المخابرات المصرية تهمس في آذن الرئيس
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
درجت قيادات دول العالم عندما تريد أن تبعث برسالة لدولة أخرى في غاية السرية، ترسلها مع رئيس المخابرات، خوفا من تسريبها، لذلك تبعث رئيس المخابرات لأنه يهمس بها فقط في أذن الرئيس، و أيضا عندما تصل رسالة سرية للرئيس من دولة أخرى عبر جهاز مخابراتها فالشخص الثاني الذي تقع على أذنه هو رئيس مخابرات الدولة المبعوث إليه الرسالة، و بهدف المتابعة.
أن اللقاء الذي كان يجب أن يتم في القاهرة، و يحضره إلي جانب الوفدين السوداني و و المبعوث الأمريكي أيضا مصر باعتبارها مراقب في مفاوضات جنيف، و أيضا الدولة التي سمحت أن يكون اللقاء في أرضها، و حضور مصر للقاء القاهرة، هو أيضا بمثابة طمأنة للسودان ليس هناك مؤامرة تحاك ضد وحدته و سيادته.. لكن تظل قضية نقل المفاوضات من جدة إلي جنيف غير مطمئنة، و حضور دولة الأمارات بصفة مراقب تبعث الشك الحقيقي.. و قد فشل المبعوث الأمريكي أن يبرر وجود الأمارات في الاجتماع الذي جري مع الوفد السوداني، و كانت الأمارات قد طلبت من قيادات " تقدم" أن يكونوا حضورا في سويسرا.. كلها أشياء تؤكد أن هناك شيئا كان يراد طبخه..
أن تأكيد رئيس المخابرات المصري على حرص مصر على أمن و استقرار السودان و تمنياته أن تطوى صفحة الحرب سريعا لوقف معاناة المواطن السوداني.. هي كلمات ذات حمولات ثقيلة و مهمة و مطمئنة في ذات الوقت، و أيضا هي كلمات تؤكد أن ما انتهت إليه مفاوضات جنيف لا تتعدى ما تم التصريح به، و يتركز فقط على مرور الإغاثة لمستحقيها من المواطنين، و لم يكن في بيان ختام مفاوضات جنيف أية إشارة لمحاولة لفرض وقف الحرب ضد الميليشيا.. و تمنيات رئيس المخابرات أن تطوى صفحة الحرب سريعا، ربما تكون هي رسالة للقوات المسلحة؛ أن الأمر متوقف على أداء القوات المسلحة و حسمها للعملية العسكرية، حتى لا تجر الي لمفاوضات أخرى مستقبلا.. و القوات المسلحة هي نفسها لم تبخل برسائلها عندما رفعت قبعتها لإصدقائها و أشقائها من خلال تكثيف ضرباتها على الميليشييا في كل مكان من خلال سلاح الجو، و لن تتوقف إلا برفع الأعلام البيضاء..
مصر للمرة الثانية تطمئن السودان عن مفاوضات جنيف، جاءت الأولى عندما ألتقي وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في دولة رواندا يوم 13 أغسطس 2024م بمناسبة تنصيب الرئيس بول كاجامه في كيغالي.. أكد وزير الخارجية قبل بدأ مفاوضات جنيف للبرهان أن مصر حريصة على وحدة السودان و سيادته و لا تسمح بتدخلات خارجية في شئونه الخاصة.. هذه الرسالة التي تؤكد موقف مصر أيضا كانت مضمنة رسالة أخرى بأن مصر لن تشارك في أي عمل يضر سيادة السودان و التدخل في شئونه الخاصة.. كما سمع وزير الخارجية المصري من رئيس مجلس السيادة موقف الخرطوم من هذه المفاوضات، و أن شعب السودان لن يقبل حضور الأمارات الدولة التي تشارك الميليشيا في حربها في أي مفاوضات، و جاء رئيس المخابرات يوم الجمعة 24 أغسطس 2024م ليؤكد للقيادة السودانية أن مصر انجزت ما وعدت به، و أنها حريصة أن يعود المواطنين إلي ديارهم فرحين بالنصر..
و انتهت مفاوضات جنيف و أصدرت بيانها الختامي الذي تضمن، التزام من حكومة السودان و الميليشيا على مرور المساعدات الإنسانية دون الإشارة إلي وقف إطلاق النار، و بموجب التزام تم فتح معبرين الأول أدري في دارفور و طريق الدبة بالولاية الشمالية و يأمل الوسطاء فتح ممر ثالث عبر سنار و حثوا المقاتلين على عدم انتهاكات للقانون الدولي الإنساني.. و يكون تم إغلاق ملف التفاوض في جنيف.. دون وفد من الحكومة أو الجيش للمفاوضات.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: رئیس المخابرات مفاوضات جنیف
إقرأ أيضاً:
روسيا في سوريا... انتكاسة ومرونة استراتيجية أيضاً
اعتبر البعض في الغرب انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، وقرار روسيا بالوقوف جانباً والسماح بحدوث ذلك، مؤشراً على التمدد الإمبراطوري المفرط لموسكو وتراجع نفوذها الإقليمي.
سقوط الأسد يمثل انتكاسة لروسيا، ولكنه أيضاً انعكاس لمرونة الكرملين
وحسب هذا التفكير من الواضح أن "العملية العسكرية الخاصة" الجارية التي يشنها الكرملين في أوكرانيا تضغط على الجيش الروسي إلى درجة جعلته عاجزاً عن وقف المد المتدحرج للمتمردين، فكان عاجزاً وغير راغب بدعم النظام أكثر من ذلك.
ورغم جاذبية هذه الرواية، دعا الباحث البارز في معهد الأمن القومي بجامعة ميسون جوشوا هيومينسكي المحللين الغربيين إلى الحذر من التركيز الكبير على فكرة أن روسيا كانت عاجزة عن المساعدة ومن عدم التركيز بشكل كاف على واقع بسيط مفاده أنها كانت غير راغبة بذلك.
وبحسب الكاتب فإن من المرجح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رأى في دعم روسيا للأسد ترتيباً منخفض الكلفة نسبياً وعالي التأثير، لكن مع تقدم المتمردين، خسر فائدته.
استخفاف بالدب الروسيوكتب هيومينسكي في موقع "بريكينغ ديفنس" أن الاستراتيجية تتلخص أساساً في المقايضات، وهنا يبدو أن موسكو اتخذت قراراً واضحاً بأن الفائدة المترتبة على مواصلة دعم نظام الأسد لم تكن تستحق الكلفة.
وشكل سقوط بشار الأسد انتكاسة لموسكو، فمنذ التدخل في سوريا سنة 2015، قدم الكرملين دعماً مالياً وسياسياً كبيراً للأسد، وهذا الاستثمار يعد صغيراً نسبياً عند تقييمه بالمقارنة مع الموارد التي ضختها أمريكا في المنطقة مثلاً، وبالمقابل اكتسب الكرملين موطئ قدم في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط. وكانت قواعده البحرية في البلاد بمثابة محطة لإعادة التزود بالوقود في البحر المتوسط ونقطة انطلاق للعمليات في أفريقيا.
احتمالان متساويانوسارع البعض للإشارة إلى تأثير أوكرانيا على العمليات الروسية في سوريا، لكن بحسب الكاتب، يشكل هذا سوء فهم لدور موسكو في البلاد، الذي اقتصر إلى حد ما على توفير القوة الجوية والمستشارين، مع بعض المقاولين العسكريين من القطاع الخاص.
والسؤال هو هل كانت روسيا لتكون أكثر استعداداً لمواجهة تقدم المتمردين دون الحرب الأوكرانية؟ هذا محتمل بحسب الكاتب، لكن من المحتمل أيضاً أن النظام قد أصبح قضية خاسرة، فالسرعة التي انهار بها، تعكس ضعفاً عسكرياً وتنظيمياً وتكتيكياً كبيراً، وأي هجوم مضاد بالنيابة عن النظام سيكون باهظ الثمن مادياً وعسكرياً.
كما أثبت نظام الأسد لموسكو أنه شريك متقلب وصعب، إذ رفض التعامل مع المعارضة، جعل البلاد جزءاً من نفوذ إيران.
مصير القوات الروسيةويضيف الكاتب أنت الموقف الروسي الجديد في سوريا ما زال غير معروف، وتشير التقارير الأولية إلى أن القوات الروسية تعيد تموضعها داخل قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس، وربما تخلي البلاد بالكامل.
ومن المرجح وفق الكاتب أن تلعب الكراهية المؤكدة تجاه روسيا بسبب قسوتها بالنيابة عن نظام الأسد، وتمكينه من البقاء في السلطة، دوراً في التطورات.
ومع ذلك، لا يوجد ما يضمن أن تسعى هيئة تحرير الشام إلى طرد القوات الروسية بشكل دائم من البلاد، بل قد تسعى إلى تحويل موسكو من خصم إلى مجرد طرف محايد.
انتكاسة ومرونة وبحسب الكاتب فإن تقاعس الكرملين عن دعم الأسد، يرسل رسالة إلى الأنظمة الأوتوقراطية في أفريقيا، بأن موسكو مستعدة لمواصلة دعم النظام طالما كان فائزاً وقادراً على الاحتفاظ بالسلطة ــ وراغباً بالاستماع إلى نصيحة الكرملين. وعندما يصبح النظام غير قادر على القيام بذلك، يتخذ الكرملين قراراً استراتيجياً ويغير مساره.ويختم الكاتب أن سقوط الأسد يمثل انتكاسة لروسيا، لكنه أيضاً انعكاس لمرونة الكرملين الاستراتيجية. والتركيز فقط على الانتكاسة وتفويت المرونة يخاطر بمفاجأة استراتيجية سواء في سوريا أو في أماكن أبعد.