عربي21:
2024-09-18@00:11:28 GMT

الديمقراطية في تونس وما جاورها

تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT

لقد طرد الانقلاب خصومه من حمى الديمقراطية وكشف نيته المكشوفة أصلا؛ أن يحكم وحده بطريقته وبأسلوبه حتى الموت، لكن خصومه ما زالوا مصرين على منافسته على قاعدة الديمقراطية الانتخابية فيتظلمون لدى محاكم نصب الانقلاب قضاتها وأجزل لهم العطاء.

وما من عاقل يمكنه أن يقنع الجمهور الناخب بأن الأمر في باطنه كما في ظاهره قائم على صراع بوسائل القانون، وأنه كلما أمعن فيه المعارضون وصلوا إلى حلول ديمقراطية، ويكفي فقط التحلي بالصبر وطول البال.

نحن ننظر إلى هذه اللحظة من زاوية مختلفة يقرّنا عليها كثيرون لكنهم لا يجرؤون على العمل بها كقاعدة لاستئناف السياسة في بلد مثل تونس، إنها معركة التحرر الوطني السبيل الوحيدة للوصول إلى وضع ديمقراطي يوفر شروط التداول على السلطة بالإرادة الشعبية الحرة.

هاربون من النقد الذاتي

نجلس في المقاهي مع مثقفين مشغولين بحال البلد فيهمسون بأن الموقف الأسلم ضد الانقلاب كان موقف رئيس البرلمان ليلة الانقلاب أمام برلمان مغلق بدبابة، وأن تفويت تلك اللحظة جر الخراب الحالي، فتسأل: ولماذا لا تصرح بهذا علنا حتى في منشور فيسبوك صغير؟ فيقول المثقف إن ذلك يعني عودة الغنوشي للسلطة بشرعية أكبر. وتمعن في السؤال: وما الذي أدى إلى تلك الوقفة؟ فتنكشف هشاشة النقد الذاتي وإن كان همسا. تدور أسطوانة أخطاء النهضة وزعيمها بما فيها تحوزها على طن من الألماس.

تنكشف المواقف والنوايا وينكشف خطاب الذين أعلنوا منافسة المنقلب بوسائله وبشروطه ففشلوا. لقد هربوا من الإقرار الأخلاقي الشجاع بأنهم شاركوا من مواقع مختلفة وبدرجات متفاوتة في الانقلاب قبل أن يصلوا إلى قناعة بفشله، وإذ يحاولون إسقاطه ينكشفون ويكشفون أنهم يحتفظون من الانقلاب بجوهره، فجوهر الانقلاب عملية استئصالية موجهة ضد طرف سياسي كان له شرف معارضته منذ الساعة الأولى
من هنا تدخل علينا البذاءة، إذ تنكشف المواقف والنوايا وينكشف خطاب الذين أعلنوا منافسة المنقلب بوسائله وبشروطه ففشلوا. لقد هربوا من الإقرار الأخلاقي الشجاع بأنهم شاركوا من مواقع مختلفة وبدرجات متفاوتة في الانقلاب قبل أن يصلوا إلى قناعة بفشله، وإذ يحاولون إسقاطه ينكشفون ويكشفون أنهم يحتفظون من الانقلاب بجوهره، فجوهر الانقلاب عملية استئصالية موجهة ضد طرف سياسي كان له شرف معارضته منذ الساعة الأولى. لكن الانقلاب وهو في طريقه إلى ترسيخ قدميه جرَّف كل احتمالات العودة إلى الديمقراطية، وكان المترشحون الحاليون المطرودون من حمّى الديمقراطية من بعض من جرَّف، فهم وخصمهم في موقع سواء.

لقد ترشحوا في وضع سياسي رأوا فيه غنيمة متاحة وهو أن خصما سياسيا ثقيل الوزن في صندوق الانتخاب غائب ولا يمكنه المنافسة فالمنصب متاح في غيابهم. ولقد أظهر كل واحد منهم من سوء النية ما يكفي ليكون استئصاليا متخفيا خلف خطاب ديمقراطي فقد كان أعلى خطاب سمعناه المن على المساجين بالسراح مع ما يكفي من الحذلقة القانونية ليكون سراحا بشروط التصويت. فالجمهور الممنوع من الترشيح بقي بلا مرشح، ويمكن الاستفادة منه بلا ثمن أو بثمن بخس.

لقد كتبنا لهم حد الملل أن الانقلاب يعرف فرقتهم ويستفيد منها وقد مر منها إلى السلطة، وقد حان زمن الخروج من التفكير الانتهازي والاستئصالي لبناء جبهة سياسية تستعيد الديمقراطية وترسخ قواعد التنافس، لكن مع كل يوم يمر كنا نكتشف أن غياب حزب النهضة اعتبر عندهم فرصة ذهبية لنيل السلطة (وبجمهور النهضة المطرود منها). ولقد وصفنا هذا السلوك ونكرر مرة أخرى هذه طريقة الضباع في تدبر غذائها، إذ تنتظر صيد السباع لتأكل من فضلتها. لقد كان كل الوضع فضلة صيد تهافتت عليه ضباع. لقد اكتشفوا أن الصائد يحب أن يأكل وحده، وقد علق فريسته فوق شجرة حيث لا ترتقي الضباع.

لدغة ثانية من نفس الجحر

اللدغة الأولى كانت زمن بن علي. وقد تلذذ معارضوه محرقة الإسلاميين وظنوا أنهم نائلون بذلك غنيمة المشاركة في السلطة، فلما استبد الأمر له صفاهم بأقل القليل من الجهد. تكرر المشهد بحذافيره؛ الضحية واضحة والطامعون في الغنيمة لم يتطوروا، لقد أدخلوا أيديهم للجحر ثانية فلم ينالوا إلا السم بما يجعل حديثهم عن الديمقراطية عندنا لغوا لا يعتد به ولا يؤمَن قائله.

كانت أقوى ورقة عند الانقلاب وهو يصفي خصومه هي فرقتهم في هذه النقطة بالذات، وقد استفاد من تجربة بن علي دون دفع ثمن كأن من يخطط له اللدغة الثانية هو الذي خطط اللدغة الأولى
هل على الجميع أن يصطف خلف النهضة الآن؟ لقد سمعنا هذا السؤال في المقاهي، ولقد أجبنا بما نراه من شروط بناء الديمقراطية أن يكون التقدم للديمقراطية مبنيا على ضمان حقوق الجميع بعد العرض على الجمهور الواسع، وأن يقبل حكم الجمهور وميزانه في الناس والأحزاب، وأن يترك للزمن تمحيص القدرات دون خطاب الاستئصال الظاهر وخاصة دون حذلقات الاستئصال المتخفي، من قبيل للإسلاميين الحق في المشاركة لكن دون ممارسة الحكم. فمن هنا بدأ الاستئصال أو عاد بعد الثورة وهو الأصح، وقد كنا ظننا أن الثورة جبت ما قبلها.

الانقلاب بدأ من هنا حتى وصلنا إلى لحظته الراهنة، وكل الذين شاركوا في خطاب "نعم ولكن" مهدوا له وكثيرهم دعمه ولا يزال يتظاهر بمعارضته أو الترشح ضده لتزيين محفله المزيف. إننا نذهب إلى حد القول إن الانقلاب أقل استئصالية من معارضيه لأنه واضح في خصومته.

لقد كانت أقوى ورقة عند الانقلاب وهو يصفي خصومه هي فرقتهم في هذه النقطة بالذات، وقد استفاد من تجربة بن علي دون دفع ثمن كأن من يخطط له اللدغة الثانية هو الذي خطط اللدغة الأولى. هذه النتيجة من تلك الأسباب.

وضع عربي واحد يفتح على معركة تحرر وطني

نعمم الحالة التونسية بكل سهولة، فالوضع متشابه بل متطابق في كل قُطر ولا تتغير إلا الأسماء وربطات العنق. فأفق الديمقراطية في بلداننا يفتح على معارك أكبر هي التحرر من تأثير القوى الخارجية المتحكمة في كل مشهد على حدة، بالاستناد إلى قوة الناس المتضررين من القهر الاستعماري منذ قرنين.

نرى الجزائر، يستقيل تبون ويعيد الترشح وينافسه مرشح إسلامي وآخر يساري، ونجزم بفوز تبون قبل السابع من أيلول/ سبتمبر وفي دورة واحدة، فالمنافسان يتنافيان بما يفتح الطريق لمرشح العسكر.

نعمم الحالة التونسية بكل سهولة، فالوضع متشابه بل متطابق في كل قُطر ولا تتغير إلا الأسماء وربطات العنق. فأفق الديمقراطية في بلداننا يفتح على معارك أكبر هي التحرر من تأثير القوى الخارجية المتحكمة في كل مشهد على حدة،
الوضع نفسه في مصر بل في فلسطين نفسها وهي تحت النار، فعباس لا يزال ذا حظوة عند قوم يتظاهرون بنصرة المقاومة لكن قلوبهم مع عباس ويعتبرونه عنوان الشرعية. وكلما وسعنا القياس وجدنا أدلة على هذا التنافي الاستئصالي الذي يستفيد منه حتى حفتر، بما يفرز الصفوف لمن يملك الشجاعة.

صف بناء الديمقراطية على قاعدة غير استئصالية هو صف التحرر الوطني بالديمقراطية دون الحاجة إلى أنفاق حماس وقذائف الياسين، يقابله صف الانقلابات وفيه كل استئصالي يظن نفسه يملك حقيقة الديمقراطية وهو في العمق استئصالي يأكل فضلة السباع.

هل سيتألف هذا الصف التحرري بالديمقراطية؟ إجابتنا هي لا كبيرة لا نشك في صحتها؛ لأن بداية تأسيس هذا الصف هي الاعتراف بالمشاركة في الانقلاب على الديمقراطية وانتظار غنيمة من الانقلابات، وهذا شامل وعام في كل الأقطار.

ماذا سيحدث بعد حين؟ سينتصر الانقلاب بالصندوق ويحكم ما شاء الله له أن يحكم، وسيبقى الديمقراطيون المزيفون في وجوهنا، وعزاؤنا الوحيد هو أنهم لن ينجبوا وريثا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الديمقراطية تونس الإنقلاب تونس انتخابات الديمقراطية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

تراجع الديمقراطية للعام الثامن على التوالي في جميع أنحاء العالم وفقاً لبحث

سبتمبر 18, 2024آخر تحديث: سبتمبر 18, 2024

المستقلة/- قالت منظمة تروج للديمقراطية يوم الثلاثاء إن العام الماضي شهد أسوأ انخفاض في الانتخابات الموثوقة والرقابة البرلمانية منذ ما يقرب من نصف قرن، مدفوعًا بالترهيب الحكومي والتدخل الأجنبي والتضليل وإساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في الحملات.

قال المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، إن مصداقية الانتخابات مهددة بانخفاض نسبة المشاركة والنتائج التي يتم الطعن فيها بشكل متزايد. وأضاف أن انتخابات واحدة من كل ثلاث انتخابات يتم الطعن فيها بطريقة أو بأخرى.

وقالت المنظمة التي تضم 35 عضو إن النسبة المئوية المتوسطة للسكان في سن التصويت الذين أدلوا بأصواتهم بالفعل انخفضت من 65.2٪ في عام 2008 إلى 55.5٪ في عام 2023.

وقال الأمين العام للمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، كيفن كاساس زامورا، “تظل الانتخابات هي أفضل فرصة لإنهاء التراجع الديمقراطي وتحويل المد لصالح الديمقراطية. يعتمد نجاح الديمقراطية على أشياء كثيرة، لكنه يصبح مستحيلًا تمامًا إذا فشلت الانتخابات”.

وقالت المنظمة التي يقع مقرها في ستوكهولم إن تقريرها العالمي عن حالة الديمقراطية، الذي يقيس الأداء الديمقراطي في 158 دولة منذ عام 1975 حتى اليوم، وجد أن 47% من البلدان شهدت انخفاضاً في المؤشرات الديمقراطية الرئيسية على مدى السنوات الخمس الماضية، مما يمثل العام الثامن على التوالي من التراجع الديمقراطي العالمي.

وعلى مستوى العالم، رفض أحد المرشحين أو الأحزاب الخاسرة النتيجة في ما يقرب من 20% من الانتخابات التي جرت بين عامي 2020 و2024، وكانت الانتخابات تُحسم عن طريق الاستئنافات القضائية بنفس المعدل.

وقال التقرير إن عام 2023 كان أسوأ عام عندما يتعلق الأمر بالانتخابات الحرة والنزيهة والرقابة البرلمانية.

وكانت هناك تهديدات بالتدخل الأجنبي والتضليل واستخدام الذكاء الاصطناعي في الحملات. وتمتد الانخفاضات إلى الديمقراطيات القوية تقليدياً وكذلك الحكومات الهشة في جميع أنحاء العالم.

وفي أفريقيا، ظل الأداء الديمقراطي مستقرا بشكل عام على مدى السنوات الخمس الماضية، مع انخفاضات ملحوظة في منطقة الساحل، وخاصة في بوركينا فاسو المتضررة من الانقلاب والتي تعد واحدة من قائمة متزايدة من دول غرب أفريقيا حيث استولى الجيش على السلطة، بعد أتهام الحكومات المنتخبة بالفشل في الوفاء بوعودها. وأشارت مؤسسة IDEA إلى أن بوروندي وزامبيا حققتا تحسينات ملحوظة.

وفيما يتعلق بغرب آسيا، كان أداء أكثر من ثلث البلدان ضعيفاً، في حين شهدت أوروبا انخفاضات واسعة النطاق في الجوانب الديمقراطية مثل سيادة القانون والحريات المدنية. ومع ذلك، تم الإبلاغ عن تقدم ملحوظ في الجبل الأسود ولاتفيا.

ولاحظت الدراسة أن الأمريكتين حافظتا على الاستقرار في الغالب، لكن دولًا مثل غواتيمالا وبيرو وأوروغواي شهدت تراجعات، وخاصة في سيادة القانون والحريات المدنية.

وقالت المنظمة إن معظم البلدان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ شهدت تراجعات طفيفة أو استقرارًا، مع تحسن ملحوظ في فيجي وجزر المالديف وتايلاند. ومع ذلك، كانت التراجعات كبيرة في أفغانستان حيث لم تعترف أي دولة بطالبان كحاكم شرعي منذ استيلائها على السلطة في عام 2021، وفي ميانمار، حيث تدهورت المعارضة للاستيلاء العسكري إلى حرب أهلية.

مقالات مشابهة

  • تراجع الديمقراطية للعام الثامن على التوالي في جميع أنحاء العالم وفقاً لبحث
  • تقرير دولي يحذر من ضعف الديمقراطية في أوروبا
  • مصرع أربعة أشخاص جراء غرق مركب نهري بالكونغو الديمقراطية
  • المركزية الديمقراطية … أُس العِلَّة (6)
  • الكتلة الديمقراطية: ندين القصف العشوائي الذي تمارسه مليشيا الدعم السريع ضد المدنيين في الفاشر
  • غليان في تونس قبل أسابيع من انتخابات الرئاسة.. الاحتجاجات تقلب الموازين
  • أي مشهد سياسي بتونس قبل أسابيع من الاقتراع الرئاسي؟
  • أزمة السيادة الوطنية، الفيل الذي في الغرفة… (1)
  • الحكيم: الدستور والقضاء المرجع الأساس في النظم الديمقراطية
  • رئيس حكومة فرنسا الأسبق: موقفنا من غزة فضيحة حقيقية بالمعايير الديمقراطية