حزب المؤتمر.. إرادة شعب لا يستكين ومشروع سياسي جامع لكل اليمنيين
تاريخ النشر: 23rd, August 2024 GMT
في بلد كان النظام الجمهوري مولوداً حديثاً، مثل اليمن الذي انتصر الشعب لإرادته في 26 سبتمبر/ أيلول 1962، كانت الأطماع الدولية حاضرة بقوة في محاولات بائسة لإيجاد موطئ قدم لها، إمّا عبر إعادة قوى من النظام الإمامي أو بفرض قوى موالية في النظام الجمهوري، ولذا كانت الانقلابات والتصفيات السياسية والعسكرية وليدة هذه الأطماع، إلا أن إرادة الشعوب الحرة لا تستكين، وهذا ما يعيدنا إلى عزيمة وقرار قائد وشعب قبل أربعة عقود.
خلال نحو عقدين ونصف العقد منذ قيام ثورة 26 سبتمبر/ أيلول، تعاقب على رئاسة النظام الجمهوري في اليمن أكثر من أربعة رؤساء، إلا أن الاطاحات كانت حاضرة بقوة لدى جميعهم ولكن بصيغ تفاوتت بين التنحي تحت الضغط والإكراه أو التصفية، في مؤشر أيضاً على الصراع الداخلي للقوى اليمنية، إمّا لفرض القبيلة هيمنتها أو لتهميش الحاكم طيفاً كبيراً من أبناء المجتمع ذي التنوع الثقافي والجغرافي والسياسي.
تولّي مقاليد الحكم لم يكن أمرا هيّنا، ويتطلب من الحاكم احتواء جميع هذه الأطياف والتنوعات، وتقويض النفوذ الدولي في بلد نظامه الحديث لا يقوى على الثبات أمام كل هذه التباينات إن لم تؤخذ جميعها بعين الاعتبار، وإلا مصيره السقوط إما بـ"عسيب القبيلة" أو برصاصة "المشروع الخارجي"، ولذا كان الحكم في اليمن أشبه بالانتحار.
بعد تساقط أكثر من أربعة رؤوساء بطرق متفاوتة، بينهم رئيسان أُغتيلا في عامي 1977 و1978، وهما: "إبراهيم الحمدي ثم أحمد الغشمي"، كان تولي منصب رئيس الجمهورية أشبه بمغامرة، ولذا رفض الكثيرون تولي هذا المنصب، وتحديداً في هذه الفترة، حتى اجتمع مجلس الشعب واختار بالإجماع المقدم علي عبدالله صالح، رئيساً للبلاد.
علي عبدالله صالح، الضابط الشجاع في القوات المسلحة، وأحد أبطال ملحمة السبعين في حصار فرضته جحافل الملكيين على العاصمة صنعاء، حمل كفنه على يده -حسب تأكيده في أكثر من خطاب "رحمه الله"، وتأكيد الكثير من مؤرخي تلك الحقبة- وقبل بالمنصب الذي لم يكن "مغنما وانما مغرم" حد تاكيداته المتواترة، احتراماً لإرادة مجلس الشعب، ووفاءً لشعب يتوق للانعتاق من النظام الإمامي الكهنوتي الذي يتربص بالنظام الجمهوري منذ إطلاق شرارته صبيحة 26 سبتمبر.
غلو وتطرف
الحكم في اليمن ذي التنوع الاجتماعي والسياسي، يتطلب قائدا شجاعا ورؤية سياسية ثاقبة، وفوق ذلك الاستفادة من تجارب سابقيه، خصوصا والطريق أمامه لم يكن مفروشا بالورود. كما أن النظام الإمامي للنظام الكهنوتي لأسرة "بيت حميد الدين" عمل بمنهجية على تفتيت النسيج الاجتماعي في شمال اليمن، ومثله الاستعمار البريطاني في جنوبه حتى بعد ثورة 14 أكتوبر 1963. بل إنهما لا يزالان حاضرين عبر اذرعهما في الشطرين، ولذا مشروع تحقيق الوحدة اليمنية، حلم الشعب وصمام أمان الشطرين لا يزال رهن هذه المؤامرات.
الحل الوحيد هو بتأسيس كيان شامل وجامع في شمال اليمن أولاً، يستند في نظامه وأهدافه وقيمه إلى الدين الاسلامي الذي يعتنقه هذا الشعب، بعيدا عن الغلو والتطرف، وإلى اعرافه واسلافه القبلية والسياسية، من ناحية لضمان التفاف جميع المكونات حوله، ومن جانب آخر لضمان وحدة رؤية العمل المشترك لتحقيق أهداف هذا الشعب في مقدمتها تحقيق الوحدة اليمنية، ومن هُنا انبثقت ولادة اعلان تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، حزبا لكل الشعب اليمني، في 24 اغسطس 1982، الذي يصادف يوم غد السبت الذكرى الـ42 لتأسيسه.
نجح رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح في هذا القرار، حيث اعلن السواد الأعظم من القوى القبلية والمكونات السياسية الوطنية الانضمام إلى هذا الحزب، واختيار "صالح" رئيساً للحزب، وقاد سفينة البلاد باقتدار ووسطية إلى بر الأمان لأكثر من ثلاثة عقود، رغم بقاء حفنة من المأجورين للقوى الدولية واموالها على عهدهم، يوجهون طعناتهم في خاصرة الوطن وأمنه واستقراره بين الحين والآخر، فكانوا سبباً رئيساً لانزلاق البلاد في أتون الصراعات والاقتتال بين الحين والآخر، لكن النصر في نهاية المطاف كان حليف إرادة الشعب.
نجح أيضاً حزب المؤتمر الشعبي العام، الحاكم في البلاد في بناء علاقات محلية ودولية واسعة ازدادت نموا وازدهارا من عقد لآخر. محليا توجت بتحقيق الوحدة اليمنية مع شريكة الحزب الاشتراكي اليمني في جنوب اليمن، ودخول البلاد مرحلة جديدة من الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، والانتخابات المباشرة (محلية، برلمانية، رئاسية) في قفزة استثنائية على مستوى المنطقة لبلد لم يهنأ بالاستقرار لعقد كامل، حظيت باشادات دولية. ودولياً، دخل اليمن في اتفاقات دولية عديدة اقتصادية وحقوقية وإنسانية، وكان شريكاً فاعلاً على مستوى المنطقة والعالم في مواجهات الإرهاب، في البر والبحر.
هذا التطور، والاستقلال في القرار، لم يرق للقوى الدولية الطامعة في الموقع الاستراتيجي اليمن الواقع على أهم مضيق عالمي (باب المندب) ويمتلك اطول شريط ساحلي على البحرين الأحمر والعربي، خصوصاً من الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية إيران الإسلامية. الأولى خططت للانقلاب على النظام منذ منتصف العقد الأول للقرن الحالي، واستغلت فوضى ربيع 2011 لتنفيذه، بتعاون أدواتها الاستخباراتية في البلاد من القيادات السياسية والقبلية، وشاركتها في ذلك الأخيرة التي تحمل المشروع التوسعي الشيعي، واستعانت باداوتها (مليشيا الحوثي)، وانقضّت أكثر على النظام في انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول 2014، انتقاما لاسلافها الكهنوتيين من ثورة 26 سبتمبر 1962.
غرقت البلاد في صراع حاملي المشاريع الخارجية، وصُودرت السيادة والقرار الوطني، والحقوق والحريات، وأُلغيت الأحزاب والانتخابات، وأصبحت إدانة ضد أصحابها او من يُطالب بها، وأُغلقت مقار القنوات الفضائية والإذاعات ومطابع الصحف والمجلات، وتحوّل الوطن إلى كنتونات ومليشيا، ومزّق النسيج الاجتماعي، وساد الفساد والظلم والجور في البر والبحر، ودخل اليمن تحت البند السابع بقرار من مجلس الأمن الدولي، في تدحرج واضح إلى حقبة ما قبل ثورة سبتمبر 1962.
لأكثر من عقد والشعب والبلاد يرزحان تحت هذا العبء، سيما والقوى الدولية المتصارعة ربطت مصير هذا البلد ذي التاريخ والموقع الاستراتيجي العالمي، بها. إلا أن إرادة الشعوب الحرة لا تستكين، وحتماً ستنتصر لتضحياتها ولو بعد حين.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: النظام الجمهوری أکثر من
إقرأ أيضاً:
لقاءات قبلية في ذمار إعلاناً للنفير والجهوزية لمواجهة العدوان على اليمن
يمانيون/ ذمار عقدت في مديريات، جبل الشرق، وجهران، وعتمة، وضوران، بمحافظة ذمار، اليوم، لقاءات قبلية موسعة إعلاناً للنفير العام لمواجهة تصعيد العدو الأمريكي والصهيوني.وندد المشاركون في اللقاءات، بجرائم العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، والتصعيد الأمريكي ضد اليمن واستهدافه المنشآت والأعيان المدنية، مؤكدين ثبات الموقف اليمني في نصرة غزة والقضية الفلسطينية مهما بلغت التضحيات.
وجددوا العهد على مواصلة السير في درب الشهداء، والاستعداد للمشاركة في ميادين الدفاع عن الوطن، وانتصاراً لفلسطين، حتى يتحقق النصر..مشيدين بعمليات القوات المسلحة ضد العدو الصهيوني والبوارج الامريكية.
كما جددوا، التفويض لقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في اتخاذ الخيارات والقرارات المناسبة لإسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في غزة والدفاع عن الوطن.
وأشارت بيانات عن اللقاءات، إلى استمرار التعبئة العامة والالتحاق بالدورات العسكرية المفتوحة والتأهيل والتدريب في إطار معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”.
ولفتت إلى أن العدوان الأمريكي لن يثني الشعب اليمني عن دعم ومساندة الشعب الفلسطيني ونصرة قضيته العادلة، ومظلومية غزة التي تعد جريمة العصر.
ودعت، قبائل اليمن لإعلان النفير والجاهزية لمواجهة أعداء الأمة الذين يرتكبون أبشع الجرائم بحق الشعوب الحرة، في ظل صمت المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة.
وأكدت البيانات أنَّ القبيلة اليمنية ستظل الصخرة التي تتحطم أمامها كل مخططات الأعداء، وتمتلك من المهارات القتالية والعُدّة والعتاد، ما يُمكنها من خوض جولات الصراع مع العدو الصهيوني والأمريكي، والتصدى لكل المحاولات الرامية إلى ثني اليمن عن موقفه المُساند للشعب الفلسطيني .
وحثت القوات المسلحة على المزيد من الضربات الموجعة ضد الأهداف الصهيوني والبوارج الامريكية وعلى مواكبة مسار التعبئة العامة لمواجهة التصعيد بالتصعيد ، والالتحاق بدورات التدريب العسكرية، والخروج في الساحات والمسيرات، والمُقاطعة الإقتصادية للأعداء، والدفع بالأجيال للمدارس الصيفية، لتنمية قدراتهم ومهاراتهم علميا وثقافيا وبدنيا، وتحصينهم من الحرب الناعمة.
وحملت المجتمع الدولي مسؤولية تمادي العدوان الأمريكي في ارتكاب الجرائم في اليمن، وكذا استمرار العدو الصهيوني في ارتكاب المجازر الوحشية في قطاع غزة.. داعية أحرار العالم للوقوف في وجه الغطرسة الصهيوامريكية و الانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في مواجهة الاحتلال وإقامة دولته على كامل ترابه الوطني.