ثلاثية التغير المناخي والصراع والنزوح في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
لا يزال الصراع هو السبب الرئيسي للنزوح على مستوى العالم. في نهاية عام 2023، قدّرت الأمم المتحدة أن 117.3 مليون شخص قد نزحوا في جميع أنحاء العالم، منهم 68.3 مليون نازح داخليًا.
يفاقم التغير المناخي هذا الوضع، حيث يعمل كمضاعف للتهديدات التي تزيد من حدّة التنافس على الموارد، وتفاقم الصراعات، وتعميق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وزيادة ضعف المجتمعات وهشاشتها.
كما يتسبّب التغير المناخي في حدوث كوارث تؤدي إلى النزوح؛ بسبب ظواهر مناخية متطرفة. ففي عام 2023، نزح 20.3 مليون شخص داخليًا على مستوى العالم نتيجة هذه الكوارث، وكانت الفيضانات والعواصف والجفاف وحرائق الغابات من الأسباب الرئيسية لذلك (المركز الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، 2024).
من الضروري الاعتراف بأنّ النزوح يؤثر على فئات مختلفة داخل المجتمع بطرق مختلفة. ولكن غالبًا ما يواجه النساء والأطفال وكبار السنّ والأشخاص ذوو الإعاقة مخاطر وتهديدات متزايدة. لذا فإن ضمان أن تكون الاستجابات شاملة وتلبّي الاحتياجات المحددة لجميع الفئات أمر بالغ الأهمية. كما أن تمكين النساء كعوامل للتغيير والصمود أمر أساسي لتحقيق حلول فعّالة ومستدامة للنزوح.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعد بالفعل واحدة من أكثر المناطق تضررًا بالصراعات في العالم، من المتوقع أن يزيد التغير المناخي من زعزعة استقرار المجتمعات الهشّة.
من المرجح أن يؤدي الجفاف ونقص المياه والأحداث المناخية المتطرفة إلى زيادة النزوح، مما سيزيد من الضغط على المرافق العامة الهشّة، ويزيد من سوء الظروف المعيشية لملايين الأشخاص.
أسهمت موجات الجفاف المتكررة في نزوح ما يقرب من 140,000 شخص في العراق حتى مارس/آذار 2024، وفقًا لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة. وفي اليمن، نزح 240,000 شخص في عام 2023، معظمهم بسبب الفيضانات، بالإضافة إلى 4.5 ملايين شخص نزحوا بسبب الصراع المستمر.
تذكرنا هذه الأرقام بضرورة التعامل العاجل مع هذا الثلاثي المتداخل: التغير المناخي والصراع والهجرة، وها هي الفيضانات الحالية في السودان التي زادت من معاناة 16 شهرًا من الحرب، تؤكد ذلك أيضًا.
ومع هذا، فإن الدعم اللازم للعمل ما زال دون المطلوب. ففي المنطقة العربية، حصلت ستة من أقل البلدان نموًا – ثلاثة منها متأثرة بالصراع – على ستة بالمائة فقط من التمويل المناخي المقدم للمنطقة العربية على مدار العقد الماضي (إسكوا، 2022).
من الضروري التحرك بسرعة للحد من تأثير التغير المناخي، بما يتماشى مع اتفاق باريس. لكن بالنسبة للمجتمعات الهشة والضعيفة، من المهم بنفس القدر مساعدتها على بناء القدرة على الصمود والتكيف، بحيث يمكننا تقليل ومعالجة بل وحتى تفادي النزوح والهجرة القسرية.
سلط منتدى "أسوان" الأخير الضوء على الحاجة الملحة للتعامل مع تداخل التغير المناخي والصراع والنزوح. وكان هذا الموضوع بارزًا في المناقشات التي جرت في مصر خلال مؤتمر COP27 [مؤتمر الأطراف المشاركة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ]، ثم في الإمارات خلال مؤتمر COP28، وسيكون كذلك في أذربيجان خلال مؤتمر COP29 القادم.
من الأهداف الإستراتيجية الرئيسية للمنظمة الدولية للهجرة هو خلق المزيد من الحلول للنزوح. ويقوم هذا العمل على تضافر جهود العمل لمواجهة التغير المناخي وجهود بناء السلام، ويركز على جعل الهجرة خيارًا وليست ضرورة.
هذا العمل لا يمكن أن يكون أكثر إلحاحًا. في جميع أنحاء العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت الصراعات أكثر تعقيدًا واستمرارًا، في ظل منظومات حكومية ضعيفة، والفوارق الاجتماعية، وتدهور البيئة.
كما أن عواقب هذه الصراعات المعقدة تزداد خطورة. فالأدلة تشير إلى أن الدول التي تخرج من حرب أهلية تحتاج في المتوسط إلى 14 عامًا للتعافي اقتصاديًا، و25 عامًا لإعادة بناء الأنظمة والمؤسسات.
التحديات المناخية المستمرة، بالإضافة إلى الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في هذه البلدان المتأثرة بالصراعات، ستجعل من بناء السلام والتعافي والتنمية مهمة أكثر صعوبة.
لهذا السبب، يجب أن يكون العمل المناخي جزءًا من إستراتيجية شاملة تتكامل مع العمل الإغاثي والتنموي والعمل من أجل تحقيق السلام.
نحن بحاجة إلى نهج أكثر استباقية ووقائية عبر المجتمع الدولي. يجب علينا الاستثمار في إعطاء الأولوية للوقاية، بما يتماشى مع هدف التنمية المستدامة (يحمل رقم 16.1)، الذي يستهدف الحد من جميع أشكال العنف ومعدلات الوفيات المرتبطة به بشكل كبير في كل مكان، وأيضًا بما يتماشى مع الأجندة الجديدة للسلام التي طرحها الأمين العام للأمم المتحدة.
يجب علينا – بعدالة – جني فوائد الابتكار المسؤول، واستخدام التكنولوجيا، وتعزيز المجتمعات السلمية التي تستوعب جميع أبنائها، وتوفير الوصول إلى العدالة للجميع، وبناء مؤسسات فعّالة ومسؤولة لاستغلال قوة السلام والتنمية.
لن نتمكن أبدًا من التكيف بشكل كامل مع جميع تأثيرات التغير المناخي دون سلام حقيقي ينهي الصراعات الطويلة والمتكررة التي أدت إلى هذا الكم الهائل من النزوح، خاصة في أفريقيا. إذا كانت دول العالم جادة حقًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، فعلى قادة العالم أن يتخذوا خطوات جادة للمساعدة في إنهاء الحروب.
إن الواقع المتداخل لمشكلات التغير المناخي مع مشكلة الصراع والنزوح يشكل تحديًا معقدًا ومتزايدًا يتطلب تفاعلًا وتعاونًا على الصعيد العالمي. من خلال التحرك المبكر، والاستثمار في بناء القدرة على الصمود، وتعزيز القدرات الحكومية أو الهياكل، ودمج العمل المناخي مع الجهود الإنسانية والتنموية، يمكننا أن نعمل نحو مستقبل تكون فيه الهجرة خيارًا وليست ضرورة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات التغیر المناخی
إقرأ أيضاً:
دراسة تكشف مشروع الشرق الأوسط الجديد في رؤية ترامب ونتنياهو
بعد مرور عقدين على فشل مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي روجت له إدارة جورج بوش الابن إبان غزو العراق وحرب لبنان عام 2006، تعود الرؤية ذاتها ولكن بثوب جديد – هذه المرة عبر تحالف وثيق بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واللذَان يسعيان لتشكيل "شرق أوسط جديد" تكون فيه إسرائيل القوة المهيمنة بدعم أمريكي مطلق، بينما يتم تحييد إيران ومحور المقاومة عبر سلسلة من الحروب والاستنزاف العسكري، بحسب الدراسة التي نشرها مركز الأبحاث المجلس الأطلسي.
منذ حرب 7 أكتوبر 2023، شنت إسرائيل سلسلة من الهجمات التي طالت غزة ولبنان وسوريا واليمن، وصولاً إلى قلب إيران في يونيو 2025. هذه الحروب، التي وفرت لها واشنطن غطاءً سياسيًا ودعمًا عسكريًا، لم تحقق أهدافها الاستراتيجية حتى الآن، حيث ما زالت قوى المقاومة – رغم الخسائر الكبيرة – صامدة ميدانيًا وسياسيًا.
غزة: دمار هائل دون نصر حاسمبعد عشرين شهرًا من العدوان على غزة، تخطى عدد الشهداء الفلسطينيين 57 ألفًا، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخ الصراع. وعلى الرغم من تدمير البنية التحتية وتهجير السكان، لم تنجح إسرائيل في القضاء على حركة حماس، التي لا تزال قادرة على شن هجمات نوعية تُربك الجيش الإسرائيلي.
إيران: الضربة الاستراتيجية التي لم تنجز المهمةفي يونيو 2025، شنت إسرائيل والولايات المتحدة حملة جوية مكثفة على منشآت إيران النووية، مع وعود ترامب بـ"تحطيم المشروع النووي الإيراني بالكامل". لكن التقييمات العسكرية تشير إلى أن الضرر كان كبيرًا، لكنه غير كافٍ لتفكيك القدرات النووية الإيرانية. بل وقد تؤدي هذه الهجمات إلى تسريع طهران لمساعيها نحو امتلاك سلاح نووي ردًا على التهديدات الوجودية.
لبنان: حزب الله يتراجع تكتيكيًا... دون هزيمةفي لبنان، ورغم الخسائر الفادحة الناتجة عن الهجمات الإسرائيلية، لا يزال حزب الله قوة قائمة، ولم يسلم سلاحه كما تطالب إسرائيل والولايات المتحدة.
ورغم التراجع إلى شمال الليطاني، فإن أمينه العام بالوكالة، نعيم قاسم، يتوعد برد قاسٍ حال اجتياح إسرائيل للجنوب اللبناني. أما الحكومة اللبنانية الجديدة، بقيادة الرئيس جوزيف عون، فتواجه مأزقًا سياسيًا بين الضغوط الخارجية والاحتمالات الكارثية لأي صدام داخلي مع حزب الله.
اليمن: صمود الحوثيين رغم القصفعلى الرغم من القصف الأمريكي والإسرائيلي على مواقع الحوثيين في صنعاء وصعدة وموانئ الحديدة، فإن جماعة أنصار الله (الحوثيين) ما تزال تمتلك قدرات هجومية، وتحتفظ بترسانات استراتيجية قد تستخدم في حال عودة الحرب ضد إيران.
اتفاق الهدنة المؤقت مع واشنطن في مايو 2025 عزز من موقف الحوثيين داخليًا وأضعف خصومهم في المجلس الرئاسي.
المشروع الحالي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط يعتمد، كما في اتفاقيات "أبراهام" التي وقعت في عهد ترامب عام 2020، على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية دون أي اعتبار للحقوق الفلسطينية. وتفترض الخطة أن الرخاء الاقتصادي كفيل بتجاوز عدالة القضية الفلسطينية – وهي فرضية أثبتت المعطيات الأخيرة فشلها، بل وساهمت في تأجيج الصراع.
وتشير الدراسة إلى أن هناك طريقين لا ثالث لهما في المرحلة المقبلة: إما دبلوماسية خلاقة تنقذ ما تبقى من فرص السلام، أو استمرار لحرب مفتوحة ومتعددة الجبهات. غير أن تمسك كافة الأطراف بمواقفها القصوى يرشح السيناريو الثاني كالأقرب، ما يعني أن "الشرق الأوسط الجديد" وفق رؤية ترامب ونتنياهو قد يتحقق شكليًا عبر تطبيع اقتصادي جزئي، لكنه سيكون محفوفًا بمزيد من الحروب، الانهيارات، والتشظي السياسي.
التحالف الأمريكي-الإسرائيلي يسير نحو فرض واقع جديد بالقوة، لكن التصدعات الإقليمية، وصمود الخصوم، وغياب أي تسوية سياسية متوازنة، كلها عوامل تضعف الرؤية الترامبية-النتنياهوية لـ"شرق أوسط جديد". ما يتم رسمه حتى الآن ليس مستقبلًا مستقرًا، بل خريطة من الدمار والتوتر الدائم، تراكم الغضب أكثر من السلام، وتبني واقعًا لا يدوم.