هناك تحولات كبرى حدثت في السودان ،مشروع النهر والبحر يمثل بعداً جديداً
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
هناك تحولات كبرى حدثت في الوضع السياسي في السودان ،مشروع النهر والبحر يمثل بعداً جديداً في منظومة التيارات السياسية ، ولكن ليس بالطريقة التقليدية التي سادت في الستينات ، بمعنى أن المشروع خلق نقله في طبيعة التعاطي مع الشأن السياسي في السودان ،وهو بداية فعلية لنهاية الايدلوجيات المتعددة التي كانت تسود التنظيمات السياسية لصالح توجهات أكثر محلية ترتكز على الهويات المناطقية ، المشروع نفسه تنبأ بزوال الاحزاب الحالية التي تفككت عضويتها عند أول طلقة وجعلت منتسبيها يرجعون لخلفياتهم المناطقية ، على الرغم من إدعاء تلك التنظيمات بتحصينهم ضد أمراض القبلية والعنصرية والجهوية .
ستصبح المشاريع الايدلوجية نفسها محصورة داخل مكونات إجتماعية متجانسة ،وذلك بسبب نشوء حالة ارتياب ناجمة عن الاصطفافات القبلية داخل الأحزاب السياسية ، التي لم تستطع برامجها ولا مناهجها الخاصة تحصينها .تجاوز حالة الإنتماء الايدلوجي لصالح الانتماء المناطقي هو جوهر المشروع الذي تتماشى قراءاته وتحليلاته مع واقع الحرب . يستخدم ناقدو المشروع حجة أن المشروع شعبوي وهي كلمة لايفهم مطلقوها معناها ، أو أنهم ينطلقون من نفس المدخل الليبرالي الذي يهاجم الشعبوية باعتبارها نهجاً مخالفاَ للقيم الليبرالية الحديثة ،الشعبوية نفسها تخدم المشروع وتعرف به، بل تعطيه حضوراً ووجوداً وطريقاً مغايراً لما تعود عليه السودانيون من تنظيمات وخطابات لاتخرج عن الفكر السياسي الستيني ، بدءا من المحجوب والأزهري وعبد الرحمن والميرغني ومروراً بالترابي ونقد والصادق ، وهو طريق جديد رسم معالمه عمسيب بطريقة ذكية .
فلو كانت حركة أمريكا اولاً التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق وودرو ويلسون كتوجه انعزالي رافض لانخراط أمريكا في الحرب العالمية الأولى ، واستعادها دونالد ترامب بعد ما يقارب تسعين عاماً وجعلها نهجاً ومشروعاً كاملاً لرؤيته لامريكا، فإن عمسيب أنتج المصطلح ” النهر والبحر اولاً ” واستفاد من نتائج الحرب الحالية التي كانت جزءا من خطابه التحذيري ووظفه لصالح رؤيته الجديدة..
لو أخذنا الجانب الخاص بالتحذير كخطاب شعبوي ” وهنا انا لا استخدم المصطلح سلباً او ايجاباً ” باعتباره تحذيراً يندرج ضمن الطلب ” demand ” بكونه خطاب ينبع من الأزمات والانقسامات التى عاني منها السودان ، والتي تمثلت في وجود حالة من الغربة وعدم وجود قيم مشتركة بين مكوناته كما ورد في الأسس النظرية للمشروع . أما العرض “offer ” فيأتي لتقديم سردية لازمة لخلق تعبئة حول المحاذير والقضايا المشتركة لمجتمعات النهر والبحر ، ويقوم بتنظيم ذلك الطلب ويقدم الانفصال كحل وعرض للذين عانوا من حالة الانقسام والحرب ..
حتى هذه النقطة يظل المشروع حلاً لمشكلة الانقسام ، وهو جزء من الحلول التي تنادي بها الحركات الشعبوية ، بكونه يركز على الدفاع عن مجتمعات الشمال وتجنب التهديدات القادمة من الجنجويد باعتبارها تمثل تهديداً لاستقرار هذه المجتمعات ، ولكن المشكلة وهي النقطة الأهم في هذا المنشور ، أن الوضع الحالي غير إعتيادي ، حيث إن المهدد ليس فقط ثقافياً من الخارج ، بل هو داخلي يسعى للهيمنة والسيطرة بقوة السلاح ولن يسمح باتمام العرض ” الانفصال” بل سيستخدم هذا الخطاب ويوظفه في ظل الحرب لزيادة أعداد الداعمين له من معسكر الجيش ..
وفي ظل وجود الحركات المسلحة التي تعد ايضاً رافداً جديداً للمعادلة السياسية، وهي ايضاً في حالة عداء مع الجنجويد وفي صف الجيش ، وليست في حالة عداء مع المواطن، بل هي في نفس حالة الضرر ، فمن الأفضل أن يقوم أصحاب مشروع النهر والبحر بتجاوز خلافاتهم بخلق تسوية مع الحركات المسلحة لمواجهة خطر أكبر وتهديد مشترك ، وإعادة تكييف الخطاب ليصبح أكثر مرونة من خلال التركيز على خطر الجنجويد بدلاً عن اي طرف آخر ، هذا التحالف او فلنقل هذا التقارب مهم وضروري لخلق أرضية لتسوية يمكن أن تفتح الباب مستقبلاً لأي تشاور وحوار بين البحر والنهر والحركات وباقي المكونات الأخرى ..
#السودان
حسبو البيلي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: النهر والبحر
إقرأ أيضاً:
علوم بيت المقدس.. مشروع معرفي وصل 25 دولة
عمان- على مدار أكثر من 15 عاما، نجح مشروع "علوم بيت المقدس" في تعزيز مكانته، كأحد أبرز المشاريع المعرفية المتخصصة في تاريخ القدس والمسجد الأقصى المبارك وواقعهما، مستقطبا أكثر من 5 آلاف مشارك من 25 دولة حول العالم.
وانطلق المشروع الذي يرفع شعار "علم في طريق التحرير" من الأردن ويعتبره كثيرون نموذجا معرفيا يسهم في بناء وعي عميق بالقضية الفلسطينية، اعتمادا على المناهج العلمية والتدريب التفاعلي حيث يُعد "علوم بيت المقدس" أول برنامج تدريبي متكامل في مجال الدراسات المقدسية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول الدكتور محمد البزور رئيس الهيئة الإدارية لملتقى القدس الثقافي (الجهة صاحبة المشروع) إن البرنامج "بشكل أساسي يهدف إلى بناء قاعدة معرفية علمية دقيقة في مجال علوم بيت المقدس والذي يشمل 3 محاور: المنظور الإسلامي لمدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، التاريخ وواقع المدينة المقدسة، ويشتمل البرنامج مستوى عاما وآخر متقدما".
وعن التطبيقات العملية، يوضح البزور أن المشارك ينتقل من المعرفة إلى العمل عن طريق المبادرات الميدانية الفردية في مجتمعه أو الجماعية التي يتبناها الملتقى، كما يمكن للمشارك بعد اجتياز مستوى متقدّم أن يصبح مدربا لبرنامج "الأقصى كل السور" الخاص بمعلمي المدارس أو مدربا في المشروع ذاته، أو ينتقل للجانب البحثي في دبلوم دراسات القدس التي تحمل اسم السياسي التربوي الدكتور إسحاق الفرحان (1934-2018).
ويقول عاصم الأشقر، أحد المدربين في المشروع بالأردن، إن دوراته تمتاز بالمعرفة العلمية المحكمة والمكثفة في وقت محدود نسبيا، ليشمل المفاهيم المتعلقة بالمسجد الأقصى ومدينة القدس وأبرز الوقفات التاريخية والمفصلية التي مرت بها، بالإضافة إلى دراسة واقعها الحالي بما تتعرض له من عمليات تهويدية مكثفة على أيدي الاحتلال الإسرائيلي وبالأخص في البلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك جوهر الصراع وأصله.
إعلانويضيف متحدثا للجزيرة نت "يشمل المشروع أيضا دراسات استشرافية لمستقبل المدينة التي تتعرض لاستهداف على جميع الأصعدة، وتعتمد دورات المشروع أفضل الأساليب التفاعلية لكي يمتلك فيها المشاركون الحد الأدنى من العلوم والمعارف التي تمكنهم من تفسير الأحداث اليومية المتسارعة في القدس يوما بعد يوم".
وأشار إلى أنه كان لهذه الدورات "أثر واضح على المشاركين بها بحملهم هم مدينة القدس ومحاولة تعزيز صمود أهلها أمام الاحتلال الإسرائيلي بالطرق العلمية الصحيحة، كما ساهمت في تعميق صلة الشعب الأردني بقضيته المركزية عبر مجموعة من المبادرات".
ويعتمد المشروع في مستواه العام كتاب "العالم في مدينة.. القدس كما لم تعرفها من قبل" الذي أعدّه أكاديميون متخصصون في شؤون القدس ليكون منهاجا شاملا حيث يحتوي على محاور التاريخ والجغرافيا والمفاهيم والأسس التي تشكّل شعور المشارك ومسؤوليته تجاه المدينة المقدسة.
ملتقى القدس الثقافي يفتتح الانعقاد الرابع لبرنامج "رواد الأقصى كل السور"
رابط الخبر على موقعنا الإلكتروني: https://t.co/X5U2og2JaU pic.twitter.com/h1BQGfsr4C
— ملتقى القدس الثقافي – الأردن (@multaqaqudsjo) January 11, 2025
فرق إيجابيبدورها، تقول عائشة البقاعي، إحدى مشرفات المشروع في لبنان، إن هناك فئة كبيرة من الناس في المجتمع اللبناني غير مدركين لأهمية المسجد الأقصى ومدينة القدس كمحور صراع بيننا وبين العدو.
وأوضحت "كنت أحرص في ختام الحصص على أخذ تغذية راجعة من المشاركين حول الجديد الذي أضافته لهم الدورة، فيأتي الجواب في كثير من الأحيان منهم بعدم معرفتهم مسبقا بمعظم هذا الأمور، لا سيما الحرب الديموغرافية والاقتصادية أو الجدار العازل وتأثيره على الأحياء الفلسطينية أو الوصاية والمسؤولية القانونية عن المسجد".
وتضيف في حديثها للجزيرة نت "ربما تندهش عند معرفتك أن كثيرا من الناس لا يعرفون على وجه الدقة أساسا علاقتنا بالمسجد الأقصى وعلاقة الأنبياء فيه، بالتالي زاد المشروع وعيهم في هذه المفاهيم، وانعكس ذلك على نشرهم المعلومات التي تلقوها إما على وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال نقاشاتهم مع الناس حيث ساهم المشروع بإحداث فرق إيجابي".
إعلانأمّا "سارة" إحدى المتخرجات من المشروع، فتصف كيف ساهمت المعارف التي تلقتها في "تكوين تصوّر أعمق لديها لأهمية بذل كل ما يمكن تقديمه في قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك" مشيرة إلى أنه كان للدورة الفضل بإلمامها بجوانب غائبة عنها بما يتعلق بالقدس وتاريخها والمخاطر التي تهددها وكيفية توظيف الإمكانيات للتصدي لذلك.
ولم يمض وقت طويل على إتمام "عبد الرحمن" للمستوى العام، لكنه يصف كيف تغيرت كثيرا من المفاهيم لديه على الرغم من كونه ناشطا في العمل العام الخاص بالقدس وفلسطين قائلا: "كلما تعمقت بالموضوع أكثر أدركت مدى أهميته وامتلكت الدافعية".
تدريب "الأقصى كل السور" ينبض من جديد في مدارسنا
نظّم ملتقى القدس الثقافي بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم تدريبًا بعنوان "الأقصى كل السور" يوم السبت 25 كانون الثاني في مدرسة قيساريا الأساسية للبنات، بمشاركة 60 معلماً. استكمل المعلمون تدريبهم إلكترونياً عبر منصة تدريب المعلمين. pic.twitter.com/1EEXY8fTSj
— ملتقى القدس الثقافي – الأردن (@multaqaqudsjo) January 29, 2025
من طالب إلى مدربولا يقتصر المشروع على فئة بعينها، بل يشمل جميع الفئات بدءا من طلاب المدارس بعمر 16 عامًا، مرورا بطلاب الجامعات، وأمهات الأسر، وصولا إلى أكاديميين ومتخصصين في الدراسات الإسلامية والتاريخ والجغرافيا والإعلام.
كما يمتد الإنجاز إلى تأهيل جيل جديد من المدربين القادرين على تقديم الدورات ونقل المعرفة المقدسية حيث تم تخريج أكثر من 50 مدربا متخصصا، بعد اجتيازهم برنامج تأهيل المدربين ضمن ملتقى القدس الثقافي.
ويمتاز الأردن بوجود عمل شعبي مؤسسي متنوّع يولي اهتماما بالقدس والمسجد الأقصى المبارك في جوانب مختلفة سواء على المستوى المعرفي أو العملي الميداني وتثبيت صمود المقدسيين عبر حملات تبرع سنوية، إضافة للعمل في الجامعات التي تحوي ما يزيد على 30 لجنة مختصة في شؤون المقدسي تهدف لإبقاء قضية القدس حاضرة لدى جيل الشباب والطلاب.
إعلان