لا ينكر أحد دور الوفد فى النضال والحرية والديمقراطية، ولا يمكن لأحد أن يتحدث عن الوطنية بعيداً على الوفد، فالوفد كان ولا يزال ضميراً للأمة ومتحدثاً عنها ومدافعاً صلباً طوال تاريخه عن الشعب المصرى وعن مقدراته واستقلاله وحريته.
وُلد حزب الوفد ليبقى ويعيش فى وجدان الشعب المصرى نصيراً لجموع المصريين، فارساً مغواراً فى التصدى للاحتلال حتى الجلاء، ومعارضاً وطنياً شرساً فى مواجهة الحكومات ضد القوانين الجائرة وسلب الحريات ومقدرات المصريين.
الوفد الذى وُلد من رحم الأمة نبيلاً شريفاً لم يكن مجرد منقذ من ظلام الاحتلال، وإنما كان عقيدة لا تزال راسخة آمن بها ملايين المصريين، وحمل الشعب كله لواء الوفد على صدره تحت شعار «الوفد ضمير الأمة» وحامى حماها.. وانتشر حزب الوفد بمبادئه داخل قلوب وعقول المصريين الشباب قبل الشيوخ والنساء لتنطلق ثورته التى غيرت وجه التاريخ تحت قيادة الزعيم خالد الذكر سعد زغلول ورفاقه حتى أصبح «زغلول» واحداً من أبرز زعماء مصر، والذى فاقت شعبيته أى زعيم مصرى، ولهذا لُقب بزعيم الأمة وسمّى بيته «بيت الأمة» ولقبت زوجته بأم المصريين.
ثم انتقلت الزعامة ومعها لواء الوفد من «زغلول» إلى سيد الناس «مصطفى النحاس» الذى خاض أشد المعارك مقاتلاً شرساً بين صفوف الوفديين، وقائداً فذاً سيتوقف التاريخ طويلاً أمام إنجازاته، لتنقل الراية إلى الزعيم فؤاد سراج الدين، ليعيد الوفد من جديد إلى الساحة السياسية بعد عمليات تجميد وتوقف لإقصاء الحزب الشعبى عن العمل السياسى، ليعود الوفد بقوة ويلتف حوله جموع المصريين فى مواجهة الصعاب التى تتعرض لها البلاد والعباد، ورأى الوفديون أن يبقى الوفد شامخاً ليحمل لواءه الدكتور نعمان جمعة ومن بعده الدكتور محمود أباظة، ثم الدكتور السيد البدوى والمستشار بهاء أبوشقة لتستقر راية الوفد فى يد الدكتور عبدالسند يمامة مواصلاً رحلة العطاء والعمل المستمر على خطى السابقين.. ويبقى الوفد وسوف يستمر ممثلاً لجموع المصريين نصيراً لهم ومدافعاً عن حقوق الشعب ومكتسباته، معارضاً وطنياً يضع نصب عينيه مصلحة البلاد وحقوق العباد.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: عاطف خليل رؤية دور الوفد الوفد الشعب المصرى جموع المصريين
إقرأ أيضاً:
من سوريا الأسد إلى سوريا الحرة.. نحو استعادة الهوية الوطنية
في عام 2004م زرت سوريا لأول مرة، حينها انتابني خليط من الدهشة والصدمة؛ فأينما تجولت ببصرك سترى الرئيس الأسد إما معلقا في صورة على حائط أو مجسما في تمثال، وإن أرغمت نفسك على تجاهل ذلك سَيقرع سمعك اسمه أو اسم فرد من عائلته، نعم فكم من مكان في سوريا سُمي بأسمائهم!
لا يمكن لعاقل أن يظن أن ذلك عبث، بل هو ترسيخ لعقيدة سعوا لها عقودا تتمثل في أن سوريا للأسد ونظامه، ولهم وحدهم، لا يتسع لغيرهم.
كل ركن في البلاد يعج بصورهم، وشعاراتهم، وتماثيلهم، حتى إن مبنى الجوازات -وهو بوابة الدخول الأولى للبلاد- بدا وكأنه معرض دعائي للنظام.
وكلما تجولت في سوريا ستدرك جيدا كيف يسعى النظام لنشر ثقافة تقديس الرئيس وترسخيها في قلوب السوريين، فأتباع النظام عامة وعائلة الأسد خاصة كلهم فوق النقد أو العتاب، لا عيوب فيهم ولا أخطاء تصدر منهم، هكذا على السوري أن يؤمن أنهم منزهون معصومون، وإن قدح إيمانه بشك فيهم غيّبته ظلمات السجون. بالنسبة لي كان الوضع صادما مقارنة بتجربتي في الولايات المتحدة، حيث الديمقراطية وتعددية الآراء هي الأساس.
مع انحسار قبضة عائلة الأسد والنظام التابع لها، تلوح فرصة حقيقية لإعادة بناء سوريا، ليس فقط على مستوى البنية التحتية، بل أيضا على مستوى هويتها الوطنية
واليوم مع انحسار قبضة عائلة الأسد والنظام التابع لها، تلوح فرصة حقيقية لإعادة بناء سوريا، ليس فقط على مستوى البنية التحتية، بل أيضا على مستوى هويتها الوطنية.
سوريا خلال حكم الأسد: دولة تخدم العائلة
منذ أن تولى حافظ الأسد السلطة في عام 1970م، تحولت سوريا إلى ما يشبه الملكية المقنّعة، حيث ارتبط كل جانب من جوانب الحياة بآل الأسد، لم تكن سوريا تُدار كدولة لكل أبنائها بل إقطاعية عائلية، المدن والقرى السورية امتلأت بشعارات مثل "للأبد يا حافظ الأسد"، في إشارة إلى حكم مطلق بلا نهاية.
أسماء الشوارع والجامعات والمدارس والمستشفيات عكست هذه العقلية، فمثلا شارع رئيسي في دمشق يحمل اسم "حافظ الأسد"، وهناك في حمص "جامعة البعث"، وهناك "مشفى الأسد الجامعي"، كلها رموز لتأليه النظام. هذه التسميات لم تكن مجرد إشارات عابرة، بل أدوات لترسيخ سيطرة النظام في الوجدان الشعبي، وجعل كل زاوية في البلاد تذكر المواطنين بالسلطة الحاكمة، وأن سوريا لن تكون إلا بها، إما هي وإما خراب يعم البلاد.
التماثيل وصناعة الاستبداد
كانت الصور والتماثيل المنصوبة في كل زاوية أداة دعائية بامتياز، تطل عليك بجمودها بملامح صارمة وكأنها تقول للناظرين "أنت في حضرتي، هذا المكان لي، أنا هنا لأبقى، ولا صوت يعلو إلا صوتي."
من الناحية النفسية، هذه المشاهد اليومية كرّست شعورا بالخضوع والذل فأين ما ذهبت فأنت مراقب، قد يشي بك أحدهم بتهمة العداء للنظام لو لم توقر التمثال فما بالك بصاحبه، كل تمثال كان يذكر المواطن السوري بأن السلطة فوق الجميع، وأن الفرد لا قيمة له أمام الدولة المتمثلة في شخص الأسد، سياسيا، كانت التماثيل تعبيرا عن مركزية السلطة واحتكارها، وتغييبا لأي مظاهر ديمقراطية أو تنوع حزبي.
نحو سوريا جديدة: حرية الاختيار
مع سقوط نظام الأسد وزوال رموزه تبرز الحاجة الملحة لإظهار الهوية السورية التي تعبر حقا عن سوريا العريقة، سوريا العزة مهد العلماء ومنارة الثقافة. ومن أولى خطوات التخلص من آثار تقديس الشخصية التي فرضها النظام: تسمية الأماكن بما يليق بها، هذه وإن كانت نقطة شكلية في التحول إلا أنها تُأمّل بمستقبل جديد واعد أنتظره الشعب عمرا طويلا.
مسميات الأماكن يجب أن تعكس تاريخ سوريا الغني، بما فيه من شخصيات وطنية مختلفة الانتماءات السياسية والثقافية، فشارع باسم "يوسف العظمة" مثلا، وجامعة باسم "أحمد شوقي"، ومشفى باسم "غسان كنفاني" رموز جديدة لوطن يحتفي بالتعددية لا بالاستبداد.
الديمقراطية تبدأ من التفاصيل الصغيرة
تحرير سوريا من آثار آل الأسد ليس فقط ضرورة سياسية، بل أيضا شرط أساسي لاستعادة كرامة الشعب وهويته. قد تحتاج البلاد زمنا لتجاوز إرث عقود من القمع والاستبداد والتنكيل، لكن الإرادة الشعبية تصنع المعجزات
إعادة تسمية الأماكن ليست مجرد عملية تجميلية، بل هي ممارسة ديمقراطية تعكس إرادة الشعب. تخيل أن تُجرى انتخابات محلية لتحديد أسماء الشوارع والميادين العامة، حيث يمكن للسوريين كافة المشاركة والتعبير عن رأيهم، هذه الخطوة الصغيرة في ظاهرها، قد تكون بذرة تحول أكبر نحو ممارسات ديمقراطية أكثر عمقا تشمل السياسة والاقتصاد، مع التذكير بأن سوريا الجديدة لن تُبنى فقط بإزالة التماثيل أو تغيير الأسماء، بل عبر بناء مؤسسات قوية تعتمد على القانون، وتكرّس قيم الحرية والمواطنة، في جو ديمقراطي حقيقي، لا تُرْفَع فيه صور القادة ولا تنصب لهم تماثيل، فالسلطة الحقيقية هي للشعب، وليست لشخص أو عائلة.
من سوريا الأسد إلى سوريا الأبية
إن تحرير سوريا من آثار آل الأسد ليس فقط ضرورة سياسية، بل أيضا شرط أساسي لاستعادة كرامة الشعب وهويته. قد تحتاج البلاد زمنا لتجاوز إرث عقود من القمع والاستبداد والتنكيل، لكن الإرادة الشعبية تصنع المعجزات. سوريا الحرة ستكون وطنا للسوريين كلهم، حيث تُحترم فيه حقوق الجميع، ولا تكمم فيه الأفواه، ويُحتفى بمن يعمل لأجلها لا لأجله، ويصنع حاضرا ومستقبلا يلبق بها وبشعب فك قيده بيده وقطع دابر من ظلمه.
سوريا الجديدة لن تكون بمجرد تغيير في الأسماء، بل في النفوس والعقول، إنها رحلة من الاستبداد إلى الحرية، ومن التماثيل التي تطل بوجوه قاسية إلى فضاءات مفتوحة تعكس أحلام أبنائها بمستقبل أفضل.