سقوط شوالات مرصوصة بدون سبب ظاهر على عامل، ما مسؤولية التاجر؟
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
ترجمة: عبد المنعم عجب الفَيا
المحكمة الأعلى
كوة كوكو......... ....... مدعي
ضد
الشركة الأفريقية لصناعات الزيوت........ مدعي عليها
موجز وقائع الدعوى :
كان المدعي يعمل عامل يومية بمصنع المدعى عليهم بالخرطوم بحري. بينما كان المدعي يقوم بغربلة بذرة القطن، سقطت على راسه من غير سبب ظاهر شوالات "جوالات" معبأة ببذرة القطن كانت مرصوصة فوق بعضها البعض، مسببة له إصابات شخصية.
أقام العامل هذه الدعوى ضد المدعى عليهم مطالبا الحكم له بتعويض خاص وعام. قبلت المحكمة الدعوى وقضت للمدعي بتعويض خاص بمبلغ ١٤٠ جنبها وتعويض عام وقدره ٦٠٠ جنيها ليكون جملة التعويض المحكوم به ٧٤٠ جنيها.
ملخص أسباب الحكم:
١. هذه حالة من الحالات التي يطبق فيها المبدأ الإثباتي res ipsa liquitur وهو المبدأ الذي يفترض أنه لولا وجود إهمال وتقصير من المدعى عليه لما وقع الحادث.
٢. يضع هذا المبدأ عبء الإثبات ابتداءا على عاتق المدعى عليه لنفي واقعة الإهمال والتقصير.
٣. وحيث أن المدعى عليهم في هذه القضية فشلوا في نفي قرينة الإهمال والتقصير عن عاتقهم، فإنهم مسؤولون لدى المدعي.
المحامون :
أحمد ابراهيم / عن المدعي
أحمد جمعة / عن المدعى عليهم
الحكم:
٣٠ يونيو ١٩٦٠
القاضي/ توفيق قطران*:
تتلخص وقائع هذه الدعوى كما ثبت للمحكمة في الاتي:
جرى تعيين المدعي عامل يومية من قبل المدعى عليهم، الشركة الأفريقية لصناعات الزيوت وذلك في مصنعهم الكائن بالخرطوم بحري ولم يمضي على تعيينه سوى أربعة أو خمسة أيام حين وقع الحادث. وقد وقع الحادث في ١٥ يونيو ١٩٥٨ في الظروف التالية:
كان العامل المدعي يقوم بغربلة بذرة القطن مع عامل آخر وكان بجوار المكان الذي يعملان فيه، شوالات معبأة من بذرة القطن مرصوصة فوق بعضها البعض. وبغير سبب ظاهر سقطت الشولات فوق المدعي. لم يكن هناك أحد يعمل فوق رصة الشوالات. وقد ثبت بالبنية أن العمل في تستيف ورص الشوالات قد انتهى ولا أحد يوجد في الشوالات المرصوصة. كذلك لم يخطر المدعي بأي احتمال لسقوط الشوالات المرصوصة. وكانت مساحة الأرضية التي يعمل فيها المدعي وزميله الآخر حوالي ثلاثة أمتار في أربعة متر، وهي مساحة كبيرة نسبيا تكفي للقيام بغربلة بذرة القطن. ولذا لا مجال بإلقاء اللوم على المدعي. وفي تقديري ان هذه الحالة من الحالات التي ينطبق عليها مبدأ res ipsa loquitur "الشيء يحدث عن نفسه". وجرى شرح هذا المبدأ الاثباتي في قضية: Scot v.londonand st. Kathrine Docks
Company 1865,3 H. & C. 596-601
بالقول:
"إذا ثبت أن شيئا ما يقع تحت إدارة وسيطرة المدعى عليه أو مستخدميه، وان الحادث ما كان له في المجرى العادي والمالوف للأمور ان يحدث لو أن من يقع تحت إدارته هذا الشيء قد اتخذ العناية اللازمة. وفي حال غياب اي تفسير من قبل المدعى عليه، يقوم مقام دليل الإثبات المعقول، فإنه يفترض أن الحادث قد وقع بسبب عدم اتخاذ المدعى عليه العناية اللازمة ".
وتتلخص وقائع هذه السابقة الإنجليزية أن ستة شولات سكر سقطت على رأس موظف الجمارك أثناء مروره. قضت المحكمة أنه يجب على المدعى عليه أن ينفى عنه الاهمال والتقصير حتى يفلت من المسؤولية.
وهذه القضية التي أمامنا مماثلة لتلك القضية الإنجليزية.
وأما المبدا الذي قررته السابقة القضائية :
Cole v. De Traffofd 1918,2 K. B. 523
فلا ينطبق على هذه القضية. لأن السؤال الذي تدور حوله هذه القضية الإنجليزية كما أرى هو ما إذا كان المخدم صاحب العمل المدعى عليه، قد زود الجراج بنظام عمل أمن حين أصيب العامل إثر سقوط قطعة زجاج.
وفي هذه الدعوى الماثلة إمامنا، لم يقدم المدعى عليهم اي دليل إثبات يرفع عنهم عب الإثبات اعمالا لمبدأ افتراض التقصير والاهمال.
وحتى على فرض ان مبدأ res ipsa loquitur لا ينطبق على هذه الدعوى، فإنه من الواضح وضوح الشمس، أن سقوط الشوالات ما كان سوف يحدث لولا أن المدعي عليهم أو مستخدميهم، اما انهم لم يرصوا الشوالات جيدا بعضها فوق بعض، أو انهم جعلوا الرصة عالية علوا شاهقا بحيث يمكن لأي هبة ريح خفيفة أن تطيح بها. وسواء كان الإهمال والتقصير يعود إلى المدعى عليهم أنفسهم لعدم قيامهم بتخزين الشوالات تخزينا سليما، أو يعود إلى مستخدميهم، فإن المدعى عليهم مسؤولون عن الحادث لدى العامل المدعي. وذلك لأن مبدأ الذي يحكم علاقة العمل في (القانون العام) قد ألغي بتشريع إصلاح القانون لسنة ١٩٤٨ (الإصابات الشخصية). ولما كان هذا القانون قد وضع لكي يحل محل قاعدة في القانون العام، وحيث ان هذا التشريع ليس قانونا اجزائيا أو فنيا، فإن المحاكم السودانية قد تبنته على الفور تطبيقا لنص المادة (٩) من قانون القضاء المدني السوداني.
لا شك ان الإصابات التي لحقت بالمدعي بليغة. فقد ادخل المستشفى في ١٥ يونيو ١٩٥٨ وكان يعاني من نزيف حاد في الأمعاء فاجريت له عملية جراحية بعد أيام قليلة من دخوله المستشفى وكان في حاجة لنقل دم، وقد اعطي أنواع مختلفة من الحقن ومسكنات الالم والمورفين. وظل المدعي يعاني من آلام فظيعة بسبب الحادث والعملية الجراحية. وبالإضافة إلى الإصابة في الأمعاء كسرت فخذ المدعي اليسرى كسرا مركبا متشعبا. وعلى الرغم من أن المدعي قد أفرج عنه من المستشفى بعد مضي شهرين، كان عليه أن يداوم على الحضور إلى المستشفى كمريض خارجي لعدة شهور.
وقد ابان التقرير الطبي النهائي أنه يوجد قصر تشوهي بسيط في الرجل اليسرى، وضعف في عضلات الفخذ وقصور في الحركة. وقدر التقرير العجز الدائم بنسبة ٪ ٢٥ في المئة. وقد شاهدت المدعي شخصيا، وأعتقد أنه لا مجال للقول إنه في استطاعته أن يشتغل عاملا ابدا بسبب وجود قصر في إحدى الرجلين. وقد ذكر لي المدعي أنه لا يستطيع حتى أن يحمل جردلا، ومع أن قوله هذا لا يخلو من مبالغة الا انه من المؤكد قد عانى الكثير بسبب الحادث وسوف لن يعود إنسانا سويا كما كان في السابق.
من ناحية أخرى المدعي مجرد عامل بسيط يكسب حوالي ٢٠ قرش في اليوم راتب اساس. ولما كان المدعي لا يزال في العشرين من العمر فإنه في استطاعته أن يتخذ له عملا خفيفا كخفير على سبيل المثال، ويحيا حياة مفيده لكنها مؤلمة.
مع الأخذ في الحسبان كل ما ذكر، أرى أن المدعي يستحق الحكم له بالتعويض الخاص الذي طلبه وهو مبلغ ١٤٠ جنيها والذي قدمت به بينة كافية من قبل الشخص الذي انفق هذه المبالغ وهو أحد أقرباء المدعي ويعمل موظفا بالبنك ويتقاضي أجرا معتبرا. كما يستحق المدعي تعويضا عاما قدره ٦٠٠ جنيه ليكون إجمالي المبلغ المحكوم به ٧٤٠ جنيها. إلزام المدعى عليهم بسداد رسوم الدعوى وايداعها خزينة المحكمة حيث أقام المدعي هذه الدعوى بدون رسوم.
ملحوظة المحرر:
شطبت محكمة الاستئناف العليا ايجازيا الإستئنافين المقدمين من طرفي الدعوى.
هوامش المترجم :
١. القاضي توفيق قطران فلسطيني الجنسية وهو من قلة قليلة من القضاة بقية في خدمة حكومة السودان بعد قرار سودنة الوظائف انفاذا لاتفاقية تقرير المصير لسنة ١٩٥٣
٢. عبارة المبدأ، res ipsa loquitur لاتينية وتعني حرفيا في الإنجليزية the thing speaks for itself وفي العربية: "الشيء يحدث عن نفسه". ويسمى هذا المبدأ أيضا قاعدة التقصير والاهمال المفترض presumption of negligence لأنه يقوم على افترض التقصير والإهمال في قضايا المسؤولية عن الفعل الضار ابتداءا في المدعى عليه. ففي الحالات التي لا يوجد فيها سبب ظاهر معروف للفعل الضار يفترض أنه لولا تقصير المدعي عليه ما كان الفعل ليقع. فإذا لم يقدم المدعى عليه تفسيرا معقولا للحادث لينفي مسؤوليته، فإنه يكون مسؤولا عن الضرر وبالتالي التعويض عنه. للمزيد انظر مؤلف كرشنا فاسديف، ص ٤٣:
The Law of Evidence in the Sudan
٣. يبدو أن قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة ١٩٨٤ قد أخذ بمبدأ المسؤولية المطلقة لمن يكون تحت إدارته وسيطرته اي شيء يتسبب في ضرر للغير دون حاجة لإثبات تقصير مالك الشيء أو من كان حياته هذا الشيء . وبالتالي لا حاجة لاعمال قاعدة افتراض الإهمال والتقصير. حيث جاء بالمادة ١٤٨ (١) من القانون المذكور: "كل من تولى حراسة شيء يكون مسؤولا عما يحدثه هذا الشيء من ضرر للغير سواء أكان هذا الشيء حيوانا ام جمادا وسواء أكان منقولا ام عقارا".
لكن القانون المذكور اخذ بقاعدة الإهمال والتقصير المشترك حيث يجوز المدعى عليه أن يدفع بأن المدعي ساهم هو الآخر في نسبة ما في وقوع الضرر. وهذا ما قضى به نص المادة ١٥٥ من ذات القانون والتي تقرأ :" للمحكمة إنقاص مقدار التعويض بنسبة اشتراك المضرور في أحداث الضرر أو زيادته".
٣. ترجمناها من مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة ١٩٦٠ ص ١٢٩ حيث كانت الأحكام القضائية تصدر آنذاك بالإنجليزية.
abusara21@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المدعى علیهم المدعى علیه بذرة القطن هذه الدعوى هذه القضیة هذا الشیء أن المدعی ما کان
إقرأ أيضاً:
13 مسؤولا أميركيا استقالوا بسبب الحرب على غزة.. تعرّف عليهم
دفع دعم الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن إسرائيل خلال حربها المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من 14 شهرا، 13 مسؤولا في الإدارة الأميركية إلى الاستقالة، واتهمه بعضهم بغض الطرف عن الفظائع الإسرائيلية في القطاع الفلسطيني.
وجدد بايدن في أكثر من مناسبة دعمه المطلق لإسرائيل التي تواصل ارتكاب حرب إبادة جماعية في غزة، وقال إنه "لا داعي لأن يكون الشخص يهوديا ليصبح صهيونيا".
وتنفي إدارة بايدن تلك الاتهامات مستشهدةً بما تسميه "انتقادها لسقوط قتلى مدنيين في غزة وجهودها لتعزيز المساعدات الإنسانية للقطاع"، في حين يقول مسؤولون بوزارة الصحة في غزة إن نحو 45 ألف شخص استشهدوا في حرب الإبادة الإسرائيلية، فضلا عن انتشار الجوع على نطاق واسع نتيجة الحصار الإسرائيلي ومنع وصول المساعدات الإنسانية.
وبدعم أميركي مطلق، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بقطاع غزة خلّفت أكثر من 152 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية يوم 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.
إعلانولم تعلق الحكومة الأميركية على كل استقالة على حدة، لكنها قالت إنها ترحب بالمعارضة.
وفيما يلي المسؤولون الأميركيون الذين استقالوا: 1- مايك كيسيترك منصب نائب المستشار السياسي لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون غزة في يوليو/تموز الماضي، وكشف عن أسباب ذلك في مقابلة مع صحيفة الغارديان في ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وقال للصحيفة "سئمت جدا من الكتابة عن الأطفال القتلى.. تعين علي أن أثبت لواشنطن باستمرار أن هؤلاء الأطفال ماتوا بالفعل ثم أرى أن لا شيء يحدث".
2- مريم حسنينكانت تعمل مساعدة خاصة بوزارة الداخلية الأميركية المختصة بالموارد الطبيعية والإرث الثقافي، وتركت منصبها في يوليو/تموز الماضي.
وانتقدت سياسة بايدن الخارجية، ووصفتها بأنها "تسمح بالإبادة الجماعية" وتجرد العرب والمسلمين من إنسانيتهم.
3- محمد أبو هاشمفي منتصف عام 2024، أنهى أبو هاشم، وهو أميركي من أصل فلسطيني، مسيرة مهنية استمرت 22 عاما في سلاح الجو الأميركي.
وقال إنه فقد أقارب له في قطاع غزة خلال الحرب بما في ذلك عمته التي قُتلت في غارة جوية إسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
4- رايلي ليفرمورترك المهندس بسلاح الجو الأميركي منصبه في منتصف يونيو/حزيران الماضي، وقال لموقع إنترسبت الإخباري "لا أريد أن أعمل على شيء يمكن أن يتغير (الهدف منه) ويستخدم لقتل الأبرياء".
5- ستايسي جيلبرتغادرت جيليرت، التي عملت في مكتب السكان واللاجئين والهجرة بوزارة الخارجية، منصبها في أواخر مايو/أيار الماضي. وقالت إنها استقالت بسبب تقرير إلى الكونغرس قالت فيه الإدارة كذبا إن إسرائيل لا تمنع المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة.
6- ألكسندر سميثاستقال وهو متعاقد مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في أواخر مايو/أيار الماضي بدعوى الرقابة بعد أن ألغت الوكالة نشر عرض له عن وفيات الأمهات والأطفال بين الفلسطينيين. وقالت الوكالة إن العرض لم يخضع للمراجعة والموافقة المناسبة.
إعلان 7- ليلي جرينبيرج كولفي مايو/أيار الماضي، أصبحت ليلي أول شخصية سياسية يهودية معينة تستقيل بعد أن عملت مساعدة خاصة لكبير موظفي وزارة الداخلية الأميركية، وكتبت في صحيفة الغارديان "باعتباري يهودية، لا أستطيع أن أؤيد كارثة غزة".
8- آنا ديل كاستيلوتركت نائبة مدير مكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض منصبها في أبريل/نيسان الماضي، وأصبحت أول مسؤولة معروفة في البيت الأبيض تترك الإدارة بسبب السياسة تجاه غزة.
9- هالة راريتغادرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية باللغة العربية منصبها في أبريل/نيسان الماضي احتجاجا على سياسة الولايات المتحدة في قطاع غزة، حسبما كتبت على صفحتها على موقع لينكدإن.
10- أنيل شيليناستقالت من مكتب حقوق الإنسان بوزارة الخارجية في أواخر مارس/آذار الماضي، وكتبت في مقال نشرته شبكة "سي إن إن" أنها لا تستطيع خدمة حكومة "تسمح بمثل هذه الفظائع".
11- طارق حبشاستقال حبش، وهو أميركي من أصل فلسطيني، من منصبه مساعدا خاصا في مكتب التخطيط التابع لوزارة التعليم في يناير/كانون الثاني الماضي، متهما إدارة بايدن بأنها "تتعامى عن الفظائع في غزة".
12- هاريسون ماناستقال الضابط برتبة ميجر في الجيش الأميركي والمسؤول بوكالة مخابرات الدفاع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بسبب السياسة في قطاع غزة، وأعلن أسباب استقالته في مايو/أيار السابق.
13- جوش بولغادر مدير مكتب الشؤون السياسية العسكرية بوزارة الخارجية منصبه في أكتوبر/تشرين الأول السابق في أول استقالة معلنة، منتقدا ما وصفه بـ"الدعم الأعمى" من واشنطن لإسرائيل.