الصالون الأدبي.. من ولّادة إلى مي زيادة
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
بين هاتين الأديبتين مشتركات يمكن إيجازها في نقطتين: زاوية الميل والاهتمام، وسلطان "الجذب العام"، فكلتاهما كان لها -بلغة عصرنا- "بريد مراسلات" مفعل، وحساب تفاعلي مثقل بـ "طلبات الصداقة" المجابة على سجل الصالون، المغلق دونها باب القلب، وكلتاهما كانت صاحبة مثابة أدبية، تهوي إليها أفئدة أدباء عصرها.
اتخذت الأميرة الأندلسية ولادة بنت المستكفي من صحن بيتها مركزا ثقافيا مزدوجا، فأقامت به "صالونا أدبيا"، وأسست فيه معهدا نسويا للآداب وفنون العود.
أما الآنسة الفلسطينية اللبنانية مي زيادة فقد كان لها صالون أدبي مشهور، ينظر إلى صالون ولادة ويضارعه في النخبوية، مع فارق ألقاب بسيط، فرواد "صالون" ولادة كانوا وزراء ذوي سلطة سياسية، ورواد صالون مي كانوا أمراء بيان أدبي.
ولم يك ينقص الفريقين -ولا أميرتيهما- النبوغ البياني ولا الإنتاج الأدبي، فهم في ذلك سواء، كما أن القاسم المشترك لم يقف عند هذا الحد، بل بدا أن فتاة قرطبة ونظيرتها الشامية قد نصبتا صالونيهما ليكونا -مصادفة أو ترصدا- ميدان تنافس على عرش قلبيهما، لـ"يلهب" -في معركة الاستئثار- من ألهب عن هوى، و"يلهم" من ألهم عن جوى.
وما علينا من قصة الأول من شيء، فحدود "مردوديتها" حنايا أضلعه المستعرة، بل حسبنا من قصة الثاني ما أثمرت من ناضر الإنتاج الخالد ومزهر الأدب المحفوظ، فقد كان للمكتبة العربية والساحة الأدبية من ذلك مخرج عطاء، أمارته -في نسخة ولادة- المشجاة الشعرية السائرة (نونية ابن زيدون)، وآيته -في نسخة مي زيادة- بوح خاطر ووحي قريحة وصل فيهما شاحن الإعراب بكهرباء الإلهام، ليتفرق مداد الإنشاء والإنشاد بين رجال صالونها الأدبي، ثم لتكون -للقارئ- من وحي ذلك البعد الموجع قصيدة ابن زيدون المعجبة: "أضحى التنائي.."، وثلاثية الرافعي المعجزة: "رسائل الأحزان" و"أوراق الورد" و"السحاب الأحمر".
على أن نقاط الاتفاق وملامح التطابق بين نسختي صراع الأدباء على قلبي الأديبتين الأثيرتين مضت على وجهها إلى نهاية حياتيهما اللتين ختمتا بالمفارقة الحرى ذاتها: انفراط عقد الصالون الأدبي السامر -الذي افتتحته فراشة قرطبة وفراشة الناصرة- دون أن يسفر التنافس عن ترجمة الحب إلى زواج، مع اختلاف في مستوى الفجيعة، حيث غالبت ولادة فراغ ابن زيدون ولم تشأ أن تسده، حتى توفيت على فراش الكبر في قرطبة.
أما مي زيادة فقد فجعت بأحظى المتنافسين على قلبها بعد طول مراسلة، لتموت على فراش الذبول، بعد مقاساة عاشتها بين محبس الحجر الأهلي وسرير المرض النفسي، في مأساة شفت "جمهورها"، وأرق لها ذوو ودها، واختصرتها هي -في مذكراتها- بعبارة أقرب إلى "التدوينة الشارحة" ونفثة المودع، حين كتبت:
"باسم الحياة ألقاني الأقارب في دار المجانين.. أحتضر على مهل، وأموت شيئا فشيئا".
لترتسم على شاهد قبرها -بالقاهرة- شهادة عصرها في حقها أن: "هنا ترقد نابغة الشرق، زعيمة أديبات العرب، المثل الأعلى للأدب والاجتماع".
على حين نقش على "نصب حب" ولادة -بساحة "مارتيليه" في قرطبة- بيتان ينسبان لها اتخذا تذكارا شعريا للارتباط الذهني بين اسمي ولادة وابن زيدون:
"أغار عليك من عيني ومني
ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني خبأتك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني".
ربكم أعلم هل هما من شعرها أم منتحلان عليها، ليكونا نصا يخدم التمثال المنتصب ليدين متناجيتين ترمزان لعلاقة الحب المعلق، التي اجتمعا عليها قبل أن "ينوب عن طيب لقياهما تجافيهما"، ولئن كان طرفا العلاقة -في آخر حياتهما الجامعة- بعيدين على قرب، لقد ظل "جبران مي" قريبا على بعد، لكن "المسافة الجغرافية" ملغاة في الحالين، وهنا يكمن الاتفاق، رغم اختلاف شكل التجاوب النهائي.
ومع أن انطفاء حظ الاقتران بين جبران ومي جاء بعدما ضاقت دائرة التنافس الأدبية، ولم تكن وراءه خلفية تدبير كيدي، فإن خيوط التنافس على قلب ولادة تشابكت واستحكمت، لينتهي المطاف بابن زيدون مقصى مبعدا، وما أبرئ السياسة من تكدير صفو علاقتهما.
وللتاريخ حكمته حين يجعل ما كان أقرب توقعا منذ البداية أبعد ما يكون تحققا في النهاية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
مجتمع إنسانهُ مبدع تكرم الشباب المبدع في المجال الأدبي بمحافظة ظفار
نظم مجلس إشراقات ثقافية مساء أمس بمجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه احتفالية بيوم الشباب العماني بعنوان "مجتمع إنسانهُ مبدع" الذي يهدف إلى تكريم بعض الشباب لإنجازاتهم الابداعية في مجال الفن والكتابة بمحافظة ظفار.
بدأت فقرات الحفل بافتتاح المعرض الفني المصاحب للفعالية لفريق ارتقاء، حيث ضم العديد من اللوحات الفنية لفنانات شابات مبدعات، ثم ألقت الكاتبة إشراق النهدية كلمة مجلس إشراقات ثقافية، حيث رحبت بالحضور وقدمت التهنئة للشباب العماني المبدع في مختلف المجالات، وأكدت أن من مهام مجلس إشراقات تبني المواهب الشابة وتشجيعها ليصبحوا أفرادًا فاعلين في المجتمع، فقد سعى المجلس في تقديم الكثير من الورش التدريبية في الكتابة القصصية والأدبية لتنمية المهارة الإبداعية لديهم. ومن خلال احتفالية يوم الشباب يحتفل المجلس بالمبدعين الذين كُرموا وتحدوا الصعاب وشاركوا بإبداعاتهم في بعض المسابقات ونالوا جوائز متعددة، متمنية لهم المزيد من التقدم والإبداع.
وتخللت فقرات الاحتفال عدة قصائد قدمها الشاعر صلاح شجنعة منها "سمح المحيا، ووين كنتي، واستوطني فيني"، ثم قدم الشاعر صلاح شجنعة ضيوف شرف الحفل الذين تحدثوا عن مسيرتهم في الإبداع بمختلف المجالات، حيث قدم الكاتب والأديب خالد بن سعد الشنفري نبذة عن مسيرته الأدبية والعملية التي تكللت بالعديد من النجاحات والجوائز، ثم تحدثت الفنانة والإعلامية أمل بنت عبدالله النويرية التي كرمت في يوم المرأة العمانية 2024 في مجال الثقافة والأدب والمخطوطات عن مسيرتها في مجال الإعلامي، ومجال التمثيل والكتابة. تلتها الكاتبة أنهار بنت نصيب العمرية الحائزة على المركز الثالث في الملتقى الأدبي والفني في مجال القصة.
وتضمنت الفعالية جلسة حوارية ألقت الضوء على بعض من النماذج الشابة التي اتسمت بالإبداع وأدارتها الإعلامية ريحاب أبو زيد وشارك فيها الكاتب خالد المهري والفنانة المسرحية بشرى مغراب والرسامة والكاتبة ميادة ريحان والكاتبة ميادة العمرية. تضمنت الجلسة مسيرتهم في الإبداع الفني والأدبي حيث تحدث خالد المهري عن تجربته في التأتأة وكيف تغلب عليها، وسعى بعد ذلك للتوجه للكتابة وتنمية مهاراته، وأوضحت بشرى مغراب مشوارها في الفن المسرحي وكيف سعت للنجاح من خلال حبها للتمثيل المسرحي والإذاعي، كما تحدثت الرسامة والكاتبة ميادة ريحان عن أعمالها الفنية ومعارضها الفنية التي أقامتها في الفترة السابقة، وختمت الجلسة الكاتبة ميادة العمرية بالحديث عن مشوارها وتحدياتها في الكتابة من خلال مجلس إشراقات ثقافية وحضورها حلقات العمل التدريبية التي أقامها المجلس ونتج عنها كتاباتها التي نشرتها. وتطرقت للمعوقات التي واجهتها في مشوارها الأدبي وكيف تغلبت على ذلك وتطورت في مجال القصة والكتابة.