جفاف الأهوار يعيد تشكيل خريطة العراق السكانية
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
24 أغسطس، 2024
بغداد/المسلة: في خضم حرارة الصيف الشديدة التي تصدرت فيها جنوب العراق قائمة أعلى درجات الحرارة المسجلة عالمياً، بدأت تظهر مؤشرات مقلقة حول انخفاض منسوب المياه في الأهوار، مما يثير مخاوف من أزمة بيئية كبيرة. تتزامن هذه الأزمة مع موسم جفاف قاسٍ، مما دفع العديد من الفلاحين للهجرة من مناطقهم الريفية إلى المدن بحثاً عن ظروف معيشية أفضل.
الأهوار، وهي مناطق مستنقعات شاسعة تقع جنوب العراق، تعتبر من أهم المعالم البيئية والثقافية في البلاد. تعود جذورها إلى آلاف السنين، حيث كانت تشكل نظاماً بيئياً غنياً بالتنوع الحيوي وتساهم في دعم اقتصاد محلي يعتمد على الصيد وتربية الحيوانات. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأهوار تعتبر موطناً لأنواع عديدة من الكائنات الحية ومكاناً مهماً للسياحة البيئية.
ومع ذلك، فإن الأهوار اليوم تواجه تحديات غير مسبوقة. يوضح الخبراء أن أسباب هذه الأزمة البيئية ترجع إلى التبخر وانخفاض تدفق المياه في نهري دجلة والفرات، خاصة من حوض الفرات والنواظم الذيلية لمياه “قرمة بني سعيد”. هذا الانخفاض الحاد في منسوب المياه أثر بشكل مباشر على الأهوار الوسطى وهور الحمّار الغربي، مما أدى إلى نفوق ملايين الأسماك ونقصان كبير في الموارد المائية.
كارثة بيئية في هور الحويزةهور الحويزة، الذي يقع في محافظة ميسان جنوبي العراق، يعتبر من أكثر الأهوار تضرراً من الجفاف. خلال الأسبوع الماضي، شهد الهور نفوق ما يقرب من 95% من أسماكه، مما أطلق تحذيرات بيئية صارمة من قبل الجهات المعنية. وزارة الموارد المائية العراقية أعلنت أنها قررت زيادة التدفق المائي كإجراء طارئ، وأرسلت فرقاً لمتابعة الوضع ميدانياً.
لكن الجهود الحكومية لم تكن كافية لتهدئة مخاوف السكان المحليين. يقول أحمد صالح نعمة، خبير بيئي ومتخصص في منطقة الأهوار: “على الرغم من وعود الوزارة بزيادة التدفق المائي، إلا أن معظم المياه لا تصل فعلياً إلى الأهوار، بسبب استهلاكها في المناطق الزراعية التي تزرع الأرز والتي تتطلب كميات كبيرة من المياه”.
شهادات الفلاحين: الهجرة إلى المدن بحثاً عن الأمانوفي ظل هذه الظروف القاسية، وجد العديد من الفلاحين أنفسهم مضطرين لمغادرة قراهم والهجرة إلى المدن الكبرى مثل بغداد والبصرة.
أبو علي، وهو فلاح من هور الحويزة، يقول: “كنا نعيش على الصيد وزراعة المحاصيل في الأهوار، لكن اليوم لم يعد لدينا ماء ولا سمك. لم يكن أمامنا خيار سوى الانتقال إلى المدينة بحثاً عن عمل”.
أما أم حسين، وهي فلاحة أخرى من منطقة الجبايش، فتضيف: “لقد فقدنا كل شيء. الماء الذي كنا نعتمد عليه لنمو محاصيلنا ووجود جاموسنا قد جف. جئنا إلى المدينة لنبحث عن فرصة للبقاء على قيد الحياة”.
التحديات المستقبلية والحلول المقترحةويواجه العراق اليوم تهديداً مزدوجاً من التغيرات المناخية وسوء إدارة الموارد المائية،فمع استمرار تراجع منسوب المياه، تتزايد احتمالات حدوث أزمات بيئية جديدة، مما يتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات أكثر جدية وفعالية. تشمل هذه الإجراءات بناء سدود جديدة، وتحديث شبكات الري، وتطبيق تقنيات الزراعة المستدامة.
وعلى صعيد السياسات الإقليمية، يجب على العراق تكثيف جهوده الدبلوماسية مع دول الجوار مثل تركيا وإيران، التي تتحكم في منابع نهري دجلة والفرات. يقول ثائر مخيف، رئيس لجنة المياه البرلمانية: “نحن بحاجة إلى اتفاقيات ملزمة مع دول الجوار لضمان تدفق المياه بشكل عادل ومنصف. لا يمكننا الاستمرار في الاعتماد على وعود غير ملموسة بينما تزداد الأزمة سوءاً”.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
من التباهي إلى الإفلاس.. مخاطر الثقافة الاستهلاكية في العراق
7 مارس، 2025
بغداد/المسلة: قال المحلل الاقتصادي زياد الهاشمي إن ظاهرة “اقتصاد المظاهر” بدأت تتوسع بشكل لافت في العراق، حيث يعتمد الأفراد بشكل متزايد على الاستهلاك المظهري والتفاخر الاجتماعي، بدلاً من التركيز على القيم الجوهرية والإنتاج الحقيقي. وأوضح أن هذا السلوك يؤدي إلى إنفاق غير عقلاني يستهلك موارد الأفراد دون تحقيق قيمة اقتصادية حقيقية، ما يزيد من الضغوط المالية على الأسر والمجتمع ككل.
وقال الهاشمي ان الافراد أو المجموعات يميلون إلى إنفاق الموارد المالية والمادية بشكل مفرط للحفاظ على صورة معينة أمام الآخرين، سواء كان ذلك من خلال اقتناء السلع الفاخرة، إقامة المناسبات الباذخة، أو السعي لمواكبة الموضة والمعايير الاجتماعية السطحية!
واعتبر أن هذا الانفاق الأعمى يؤدي الى إهمال الأولويات مثل التعليم والصحة والتثقيف والادخار وتطوير المهارات ويؤدي الى تدهور إمكانات الفرد وقدرته على تقديم منفعة حقيقية للمجتمع او الاقتصاد!
وهذا النمط من السلوك الانفاقي الشاذ بدأ بالانتشار بشكل شرس في المجتمع العراقي وبطريقة ملفتة للنظر وأنتج ضغوط اقتصادية على الافراد والمجتمع وساهم في تعميق الفجوة الاجتماعية بين الطبقات!
لذلك من المهم تكثيف الجهود لمحاربة هذه الحالة السلبية والعمل بشكل منهجي ومدروس للعودة للاقتصاد القائم على القيم والعمل والاجتهاد، بعيداً عن سطوة “المظاهر”!
وذكر خبراء اقتصاديون أن هذه الظاهرة تعكس اختلالات في الثقافة الاستهلاكية، حيث يميل كثيرون إلى شراء سلع فاخرة، وإنفاق مبالغ ضخمة على المناسبات الاجتماعية، والسعي لمجاراة المعايير الاجتماعية السطحية، حتى لو كان ذلك على حساب الاستقرار المالي الشخصي. وأكدوا أن هذا النمط يؤثر بشكل مباشر على القرارات المالية للأفراد، مما يؤدي إلى تراجع معدلات الادخار والاستثمار في مجالات أساسية مثل التعليم والصحة وتنمية المهارات.
واعتبر مختصون في علم الاجتماع أن انتشار هذه الظاهرة مرتبط بغياب الوعي المالي وسيادة ثقافة الاستهلاك السريع، مدفوعة بوسائل التواصل الاجتماعي التي تعزز نمط الحياة الفاخر حتى لدى من لا يستطيعون تحمله. وأوضحوا أن هذا السلوك يؤدي إلى تفاقم الفجوة الاجتماعية بين الطبقات، حيث تجد الأسر محدودة الدخل نفسها تحت ضغط نفسي واجتماعي لمحاولة مواكبة نمط حياة لا يتناسب مع إمكانياتها.
وأظهرت دراسات اقتصادية أن العراق شهد خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا في معدلات الاستدانة الشخصية لتمويل مظاهر الترف، حيث زادت طلبات القروض الشخصية لأغراض غير إنتاجية مثل شراء السيارات الفاخرة أو تنظيم حفلات زفاف باهظة التكاليف. وأشار تقرير صادر عن البنك الدولي في عام 2023 إلى أن نسب الادخار في العراق لا تزال منخفضة مقارنة بالدول المجاورة، حيث يفضل كثيرون الإنفاق الفوري على الاحتياجات الترفيهية بدلًا من الاستثمار في المستقبل.
وحذر محللون ماليون من أن استمرار هذا النمط من الاستهلاك غير الرشيد قد يؤدي إلى أزمات مالية أعمق على المستوى الفردي والمجتمعي، خاصة مع التحديات الاقتصادية التي يواجهها العراق، مثل تذبذب أسعار النفط وتزايد معدلات البطالة. وأكدوا أن الحل يكمن في تعزيز الوعي المالي وتشجيع ثقافة الادخار والاستثمار في مشاريع تنموية تساهم في خلق فرص عمل وتعزيز الإنتاج المحلي.
ودعت جهات اقتصادية إلى ضرورة إطلاق حملات توعية واسعة لتشجيع المواطنين على التخطيط المالي السليم، وتوجيه الإنفاق نحو القطاعات المنتجة التي تساهم في تحسين جودة الحياة على المدى الطويل. وأكدت أن الحكومات والمؤسسات المالية تتحمل مسؤولية كبيرة في تقديم برامج توعوية تدعم الأفراد في اتخاذ قرارات مالية أكثر حكمة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts