اقتضت الحكمة الإلهية في خلق البشر، أن تكون هناك فترة زمنية يقضيها كل منا انطلاقا نحو مسيرة عمرية ممتدة لعشرات السنين بعد ذلك، ولعل في هذه الفترة الزمنية «التأسيسية» الكثير من المهام والواجبات التي يقتضي على الوالدين أو أحدهما، أن يكونا في حالة استنفار لما يقتضيه الواجب الإنساني تجاه هذه اللبنة الطرية التي تتشكل للتو نحو بعدين (أفقي/ رأسي) حيث لا يمكن أن يحل أحد هذين الأفقين عن الآخر، ولأن المسألة تنبني على هكذا تأسيس، فإن لكلا البعدين استحقاقا ملزما على الوالدين، ولا يعذران عن ذلك تحت كل الظروف، وحتى في حالات الانفصال؛ لا بد أن يكون أحدهما حاضرا لإكمال المهمة الإنسانية تجاه الأبناء، وإلا فالنتائج ستكون كارثية لمستقبلهم على المدى القصير والمدى البعيد.
ما جاء أعلاه؛ هو أمر طبيعي يعيه الجميع، ويعمل به البعض لأسباب كثيرة -ليس مجال مناقشتها هنا- ولكن ما يجب التركيز عليه هنا؛ هو أن هذه اللبنات التي تتشكل ما يمليه عليها الوالدان، أو المجتمع من حولها هو الذي سيقودها نحو أفق آمن لا منغصات فيه، أو عمليات رأسية تقلب حياتها رأسا على عقب، ذلك لأن المخزون (المعرفي/ التربوي) الذي يحقن به هذه الفئة العمرية، قصدا أو جهلا، هو ما سوف يفضي به من تأثيرات مادية ومعنوية على حياتها، لأن في أعمار هؤلاء الأطفال المبكرة ليس هناك فرصة لـ«التنقية» أو الانتقائية، إنما هناك تشرب كامل لكل ما يلقى عليها، إن كان خيرا فخير؛ وإن كان شرا فشر، وإن كان الخير مطلوبا، فإن الشر مرفوض، وهذا الرفض هو الذي يقوم به المربون، وليسوا هؤلاء الأطفال في أحضان مهدهم، ومن هنا تبقى المسؤولية كبيرة على المربين.
اليوم -كما هو الحال دائما- يتعرض الأطفال لكثير من الإساءات، سواء من قبل المسؤولين عن تربيتهم، أو من قبل أفراد المجتمع من حولهم، تتم هذه الإساءات للضعف الذي عليه هؤلاء الأطفال على المستويات الثلاثة: البنية الجسدية، والبنية النفسية، والبنية الفكرية، فكل هذه البناءات الثلاثة تتشكل هي الأخرى انعكاسا لما تتلقاه من البيئة المحيطة، فإن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر، وانعكاسا لذلك كله تظهر على صفحة المجتمعات التباينات المختلفة لأفرادها، حيث الصالح والطالح، والكثير من العقد النفسية، والجسدية، والفكرية، وعوضا من أن تعيش المجتمعات آمنة مستقرة، تعيش محملة «في جوانب كثيرة» مشوهة بسلوكيات صعبة ينعكس تأثيرها على الصورة العامة للمجتمعات، ويعود الجميع للبحث عن حلول ومعالجات، وعمل الدراسات والتقارير والتحاليل، بينما يمكن تقنين السلوكيات الشاذة منذ البدايات الأولى لعمر التنشئة، فهل هذا قدر لأن تعيش المجتمعات مشوهة بنتوءات كثيرة؟ لا أتصور ذلك، خاصة وأن الأفراد أصبحت عندهم خبرة تراكمية واسعة وشاملة للحد من الإخفاقات المعنية بالتربية، فقط تبقى مسألة تحمل المسؤولية الصادقة والأمينة لإيصال هذه اللبنات الصغيرة إلى الضفة الأخرى من الأمان الاجتماعي المنشود. قبل فترة نشر عبر صفحة الـ«واتس أب» ما معناه؛ أن هناك أجيالا تربت على أيدي مربين أميين (لا يقرؤون ولا يكتبون) ولكن هذه الأجيال تحملت مسؤوليتها الكاملة عندما تحقق لها العمر، بينما تعاني أجيال اليوم من كثير من الصعوبات والإخفاقات مع أن مربيهم على درجة كبيرة من العلم والمعرفة، ومع عدم التسليم المطلق بوجهة النظر هذه، لأن أي إنسان هو وليد ظروف حياته التي ينشأ فيها ويعيش فيها، ولا يمكن قياس تباينات الفترات الزمنية وظروف البيئة المحيطة للحكم المطلق، سواء كانت المقارنة سلبية أو إيجابية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الخبراء يناقشون أهمية تأمين المجتمعات الذكية في مواجهة التهديدات الإلكترونية"
ناقش الخبراء في جلسة "من المدن الذكية إلى كل شيء ذكي: التطور الشبكي" التطورات المتسارعة في مجال المدن الذكية وأهمية تأمين التكنولوجيا كأساس لتحقيق نجاح هذه المبادرات في مصر.
وأكد الخبراء أن تطوير المدن الذكية في مصر يعتمد بشكل كبير على الاستفادة من الابتكارات التكنولوجية الحديثة، مع التركيز على ضرورة تأمين الأنظمة التكنولوجية وضمان حماية البيانات والمعلومات.
كما أشاروا إلى أن التحديات التنظيمية هي من أبرز العقبات التي قد تعرقل تطبيق هذه الحلول على نطاق واسع، مؤكدين على أهمية تضافر الجهود بين الحكومة والشركات الخاصة لتحقيق مستقبل ذكي ومستدام.
وأكد الخبراء في الجلسة على ضرورة تبني استراتيجيات تكنولوجية قوية تسهم في تحقيق أهداف المدن الذكية بشكل مستدام وآمن، مع التأكيد على أهمية التدريب المستمر وتطوير التشريعات لضمان حماية البيانات وتعزيز الأمان في ظل التقنيات الحديثة.
جاء ذلك خلال فعاليات النسخة الثامنة والعشرين من معرض ومؤتمر Cairo ICT’24، الذي يُعقد تحت رعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، خلال الفترة من 17 إلى 20 نوفمبر 2024، بمركز مصر للمعارض الدولية. يأتي المعرض هذا العام تحت إشراف الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
جورج خياط، الرئيس التنفيذي لشركة Interactivo، أكد أن مصر قد قطعت شوطًا كبيرًا في تطبيق تقنيات المدن الذكية، مشيرًا إلى أن الابتكارات التكنولوجية مثل إنترنت الأشياء والمنازل الذكية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تحسين جودة حياة الأفراد. وقال خياط: "التكنولوجيا توفر بيئة متكاملة حيث يستطيع الفرد العيش في منزل ذكي أو في مدينة تعتمد على الحلول الذكية، مما يسهم في تسهيل الحياة اليومية وتيسير إنجاز المهام."
وأضاف خياط أن إنشاء المدن الذكية لا يتم بشكل مفاجئ، بل يحتاج إلى بنية تحتية تكنولوجية مدروسة بعناية لتحديد الأنظمة التكنولوجية المناسبة، متمنيًا أن يتم تعميم التجربة على نطاق أوسع في الفترة القادمة. وأشار إلى التحديات التي تواجه تطبيق المدن الذكية في مصر، بما في ذلك غياب التشريعات المحددة والأطر التنظيمية الواضحة، بالإضافة إلى ضرورة تسريع الإجراءات الخاصة بالرخص التكنولوجية بما يضمن الاستفادة القصوى من هذه الحلول المتطورة.
من جانبه، تحدث مؤمن شريف، مدير العمليات في شركة Comatrol، عن التقدم الذي شهدته مصر في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بتطبيق المدن الذكية، مؤكدًا أن الحلول التكنولوجية وتقنيات الذكاء الاصطناعي كانت هي العامل المحوري في تسهيل حياة المواطنين. وأضاف شريف: "من خلال الذكاء الاصطناعي، يمكن تحسين بنية المدن الذكية بشكل مستمر، حيث توفر هذه التقنيات القدرة على تحسين عمليات اتخاذ القرار، مما يسهم في توفير بيئة أكثر أمانًا وراحة."
عمرو نور، الرئيس التنفيذي لشركة IoT Misr، ركز على أهمية التكنولوجيا في تحسين رفاهية المواطن في المدن الذكية. وقال نور: "إنترنت الأشياء هو المكون الأساسي الذي يمكنه ربط كافة الأجهزة وتحليل البيانات بشكل يساعد في تحسين مستوى الحياة داخل المدن." وأشار إلى أن إنترنت الأشياء يتم تطويره باستمرار ليلبي احتياجات المواطن ويواكب التغيرات التكنولوجية. ولفت إلى أن الوعي العام يعد أحد أبرز التحديات في تطبيق مفهوم المدن الذكية، مؤكدًا أن التكنولوجيا قد تم تطويعها بنجاح لتحقيق الأهداف المرجوة.
محمد عبد الفتاح، الخبير الإقليمي في تكنولوجيا التشغيل في مصر وليبيا والسودان بشركة Fortinet، أشار إلى أن تأمين التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة داخل المدن والمنازل الذكية يعد أمرًا بالغ الأهمية، خصوصًا مع تزايد التهديدات الإلكترونية.
وقال عبد الفتاح: "تعتبر حماية الأنظمة الذكية من الهجمات الإلكترونية من الأساسيات التي يجب التفكير فيها عند بناء مدينة أو منزل ذكي، وذلك لضمان حماية المستخدم وربطه بالخدمات المحيطة به عبر الذكاء الاصطناعي."
وأضاف أنه من الضروري تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص من خلال استراتيجيات واضحة تساهم في تسريع اتخاذ القرارات، إلى جانب تدريب وتأهيل الكوادر على التكنولوجيا الحديثة لتجنب أي مخاطر قد تؤثر على الدولة. كما أشار إلى أن مصر من بين الدول التي تواجه هجمات إلكترونية متزايدة بسبب عدم تأمين بياناتها بالشكل الصحيح حتى الآن.
من جانبه، تحدث معتز الطوخي، المدير التجاري B2B في شركة e& Egypt، عن أهمية فكرة المدن الذكية التي أصبحت من أولويات الحكومات لتسهيل الحياة اليومية للمواطنين. وأكد الطوخي على ضرورة العمل على حل التحديات البيئية مثل تقليل الانبعاثات، بالإضافة إلى أهمية الاستفادة من المعلومات لتحسين الحياة اليومية وتقديم خدمات أفضل للمواطنين. وأضاف: "الشركة بدأت في الاستثمار في مصر في مجال الخدمات التي تؤثر بشكل مباشر على حياة الفرد، كما أن خدمات الجيل الخامس 5G ستضاعف سرعات الإنترنت في مصر إلى عشرة أضعاف، مما يسهل عملية نقل البيانات والمعلومات بشكل أسرع."
وأشار الطوخي أيضًا إلى أن التحدي الأكبر يكمن في كيفية تنظيم البيانات والمعلومات بشكل فعال للحصول على قرارات دقيقة، مؤكدًا أن التكنولوجيا لن تؤدي إلى عائد اقتصادي إلا إذا تم استخدامها بشكل سليم. وأكد على أهمية تحرك الجهات المعنية في مصر نحو إصدار قوانين لحماية بيانات العملاء لضمان الأمان والخصوصية.
تنظم فعاليات المعرض شركة تريد فيرز إنترناشيونال بالتعاون مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، تحت شعار "The Next Wave"، حيث يسلط الضوء على أحدث التقنيات والاتجاهات المستقبلية التي ستعيد تشكيل الصناعات والاقتصادات والمجتمعات. ويشهد الحدث مشاركة كبرى المؤسسات العالمية وقادة التكنولوجيا.
يأتي المعرض برعاية عدد من الشركات والمؤسسات الكبرى، منها: دل تكنولوجيز، مجموعة إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية، البنك التجاري الدولي (CIB)، هواوي، أورنج مصر، مصر للطيران، المصرية للاتصالات، ماستركارد، وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا). كما تضم قائمة الرعاة شركات مثل: إي آند إنتربرايز، مجموعة بنية، خزنة، وسايشيلد.
يمثل معرض ومؤتمر Cairo ICT’24 منصة مهمة لاكتشاف الموجة التالية من التطور التكنولوجي، وإبراز الفرص المستقبلية التي تساهم في إعادة تشكيل الاقتصاد المصري والعالمي.