عربي21:
2025-03-03@23:13:27 GMT

الديمقراطية في تونس وما جاورها

تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT

لقد طرد الانقلاب خصومه من حمى الديمقراطية وكشف نيته المكشوفة أصلا؛ أن يحكم وحده بطريقته وبأسلوبه حتى الموت، لكن خصومه ما زالوا مصرين على منافسته على قاعدة الديمقراطية الانتخابية فيتظلمون لدى محاكم نصب الانقلاب قضاتها وأجزل لهم العطاء.

وما من عاقل يمكنه أن يقنع الجمهور الناخب بأن الأمر في باطنه كما في ظاهره قائم على صراع بوسائل القانون، وأنه كلما أمعن فيه المعارضون وصلوا إلى حلول ديمقراطية، ويكفي فقط التحلي بالصبر وطول البال.

نحن ننظر إلى هذه اللحظة من زاوية مختلفة يقرّنا عليها كثيرون لكنهم لا يجرؤون على العمل بها كقاعدة لاستئناف السياسة في بلد مثل تونس، إنها معركة التحرر الوطني السبيل الوحيدة للوصول إلى وضع ديمقراطي يوفر شروط التداول على السلطة بالإرادة الشعبية الحرة.

هاربون من النقد الذاتي

نجلس في المقاهي مع مثقفين مشغولين بحال البلد فيهمسون بأن الموقف الأسلم ضد الانقلاب كان موقف رئيس البرلمان ليلة الانقلاب أمام برلمان مغلق بدبابة، وأن تفويت تلك اللحظة جر الخراب الحالي، فتسأل: ولماذا لا تصرح بهذا علنا حتى في منشور فيسبوك صغير؟ فيقول المثقف إن ذلك يعني عودة الغنوشي للسلطة بشرعية أكبر. وتمعن في السؤال: وما الذي أدى إلى تلك الوقفة؟ فتنكشف هشاشة النقد الذاتي وإن كان همسا. تدور أسطوانة أخطاء النهضة وزعيمها بما فيها تحوزها على طن من الألماس.

تنكشف المواقف والنوايا وينكشف خطاب الذين أعلنوا منافسة المنقلب بوسائله وبشروطه ففشلوا. لقد هربوا من الإقرار الأخلاقي الشجاع بأنهم شاركوا من مواقع مختلفة وبدرجات متفاوتة في الانقلاب قبل أن يصلوا إلى قناعة بفشله، وإذ يحاولون إسقاطه ينكشفون ويكشفون أنهم يحتفظون من الانقلاب بجوهره، فجوهر الانقلاب عملية استئصالية موجهة ضد طرف سياسي كان له شرف معارضته منذ الساعة الأولى
من هنا تدخل علينا البذاءة، إذ تنكشف المواقف والنوايا وينكشف خطاب الذين أعلنوا منافسة المنقلب بوسائله وبشروطه ففشلوا. لقد هربوا من الإقرار الأخلاقي الشجاع بأنهم شاركوا من مواقع مختلفة وبدرجات متفاوتة في الانقلاب قبل أن يصلوا إلى قناعة بفشله، وإذ يحاولون إسقاطه ينكشفون ويكشفون أنهم يحتفظون من الانقلاب بجوهره، فجوهر الانقلاب عملية استئصالية موجهة ضد طرف سياسي كان له شرف معارضته منذ الساعة الأولى. لكن الانقلاب وهو في طريقه إلى ترسيخ قدميه جرَّف كل احتمالات العودة إلى الديمقراطية، وكان المترشحون الحاليون المطرودون من حمّى الديمقراطية من بعض من جرَّف، فهم وخصمهم في موقع سواء.

لقد ترشحوا في وضع سياسي رأوا فيه غنيمة متاحة وهو أن خصما سياسيا ثقيل الوزن في صندوق الانتخاب غائب ولا يمكنه المنافسة فالمنصب متاح في غيابهم. ولقد أظهر كل واحد منهم من سوء النية ما يكفي ليكون استئصاليا متخفيا خلف خطاب ديمقراطي فقد كان أعلى خطاب سمعناه المن على المساجين بالسراح مع ما يكفي من الحذلقة القانونية ليكون سراحا بشروط التصويت. فالجمهور الممنوع من الترشيح بقي بلا مرشح، ويمكن الاستفادة منه بلا ثمن أو بثمن بخس.

لقد كتبنا لهم حد الملل أن الانقلاب يعرف فرقتهم ويستفيد منها وقد مر منها إلى السلطة، وقد حان زمن الخروج من التفكير الانتهازي والاستئصالي لبناء جبهة سياسية تستعيد الديمقراطية وترسخ قواعد التنافس، لكن مع كل يوم يمر كنا نكتشف أن غياب حزب النهضة اعتبر عندهم فرصة ذهبية لنيل السلطة (وبجمهور النهضة المطرود منها). ولقد وصفنا هذا السلوك ونكرر مرة أخرى هذه طريقة الضباع في تدبر غذائها، إذ تنتظر صيد السباع لتأكل من فضلتها. لقد كان كل الوضع فضلة صيد تهافتت عليه ضباع. لقد اكتشفوا أن الصائد يحب أن يأكل وحده، وقد علق فريسته فوق شجرة حيث لا ترتقي الضباع.

لدغة ثانية من نفس الجحر

اللدغة الأولى كانت زمن بن علي. وقد تلذذ معارضوه محرقة الإسلاميين وظنوا أنهم نائلون بذلك غنيمة المشاركة في السلطة، فلما استبد الأمر له صفاهم بأقل القليل من الجهد. تكرر المشهد بحذافيره؛ الضحية واضحة والطامعون في الغنيمة لم يتطوروا، لقد أدخلوا أيديهم للجحر ثانية فلم ينالوا إلا السم بما يجعل حديثهم عن الديمقراطية عندنا لغوا لا يعتد به ولا يؤمَن قائله.

كانت أقوى ورقة عند الانقلاب وهو يصفي خصومه هي فرقتهم في هذه النقطة بالذات، وقد استفاد من تجربة بن علي دون دفع ثمن كأن من يخطط له اللدغة الثانية هو الذي خطط اللدغة الأولى
هل على الجميع أن يصطف خلف النهضة الآن؟ لقد سمعنا هذا السؤال في المقاهي، ولقد أجبنا بما نراه من شروط بناء الديمقراطية أن يكون التقدم للديمقراطية مبنيا على ضمان حقوق الجميع بعد العرض على الجمهور الواسع، وأن يقبل حكم الجمهور وميزانه في الناس والأحزاب، وأن يترك للزمن تمحيص القدرات دون خطاب الاستئصال الظاهر وخاصة دون حذلقات الاستئصال المتخفي، من قبيل للإسلاميين الحق في المشاركة لكن دون ممارسة الحكم. فمن هنا بدأ الاستئصال أو عاد بعد الثورة وهو الأصح، وقد كنا ظننا أن الثورة جبت ما قبلها.

الانقلاب بدأ من هنا حتى وصلنا إلى لحظته الراهنة، وكل الذين شاركوا في خطاب "نعم ولكن" مهدوا له وكثيرهم دعمه ولا يزال يتظاهر بمعارضته أو الترشح ضده لتزيين محفله المزيف. إننا نذهب إلى حد القول إن الانقلاب أقل استئصالية من معارضيه لأنه واضح في خصومته.

لقد كانت أقوى ورقة عند الانقلاب وهو يصفي خصومه هي فرقتهم في هذه النقطة بالذات، وقد استفاد من تجربة بن علي دون دفع ثمن كأن من يخطط له اللدغة الثانية هو الذي خطط اللدغة الأولى. هذه النتيجة من تلك الأسباب.

وضع عربي واحد يفتح على معركة تحرر وطني

نعمم الحالة التونسية بكل سهولة، فالوضع متشابه بل متطابق في كل قُطر ولا تتغير إلا الأسماء وربطات العنق. فأفق الديمقراطية في بلداننا يفتح على معارك أكبر هي التحرر من تأثير القوى الخارجية المتحكمة في كل مشهد على حدة، بالاستناد إلى قوة الناس المتضررين من القهر الاستعماري منذ قرنين.

نرى الجزائر، يستقيل تبون ويعيد الترشح وينافسه مرشح إسلامي وآخر يساري، ونجزم بفوز تبون قبل السابع من أيلول/ سبتمبر وفي دورة واحدة، فالمنافسان يتنافيان بما يفتح الطريق لمرشح العسكر.

نعمم الحالة التونسية بكل سهولة، فالوضع متشابه بل متطابق في كل قُطر ولا تتغير إلا الأسماء وربطات العنق. فأفق الديمقراطية في بلداننا يفتح على معارك أكبر هي التحرر من تأثير القوى الخارجية المتحكمة في كل مشهد على حدة،
الوضع نفسه في مصر بل في فلسطين نفسها وهي تحت النار، فعباس لا يزال ذا حظوة عند قوم يتظاهرون بنصرة المقاومة لكن قلوبهم مع عباس ويعتبرونه عنوان الشرعية. وكلما وسعنا القياس وجدنا أدلة على هذا التنافي الاستئصالي الذي يستفيد منه حتى حفتر، بما يفرز الصفوف لمن يملك الشجاعة.

صف بناء الديمقراطية على قاعدة غير استئصالية هو صف التحرر الوطني بالديمقراطية دون الحاجة إلى أنفاق حماس وقذائف الياسين، يقابله صف الانقلابات وفيه كل استئصالي يظن نفسه يملك حقيقة الديمقراطية وهو في العمق استئصالي يأكل فضلة السباع.

هل سيتألف هذا الصف التحرري بالديمقراطية؟ إجابتنا هي لا كبيرة لا نشك في صحتها؛ لأن بداية تأسيس هذا الصف هي الاعتراف بالمشاركة في الانقلاب على الديمقراطية وانتظار غنيمة من الانقلابات، وهذا شامل وعام في كل الأقطار.

ماذا سيحدث بعد حين؟ سينتصر الانقلاب بالصندوق ويحكم ما شاء الله له أن يحكم، وسيبقى الديمقراطيون المزيفون في وجوهنا، وعزاؤنا الوحيد هو أنهم لن ينجبوا وريثا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الديمقراطية تونس الإنقلاب تونس انتخابات الديمقراطية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

العنف يهدد بحرب إقليمية في الكونغو الديمقراطية

أحمد شعبان (كينشاسا، القاهرة)

أخبار ذات صلة غوتيريش: تجدد الحرب في غزة سيكون كارثياً «الأونروا»: التخلص من الوكالة لن ينهي قضية اللاجئين

حذر خبراء في الشأن الأفريقي والإرهاب الدولي، من اندلاع حرب إقليمية في جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد تصاعد الاشتباكات بين الجيش وحركة «إم 23» المسلحة، كما حذرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، من تفاقم الأزمة الإنسانية، مع عدم القدرة على الوصول إلى النازحين وتوفير المساعدات للمحتاجين. وكشفت الأمم المتحدة عن أن أعمال العنف في شرق الكونغو دفعت نحو 42 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، إلى اللجوء إلى بوروندي خلال أسبوعين، وتتوقع وصول 58 ألف شخص خلال ثلاثة أشهر.
وأوضح الباحث في شؤون التنظيمات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، أن أغلب الجماعات المسلحة في أفريقيا قوية وتلقى دعماً خارجياً، فضلاً عن أن الدولة المركزية في أغلب العواصم تبدو ضعيفة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في مواجهة التنظيمات الإرهابية، والكونغو الديمقراطية إحدى هذه الدول.
وأشار أديب في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى أن الجماعات المتمردة موجودة منذ فترة طويلة ما أدى إلى عدم استقرار سياسي في كثير من دول القارة السمراء، وبالتالي فإن حركة «إم 23» المسلحة تظل تقاتل في الكونغو نتيجة ضعف الدولة أمام الجماعة المدعومة من دول أخرى في الجوار.
وحذر من خطورة بعض الجماعات المسلحة في الكونغو والتي أخذت صبغة دينية متطرفة، وهي في الأصل ميليشيات عسكرية تنتمي لتنظيم «القاعدة» أو «داعش» أو غيرها من التنظيمات الإرهابية المحلية والإقليمية داخل القارة الأفريقية وتقاتل هذه الدول.
ويرى أديب أن الاتحاد الأفريقي والمؤسسات في القارة السمراء تتحمل مسؤولية دعم الدول المركزية ومنها الكونغو، وتتحمل جزءاً من ضعف هذه الدول في مواجهة التنظيمات المتطرفة، خاصة أنها لم تبحث عن طرق وحلول مؤثرة في المواجهة العسكرية والفكرية مع هذه الجماعات. وتتنافس أكثر من 100 جماعة مسلحة للسيطرة على المنطقة الشرقية الغنية بالمعادن في الكونغو الديمقراطية خلال الصراع المستمر منذ عقود، والذي أسفر عن إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
من جهته، أوضح نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، السفير الدكتور صلاح حليمة، أن المشكلة الرئيسة في الكونغو تكمن في أن حركة «إم 23» الجناح المسلح لإثنية التوتسي، وهناك صراع على الثروة والسلطة خاصة في منطقة «غوما» التي استولت عليها الحركة المتمردة.
ولفت السفير حليمة في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى وجود حركة إثنية أخرى في الكونغو من «الهوتو»، وهي جماعة متطرفة تدخل في إطار الصراع الأيديولوجي، وتميل لتأييد الحكومة، وفي نفس الوقت لها رؤية تتعلق بشكل وطبيعة النظام السياسي للكونغو، وبالتالي فإن الصراع ليس حرباً داخلية فقط، إنما هناك أدوار إقليمية داعمة لحركة التمرد من جانب دول أخرى.
وذكر أن هناك محاولات كثيرة لإنهاء الصراع في الكونغو من جانب كينيا وتانزانيا، والتجمعات الإقليمية مثل «مجموعة شرق أفريقيا»، ومجموعة «تنمية الجنوب الأفريقي السدك»، لكن لم تنجح، كما أن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو القوات الشرطية لم تستطع أن تسيطر أو تحول دون إنقاذ الموقف.

مقالات مشابهة

  • سلوى خطاب.. .. مع «حكيم باشا» في رمضان
  • الحزب الشيوعي السوداني: وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة ولا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023
  • تصعيد عسكري وتزايد التوترات الدبلوماسية شرق الكونغو الديمقراطية
  • مراقبون: الانقلاب الحوثي نكبة طالت قطاعات عدة أبرزها الاقتصاد والتعليم
  • مخاوف من تصاعد صراع الكونغو الديمقراطية إلى حرب إقليمية
  • تصاعد التوتر في الكونغو الديمقراطية وسط تحركات إقليمية لمواجهة متمردي أم 23
  • مظلوم عبدي الخال جيلو قائد قوات سوريا الديمقراطية
  • العنف يهدد بحرب إقليمية في الكونغو الديمقراطية
  • العراق في موقع سيء بمؤشر الديمقراطية لعام 2024
  • صحيفة تركية: خطاب أوجلان كتبه بيده وخضع للمراجعة الأمنية