور تخطي تلك السيارة سيارته، شاهدها تطيح بالدراجة النارية التي يستقلها المجني عليه، وأثناء قيامه بتغيير الحارة المرورية بسرعة هادئة دهست السيارة الدراجة النارية أسفل عجلاتها وطار جسد المتوفى وارتطم أرضًا.

مقالات مشابهة

  • سقطت عليه بوابة مصنع.. مصرع فرد أمن في الدقهلية
  • حبس سائق لاتهامه بدهس سيدة أثناء عبورها الطريق
  • سقوط 5 عناصر إجرامية سرقوا دراجات نارية في البحيرة
  • بتهمة الإهمال..  أولى جلسات محاكمة الشيف الشربيني وزوجته |اليوم
  • عاجل | هروب أسد من حديقة حيوان الفيوم وأنباء عن سقوط قتيل
  • حبس المتهمين بطعن عامل بسلاح أبيض عاتبهما على معاكسة شقيقته
  • بسبب هجوم الطائرات الأوكرانية.. حريق في مصفاة نفط روسية وسقوط إصابات
  • عاتبهما على معاكسة شقيقته| سقوط المتهمين بطعن عامل بسلاح أبيض
  • تحديد موقع سقوط الطائرتين في واشنطن.. الظروف صعبة جدا
  • شهقات.. تسجيل آخر محادثة قبل لحظات من اصطدام طائرة الركاب بالمروحية العسكرية تحصل عليه CNN