أمس مرت الذكرى التسعون لمولد رجاء النقاش فى 23 أغسطس 1934، بعد رحيله فى 8 فبراير عام 2008. عن 74 عاما، بعد أن شكلت تجربته النقدية والصحفية والفكرية على امتداد أكثر من خمسين عاما، عالما فريدا فى مجال كتاباته فى النقد الفنى والأدبى. وفيه استخدم ببراعة لغة شعرية، اتسمت بالبساطة والعمق، وابتعدت عن التعقيد والتكلف والتقعر والمصطلحات، بما حق معه القول إن النقد الأدبى قد أصبح فى قاموسه معادلا للماء والهواء.
كان «النقاش» فى معركة دائمة من أجل كسب العقول. لهذا كان القارئ العادى مقصده والهدف الذى تخاطبه كتاباته. فهو يسعى دائما للتحاور معه، ليحفزه على التأمل السياسى والثقافى، والتفرقة بين ما هو غث وما هو سمين، ومراجعة الأفكار والحقائق التى تبدو راسخة من فرط الإلحاح الدعائى على رسوخها، دون مسوغ سوى غياب العقل النقدى المتقد، الذى ينهض من أجل مراجعتها، وإزالة أطنان الغبار عن المنسى منها، فى التراث الثقافى والفكرى والدينى والعلمى. وهو التراث الذى أنار ظلام العصور الوسطى، وساهم بجدارة فى صناعة الحضارة الغربية. وفى هذا السياق، كان مألوفا أن يؤرق كتاباته، التغاضى عن فكرة خيمت على عقله ووجدانه اختصرها الفقيه ابن القيم فى قوله «أينما يكون العدل، فثم شرع الله».
فى تجربته الصحفية نجح نجاحا مبهرا، فى أن «يصنع من الفسيخ شربات». وفى بداية السبعينيات الماضية، تولى رئاسة تحرير مجلة الشباب التى كانت تصدر عن أمانة الدعوة والفكر فى الاتحاد الاشتراكى، فحولها بإمكانيات ضئيلة، من مجرد نشرة تعبوية ودعائية، إلى مجلة ثقافية عامة شديدة الإمتاع والعمق، تحفل بالتنوع والجديد الدائم. وعلى صفحاتها نشر نجيب محفوظ الفصل الأول من روايته الحب تحت المطر. كما نشر أول حديث يجرى فى الصحافة المصرية مع ياسر عرفات بعد النكسة، وصفحات من التاريخ المصرى، تثبت دروسه فى أجواء النكسة، أن الهزيمة ليست سوى مجرد فصل من فصول هذا التاريخ، وأن الانتصار عليها آتٍ لا محالة.
وكانت تجربته فى مجلتى "الإذاعة والتليفزيون" و"الكواكب" مماثلة. وعلى صفحات الكواكب قدم جيلا جديدا من الكتاب والنقاد والشعراء والقصاصين والفنانين والمطربين، شكل عماد الحركة الثقافية والإبداعية فى مصر والعالم العربى فى الثمانينات والتسعينيات. وعلى صفحاتها عرف القراء جيل المخرجين والكتاب من رواد حركة السينما الجديدة، والحركة النقدية التى واكبتها. سلك هذا الطريق فى التنقيب عن المواهب والدفع بها إلى المجال العام، والذهاب إليها حيث توجد، وإخراجها من العتمة إلى النور، كما فعل عام 1968 مع ظاهرة الشيخ إمام ونجم، ليس بسبب بداهته وفطنته فقط، بل كمثقف موهوب، تملى عليه مسئوليته الاجتماعية والأخلاقية، أن يسلط أشعة الضوء على أجيال جديدة خدمة لمواهبها وللوطن.
ولعله كذلك الإيمان بالقدرة الخارقة التى يمتلكها الحب، الذى كان عنوانا لمسيرة رجاء النقاش الإبداعية والحياتية. ولذلك لم يكن صدفة أن يصدر كتابه عن «أبوالقاسم الشابى» بكلمة لتشكوف تقول: إن كان فى وسعك أن تحب، ففى وسعك أن تفعل أى شىء.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أمينة النقاش على فكرة رجاء النقاش
إقرأ أيضاً:
الأسيرة الفلسطينية المحررة آيات محفوظ: نزفت 20 يوما بسبب تعرضي للضرب.. وفقدت نظري 90%
إصابات ظاهرة وأخرى لا يشعر بها سواها تضطر «آيات» للتعامل معها يومياً، إذ تعرضت للاعتداءات من قبل جنود الاحتلال عدة مرات، منها مرة أدت إلى فقدانها نظرها بنسبة تصل لـ90٪، ومرة أخرى اضطرتها لإجراء العديد من العمليات، ومع ذلك وجدت نفسها معتقلة للمرة الخامسة فى يونيو الماضى دون منطق ودون سبب مقنع.
اعتقال وحشى تعرضت له «آيات محفوظ»، الأسيرة الفلسطينية المحررة ذات الـ(33) عاماً من مدينة الخليل، على الرغم من خضوعها لعملية جراحية حديثة، لكن الاحتلال لم يحترم ولم يرحم ضعفها وتعامل معها بكل وحشية، لم يراعوا حالتها الصحية، حيث تعرضت للضرب المبرح والدوس على بطنها، ما تسبب فى نزيف استمر 20 يوماً دون تقديم أى علاج.
«حين تألمت سخروا منى»، تتحدث «آيات» بحزن، وهى تعبر عما شعرت به حين تألمت فوجدت نفسها مادة للسخرية والاستهزاء.
«آيات» تحكى عن تاريخها مع قمع الاحتلال، الذى بدأ منذ أن كانت فى عمر 3 سنوات وتقول: «عندما كنت طفلة تعرضت لإصابة برأسى قوية، إذ ضُربت بقنبلة غاز فى رأسى أثناء وجودى فى باحة منزلى خلال مواجهات مع الاحتلال عقب مجزرة الحرم الإبراهيمى، ما تسبب بحدوث نزيف داخلى على شبكية العين اليسرى، أفقدنى البصر بها وأجريت عدة عمليات جراحية داخل أراضى عام 48 والأردن، ولم تتحسن بل ضعف عصب العين الذى يرفع الجفن، كما عانيت من وجود أكياس من السوائل حول الدماغ، وتمت زراعة أنبوب فى رأسى من أجل تصريفها».
أما الإصابة الأقسى التى تلازمها فكانت جراء اعتداء إحدى المجندات عليها، والتى اضطرتها لسلسلة من العمليات الجراحية، إذ اضطرت لوضع «أنبوب» بطول مترين يصل بين الدماغ والجهاز البولى، ولكن خلال محاولة تعافيها تم اعتقالها مرة أخرى، وبعدها عانت من عدم القدرة على تحريك يدها وقدميها أو الوقوف وممارسة حياتها بشكل طبيعى، وظل الأمر يتفافم لحين اعتقالها المرة الرابعة، ولما حُررت آنذاك اكتشف الأطباء أن الأنبوب كاد ينسد، ورصدوا به كتلاً متخثرة ومع الوقت أصبح لا يُصرف السوائل، وأثر على حياتها وأعصابها وأثر على قدرتها على النطق، وتحريك أطرافها.
بسياسة الإهمال الطبى فى سجون الاحتلال التى أوصلتها إلى هذا الوضع الخطير، حيث من المفترض أن يتم تغيير الأنبوب كل 6 أشهر، فى الوقت الذى لم يتم تغييره لأكثر من 5 سنوات، لتبدأ سلسلة عمليات جديدة.
«آيات»، قبل 7 أشهر تم اعتقالها للمرة الخامسة وكانت فى مرحلة التعافى من عملية جراحية أخرى، وحين حاولت شرح وضعها تعرضت لضرب مبرح فى كل جسدها، وبالأقدام على بطنها أدى لتعرضها للنزيف.
«آيات» تتذكر الواقعة الأكثر إيلاماً خلال اعتقالها وتقول: «فى 20 نوفمبر تعرضت لاعتداء وحشى من قبل قوات السجن، حيث أجبرت مع أسيرات أخريات على وضع رؤوسنا على الأرض، وأيدينا مكبلة للوراء وعيوننا معصوبة، وحين حاولت إخبارهم أن وضعى الصحى لا يسمح بهذا الوضع ضربنى أحد الضباط 7 كفوف، مما أدى إلى فقدانى للوعى، واستيقظت لاحقاً لأجد نفسى فى المستشفى، دون أن أتذكر ما حدث».
ورغم كل ما مرت به، تعتبر «آيات» أن ما مرت به لم يكسر إرادتها، وأن صمودها وصبرها كانا السلاح الوحيد الذى واجهت به ظروف الاعتقال القاسية، والإفراج عنها كان بمثابة لحظة استعادة للحياة، لكنها أكدت أن معاناتها الجسدية والنفسية ستبقى شاهدة على حجم الانتهاكات التى تتعرض لها الأسيرات الفلسطينيات.