عربي21:
2025-03-15@17:53:54 GMT

تجديد الخطاب الدينيّ والمصالح الشخصيّة والحزبيّة!

تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT

الأديان السماويّة قديمة في الأرض قدم الإنسان، ومنذ أن نزل أوّل دين من السماء وهو دين آدم عليه السلام، وما تلاه من بعثة لعدد كبير من الرسل والأنبياء؛ ونحن نسمع ونتابع الخطابات الدينيّة وتأثيرها الواضح والمميّز في السلوك البشريّ والفكر الإنسانيّ!

والخطابات الدينيّة في العراق بعد العام 2003 سارت في ثلاثة خطوط متباينة:

الخطّ الأوّل، وهو الأضعف عمليّا والأقوى مناطقيّا، وهو الخطّ المعتدل الذي يمثّله غالبيّة سكّان العراق من السنّة والشيعة والمسيحيّين وغيرهم.



والخطّ الثاني، وهو الخطّ المتشدّد الدمويّ، وهذا الخطّ لم يعد وجوده واضحا في البلاد!

أما الخطّ الثالث فهو الخطّ السياسيّ الدينيّ (المسلّح وغير المسلّح) الذي يَستخدم الدين لتحقيق مآرب شخصيّة وحزبيّة!

سياسيّا، وبعد أن فشلت غالبيّة الكيانات في إقناع الجماهير ببرامجها الانتخابيّة، إن وجدت، فكّرت بعض الكيانات "السياسيّة الدينيّة" التوجّه نحو الخطاب الدينيّ الخالص لتحقيق أهدافها! وصرنا نسمع بمحاولات سياسيّة، وليست عُلمائيّة، لتجديد الخطاب الدينيّ، وذلك بعد أن أثبتت السنوات الماضية أنّ معظم الخطابات "السياسيّة" و"الدينيّة السياسيّة" العراقيّة وقفت عاجزة عن جذب غالبيّة الناس
سياسيّا، وبعد أن فشلت غالبيّة الكيانات في إقناع الجماهير ببرامجها الانتخابيّة، إن وجدت، فكّرت بعض الكيانات "السياسيّة الدينيّة" التوجّه نحو الخطاب الدينيّ الخالص لتحقيق أهدافها! وصرنا نسمع بمحاولات سياسيّة، وليست عُلمائيّة، لتجديد الخطاب الدينيّ، وذلك بعد أن أثبتت السنوات الماضية أنّ معظم الخطابات "السياسيّة" و"الدينيّة السياسيّة" العراقيّة وقفت عاجزة عن جذب غالبيّة الناس، وهذا ليس طعنا بالدين الحنيف ولكن نتيجة متوقّعة لحالة التناقض بين القول والعمل والشعارات والواقع، وهذه الحالة تسبّبت بعزوف مجتمعيّ عن القوى "السياسيّة الدينيّة"، ممّا جعلها في موقف محرج وضيّق!

ومن هنا كانت دعوة رئيس تحالف قوى الدولة الوطنيّة "عمار الحكيم"، في منتصف آب/ أغسطس 2024، إلى "تحديث الخطاب الدينيّ ليواكب متطلّبات العصر دون أن يفقد جوهره الروحيّ والأخلاقيّ"!

وجاءت دعوة الحكيم وسط مجتمع يعاني من آفات قاتلة، وأبرزها الأفكار المنحرفة عن الدين، والجريمة المنظّمة، وتعاطي المخدّرات وتجارتها، وغيرها من السلوكيات والأفكار البعيدة عن الأديان السماويّة!

والتجديد هو "ترتيبٌ لسلّم الأوّليات وتنظيم للأهم والمقاصد الكبرى للعلم والدعوة والإصلاح"!

وتجديد الخطاب قضيّة شرعيّة لا تتعارض مع مبادئ الدين الإسلاميّ، ولكن يفترض أن يقوم بهذه المهمّة الشرعيّة والإنسانيّة مَن يمتلكون القدرات العلميّة والفقهيّة الكافية، وليس كلّ من هبّ ودبّ يمكنه أن يتحدّث بهذا الملفّ الحساس والخطير!

مَن يريد أن يجدد الخطاب الدينيّ في مجتمع ما عليه أن يبني الأرضيّة الرصينة لهذا الخطاب، والتي يفترض أن تكون مليئة بالعدل والتعاون وحماية الإنسان من الخراب الفكريّ والصحّيّ والنفسيّ، ولا يتحقّق ذلك بالخطابات أو التصريحات المكتوبة للفت الانتباه ومن أطراف غير مؤهّلة أصلا للحديث عن التجديد!

إنّ الإسلام الذي يدعو لقبول الآخر والتعايش السلميّ يرفض رفضا قاطعا الظلم الذي يطال الأبرياء بحجج واهية وبعيدة عن حقوق الإنسان!

ولا ندري كيف يتكلّمون عن تجديد الخطاب الدينيّ مع تنامي صور محاربة أصول الدين، والفساد الماليّ والأخلاقيّ وتعاطي الرشوة، والدعارة، وتجارة المخدّرات، والأعضاء البشريّة وغيرها من المهلكات التي يتعامل بها بعض العراقيّين؟

ثمّ ألا يفترض أن نجد ثمرات الخطابات الدينيّة في الواقع الإنسانيّ، أم هي مجرّد دعوات إعلاميّة لا تحاول الكيانات السياسيّة والدينيّة الفاعلة الحثّ على تطبيقها على أرض الواقع عبر توعية المجتمع وحمايته من الآفات الفكريّة والأخلاقيّة والإنسانيّة، الداخليّة والوافدة؟!

وفي زمن التجديد المزعوم نجد تزايدا لحالات الإلحاد واللا دينيّة في البلاد، وتنامي الجرأة غير الأخلاقيّة تجاه العقائد الدينيّة وبالذات من بعض السياسيّين.

وقد سبق للنائب علي تركي أن لعن الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم، في برنامج تلفزيونيّ في العاشر من أيّار/ مايو 2024، ومرّ الأمر وكأن شيئا لم يكن!

وبعد ذلك بثلاثة أشهر شنّ "قاسم ششو"، وهو زعيم لفصيل إيزيديّ مسلّح في سنجار، هجوما لاذعا ضدّ النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، ورغم إصدار مذكّرة اعتقال بحقّه إلا أنّها لم تنفّذ!

الاستهتار والاستخفاف بالباري سبحانه، والنبي الكريم وصحابته الكرام، والطعن بالدين الإسلاميّ، أولى بالمعالجة من قبل القوى المالكة للسلطة قبل حديثها عن "تحديث الخطاب الدينيّ"!
وهذه التجاوزات "شجّعت" رئيس مجلس إنقاذ الأنبار "حميد الهايس"، خلال برنامج تلفزيونيّ عرض يوم 9 آب/ أغسطس تطرق لتعديل قانون الأحوال الشخصيّة، لوصف النبي الكريم (حاشاه) بـ"المجنون"!

وبعد أسبوعين، وتحديدا منتصف آب/ أغسطس 2024، تابعنا كيف أنّ السياسيّ "مشعان الجبوري" قد سبّ الله سبحانه وتعالى في برنامج على قناة UTV العراقيّة.. وغيرها العشرات من التجاوزات!

وسبق لمحكمة جنح الموصل أن أصدرت، يوم 2 تمّوز/ يوليو 2024 حكما بالحبس ستّة أشهر على العراقي "علي الخالدي" بتهمة "سبّ الذات الإلهيّة"، وفقا للمادّة (372) من قانون العقوبات العراقيّ"! فلماذا لا يُطبّق القانون على السياسيّين الذين يسبّون الباري سبحانه، ويطعنون بالنبي الكريم والدين الإسلاميّ الحنيف؟

إنّ إقحام "الدين" لتحقيق جملة من الأهداف السياسيّة يُعدّ من المخطّطات الضاربة للدين والدولة؛ لأنّ الدين لم ينزل لتحقيق غايات سياسيّة شخصيّة بل لعمارة الأرض وتحقيق مصالح الناس في الدنيا والآخرة.

وعليه، ينبغي عدم التلاعب بالأديان لتحقيق بعض المصالح الحزبيّة والشخصيّة، ولتكن الأعمال الحقيقيّة والسعي لخدمة الوطن والناس هي الخطابات العمليّة النافعة للوطن والناس!

هذا الاستهتار والاستخفاف بالباري سبحانه، والنبي الكريم وصحابته الكرام، والطعن بالدين الإسلاميّ، أولى بالمعالجة من قبل القوى المالكة للسلطة قبل حديثها عن "تحديث الخطاب الدينيّ"!

x.com/dr_jasemj67

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراق الدين التجديد مصالح العراق الدين التجديد مصالح سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدین الإسلامی الخطاب الدینی السیاسی ة الدینی ة سیاسی ة غالبی ة الذی ی

إقرأ أيضاً:

خليفة الظاهري لـ«الاتحاد»: الدِّين منظومة قيمية وليس مجرد طقوس وشعائر

حوار: د. حمد الكعبي
أكّد الدكتور خليفة الظاهري، مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، أن التسامح هو الأساس في بناء مجتمعات وطنية تتجاوز التعدد الثقافي والاختلاف الإضافي لتحقيق الوحدة في التنوع، لافتاً في هذا السياق إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة نموذج فذ في ترسيخ قيم التسامح والتعايش منذ تأسيسها، ومثال حضاري في قيم الأخوة الإنسانية والمواطنة.
وشدد على أن «فهم الواقع» الأساس في «فهم الخطاب الشرعي»، مشيراً إلى أهمية إعمال «القراءة القيميّة» للدِّين، وتحكيمها في فهم نصوصه، والتعرُّف على معانيه، واستنباط أحكامه.
وقال إن الدِّين طاقة متجدّدة، لا غنى عنه أبداً، لكنَّه يساء استعماله إنْ لم يضبطْ بالتوجيه والتجديد، مؤكداً أن الواقع اليومَ لم يعد يعرف مفاهيم «تديين العالم» و«تقسيم المعمورة»، مشدداً على أن «الاعتبار الوطني» أساس لحمة الهوّيّة والانتماء. في السياق ذاته، اعتبر الظاهري بقاء الدِّين مفتوحاً أمام مختلف التأويلات والقراءات والتّوظيفات، من شأنه أَن يهدّد السّلم الاجتماعيّ والاستقرار الوطنيّ، مشيراً في هذا الصدد إلى أن الدَّولة لها سلطة الاختصاص بتنظيم كلّ ما يتعلّق بالشّأن العامّ. وفي حوار مع «صحيفة الاتحاد»، أكد الظاهري أنّ عالمَ اليوم يعِي أنّ البشريّة بأجمعها ذات مصير مشترَك، وأنه لا بدَّ أن تَجِدَّ في سلوك مسارٍ مشتركٍ، هو التّعارف والتّعاون في سبيل تحقيق الخير العامّ لها حالاً واستقبالاً.
في الوقت نفسه، أكد مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أن الدِّين ليس مجرد طقوس وشعائر، بل هو منظومة قيمية تتيح بُعداً روحانياً يحقق السلام الداخلي، ويقوي يقظة ضمير الفرد، ما ينعكس إيجاباً على استقرار المجتمع وسلامته.
ولفت إلى تنوع تعاليم الدِّين ما بين تعزيز القيم المجتمعية، وخلق بيئة تضامنية، ومعالجة قضايا مجتمعية عويصة، والدعوة إلى الصدق والأمانة والتسامح والعدل والإحسان حتى مع الحيوان والنبات. وأشار إلى أن الدّولةُ بمدنيّتها لا تتنافى مع اختلاف الهوّيّات الدّينيّة والعرقيّة لشعبها الذي يخضعُ لسلطانها، تماماً كما يعنيه اليومَ الانتماءُ إلى الدّولة الوطنيّة، الذي لا يُبقي مجالاً لبروز الهوّيّات الدّينيّة للمواطنين بمظهر التّصارع، أو التّنافي، أو التّضادّ، لافتاً في هذا السياق إلى أن النبي «صلّى الله عليه وسلّم» ضرب أروع الأمثلة في بناء الهوّيّة الوطنيّة الجامعة بين مختلف الانتماءات العرقيّة والدّينيّة، حين أسّس المجتمع المدنيّ، وبنى الدّولةَ بالمدينة عقب هجرته إليها، على الانتماء الوطنيّ، والمواطنة الجامعة. 
وجزم الظاهري بأن الخطاب الدّينيّ لا يمكن أن يسهم في تعزيز الولاء الوطنيّ ما لم يتحرّر من عقدة النّموذج والمثال التي انبنت على مغالطات في فهم التّجربة التّاريخيّة، داعياً إلى مراجعة المدوّنة الفقهيّة، وأدبيّاتها مراجعةً تستحضر القراءَةَ المنهجيّةَ الرّصينةَ للنّصّ الدّينيّ، وتفاعلاته مع الظّروف التّاريخيّة التي أحاطت بعمليّة تفسيره، والتي أثّرت ولا شكّ في عمليّة استنباط أحكامه. وقال إن الحوار هو السبيل لإيجاد أرضية مشتركة تعزز التعايش وتحقق السلم المجتمعي، ومفتاح باب فهم الآخر والوقوف على مساحة المشترك معه، وأساس بناء خطاب ديني يحترم الاختلاف والتعدد ويقبل التنوع الديني والثقافي كواقع إنساني، ويحفظ ثوابت المواطنة. وفي ما يلي نص الحوار: 

- يقول الفيلسوف باروخ سبينوزا: «عندما يُفهَم الدّينُ على أنّه دعوةٌ للمحبّة والعدالة، يُصبِح أساساً قويّاً للتّكافل الاجتماعيّ».

ومن هنا، اسمحوا لنا أن نسأل عن العناصر الأساسيّة التي يجب أن يحتويَها الخطابُ الدّينيّ؟
= للإجابة عن تساؤلكم لا بد أن نعرف أولاً: ما هو الخطاب الديني، ثم نتعرض لاحقاً لعناصره الأساسية.
فالمراد بالخطاب الدّينيّ هو كلّ وسيلة يُبَثُّ بها الدّين، ويُنشَرُ ويُوَجَّهُ إلى النّاسِ، فهو عبارة عن تلك الحوامل أو الوسائط التي تحمل كلّ ما يُعَدُّ ديناً من التّصوّرات والأفكار التي تُستخلَصُ من النّصوص المؤسّسة للدّين (القرآن الكريم والهدي النّبويّ الشّريف).
أما إذا تكلمنا عن العناصر التي يجب أن يحتويها الخطاب الدّينيّ، فإننا نقرّر بداية أنّ الخطاب الدّينيّ اليومَ لم يَعُدْ ذلكَ الحِمى المُستباحَ، الذي يرتَعُ فيه كُلُّ أحدٍ، بل قد صارَ مُمَأسساً من قِبَل الدَّولةِ، التي لها سلطة الاختصاص بتنظيم كلّ ما يتعلّق بالشّأن العامّ، ولا تخفى صلةُ الدّين بهذا الشّأنِ، وأن بقاءه مفتوحاً أمام مختلف التأويلات والقراءات والتّوظيفات من شأنه أَن يهدّد السّلم الاجتماعيّ، والاستقرار الوطنيّ. فالدّينُ طاقةٌ متجدّدةٌ، لا غنى عنهُ أبداً، لكنَّه إنْ لم يُضبَطْ شأنُهُ بالتوجيه والتجديد، يساء استعمالُه بما يفتُّ عضد المجتَمَع، ويُخِلُّ بنظامه.
وبناءً على ذلك نرى أنّه ينبغي للخطاب الدّينيّ المعاصر أن يشتمل على عنصرين أساسيّين هما: 
إعمال القراءة القيميّة للدّين وتحكيمها في فهم نصوصه والتعرّف على معانيه واستنباط أحكامه، إذ القيم هي فلسفتُه وخلاصة حكمته، لقول الله تعالى: (... دِيناً قِيماً ملّةَ إبراهيم حنيفاً...)، وقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: «إنّما بُعثتُ لأتمّم صالح الأخلاق».
أما العنصر الثاني فهو «فهم الواقع»، وهذا العنصر شريك أساسيّ في فهم الخطاب الشّرعيّ، ولا بدّ من مراعاة هذه البيئة في معرفة ما يناسبُ أن ينزّل فيها من الأحكامِ.
والواقع اليومَ لم يعد يعرف مفاهيم «تديين العالم» و«تقسيم المعمورة»، فقد غدت المجتمعات اليوم بطبيعتها مفتوحة، وصار الاعتبار الوطني أساسَ لحمة الهوّيّة والانتماء، وأصبح العالم كلّه اليوم يعي أن البشريّة بأجمعها ذاتُ مصيرٍ مشترَكٍ، فلا بدَّ أن تَجِدَّ في سلوك مسارٍ مشتركٍ، هو التّعارف والتّعاون في سبيل تحقيق الخير العامّ لها حالاً واستقبالاً.

- لا شك أن «الدّينَ هو القوّةُ التي تربِطُ النّاسَ بمُثُلهم العليا»، فكيف يمكن للدّين أن يكون مؤثّراً في المجتمع المعاصر ومشكِّلاً للقيَم المجتمعيّة؟
= إن الدّينَ ليس مجرد طقوس وشعائر، بل هو منظومة قيمية تتيح بُعداً روحانياً يحقق السلام الداخلي ويقوي يقظة الضمير للأفراد، مما ينعكس إيجاباً على استقرار المجتمع وسلامته، والمتأمل في تعاليم الدين المتنوعة يجد أنها تعزز القيم المجتمعية، فمنها تعاليم تدعو إلى التكافل الاجتماعي، كالصدقة، والزكاة، والوقف... التي تخلق بيئة تضامنية، تسهم في تكوين مجتمع أكثر تماسكاً واستقراراً، ومنها تعاليم تعالج قضايا مجتمعية عويصة مثل التفكك الأسري، وترسخ بناء الأسرة التي تشكل نواة المجتمعات، وتماسكها عنوان تماسك المجتمع، وتعاليم خُلقية تدعو إلى الصدق والأمانة والتسامح والعدل والإحسان مع الحيوان والنبات، فضلاً عن التعامل مع الإنسان.

- قالوا: إن «الهوّيّة ليست ما نكتسبه فقطّ، بل ما نبنيه من خلال التّفاعل مع الآخرين».. ومن هنا، كيف يمكن أن يسهم الخطاب الدّينيّ في تشكيل الهوّيّة الوطنيّة؟
= لقد ضرب لنا رسول الله «صلّى الله عليه وسلّم» أروع الأمثلة في بناء الهوّيّة الوطنيّة، الجامعة بين مختلف الانتماءات العرقيّة والدّينيّة، حين أسّس المجتمع المدنيّ، وبنى الدّولةَ بالمدينة عقب هجرته إليها، على الانتماء الوطنيّ، والمواطنة الجامعة، فكانت الدّولةُ بمدنيّتها لا تتنافى مع اختلاف الهوّيّات الدّينيّة والعرقيّة لشعبها الذي يخضعُ لسلطانها. تماماً كما يعنيه اليومَ الانتماءُ إلى الدّولة الوطنيّة، الذي لا يبقي مجالاً لبروز الهوّيّات الدّينيّة للمواطنين بمظهر التّصارع، أو التّنافي، أو التّضادّ.
إنّ الخطابَ الدّينيّ اليومَ ينبغي أن يكون مفتوحاً على الظّروف الرّاهنة التي تعيشها المجتمعات المعاصرة، بخصائصها وسماتها الحديثة، التي لم يعد من جملتها «وحدة الدّين»، ولا «ثنائية الدّار والجوار» المنبنية على «تقسيم المعمورة»، فالدّولة الوطنيّة بما تتأسّس عليه من مفهوم الانتماء الوطنيّ تسعُ مختلفَ الأديان والأطياف والثّقافات والإثنيّات.
إنّ خطابنا الدّينيّ لا يمكن أن يسهم في تعزيز الولاء الوطنيّ ما لم يتحرّر من عقدة النّموذجِ والمثال، التي انبنت على مغالطات في فهم التّجربة التّاريخيّة، وعدم التّمييز فيها بين الدّينيّ، والثّقافي
ثمّ إنّه لا بدّ من مراجعة المدوّنة الفقهيّة، وأدبيّاتها مراجعةً تستحضر القراءَةَ المنهجيّةَ الرّصينةَ للنّصّ الدّينيّ، وتفاعلاته مع الظّروف التّاريخيّة التي أحاطت بعمليّة تفسيره، والتي أثّرت ولا شكّ في عمليّة استنباط أحكامه، والتي لم يُرَد منها أن تكون معياريّةً تتجاوزُ اعتبارات الزّمان، وإكراهات الوقت والأوان، وإنّما كانت غايتها الاستجابةَ لمتطلّبات تلك الظّروفِ والأحوال.
فالخطابُ الدّينيّ إذاً يحتاجُ إلى إعادة قراءة بنيته، وهي نصوص الدّين من حيثُ كيفيّة تطبيق أحكامها في الواقع المعاصر من جهة، وإلى إعادة النّظر في وسائلِ تبليغ تلك الأحكام وشرح كيفيّة تطبيقها من جهة ثانيةٍ.
وذلكَ شرطُ ما يتعلّقُ به أملُ الاستفادة من الخطاب الدّينيّ في بناء الهوّيّة الوطنيّة والتّوعية بها، وترسيخِ حُرمتها وتعزيز مكانتها في المجتمع. 

- لا شك في أن «التّسامح ليس التّنازل عن المبادئ، بل الاعترافُ بحقّ الآخرينَ في امتلاك مبادئهم»، وهو ما يحيلنا إلى السؤال عن الدّور الذي يلعبه التّسامح الدّينيّ في بناء مجتمعاتٍ وطنيّةٍ ومتعدّدة الثّقافات في ظلّ قراءاتٍ أخرى لنصوصٍ دينيّةٍ تهدم أطروحةَ المواطنة؟
= إن التسامح الديني هو العمود الأساسي لبناء مجتمعات وطنية تتجاوز التعدد الثقافي والاختلاف الإضافي لتحقيق الوحدة في التنوع، والكليات من النصوص الدينية القطعية تشهد أن لكل فرد الحق في ممارسة معتقداته دون إكراه، وهذا ما يعزز بناء مجتمعات وطنية متعددة الثقافات، يكون أساس النظر فيها للكفاءات لا للمعتقدات، يحترم فيها الحق في الاختلاف النوعي مع الانسجام الكلي، والتفاعل الثقافي.
وهذا ما جسّده النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم عملياً من خلال مشاركته في حلف الفضول بمكة، وبنائه وثيقةَ المدينة ليؤكد أن التسامح لا يعني التنازل عن المبادئ بل اعتراف بحق الآخرين في الاختلاف واحترام اختيارهم.
 وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً فذاً في ترسيخ قيم التسامح والتعايش منذ تأسيسها بيد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتعتبر دولة الإمارات اليوم مثالاً حضارياً في قيم الأخوة الإنسانية والمواطنة.

- لا شك في أن «الحوار هو بداية الفهم الحقيقيّ»، كما قال مارتن بوبر.. فهل لكم أن توضحوا لنا دور الحوار مع الآخر المختلف في بناء خطابٍ دينيٍّ لا يُساوِم على ثوابت المواطنة؟
الحوار هو السبيل لإيجاد أرضية مشتركة تعزز التعايش وتحقق السلم المجتمعي، لأنه مفتاح باب فهم الآخر والوقوف على مساحة المشترك معه، وهو أساس بناء خطاب ديني يحترم الاختلاف والتعدد ويقبل التنوع الديني والثقافي كواقع إنساني، ويحفظ ثوابت المواطنة من خلال نظره إلى الاختلاف على أنه عنصر إثراء لا عنصر تهديد، وذلك من خلال اعتماد خطاب ديني يركز على القيم الكلية المشتركة التي تعزز العدل، والكرامة، ويؤصل لأن الانتماء للوطن يتجاوز الانتماءات الطائفية، وأن الحقوق والواجبات تشمل الجميع بلا تمييز، ويتجنب الإقصاء والتعصب، وينبذ التحريض على الكراهية.

أخبار ذات صلة جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية تحتفي بشهر رمضان بتنظيم فعاليات مجتمعية في العين الرقم واحد..!

مقالات مشابهة

  • وسط تصاعد الخطاب العدائي.. مقارنة قدرات الجيشين الجزائري والمغربي
  • الخطاب الديني في سلطنة عمان.. تعزيز للتسامح والاعتدال والتقارب
  • وزراء وبرلمانيون إسرائيليون يطالبون الكونغرس الأميركي بإعلان حق اليهود الديني بالأقصى
  • الجديد وصل .. جوجل تتحدى آبل في مجال الذكاء الاصطناعي الشخصي
  • صناعة الكراهية وإعادة إنتاج الخطاب الطائفي - التواصل الاجتماعي أنموذجًا
  • دور الخطاب في تبليغ الرسالات السماوية وأثره في التأثير والإقناع
  • الإعيسر: يدعو الطرق الصوفية للاسهام في نشر الوعي الديني الصحيح ومحاربة خطاب الكراهية والعمل على رتق النسيج الاجتماعي
  • خليفة الظاهري لـ«الاتحاد»: الدِّين منظومة قيمية وليس مجرد طقوس وشعائر
  • سوريا: إستيراد النفط العراقي خارج اهتمام البلدين في الوقت الراهن
  • العملُ الإعلامي بين الحجّـة والقول السديد