لجريدة عمان:
2025-03-09@21:56:44 GMT

ملتقى فلسطين الرواية العربية والذاكرة

تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT

ملتقى فلسطين الرواية العربية والذاكرة

هي قصة، تُحكى، ذات مضمون، بأسلوب معين، يتطور كلاهما عبر الزمن، وصولا الى الرواية، الأوروبية التبلور والظهور، والعالمية المنشأ في ظل ما تراكم من سرد واكب تطور المجتمع، من باب أن لكل أمة سردياتها.

لقد مثّلت الرواية أكثر الأشكال تطورا في عالم السرد والقص؛ لقدرتها العجيبة في خلق عالم بشري متكامل وحيّ، مصورة بصدق ما كان ويكون، باتجاه التغيير بمدى رحب متسع.

لسنا في باب محاججة حول نشوئها، ولكن في مجال تأمل هذا الشكل الحكائي الذي وجد طريقا في تاريخ الأدب العربي، والذي لا يذكرنا مثلا بفن المقامة لبديع الزمان الهمذاني ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري، بل وفي تاريخ الآداب الشعبية. ومن المهم تأمل الملاحم القديمة العالمية وشبيهاتها العربية.

إننا في باب تطور الشكل الأدبي الذي وجد طريقا للقص من خلال أشكال قصّ ورواية واضحة المعالم تصل الجمهور الواسع، تقدم قصة ما بمضمون معين وبلغة مفهومة.

وعليه، فلا يمكن أن نقبل على قراءة رواية بدون أسلوب ولغة يكونا رافعتين لها، كما أن أية لغة ثقيلة ممتلئة بجماليات كثيرة لن تنهض برواية ضعيفة المضمون.

في هذا السياق، فإن ملتقيات الرواية دوما بالرغم من تناولها الكثير من المحاور، إلا أنها لا تخرج عن بحث اتجاهات ومواضيع الرواية وطرق السرد.

في ملتقى فلسطين للرواية العربية، كان من الطبيعي أن تكون الذاكرة مثلا أحد محاور الملتقى، كونها تشكل زمنا فلسطينيا خاصا صار عمره 76 عاما، بالاستناد الى زمن نكبة فلسطين، ولنا أن نرى العمر قد فاق القرن بالاستناد الى الاحتلال البريطاني.

ولأن المقصود هنا الذاكرة الخاصة بالنكبة الفلسطينية، فقد كان من الطبيعي أن تحضر كونها من أزمان الرواية الحديثة والمعاصرة، دون أن ننسى أن فلسطين عرفت فن الرواية في وقت متقارب مع نشوئها في مصر أيضا.

بعد بضع سنوات على نكبة فلسطين، عادت القصة والرواية تظهران، ثم راحت تتبلور في الستينيات، لتتطور بشكل أكبر في العقود التالية، حيث ما أن تذهب موجة من الرواة حتى تتسلم الراية كوكبة أخرى.

وبعد هذه السنوات، نستطيع الآن مثلا تقصي وجود الذاكرة كزمن خاص في الروايات الفلسطينية، من خلال دراستها من حيث:

- وجود الظاهرة الزمنية.

- سياقها.

- توظيفها إبداعيا.

- طرق السرد، وتقنياته.

- رؤية الكاتب.

فإلى أي مدى تجلت طاهرة الذاكرة؟ وهل أبدع الفلسطينيون في تقديمها وأي اتجاه؟

فإذا درسنا الذاكرة بما يتعلق بعام النكبة 1948، فإننا سنجد تشابها مع الذاكرة المتعلقة بهزيمة عام 1967، كما سنجد اختلافا أيضا. ومع تتبع الزمن الفلسطيني عبر مراحله وتحولاته المرتبطة بحدث تاريخي سياسي معين: العدوان الثلاثي، 1967، 1970، 1973، 1979، 1987، 1993، 2000،...2023 نجد أن التطور الأدبي في كل زمن يلقي بظلاله على اختيارات المواضيع وطرق سردها.

والمقصد هنا أن الرواية الفلسطينية لم تتقوقع، بل ظلت حية حتى الآن وغدا، وهي بحاجة للاستمرار، بالاعتماد على شغف المواهب وتطويرها إبداعيا.

ترى ما هي الفترات الزمنية التي ظهرت في الرواية؟ وأيها ظهرت أكثر من غيرها؟ وهل لذلك علاقة بعمر الكاتب أو الفترة التي عاش فيها أو التي كان يطل عليها من خلال من سبقوه؟

ويبقى السؤال الأهم كيف كانت رؤية الكاتب؟

في ظل تذكر ما كان، ما عشناها وما سمعنا عنه ورأينا جزءا منه، نجد أن الماضي المستعاد لم يشكل فقط نوستالوجيا الحنين، ولا مجرد البكاء على الأطلال، بل باتجاه بناء الوطن أدبيا، بناء وحدته المكانية التي تنظر لفلسطين التاريخية نظرة واحدة، بهدف عميق وهو عدم الاستسلام لفكرة التجزئة المكانية، فلم تكن فلسطين يوما مكانا محددا بزمن هزيمة؛ فالهمة الأدبية هي هنا بمثابة همة وطنية وقومية وإنسانيا.

وخطورة الذاكرة هنا أنه مرتبطة عضويا وموضوعيا بالهوية؛ فلا ذاكرة فلسطينية بدون الهوية، ولا هو هوية بدون ذاكرة، وفيما يتجلى الوطن الفلسطيني المستلب كمكان روائي خاص.

لذلك، فإن كل ما ذكرناه يتجلى داخل الشخصيات، حسب الأعمار، فكل شخصية روائية هو منتج زمنيا ومكانيا لما مرّ بفلسطين ولها. أتعلق الأمر بفلسطيني الوطن هنا أو في خارج فلسطين، فيما يعرف بالشتات.

وهنا، فإن بناء الشخصيات هنا هو بناء ما تجلى من تأثيرات قضية فلسطين على الأفراد، من جهة، لما يشكل ذلك من تأثير قوي يشكل تحديا للفلسطيني والكاتب معا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحرك الفلسطيني في أي زمن أو مكان، بما فيه من حيوات. وهنا يكمن الإبداع الحقيقي في التعامل مع الشخصية في الرواية الفلسطينية؛ والتي هي تتأثر بالجذور مكانا وزمنا، ومكان الرواية وزمانها الخاص؛ فشخصيات غسان كنفاني مثلا في عائد الى حيفا، تختلف وتتشابه مع شخصيات المتشائل لإميل حبيبي، وصولا إلى شخصيات الروائيين الآن.

نقرأ التأثيرين معا، حتى وإن كان التأثير الأول يبدو غير مرئيّ تماما في روايات معينة، التي اختارت أن تركز على هذا الزمن. ولكنهما يتفاعلان. ولعل أكثر من عبر عن هذه الحالة الشاعر الكبير محمود درويش، حين عبر عن هذه العلاقة العضوية بين الفلسطيني وفلسطين أينما يكون.

الفلسطيني الشخصية الواقعية، توارث ليس الذاكرة فقط، بل أثرها في الوعي واللاوعي، أما الشخصية الروائية فهي التي تتجلى فيها الشخصية الواقعية. ثمة نمط هنا، يجعل الشخصية الإنسانية في الرواية، متفاعلة مع خصوصيات المكان، والمشاعر الطبيعية، والدوافع العادية في جوانب المجتمع، لكنها غير قادرة عن الفكاك كونها من فلسطين، وتلك هي الذاكرة-الدافع القدري الذي يجعل نفي الفلسطيني عن وطنه مستحيلا.

وهذا ما ذهب اليه جبرا إبراهيم جبرا في روايته "البحث عن وليد مسعود"1978، حين ظلت ذكريات وليد مسعود مرتبطة بالوطن، حتى وهو خارج الوطن. وهو الحال في رواية "تايه" 2019 لصافي صافي, يبدو أن التعلق بالمكان (الأصلي بيت نبالا) لم يقتصر على الكاتب، بل امتد إلى شخصية تايه وأمه، فالأم ترفض نفسيا الشعور بأن فترة اللجوء ستطول، وأنها ستنتهي قريبا، لذلك فقد اختارت البقاء في مغارة ريثما تعود، خشية التعلق بالمكان الجديد، بمعنى أنها رفضت أن يكون لها بيت جديد. "أم تايه هي الاقرب للتوجه غربا إذا ما انتهت الحرب، ولن تندم على اغراضها في المغارة، فالكنز هناك والغذاء هناك والماء هناك ورفات الأحبة هناك".

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الرواية السودانية- رحلة تطور وتنوع في الأدب العربي والأفريقي

عند منتصف ليلة البارحة، بدأت حديثي مع أخي زهجان وبعض الاخوة والاخوات الكرام حول الرواية السودانية، وما تناوله النقاد من تفكيك وتحليل لأهم الكتابات والأقلام التي أثرت في هذا الفن الأدبي. لقد توصلوا إلى أن لدينا سبعة من أبرز كتّاب الرواية السودانية الذين يعتبرون الأهم في هذا المجال وهم: منصور الصويم، وبركة ساكن، وأمير تاج السر، وعماد البليك، وهشام آدم، وحامد الناظر، وحمور زيادة. على الرغم من أن هذه الأسماء تعد من أبرز المساهمين، إلا أن هناك أكثر من خمسة عشر كاتبًا آخر لهم إنتاج كبير مثل أحمد ضحية، وطارق الطيب، والمعز عبد المتعال، والسفير جمال محمد إبراهيم، وأشراقة مصطفى، وليلى أبو العلا.

ولقد أهداني صديقي موفق معلوف رواية أثارت إعجابي بشدة وهي باللغة الإنجليزية، من تأليف الكاتبة السودانية صفية الهيلو. الرواية تحمل عنوان Home Is Not a Country (2021)، وهي رواية شعرية تحكي قصة نيما، فتاة مراهقة تعيش في الولايات المتحدة مع والدتها المهاجرة من بلد عربي غير محدد. تتناول الرواية مواضيع الهوية والانتماء، وتعكس رحلة نيما في اكتشاف نفسها عبر لقاءها بياسمين، الفتاة التي كانت ستكون لو وُلدت من قبل والدتها. تُحاكي الرواية قضايا الحنين والفقد باستخدام أسلوب سردي يمزج بين الشعر والخيال والواقعية السحرية، مما يجعلها من الأعمال الأدبية المؤثرة والمليئة بالصور الشعرية الرائعة.

أما عن النقد الأدبي للرواية السودانية، فقد أشار العديد من النقاد إلى أن الرواية السودانية المعاصرة، التي ظهرت منذ بداية التسعينيات من القرن العشرين، قد شهدت تطورًا ملحوظًا في الكم والنوعية. ففي الفترة بين 1948 و1989، تم نشر حوالي 90 رواية سودانية، بينما ازداد هذا العدد ليصل إلى حوالي 500 رواية من 1990 إلى 2020. وقد شهدت هذه الفترة تطورات هامة في الطرح الروائي، والتي تميزت بالتموضع الجدلي مع الواقع السوداني، وخاصة في ظل النظام الإسلامي الذي حكم السودان من 1989 إلى 2019، حيث فرض سياسات قمعية وأيديولوجية على الشعب السوداني.

كما استفاد الكتاب السودانيون من تقنيات السرد المختلفة مثل السيرة الذاتية والتاريخ والواقعية السحرية والتجريبية، مما أضاف بعدًا غنيًا لأعمالهم الأدبية. تركز الرواية السودانية أيضًا على الهمش والمهمشين، مثل النساء والأقليات والمهاجرين، حيث برز الصوت النسوي السردي الذي تحدى الوصاية الذكورية وسرد تجارب النساء السودانيات بكل جرأة. كما تم استخدام الشعر في السرد الروائي لإضفاء جماليات وعمق على النصوص.

البدايات والتطور في الرواية السودانية

تعود بدايات الرواية السودانية إلى الحكايات الشعبية السودانية التي كانت جزءًا من التراث الشفهي، ويُعد الطيب صالح من رواد الرواية السودانية الحديثة، حيث قدم روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" (1966)، التي اعتُبرت علامة فارقة في الأدب العربي. الرواية ناقشت العلاقة بين الشرق والغرب بأسلوب سردي محكم وواقعي، مما جعلها من أبرز الأعمال الأدبية العربية. ومن بعدها، ظهرت أسماء أخرى ساهمت في بناء الهوية الروائية السودانية، مثل إبراهيم إسحق الذي تناول الحياة في دارفور، وعبد العزيز بركة ساكن الذي كسر المحظورات الاجتماعية في أعماله.

اتجاهات الرواية السودانية

يمكن تصنيف الرواية السودانية إلى عدة تيارات رئيسية حسب الموضوعات والأسلوب:

الواقعية الاجتماعية والتاريخية: مثل روايات إبراهيم إسحق وحامد الناظر، اللتين تناولتا حياة المجتمعات السودانية المهمشة والنزوح والصراعات القبلية.
الرواية التجريبية والمسكوت عنه: مثل أعمال عبد العزيز بركة ساكن، التي تميزت بأسلوب سردي مكثف وصادم، كما في رواية "الجنقو مسامير الأرض"، التي تعرض معاناة المهمشين.
أدب الهوية والاغتراب: حيث كتب بعض الكتاب السودانيين بالإنجليزية لتسليط الضوء على قضايا الهوية السودانية في الشتات، مثل ليلى أبو العلا التي تناولت مسائل الهوية الثقافية والدين.
الواقعية السحرية والأسطورة: مثل أعمال منصور الصويم وطالب الطيب، التي مزجت بين الفانتازيا والواقع، لتسرد قصصًا تحمل دلالات ثقافية عميقة.
أبرز الأسماء في الرواية السودانية

هناك العديد من الكتاب الذين قدموا مساهمات هامة في هذا المجال، مثل أحمد الملك الذي يتميز بأسلوبه البسيط والعميق، وأبكر آدم إسماعيل الذي دمج النظريات السياسية في السرد، وعماد البليك الذي تناول قضايا فلسفية وتاريخية، بالإضافة إلى أسماء مثل جمال محجوب وآن الصافي ورانيا مأمون.

الرواية السودانية في الأدب العربي

على الرغم من أن الرواية السودانية لم تحظ بنفس الانتشار مثل الروايات المصرية أو المغاربية، إلا أنها أصبحت واحدة من أهم الفنون الأدبية في العالم العربي. حازت أعمال مثل شوق الدرويش والجنقو مسامير الأرض على جوائز مرموقة، وساهمت ترجمات أعمال الكتاب السودانيين في تعزيز حضور الرواية السودانية على المستوى العالمي.

تواصل الرواية السودانية اليوم تطورها ونضوجها، حيث تسلط الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية مهمة، وتقدم أصواتًا جديدة ومختلفة تعكس تحولات المجتمع السوداني. ومع تزايد الاهتمام النقدي والإعلامي بها، من المتوقع أن تستمر في إثراء المشهد الأدبي العربي والعالمي

zuhair.osman@aol.com

   

مقالات مشابهة

  • ملتقى رياض الصالحين يحذر من الغيبة والنميمة.. ويؤكد: الكلمة بناء للمجتمع
  • صدر حديثًا.. "البوكر العربية وزمن الرواية" للكاتب شوقى عبد الحميد
  • فلسطين تحذر من تجاوز الخطة العربية لإعمار غزة
  • البرلمان العربي ينوه بالإسهامات التي حققتها المرأة العربية على كافة الأصعدة
  • وزير الخارجية يناقش مع رئيس وزراء فلسطين مخرجات القمة العربية وخطة إعمار غزة
  • عبد العاطي يتابع مع رئيس وزراء فلسطين مخرجات القمة العربية غير العادية
  • الرواية السودانية- رحلة تطور وتنوع في الأدب العربي والأفريقي
  • وزارة الخارجية : المملكة تدين الجرائم التي تقوم بها مجموعات خارجة عن القانون في الجمهورية العربية السورية واستهدافها القوات الأمنية
  • وزير الخارجية الصيني: غزة ملك للفلسطينيين وندعم خطة التعافي التي أطلقتها مصر والدول العربية
  • «عمال مصر الاقتصادية» تدعم السيسي وتشيد بمخرجات القمة العربية بشأن فلسطين