هكذا ودون مقدمات، اعتدنا أن نصحو ذات صباح وظُهر ومساء على قرارات وزارية لا يذكر معلنها مبررًا منطقيا لقذفها فى وجوهنا، وفرضها فرضا على مستقبل أبنائنا، من غير رقيب ولا حسيب.. ولا راد لقضائه أو راد على غضبنا وتساؤلاتنا الحيرى.
يقول عمنا نيتشه وأنا معه: «لا صلاح لأمة فسدت منابت أطفالها»، والمنبت هنا إنما يستند فى مجمله ومفرده على عموم ما يتلقاه الطفل من مبادئ وقيم وعلوم وأخلاق، ومفردات للحياة.
ولأننا لسنا بحاجة لدواعى فساد أكثر مما يتعرض له أبناؤنا، فى الشارع والمدرسة وعلى وسائل السوشيال وحتى فى بعض المنازل، فقد كان المعول الأخير والأمل الأقرب لدينا فى مستقبل هؤلاء، محاولين أن نبذل أقصى ما نملك من جهد ومال ووقت، علّنا نحقق من خلالهم ما فشلت أزماننا فى تحقيقه معنا.
لكن، وبجرة قلم لا يساوى الكثير، تُخط قرارات بليلٍ، وتخرج علينا لتهدم أحلامنا وأحلام أبنائنا، هكذا صرنا حقلا لما تتفتق عنه عقول المسئولين من تجارب لكن منذ متى وتلك التجارب تدرس أو تنظر قبل إعلانها؟ بل منذ متى ونحن نسمع عن تشكيل لجان «محترمة» لدراسة مقترحات تطوير العملية التعليمية، وتأخذ تلك اللجان وقتها كاملا، شهورا وربما سنوات، فقط لتخرج بقرار واحد، يناقش بعدها فى مجلس الشعب، لطرحه على ممثلى الرأى العام، ثم بعد معارضات ومناقشات، وصراخ وعويل لوسائل الإعلام والصحف و.. و.. قد يخرج وقد يتم رفضه ورده لصدور من أعلنه.. ها.. منذ متى؟
فى لحظات تجلٍ قرر مسئولو التربية والتعليم حذف بعض المواد الأساسية من المجموع الكلى وتحويلها بقدرة قادر إلى مجرد مواد هامشية.
نكتة مبكية، أن تتحول الفلسفة وعلم النفس واللغات الثانية، إلى مواد هامشية، أن يتحول ما يعيننا على صلف الحياة وشظف عيشها وقسوة إنسانها وآلية علومها إلى مجرد أمر ثانوى لا طائل منه، لنعود أدراجنا إلى آلاف السنوات، فنزداد جهلا، ولتربح الوزارة التى عجزت عن مجابهة غيلان ومافيا الدروس الخصوصية والسناتر، فلم تجد سبيلا سوى «اللعب» فى مستقبل أبنائنا.
تُرى هل لى بأحدهم أن يجيبنى، ماذا غير الفلسفة وعلم النفس واللغات يمكنه أن يساعد الطالب على إدراك أهدافه فى الحياة، هل يمكن للعلوم وحدها أن تساعده على إدراك ماهية نفسه وحدود حريته وواجباته ومكانته فى المجتمع والوجود عامة، وأن ترتقى بمستواه العقلى؟، ماذا غير اللغات والفنون والعلوم الاجتماعية يمكنه أن يلغى المسافات بيننا وبين الآخر، أن يوحِّد الأفراد على التواصل واكتساب المعرفة؟
منذ ما يزيد على الخمسة آلاف عام، نشأ لدينا تاريخ طويل من الأفكار المتعلِّقة بالقضايا الفلسفية، مثل قضية نشأة العالَم والصلاح والفساد، فكان الدِّين والفلسفة يتشاركان فى الإجابة عن هذه القضايا الدائمة.
وبعد مرور أكثر من مائتى سنة على البعثات التعليمية التى أوفدها محمد على إلى فرنسا، والتى ساهمت فى التكوين الفكرى لأجيال تالية، نأتى اليوم لنقطع كل ما يصلنا بالآخر، ونهيل التراب على مجهودات صانعى مصر الحديثة.
أو لم يخطر ببال صانعى القرار سؤال عن مستقبل أقسام الفلسفة وعلم النفس واللغات الثانية بالكليات؟
وعن فرص العمل التى قد تتوفر لهم، بعيدا عن الوساطات، بعد تلك القرارات الرائعة؟!
من لى بمجيب عن مصير ابنتى التى تدرس فى مدرسة فرنسية، هل تدركون معنى أن تعانى لسنوات طوال من دراسة معظم المواد الدراسية باللغة الفرنسية، ثم تتخرج بعد ستة عشرة عاما لتجد أن ما تحمل من لغة لا يساوى شيئا فى سوق العمل؟
إذن، فليكن موعدنا يوم الخيبة، إذا استمرت تلك القرارات، عند تخرج أول دفعة لم تدرس الفلسفة وعلم النفس واللغة الثانية كمواد أساسية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سمية عبدالمنعم نبضات وسائل السوشيال تطوير العملية التعليمية
إقرأ أيضاً:
بطريرك الروم الأرثوذكس بسوريا: في الصوم الكبير يناجي كلٌّ منا الله
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
وجّه يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية “سوريا” وسائر المشرق للروم الأرثوذكس إلى رعاة وابناء الكنيسة الأنطاكية المقدسة كتب فيها في الصوم الكبير يناجي كلٌّ منا رب الخلاص وسيد الحياة والموت ويقول له ومن عمق النفس: يا رب ارحم. في الصوم الكبير المقدس تمضي النفس إلى الختن، إلى العريس السماوي الذي تنهض وإياه وتتلمس فجر قيامة.
وتابع، في الصوم الكبير ترافق النفس عريسها المسيحَ الإله. ترافقه وتناجيه في مسلك توبةٍ يتكلل بدرب آلامٍ ويتكحل بانبعاثٍ من قبرٍ فارغ.
وأكمل، ومن آحاد التهيئة تستلهم هذه النفس مسيرة توبةٍ فتناجي المسيح من على أعتاب الصوم وتحني له ركبة القلب وتتأمل وإياه، من الغد في أحد مرفع اللحم، حظَّ من لم يصنع رحمةً ومن لم يرأف بالقريب كما وتتأمل نصيبَ من صنع الرحمة. تناجي الختن وتتأمل معه في أحد الغفران ذاك الفردوس المفقود الذي خسرته البشرية مع أول الجبلة آدم.
أضاف، ومع انطلاقة الصوم، تتأمل النفس جمال وبهاء استقامة الرأي في أحد تكريم الأيقونات التي تنقلنا من عالم اليوم إلى أبديةٍ نتلمس نورها على وجوه القديسين. وإلى الأحد الثاني تسير هذه النفس لتتعلم إكرام القديسين الذين تلقوا نعمهم وقداستهم من ذاك القدوس الأوحد. وفي الأحد الثالث منتصف المسيرة تعود هذه النفس لتتأمل عود الصليب وذاك المعلق عليه محبةً ببشريةٍ هجرته ولم يهجرها. ومع يوحنا السلمي تلهج في سلك الفضائل وتسلك إلى أن تلاقي خبرة مريم المصرية وتتعلم معها أن التوبة هي الأساس أولاً وأخيراً في مسيرة الصوم الكبير أي مسيرة التوبة.
تابع بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يقول كل ذلك، كي تلاقي ختنها المسيح وتستقبله داخلاً فيها ومعها إلى أورشليم العلوية فتفرش له أغصان النفس وتدخل معه آلامه الخلاصية وتناجيه في جنازهِ مسيحاً حياةً دائساً الموت، وبُعيد ذلك، نوراً ورباً قائماً من بين الأموات وواهباً الحياة للذين في القبور.
وختم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس البطريرك يوحنا العاشر رسالته بمناسبة زمن الصوم بالقول هذه مسيرة الكنيسة وهذا دليلها لنفس كلٍّ منا لنسلك صحبة هذا الختن السماوي. الصوم هو مسيرة توبةٍ ومسيرة رحمةٍ تُترجم أفعالاً. نرفع صلاتنا في هذه الأيام المباركة ونسأل رب الرحمة وإله الرأفات أن يرسل رأفاته إلى العالم أجمع ويبارك الجميع ويديم في القلوب رجاءه الصالح ويغرس في النفوس بلسم عزائه الإلهي ويزرع في الكيان البشري شيئاً من رويّته ونورانيته ويسكت بجبروت صمته ظلامَ هذا العالم المتأجج حروباً وخطفاً وغلياناً وتكفيراً. نسأله أن يضم راقدينا إلى صدره القدوس ويطلع عليهم نور رحمته ويرسل الطمأنينة إلى النفوس والديار هو المبارك والممجد أبد الدور.