المواقع الثقافية في أبوظبي.. هوية بصرية وإبداع معماري
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
هزاع أبوالريش (أبوظبي)
نظرة متأملة وقارئة للتصاميم الهندسية، والأساليب المعمارية للمواقع الثقافية في أبوظبي، سواء المتاحف أو المراكز الثقافية، تكشف عن جانب إبداعي مدهش وجاذب من حيث التصميم والبناء والدلالة المعمارية التي تأسست على أفكار عميقة ذات ارتباط وثيق بالمكان وثقافته ومفرداته التراثية، كما أنها تحمل في أشكالها المتميزة هوية بصرية ذات خصوصية، ما يجعل زيارة هذه المواقع أو مشاهدتها مصدراً لجماليات ملهمة للجميع، فيما تحفز المبدعين على تقديم الأفضل والمغاير والجديد.
تقول الكاتبة شهد العبدولي: التصاميم الهندسية للمباني والأماكن الثقافية مسألة مهمة جداً في زرع ثقافة الاستسقاء البصري، وجعل المبدع يعيش اللحظة الملهمة، وهي من أهم اللحظات التي من خلالها يستطيع المبدع تحفيز أفكاره لاستلهام الصورة المنعكسة من المكان وتغذية بصره ونقل ما يشعر به إلى واقع إبداعي أكثر إدهاشاً ومتعة. وأغلب الدول المتطورة تركز على تلك المعالم الثقافية وصورتها، لأن تكون هي الجاذبة للأفراد، حتى تسكن في ذاكرتهم اللاشعورية، ويكون المكان جزءاً من الشخص، ومن هنا تتشكل هوية المرء، ويكون هو والمكان جزءاً لا يتجزأ منه. وأضافت: ذكريات المكان وتفاصيله ولحظاته والأوقات التي يقضيها فيه، وخاصة إن كان المكان ذا صورة شاعرية، في حينها المكان يسكن في المرء، ولا المرء الذي يسكن المكان نفسه، ولذلك أغلب الروايات والقصص التاريخية وبعض القصائد شكلت ملحمة مكانية كونها جزءاً مهماً من الإبداع الذي يخرج من القلب، ويدخل إلى القلب مباشرة.
إضافة حقيقية
يقول الشاعر الدكتور خالد الظنحاني، رئيس مجلس إدارة جمعية الفجيرة الاجتماعية الثقافية: «بلا شك فإن مثل هذه المباني والأماكن الثقافية في العاصمة أبوظبي تترك أثراً كبيراً في نفس المبدع، وغالباً ما تكون هي الإضافة الحقيقية للإلهام والفكرة كونها تشكل رمزاً ثقافياً في ذهن قارئ المشهد، ومتابع الصورة لهذه الأيقونة المعمارية الثقافية الحية».
وتابع الظنحاني: «من المفترض أن تكون المباني والأماكن الثقافية بهذه الروح، والتصاميم الإبداعية التي تشد انتباه المشاهد العادي وتلهم المبدع، كونها تعكس رؤية ثقافية، ويجب أن تكون على قدر هذه الثقافة وما تحمله من رسالة عظيمة للإنسانية، فعلى المكان قبل أن يكون حاملاً لوظيفة ثقافية معيّنة، أن يكون معبراً عن تلك الثقافة، وملامساً وجدانية الزائر بعمق المعنى. مختتماً: المباني والأماكن، وخاصة الثقافية، ليست مجرد مكان مبني على مسألة مادية - ربحية، وإنما هي في الأساس روح تسكن في وجدان الزائر، وتبقى في ذهنة ساردة تفاصيل الحضور الإبداعي، والإلهام الفكري الذي ربما ينهل من خلاله إبداعات مهمة، ومن هنا يكون التألق الحضاري لمبانٍ ثقافية بامتياز».
كثافة الإلهام
توضح الكاتبة والناقدة سحر الزارعي، أن التصاميم الهندسية المختلفة والإبداعية للأماكن الثقافية شديدة التأثير الإبداعي على الفنانين، لما تحمله من مُحفّزات فكرية وبصرية من ناحية، وارتباطات تاريخية وتراثية تُثري القريحة القصصية والروائية، هذا بجانب كثافة الإلهام المُختَزَن في الأعمال الفنية العظيمة التي تحتضنها أروقة الأماكن الثقافية؛ فكل عمل فني هو بمثابة مساحة استكشافية شاسعة قادرة على استثارة مكامن إبداعية مختلفة بين فنان وآخر.
المصدر: صحيفة الاتحاد
إقرأ أيضاً:
موسم الورد في الجبل الأخضر.. شذى يملأ المكان
- مسارات خطرة متاحة للزوار بحاجة إلى تعزيزها بوسائل الأمان.
كانت إجازة عيد الفطر السعيد فرصة مناسبة للتفكير برحلة في ربوع سلطنة عمان، رغم أنني لم أتمتع بكامل أيامها، إذ تخللتها ثلاثة أيام من جدول مناوبات العمل، لكن ما بقي منها كان جديرًا بأن يُملأ ببرنامج رحلة. اتفقت الآراء مع الأصدقاء على أن تكون الوجهة نحو ولاية الجبل الأخضر. صحيح أن الاقتراح بدر مني، ولم يكن مدروسًا بعناية، وكان الهدف منه اختيار وجهة فحسب، لأطوي صفحة تعدد الآراء التي تمنهي غالبا في الموكوث حيث نحن، إلا أن الآراء سرعان ما اتفقت، إذ يصادف هذا التوقيت موسم حصاد الورد في ولاية الجبل الأخضر. هذا الموسم الذي يشد إليه محبو الطبيعة رحالهم، ليستمتعوا بمنظر الورد الزهري الذي يملأ مزارعها الممتدة على مساحات متعددة وبأحجام مختلفة، إضافة إلى زيارة مصانع استخلاص ماء الورد، تلك المصانع التقليدية التي تجذب إليها أعدادًا كبيرة من السياح، حيث تم استثمار عدد منها لتكون مزارات تعطي السياح نبذة عن طريقة استخلاص ماء الورد، الذي يدخل في صناعات غذائية وعطرية كثيرة.
انطلقنا من مسقط في الواحدة ظهرًا يوم الأربعاء، متجهين إلى ولاية الجبل الأخضر، متسلحين بالوقود اللازم وأكياس البطاطس وغيرها من "الخفايف"، التي لم تُشبع شغف صديقنا ملاح الرحلة أحمد الكلباني. فإذا به يقودنا نحو ولاية نزوى، أملًا في تناول طبق "آساي" بارد من أحد المقاهي، فكانت محطة دخيلة على الخطة، لكنها كفيلة بكسر حرارة الأجواء، التي بدت تتصاعد تدريجيًا مع مرور الأيام، غير أن هذه الحرارة بدأت تتناقص كلما سلكنا طريق الصعود باتجاه الجبل الأخضر.
لم تبدُ لنا مزارع الورد فور وصولنا إلى ولاية الجبل الأخضر، ولا حين توجهنا إلى وادي بني حبيب حيث تتركز مزارع الورد.
كان الطريق مزدحمًا بالسيارات المركونة على جانبيه، فلسنا الوحيدين الذين خططوا لأن تكون وجهتهم "الورد".
ركنا السيارة، ثم سلكنا الطريق مشيا خلف ملاح الرحلة أحمد الكلباني، العارف بمواقع المزارع، والتي يتطلب الوصول إليها مشيًا لمسافة لا بأس بها. كانت المسافة كفيلة بزيادة نبضات قلوبنا وصوت أنفاسنا المجهدة، إذ كان الطريق بين صعود وهبوط. وما إن اقتربنا من مزارع الورد، حتى شعرنا بروائح الورد قبل أن تقع أعيننا عليه، وكأن تلك المزارع التي تجود بالورد تستقبلنا بعطرها وشذاها الذي يملأ المكان.
ولم يكن غريبًا أن يستقبلنا مجموعة من الأطفال في إحدى المزارع بروح مرحة وفكاهة، متبسمين قبل أن نصل إليهم. وجدناهم يعرضون منتجات الجبل الأخضر من ماء الورد وزيت الزيتون وغيرها من المنتجات، لافتين إلى أن قطف الورد مسموح به في حدود مزرعتهم، مقابل شراء سلة من السعف ذات أحجام متعددة، اخترنا أنسبها، وهناك لم يبرحنا منظر العمال وهم يحملون أكياس الورد على رؤوسهم باتجاه مصانع التقطير.
رغم زيارتي لولاية الجبل الأخضر مرات عديدة، إلا أن هذه التجربة كانت فريدة حقًا. فالولاية، التي يشتهر أهلها وأرضها بزراعة الورد واستخلاص منتجاته، لم أزرها سابقًا في هذا الموسم. كان التجول بين حقول الورد مصحوبًا بشعور جميل، إذ لطالما شممت رائحة الورد الطائفي من خلال العطور والزهور، تلك الرائحة التي أعشقها وأبحث عن زجاجاتها في محلات العطور، لكنني اليوم بين تلك الروائح دون حائل صناعي، ولا زجاجة مرت بمراحل تصنيع وتغليف وتسويق. ها أنا هنا، أعيش روعة المنظر، والشذى المنتشر بالأرجاء.
ورغم كثافة الناس هناك وزحمة الزوار والسياح، التي قد تعكر صفو المكان وهدوءه، إلا أن للورد سطوة أقوى لإراحة الأعصاب وتعديل المزاج، بل وجذب الكاميرات إليه. فالروعة هناك لا توفيها اللقطات، حيث لسحر الطبيعة وقع خاص.
وبينما كنا نعيش تلك الأجواء الرائعة، أخذتنا الدقائق واللحظات عن ملاح الرحلة الذي بدا غاضبًا علينا. فقد كان ينتظرنا لننطلق نحو مسار خطير – إن صح الوصف – وهو مسار يمتد على مجرى ساقية تنتهي بهاوية تطل بشكل رهيب على مدرجات الجبل الأخضر الشهيرة. صحيح أنها تجربة مخيفة، لكنها لا تُنسى. وحريٌّ بالقائمين على الشأن السياحي في الولاية، والجهات المعنية، أن تعزز المكان بوسائل الأمان والحماية، حفاظًا على سلامة الزوار والسياح، الذين لا يعرفون تفاصيل المكان وماذا يخبئ لهم المسار المتاح للجميع.
السوجرة
لم يكن الكلباني غاضبًا بلا سبب منطقي، فقد أخرناه عن الوجهة التالية، وهي قرية السوجرة. انطلقنا مسرعين – نوعًا ما – نحو القرية، التي لم أزرها سابقًا، رغم مشاهدتي لها عدة مرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. قرية أستطيع وصفها بـ"الحالمة"، تحتضنها الجبال العملاقة، وكأنها نسجت من صخور الجبال طرقًا وبيوتًا أصبحت اليوم مستثمرة سياحيًا.
يصل إلى السوجرة الناس من مختلف الأماكن، لقضاء وقت بصحبة الهدوء والسكينة والظلام والجو الرائع. استطاعت عدة جهات أن تستثمر السوجرة، وتعرّف الزوار بتاريخها عبر لوحات فنية مليئة بالمعلومات. فالقرية بناها أبناء قبيلة الشريقي قبل أكثر من 500 عام، وعاشوا فيها، وكانوا مصدر إلهام للكثيرين، إذ تثير فيهم سؤالًا: "كيف وصلوا إلى هنا؟ وكيف بنوا بيوتهم". وقد حظيت القرية بالاهتمام في الألفية الجديدة، فتحولت إلى مشروع سياحي، بعد أن غادرها آخر سكانها عام 2014، وفق الوصف التعريفي للقرية.
مكثنا هناك حتى غابت الشمس، ثم عدنا أدراجنا إلى مسقط، محملين بكمٍّ هائل من الصور وبعض الورد. حاولتُ مشاركة بعض المقاطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، باحثًا عن أغنية مناسبة تحمل شذى الورد وعطر الحياة. فمرت عليّ أغنية طلال مداح، التي علقت في لساني حتى وصلنا إلى مسقط، بل حتى أثناء كتابة هذه الأسطر، وهي تراودني:
"وردك يا زارع الورد فتح ومال ع العود
كلك ربيع الورد منك الجمال موعود
وردك يا زارع الورد
وردك جميل محلاه فتح على غصنه
لما الندى حياه نوَّر وبان حسنه
ومال يمين وشمال .. وردك يا زارع الورد
جميل وماله مثال .. وردك يا زارع الورد
وردك يا زارع الورد
وردك يميل ويقول مين في الجمال قدي
دي سلوة المشغول في عيني وفي خدي".