كتبت هنا في "عربي21"، في شبابها الباكر، عن أفانين تلجأ إليها الشركات التجارية والصناعية الكبرى العاملة في مجال انتاج مختلف صنوف التبغ، في حمل مستخدمي منتجاتها على الإدمان، وقلت إن قليلين من مئات الملايين الذين يحرقون أطنانا من التبغ يوميا، يعرفون مثلا أن نحو أربعين صنفا من السجائر المتداولة في العالم، وعلى رأسها الأنواع الأكثر رواجا، تحتوي على أكثر من 14 مادة إضافية من بينها الكراميل الذي تصنع منه الحلوى لجعل طعمه (طعم السجائر) مستساغًا لصغار السن، وأن من بين الإضافات إلى التبغ، الكاكاو، والفواكه المجففة، والعسل الطبيعي والصناعي، وأن هناك العشرات من أصناف السجائر التي تحوي الأمونيا التي هي النشادر، والتي تضاف عادة إلى منظفات دورات المياه، التي هي المراحيض، لأن الأمونيا تتكفل بتوصيل أكبر كمية ممكنة من النيكوتين إلى الدم والمخ.
ثم تنامى الوعي بمضار التبغ بين شعوب العالم، ونشطت جمعيات يقودها علماء وأطباء في ملاحقة كبريات شركات التبغ قضائيا، ونجحت في الحصول على احكام قضائية بغرامات باهظة على تلك الشركات، لأنها تسببت في هلاك الملايين، وإشراف ملايين أخرى على الهلاك، وفي كندا وحدها تم في عام 2019، تغريم شركة فيليب موريس وهي أكبر منتج للتبغ في العالم 15 مليار دولار، وكانت هيئة بي بي سي للبث قد كشفت في عام 2015 كيف ان شركات التبغ البريطانية، رشت كبار المسؤولين في "حملة الاتفاق الإطاري لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة التدخين"، كي يجهضوا الحملة او يجعلوا صوتها خافتا جدا، وفي تموز/ يوليو الماضي كشفت الصحف اليابانية كيف ان شركة فيليب موريس اشترت قبيل عام 2020 ذمم أساتذة جامعيين ومشرفين على دورة طوكيو الأولمبية وأطباء وسياسيين، ليروجوا لما يسمى بالتبغ المسخّن "إكوس IQOS" باعتبار انه لا يؤثر سلبا على الصحة.
أثبتت العديد من الدراسات المحكمة عن أن إدمان أنواع معينة من الأطعمة لا يختلف كثيرا عن إدمان المخدرات التي تذهب العقل، لأن من يدمن تلك الأطعمة لا يلتفت للتحذيرات المتعلقة بمخاطر تناولها، ويحرص على توفير المال بالطرق السليمة أو الملتوية ليتسنى له شراءهاوبرغم كل الجهود والملايين التي بذلتها شركات التبغ للترويج لبضاعتها، إلا أن عدد المدخنين ظل في حالة هبوط عمودي في كل أرجاء العالم، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وهكذا وجدت تلك الشركات خزائنها متخمة بالنقد السائل، وتحت إمرتها آلاف العلماء في مجالات الزراعة وتهجين النباتات وخبراء التسويق والترويج، بينما صار أفق تطوير المزيد من منتجات التبغ مسدودا إلى حد كبير، فما كان منها إلا أن ارتادت سوق الطعام والغذاء، واشترت شركتا فيليب موريس وآر. جيه رينولدز (المصدر صحيفة واشنطن بوست الأمريكية) عددا من شركات تصنيع الأغذية العملاقة مثل كرافت وجنرال فودز ونابيسكو، وجنت المليارات من بسكوت أوريو وأجبان ومكرونة كرافت، والعديد من صنوف الوجبات الجاهزة، وعزت مجلة "أديكشن= الإدمان" الأمريكية الأرباح المليارية من مبيعات تلك المواد الغذائية الى ان شركات التبغ، مسنودة بخبرات ضخمة في مجال إفشاء الإدمان، نجحت في إضافة مواد بعينها الى منتجاتها الغذائية، بحيث يدمنها من يتناولها بضع مرات، وتقول المجلة، ان جعل الأطعمة فائقة الاستساغة، يكون في غالب الأحوال بمعادلة يلعب فيها الشحم والسكر والملح دورا رئيسا، الى جانب مواد أخرى فاتحة للشهية، تجعل الكثيرين يدمنونها ويطلبون المزيد منها.
بمجرد افتضاح تسللها إلى سوق الطعام، وبعد أن جنت المليارات انسحبت شركات التبغ من ذلك السوق، ولكنها تركته ملغوما، وهكذا ارتبطت الكثير من الأكلات التي تبيعها المطاعم الكبرى بتفشي السمنة وما ينشأ عنها من علل قاتلة أو مُقْعِدة، وتقول تقارير استغرق إعدادها بضع سنوات لفريق من جامعتي كنساس وكاليفورنيا (سان فرانسيسكو) بقيادة بروفسر تيرا فازينو، إن خروج صناعة التبغ من سوق الطعام، لم يتبعه خروج الإضافات التي أدخلتها على الأطعمة، وبالاطلاع على ملايين الوثائق التي تخص صناعة التبغ، وغزوها لسوق الطعام نجحت فازينو وزملاؤها في تحديد 105 صنوف من الأطعمة، تعرضت للمعالجة بحيث تسبب الإدمان، ما بين عام 1988 و2001، وتقول بروفسر آشلي غيرهاردت، المتخصصة في مجال الإدمان في جامعة ميشيغان، إن الأكلات التي يسبب تناولها المتكرر الإدمان تحوي عادة مواد طبيعية موجودة في النباتات والأطعمة، ولكنها تخضع لمعالجات تجعلها عالية التركيز وسهلة التسلل الى الدم فور التعاطي.
أثبتت العديد من الدراسات المحكمة عن أن إدمان أنواع معينة من الأطعمة لا يختلف كثيرا عن إدمان المخدرات التي تذهب العقل، لأن من يدمن تلك الأطعمة لا يلتفت للتحذيرات المتعلقة بمخاطر تناولها، ويحرص على توفير المال بالطرق السليمة أو الملتوية ليتسنى له شراءها، ولعل كثيرين يذكرون كيف تعرضت سلسلة مطاعم ماكدونالدز للنقد المكثف "لأن سندويتشاتها مشحونة بالدهون والملح وتسبب السمنة وارتفاع الكولسترول"، فاستجابت للضغوط وطرحت سندويتشا نباتيا "صحيا"، وبذلت الملايين للترويج له، ولكنها لم تجد القبول. لماذا؟ لأنها لا ترضي ما يسميه العلم النهم القهري الذي هو اسم الدلع للإدمان.
وهكذا يختال مئات الملايين من بني البشر على الأرض مرحا وهم سعداء لأنهم مبرؤون من الإدمان، بحسبانهم أن الإدمان يتعلق فقط بتعاطي المواد المؤثرة على العقل والادراك، وهم لا يعلمون أن عشقهم لبعض السندويتشات والهوت دوغ والبيتزا هو إدمان، وأن كل إدمان غير حميد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الطعام ادمان مجتمع طعام رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة شرکات التبغ الأطعمة لا
إقرأ أيضاً:
مخاطر مخدر الاغتصاب.. ماذا نعرف عن عقار "GHB"؟
تصدر اسم عقار "GHB" عمليات البحث واهتمام المواطنين خلال الساعات الماضية وذلك بعد ضبط كميات كبيرة منه مع إحدى الإعلاميات.
ما هو عقار "GHB" المعروف باسم مخدر الاغتصاب؟عقار "GHB" يحمل اسم عقار جاما هيدروكسي بيوتيريت والذي حذر صندوق مكافحة الإدمان وعلاج التعاطي من تناوله واستخدامه بشكل سيء.
ويُعد هذا العقار من المواد الكيميائية المصنفة ضمن العقاقير النفسية، ويُستخدم طبيًا في التخدير وعلاج مرض النوم القهري.
ومع ذلك، فقد شاع استخدامه بشكل سيئ منذ التسعينيات في بعض الدول، لا سيما في النوادي الليلية، حيث يُستخدم في ارتكاب جرائم مثل الاعتداء الجنسي والاغتصاب لتخدير الضحايا وشل حركتهم.
مواصفات مخدر الاغتصابالعقار، المعروف باسم "مخدر الاغتصاب"، يتميز بكونه عديم اللون والطعم والرائحة، وغالبًا ما يُضاف إلى المشروبات دون علم الضحية، مما يؤدي إلى:
1- فقدان كامل للوعي.
2- عدم القدرة على المقاومة.
3- ضعف في الذاكرة.
4- قد يؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة عند تناول جرعات زائدة.
وأشار الصندوق إلى أن GHB لم يُدرج كدواء مسجل في مصر ولا يُصرح باستخدامه، مع وجود بدائل طبية أكثر أمانًا تُستخدم في التخدير بالمستشفيات.
نصائح وقائية للشباب، خاصة الفتيات- تجنب تناول أي مشروبات من أشخاص غير موثوق بهم.
- عدم قبول مشروبات من عبوات مفتوحة، خاصة في الأماكن المشبوهة.
- الحرص على الابتعاد عن التواجد في أماكن غير آمنة.
- جهود الصندوق في مكافحة المخدرات:
ويعمل صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي على تنفيذ برامج توعية شاملة تشمل:
- رفع الوعي بمخاطر المخدرات، خاصة المخدرات الاصطناعية.
- تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإدمان.
- التوعية الأسرية بطرق الوقاية والاكتشاف المبكر للتعاطي.
- برامج توعية للطلاب في المدارس والجامعات من خلال "بيوت التطوع".
- التواجد في القرى والمناطق المطورة ضمن مبادرة "حياة كريمة".
- توفير خدمات علاجية مجانية وسرية عبر الخط الساخن (16023).
- يؤكد الصندوق التزامه بحماية المجتمع، لا سيما الشباب، من مخاطر تعاطي المواد المخدرة والممارسات الخاطئة المرتبطة بها.